طفلي مرهف الحس... رهافة الحس صفة جميلة ولكن...
تسهُل إغاظة طفلك، يذرف دمعته بسرعة ويشعر بالضيق والألم عند أقل مشكلة يواجهها، مرهف الإحساس أمام المواقف مهما كانت؟ يظهر بعض الأطفال حسًا مرهفًا وغير منطقي أحيانًا.
هذه الحساسية المفرطة يمكن أن تكون مؤلمة بالنسبة إلى الأم والطفل معًا. ولكن يمكن الأم مساعدة طفلها أو طفلتها المفرطة الإحساس حين تعرف أسباب ذلك.
ماذا يعني الحس المرهف؟
لا يعتبر الحس المرهف مؤشرًا لاضطراب نفسي، وإنما هو مجرد سمة شخصية. فهو وسيلة للتعبير عن الكينونة، ولإدراك العالم، وطريقة للتفاعل مع المواقف، ومنهج في التفكير والحب. الحس المرهف هو في الواقع صفة تؤثر في مختلف جوانب حياة الفرد، وفي وظائفه الفيزيولوجية مثل ردود فعله تجاه الضوضاء أو الألم، والعواطف، والعلاقات مع الآخرين، والذكاء.
ما هي صفات الطفل المرهف الإحساس بشكل مفرط؟
الطفل الحساس يفسّر محيطه ويتفاعل معه بشكل مفرط ويكون رد فعله لا يتناسب مع الموقف الذي يواجهه. يلاحظ الأهل والأشخاص المحيطون بالطفل المرهف الحس ردود فعله هذه، والتي تظهر بأشكال متعدّدة تبعًا لشخصيته.
هناك طفل قلق بطبعه وحسّاس جدًا فيشعر بالمرض العضوي بسبب قلقه، وطفل حسّاس تعبيري تخرج عواطفه عن نطاق السيطرة، وهناك الحسّاس التفاعلي الذي لا يهدأ والمتهوّر، والحسّاس الذي يميل إلى تعظيم الأمور ويختلق قصصًا درامية.
كما أن الطفل الذي يحاجج طوال الوقت، أو على العكس الطفل الخجول جدًا، كلاهما يخفي إحساسًا مرهفًا مبالغًا فيه.
ما هو مصدر رهافة الإحساس المفرطة؟
الوراثة، وظروف الحمل والولادة، والعلاقة مع الآباء والأمهات والبيئة الأسرية، والأحداث التي طرأت على حياة الطفل، وما إلى ذلك... وربما هناك استعداد لدى بعض الأطفال منذ الولادة، ليكونوا مرهفي الحس بإفراط. وهذا ينطبق تمامًا على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأحيانًا يكون تطوّر الذكاء العاطفي عند الطفل طبيعيًا، ولكن بعد حدوث وفاة في الأسرة، أو الانتقال من بيت إلى آخر، أو قدوم مولود جديد، أو طلاق الوالدين، وما إلى ذلك... يزداد لديه الإحساس المرهف بشكل ملحوظ ويصبح مفرطًا.
أليس هناك مجازفة في إلصاق صفة «مرهف الإحساس» بالطفل العاطفي؟
في الواقع، المجازفة في أن تصبح «رهافة الحس» نعتًا نطلقه بعبثية على أطفال كثر، مثلما تميل غالبية الأهل الى نعت طفل كثير الحركة بأنه مفرط النشاط.
والحقيقة هي أن رهافة الحس المفرطة يمكن علاجها مثلما يُعالج طفل مفرط الحركة، لأنها تبدأ بشكل طبيعي. ومع ذلك، من المهم أن نتحدث عنها، فهذا يسمح بوصف بعض السلوكيات غير المستقرة بالنسبة إلى الآباء والأمهات.
والتعرّف إلى شخصية الطفل على أساس أنه مرهف الحس بشكل مبالغ فيه، هو الخطوة الأولى في مساعدته.
هل تؤلم رهافة الحس المفرطة الطفل؟
على الرغم من أنه ليس اضطرابًا نفسيًا، يمكن أن يولّد فرط الإحساس شعورًا بالألم، ويؤدي الى صعوبات في التكيف مع العالم المحيط بالطفل.
هناك أولاً المعاناة الأولى، والأطفال شديدو الحساسية يشعرون في بعض المواقف بالصخب، وكأنه اعتداء عليهم. على سبيل المثال، إذا كان أحد الوالدين يتكلم مع ابنه أو ابنته بصوت مرتفع قليلاً، وإذا كان الطفل مرهف الإحساس فسيفسر هذه النبرة بأنها اعتداء لفظي عليه.
ثم هناك المعاناة الناتجة من صعوبة «العيش معًا». مثلاً عندما يتفاعل الطفل بطريقة لا تتناسب مع الموقف الذي يواجهه، فتكون سريعة وقوية، فهذا يجعل علاقاته في المدرسة ولعبه مع أقرانه في غاية الصعوبة.
كما قد يواجه الطفل المرهف الحس صعوبة في التكيف الاجتماعي العاطفي، مما قد يؤدي الى انطوائه على ذاته وانعزاله عن الآخرين، أو يصبح كبش الفداء في الصف.
أما في ما يتعلق بالذكاء، فعلى الرغم من أنه غالبًا ما يكون طفلاً لامعًا ولديه أفكار رقيقة وراقية، يبقى من الضروري أن يكون قادرًا على تنفيذ ما يفكر فيه بالفعل، وإلا فإن رهافة حسه تجعله يصاب بخيبة أمل.
فالطفل الحساس لا يتحمل فكرة أنه أخفق في تمرين أو وظيفة مدرسية أو حل معادلة رياضية، مما قد يؤدي إلى شعوره بالعجز ورفضه إنجاز عمله مرة أخرى.
