حافظي على صحة أذنيك
إفرازات المادة الشمعية، التقدم في العمر، الموسيقى العالية، مياه حوض السباحة... كلها أمور تؤثّر سلباً في صحة الأذنين وتركيبتهما البيولوجيّة المعقّدة... فما هي المشاكل السمعيّة التي يمكن أن تواجهك، وكيف تحافظير على صحّة أذنيك؟
تعتبر الأذن حساسة جداً للاعتداءات نظراً إلى تعقيد تكوينها البيولوجي. فلكي نستطيع السمع بشكل جيد، تتألف الأذن من مجموعة منوعة من العظام والعضلات والأعصاب، التي تمتد تشعباتها إلى الجمجمة والعنق.
ويمكن لأدنى نشاز أن يفضي إلى مشكلات سمعية. إلا أن التقدّم الحاصل في طب الأذن والأنف والحنجرة يتيح للأطباء معالجة مشكلات الأذن بفاعلية وتفادي العواقب الوخيمة.
اضطراب في السمع
يبدأ التدهور في السمع، أو «شيخوخة السمع»، في سن 30 عاماً تقريباً، لكن الانخفاض الحقيقي في السمع لا يحصل قبل الستين إلا في حال الاستماع بشكل دائم إلى الموسيقى العالية. ما يؤدي إلى اضطرابات في السمع في سن مبكرة.
وتشمل أعراض اضطراب السمع الصعوبة في تمييز الأصوات في الضوضاء أو بين مجموعة من المتحدثين، مع ميل إلى رفع مستوى صوت الراديو والتلفزيون.
لمعالجة هذه المشكلة، لا بد من إجراء تخطيط للسمع لتشخيص المشكلة كما يجب. وينطوي العلاج على استعمال أجهزة سمعية، علماً أن هذه الأجهزة باتت صغيرة جداً بفضل التكنولوجيا الحديثة ولم تعد تسبّب الإحراج لحاملها مثلما كان يحصل في السابق.
صحيح أن استعمال الأجهزة هذه لا يجعل السمع طبيعياً مئة في المئة، لكن التكنولوجيا الحالية تتيح استقبال الصوت بشكل أفضل بحيث ينجح الدماغ في فهم الكلام والأصوات.
تجدر الإشارة إلى أن كلفة الجهاز تختلف حسب نوعه ومدى تطوره، لكن مهما كانت تلك الكلفة عالية، فإنه يبقى أساسياً لاسترداد السمع.
التهابات متكررة في الأذن
التهابات الأذن أقل شيوعاً عند الكبار مما هي عند الصغار، لكنها تطال الأشخاص الذين يسبحون في أحواض السباحة والذين هم عرضة إجمالاً لالتهابات الأذن والحنجرة لأن الجراثيم تنتقل أيضاً إلى الأذن.
في التهاب الأذن، يكون الألم حاداً ومصحوباً أحياناً بأوجاع في الرأس، وحتى بارتفاع في حرارة الجسم، وهذا دليل على التهاب القناة السمعية الخارجية أو الأذن الوسطى، أو التهاب آخر.
لكن إذا ترافق الألم مع ارتفاع كبير في حرارة الجسم، ودوار، وانخفاض في القدرة السمعية، وارتجاف، عدم توازن، يجب التوجه فوراً إلى قسم الطوارئ في المستشفى أو الاتصال بالطبيب.
في حال تكرار التهابات الأذن، يجب استعمال سدادات الأذنين أثناء السباحة لحمايتهما من الماء، أو وضع عصابة من السيليكون تحول دون دخول الماء إلى الأذنين. وفي الصيف كما في الشتاء، لا بد من تجفيف داخل الأذن جيداً بعد الاستحمام.
طنين وصفير
يشكو بعض الأشخاص من سماع صفير في آذانهم. وساد الاعتقاد في ما مضى أن ذلك الصفير هو أحد الأعراض الناجمة عن التقدم في العمر، لكن التطورات الطبية اليوم تشير إلى غير ذلك.
