السفيرة مرفت التلاوي رئيس منظمة المرأة العربية: المرأة تدفع الثمن الأكبر في الحروب والنزوح
ما بين الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية، والمناداة بالحصول على تمكين اقتصادي ومحاولات المشاركة السياسية، تخوض المرأة العربية العديد من المعارك يومياً في شتى البلدان العربية، لعلها تحصل على حقوقها أو تحافظ على حقوق مكتسبة ضاعت في المراحل الانتقالية في دول الربيع العربي.
«لها» حاورت السفيرة مرفت التلاوي، رئيس منظمة المرأة العربية، التي كشفت عن تحديات كبرى تواجه النساء العربيات يومياً، على المستوى الإنساني للاجئات والنازحات، وعلى مستوى التمكين الاقتصادي والسياسي، وتحديات نظرة صناع القرار للمرأة في خططهم للتنمية المستدامة.
- ما هي أهم القضايا التي تهتم بها منظمة المرأة العربية حالياً؟
نعمل في الوقت الحالي على مشروعات تتواكب مع ظروف الدول العربية، التي وضعت المرأة في حالة الحروب والنزاعات، وما يحدث لها نتيجة انهيار الأمن في هذه الدول، فعدد كبير من النساء أصبحن لاجئات، وبناء عليه زارت منظمة المرأة العربية اللاجئين في أربع دول لتتعرف على مشاكل اللاجئات والاحتياجات الضرورية لأسرهن، مثل الخدمات الطبية والتعليمية، لأن نسبة كبيرة من أبناء اللاجئات لا يتلقون خدمة التعليم، كذلك هنّ في حاجة إلى مساعدات قانونية لأنهن غادرن بلادهن من دون أن تكون معهن أوراق ثبوتية. وتهتم منظمة المرأة العربية أيضاً بوضع المرأة النازحة الموجودة في بلادها، لكن تم تهجيرها من منزلها بسبب الحرب. أما القضية الثانية، فهي تمكين المرأة عملياً، حيث أننا نريد أن نثبت لأصحاب القرارات في الدول العربية أن المرأة موجودة في الـ17 هدفاً للتنمية المستدامة، التي تضعها الأمم المتحدة ضمن أجندتها، لذا يجب أن يضعوا المرأة نصب أعينهم عند وضع خطط التنمية المستدامة، التي تندرج أسفلها الرعاية الصحية والتمكين الاقتصادي والتعليم وغيرها، فربما تكون فرصة جيدة لإصلاح العقلية الذكورية لصناع القرار عند وضع خطط التنمية.
- ما هي النتائج المترتبة على إقصاء المرأة العربية من التنمية المستدامة؟
لكون المرأة بعيدة عن مراكز صنع القرار في الوطن العربي، فصناع القرارات يتمتعون بعقلية ذكورية، لا يتفهمون احتياجات المرأة في التنمية المستدامة، وبالتالي نجدها في بعض الدول العربية، مثل مصر واليمن ولبييا والسعودية، بعيدة عن الاقتصاد الرسمي للدولة، فما يحدث هو استثناء حساب قوى المرأة الاقتصادية من الأعمال البسيطة، مثل الفلاحة التي تعمل في الحقل والمنزل من المشرق حتى المغيب، وكذلك عاملات المنازل أو بائعات الخضروات ورائدات المشروعات الصغيرة، بخاصة المقامة من المنزل وعلى الإنترنت، فعلى سبيل المثال دولة مثل مصر تؤكد أن المرأة تمثل 22 في المئة من القوى العاملة، لكن الحقيقة أنها تتخطى الستين في المئة من الاقتصاد غير الرسمي، وهو أقوى من الاقتصاد الرسمي. وفي حالة الكوارث، وهي أحد محاور التنمية المستدامة، المرأة مستثناة من حسبان صناع القرار، ولا يقدمون إليها نصائح من منظور نوعي، ففي حالة الزلازل والكوارث الطبيعية تموت المرأة بنسبة أكبر من الرجل 14 مرة، والسبب أن من يعطي تدريباً أو يوجه توعية لا يضع في حسبانه المرأة التي تجري على أولادها أولاً لتنقذهم، ولا يخبرونها بضرورة التصرفات السريعة أو التوعية بالسلامة والأمان للحوادث المنزلية، مثل الحرائق، لذا نجد المرأة إما منتجة بكثافة من دون اعتراف، أو ضحية في مجال التنمية من دون أن يلتفت أحد، فمثلاً عدد النساء والأطفال الغارقين في الهجرة غير الشرعية أكبر من الرجال، لأنهم لا يجيدون السباحة، فالمرأة تدفع الثمن الأكبر في الحروب والنزوح، وفي ما يخص أهداف التنمية المستدامة من التمكين الاقتصادي، سنجد صناع القرار عندما يخططون يستثنون البسطاء من دون وعي، وتؤكد الدراسات أن ثمة ملياراً ومئتي مليون سيدة في العالم لا يملكن حسابات مصرفية، على رغم كونهن منتجات أو ذوات ذمة اقتصادية منفصلة، وهذا الأمر ينطبق على البسطاء في القرى والنجوع، إذ إن المؤسسات بنيت في نظام اقتصادي غربي ظروف معيشتها مختلفة عنا، لذا تهدف منظمة المرأة العربية إلى أن يكون إقراض البنك والتكنولوجيا ميسّرين للبسطاء أيضاً، فعندما كنتُ أشغل منصب وزيرة التأمينات الاجتماعية في مصر، أصدرت بطاقة ذكية لصرف المعاشات، بدلاً من انتظار كبار السن في طوابير كثيفة لصرف المعاشات، وكان التحايل على أن يكون البعض لا يجيد القراءة والكتابة هو أن تكون كلمة السر بالبصمة، وبناء عليه إن لم يدرج البسطاء في التكنولوجيا يتم استبعادهم في جزء كبير من التنمية، لذا يجب أن تغير المؤسسات اعتباراتها في التخطيط، وتضع في حسبانها المرأة.