كيف يمكن مساعدة الطفل الحساس؟
من الضروري أن يلاحظ الأهل رهافة الحس المفرطة التي يتميز بها ابنهم، وكشف هيمنتها عليه هو خطوة أولى ومهمة. وبعد ذلك كل التفاصيل تعتمد على الوالدين، وما إذا كان أحدهما مرهف الحسّ أم لا... ولكل حالة مزايا وعيوب.
الوالدة المرهفة الحسّ يمكن أن تساعد الطفل من خلال حضورها معه، على سبيل المثال مرافقته فيما يكون دور الأب تكامليًا، أي التخفيف من وطأة الحس المرهف.
في كل الأحوال، على الوالدين أن يشرحا للطفل أن طريقته في التفكير والتفاعل ليست مناسبة، ومن ثم يحاولا تحديد الحدث الطارئ الذي يؤدي الى رهافة الحس المفرطة.
تؤكد الدراسات أن واحدًا من كل خمسة أطفال يولد مرهف الإحساس، حتى وإن كانت رهافة الإحساس صفة جميلة فمن المهم مساعدة الطفل في التغلب على مشاعره.
وفي ما يلي 10 نصائح من اختصاصيي علم نفس الطفل
· منح الطفل المرهف الحس الكثير من العاطفة. فغالبًا ما تنتاب هذا الطفل مخاوف من عدم أن يكون محبوبًا من والديه وأنهما سوف يتخلّيان عنه. ربما يحاول هذا الطفل الحصول على اهتمامهما من دون وعي. لذلك فهو يحتاج أكثر من الأطفال الآخرين إلى الشعور بالأمان والحب.
· احترام خوف الطفل. لذا من الضروري طمأنته لفترة وجيزة وبهدوء. على الوالدين احترام مشاعره وتجنب الإفراط في مواساته، أو المبالغة في حمايته، فهذا التصرف قد يبعث له برسالة أنه محق في مخاوفه. كذلك تشجيعه على المجازفة والثناء عليه إذا نجح، مثلاً إذا أراد القفز في حوض السباحة، يمكن الأهل تشجيعه ومدحه إذا لم يؤذ نفسه. أما إذا تعثر فيمكن تشجيعه على المحاولة مرة أخرى. وفي المقابل، على الأهل أن يحرصوا على إخفاء مخاوفهم الخاصة.
· عدم تعظيم الأمور وتحويل أصغر مشكلة إلى دراما. مثلاً إذا عاد الطفل إلى البيت، وهو يشعر بالتوتر أو الحزن الشديد لأن المعلمة أنّبته، على الأم في هذه الحالة أن تسأله عمّا حدث بالضبط، وما شعر به، وجعله يفهم على سبيل المثال أنه ليس لأنها أنّبته فهي لم تعد تحبّه، وإنما التأنيب أو إنزعاج المعلمة هو بسبب تصرف بدر منه، ولا يتعلق بشخصيته.
· تسجيله في نشاط مسرحي. فالعديد من الأطفال المرهفي الحس يشعرون على نحو أفضل بعد مشاركتهم في عرض مسرحي، لأنهم على المسرح يمكنهم التعبير عن مشاعرهم من خلال تجسيد أدوار أشخاص آخرين. فالمسرح يسهّل عليهم تبادل المشاعر والتحدّث مع الآخرين.
· تشجيع الطفل على الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية. مثلاً اصطحابه إلى عرض أوبرا وسيلة جيدة للإفراج عن أحاسيسه المرهفة. في المنزل، يمكن الأم الشروع في تعريفه إلى الأوبرا، موضحة ما تشعر به أثناء مشاهدتها عرض أوبرا.
· تربية حيوان أليف في المنزل. ويتفق كثير من الأطباء النفسانيين على أن تربية حيوان أليف غالبًا ما تكون حلاً جيدًا للطفل المرهف الحس. فهو سوف يكون له دور، ومسؤولية تجاه الحيوان، لذا فإنه سيضطر الى تعلم كيفية التغلب على مخاوفه الخاصة.
· أن يكون الوالدان متسامحين ومتفهمين لمشاعر طفلهم المرهف الإحساس. إذ ليس من المفيد الحكم المسبق أو إلقاء اللوم عليه والقول له إنه هش جدًا. عليهما أن يتذكّرا دائمًا أن طفلهما لا يملك السيطرة على عواطفه. ولومه أو الحكم عليه قد يثير شعورًا بالظلم لديه.
· مراقبة برامج التلفزيون التي يشاهدها. ففي كثير من الأحيان يكون الطفل المرهف الأحساس متلقيًا أكثر من غيره لصور العنف على شاشة التلفزيون، لذا من المهم رصد البرامج التي يشاهدها لتجنب الصدمات المحتملة، أو الكوابيس المتكررة...
· أن يكون الأهل إيجابيين. ويكون ذلك بإعلام طفلهم المرهف الحس، أن الأحاسيس المرهفة ميزة جميلة. فوراء هذه الحساسية تكمن ميول أخرى إلى الفنون والآداب، ويمكن أن يصبح فنانًا، ولكن أيضًا طبيبًا أو مهندسًا معماريًا... لأن لديه القدرة على وضع نفسه في مكان الآخرين.
· استشارة اختصاصي علم نفس أطفال. في بعض الأحيان يكفي عدد قليل من الجلسات لمساعدة الطفل المرهف الإحساس. فالاختصاصي يكون أكثر كفاءة، وقبل كل شيء يكون أكثر صبرًا للاستماع إلى الطفل. وقد يشعر الطفل أيضًا بحرية أكبر في الحديث عما يخالجه من مشاعر.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024