فعند سماع طنين أو صفير أو هسيس مستمر، لا يبرره أي عنصر سمعي خارجي (جهاز، محرّك....)، تكون هناك مشكلة في الأذن. والواقع أنه يوجد نوعان من هذه المشكلة السمعية.
النوع الأول، نادر، يسمع فيه الآخرون أيضاً صوت الطنين أو الصفير، ويتطابق ذلك مع صوت عضوي، له أصل وعائي أو عضلي.
فالمطرقة (الأذن الباطنية) والعُظيمة في الأذن تحتويان على عضلات، وعندما تضغط هذه العضلات على العظام الصغيرة، فإنها تضغط أيضاً على طبلة الأذن، مما قد يولّد صوت طقطقة.
إلا أن أغلبية أصوات الصفير والطنين لا يسمعها إلا المريض نفسه، وتكون ناجمة عن آفة في القنوات السمعية: التهاب مزمن في الأذن، التهابات فيروسية أو جرثومية، سدادة من المادة الشمعية، صدمة (تبدّل مفاجئ في الضغط الجوي، سماع موسيقى عالية جداً...).
في هذه الحالة، لا بد من استشارة الطبيب الاختصاصي الذي يجري تخطيطاً للسمع بعد فحص طبلة الأذن. إذا كانت المشكلة ناجمة عن رضّة أو صدمة حديثة، يوصف مضاد للالتهاب بالترافق مع دواء آخر خاص بالأذن الداخلية.
وإذا كان الطنين أو الصفير مزمناً، تبرز الحاجة إلى علاج صوتي، ينطوي على استعمال أجهزة سمعية بالإضافة إلى علاج سلوكي وإدراكي مترافق مع الاسترخاء. الهدف من ذلك تخفيف التوتر الناجم عن سماع صوت الطنين، لأن هذا التوتر يرفع مستوى الطنين الصوتي.
سدادة مادة شمعية
المادة الشمعية ليست وسخة، لا بل على العكس هي مادة مفيدة. إنها مادة تفرزها غدد القنوات السمعية، وتهدف إلى حماية تلك القنوات وتخليصها من الرواسب الغريبة.
إلا أن بعض القنوات السمعية تفرز كمية كبيرة من المادة الشمعية، وبدل أن تخرج تلك المادة بصورة تلقائية نحو الخارج، تركد داخل الأذن.
في هذه الحالة، نشعر بضغط مزعج يمكن أن يصل إلى تضاؤل السمع أو توليد طنين. وفي الإجمال، يزداد الإحساس بهذا الانزعاج بعد الاستحمام لأن السدادة تنتفخ نتيجة الرطوبة.
يحتمل أيضاً أن يبقى الماء، الذي دخل إلى الأذن أثناء الاستحمام، عالقاً وراء السدادة مما يسدّ الأذن بالكامل إلى حين جفاف الماء.
إذا كانت سدادة المادة الشمعية حديثة، يمكن رشّ رذاذ خاص بالأذن (متوافر في الصيدليات)، يشتمل على مكونات تفتت قشور السدادة. واعلمي أن الرذاذ المشتمل فقط على ماء مملح ليس كافياً لتفتيت المادة الشمعية. لكن عليك الامتناع عن استعمال هذه الأنواع من الرذاذ في حال وجود ثقب في طبلة الأذن.
كما ينصح الأطباء بالامتناع عن استعمال العيدان المزودة بكرات قطنية لتنظيف الأذن بشكل يومي، لأن هذا قد يدفع سدادة المادة الشمعية إلى عمق قناة الأذن. يمكن تنظيف حافة القناة السمعية بواسطة كرة قطنية صغيرة رطبة من دون الدخول إلى قلب القناة.
وإذا كانت السدادة قاسية، لا بد من زيارة الطبيب الاختصاصي الذي يملك أجهزة ومعدات خاصة لغسل القناة السمعية برفق واستخراج سدادة المادة الشمعية من دون جرح طبلة الأذن.
فرط حساسية السمع
تصبح الأصوات العادية (مثل صوت محرك الدراجة النارية أو الصوت في صالة السينما...) مؤلمة وغير مقبولة بالنسبة إلى الشخص الذي يعاني فرط حساسية السمع لأن القدرة على تحمل الأصوات انخفضت إلى حدها الأدنى، ويصعب في أغلب الأحيان تحديد السبب الكامن وراء ذلك.
ثمة حلول لهذه المشكلة. يعمد بعض الأشخاص إلى حماية الأذنين عبر استعمال السدادات الواقية بشكل دائم. لكن هذا خطأ فادح لأن الشخص يولّد حينها حساسية مفرطة لكل الأصوات العادية وينعزل شيئاً فشيئاً عن الحياة الاجتماعية.
لتفادي هذا الفرط في ردة فعل الجهاز السمعي، يجب على العكس تعريض الأذنين شيئاً فشيئاً لأصوات يمكن التحكم في قوتها، كما الأصوات في المنزل مثلاً.
التهاب الأذن شرٌّ لا بدّ منه والوقاية ممكنة
الأسباب
يحدث التهاب الأذن غالباً عقب نوبة الزكام أو الحساسية، التي تسبب تورم الأنف والقناة السمعية. وحين تنتفخ هذه القناة، تعجز الجراثيم القابعة فيها عن النزح، مما يؤدي إلى تكاثرها وبالتالي إحداث الالتهاب.
يتجلّى التهاب الأذن في حرارة مرتفعة، وتصريف، وتهيّج وألم في الأذن. يفحص الطبيب الأذن بواسطة مكشاف الأذن otoscope، ويتحقق من حركة الطبلة بنفخ الهواء داخل الأذن. فإذا كانت الطبلة حمراء أو ملتهبة أو منتفخة، ولا تتحرك، يعني ذلك أن الأذن ملتهبة.
واللافت أن بعض الأطفال يصابون بالتهابات الأذن أكثر من غيرهم. ويعزى ذلك إلى العامل الوراثي، لأن التعرض للالتهاب قد ينتقل في العائلات. لكن المسؤول الأبرز يبقى الحضانة النهارية.
فالأطفال الموجودون في دور الحضانة هم أكثر عرضة لالتهابات القسم العلوي من الجهاز التنفسي التي تسبب التهابات الأذن، لأنهم يعطسون ويسعلون قرب بعضهم وينقلون بالتالي الجراثيم بعضهم الى بعض.
كما تعزى التهابات الأذن إلى التدخين السلبي وإرضاع الطفل فيما هو مستلقٍ بحيث يتقطّر الحليب في القناة السمعية ويهيّجها. تجدر الإشارة إلى أن الأولاد المصابين بالحساسية هم الأكثر عرضة لالتهابات الأذن.
الوقاية
في النهاية، لست بحاجة إلى ترسانة من المضادات الحيوية أو أسطول من أطباء الأطفال لحماية ولدك من التهابات الأذن. في الواقع، يمكن بعض الإجراءات الوقائية أن تبقي ولدك بمنأى عن هذه المشكلة.
- أبعدي أولاً طفلك عن الأطفال المرضى. صحيح أن التهابات الأذن ليست معدية، لكنها تنجم عن الزكام المُعدي.
- حاولي أيضاً تسجيل ولدك في دار حضانة صغيرة للتخفيف من عدد الأطفال في المجموعة. فكلما كان عدد الأطفال أقل، تضاءل احتمال انتقال الجراثيم من طفل إلى آخر.
- لا تنسي أهمية حماية الطفل من التدخين السلبي لأن دخان السيجارة يهيّج القناة السمعية ويؤدي إلى تورمها.
- تذكري أخيراً أهمية إرضاع الطفل. فقد كشفت الدراسات أن الأطفال الذين رضعوا الحليب المجفف خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم تعرضوا إلى التهابات الأذن 70 في المئة أكثر من الأطفال الذين حظوا بالرضاعة الطبيعية. في الواقع، يحتوي حليب الثدي على أجسام مضادة واقية تساعد على محاربة المرض.
- إذا أجبرت فعلاً على تقديم الحليب المجفف الى طفلك، احرصي على جعل الرضاعة في وضعية شبه منتصبة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024