- إذا عدنا إلى قضية اللاجئات، ما هي أهم العقبات التي قابلتكم أثناء تفقّد أوضاعهنّ ومساعدتهنّ؟ وما هي توصياتكم للدول المستضيفة لهنّ؟
المشكلة الكبيرة هي عدم وجود الأوراق الثبوتية للاجئين، وبالتالي لا يستطيعون تسجيل أطفالهم المولودين خارج أوطانهم الأصلية، بخاصة أن الأسر غالبيتها مشتتة، كما هي حال السوريين، فقد تكون الأسرة لاجئة في دولة وعائلها ما زال مقيماً في سورية، لا يستطيع اللحاق بأسرته، بخاصة أن بعض الدول ترفض الرجال القادمين من سورية خوفاً من أن يكونوا إرهابيين أعضاء في تنظيم «داعش»، فتحولت إلى مشكلة بين أمن الدولة والحالة الإنسانية للمّ شمل الأسرة. ثانياً، هناك جيل من الأطفال لم يلتحق بالتعليم وتسرب منه، على رغم أن ثمة دولاً اضطرت لأن تخصص دواماً مسائياً في المدارس للاجئين بسبب كثافة أعدادهم، وهناك دول لم تستطع أن تفعل ذلك بسبب حالتها الاقتصادية، فربع سكان لبنان تقريباً لاجئون سوريون، والدولة اقتصادها غير مؤهل للتعامل مع هذه الكثافة السكانية، والحقيقة أنه لا يوجد اهتمام دولي كبير بالإنسان، فالعالم الخارجي لم يهتم بالإنسان، بل اهتم بتحالف دولي لضرب «داعش»، و80 في المئة من اللاجئين والنازحين نساء وأطفال، حتى بدأوا يلجأون إلى أوروبا، وبدأ العالم يتحيز إلى الجانب الإنساني بعض الشيء. ونحن في منظمة المرأة العربية قدمنا فيلماً وثائقياً عن حال اللاجئات، وقدمنا بياناً إلى الأمم المتحدة تحت عنوان «أوقفوا الحرب في سوريا»، فلا بحر يكفيهم ولا أوروبا تستوعبهم، ويجب أن يعودوا إلى بلادهم، كما أن هناك دولاً عربية مثل الكويت أقامت ثلاثة مؤتمرات لجمع تبرعات للاجئين والنازحين، لكن البيروقراطية الدولية أعاقت وصول الدعم إلى اللاجئين.
- احتفلت منظمة المرأة العربية أخيراً، بإطلاق النسخة الإنكليزية من كتاب «المرأة في المنظور الإسلامي: بعض القضايا»، فهل ذلك بسبب تصحيح صورة المرأة المسلمة في الغرب، خصوصاً بعد حوادث قتل المسلمات الأخيرة؟
الغرب في حاجة إلى تصحيح مفاهيم كثيرة عن الإسلام والمسلمين، بخاصة بعد ظهور الدواعش وفتاواهم المغلوطة، لكن النية كانت لديَّ في ترجمة ذلك الكتاب، الذي ألفه علماء أزهريون منذ الثمانينات، حيث كنت أشغل منصب وزيرة التأمينات الاجتماعية في مصر، وكنت منتدبة كعضو تحكيم في لجنة الأمم المتحدة عن اتفاقية السيداو، وكان عددنا 23 خبيراً، دورنا النظر في تقارير الدول الواردة إن كانت مطابقة لاتفاقية السيداو للممارسات الدولية، فوجدت بالصدفة ثلاث دول إسلامية تقول في تقاريرها كلاماً خاطئاً عن الإسلام، فمثلاً قدمت بنغلادش في تقريرها الرسمي المرسل من الحكومة إلى الأمم المتحدة، أنه من العادات السيئة لديهم ضرب وجه المرأة بماء النار طبقاً للشريعة الإسلامية، بينما قالت نيجيريا إن المرأة عندما يموت زوجها تتحول إلى جزء من ممتلكات الأخ طبقاً للشريعة الإسلامية، فجن جنوني بصفتي المسلمة الوحيدة من بين 23 خبيراً، وكنت أواجه مندوب الدولة بأن تقريره يحمل تحاملاً وافتراء على الإسلام، يومها قلت إنه يجب أن يصدر الأزهر كتاباً لحقوق المرأة في الإسلام، ليكون الدليل الإرشادي الذي تستعين به المنظمات الدولية الغربية، وعندما عدت من نيويورك توجهت إلى شيخ الأزهر وشرحت له الأمر، وبالفعل خصص ستة علماء أزهريين بالتعاون مع حقوقية عضو برلمانية حينها قمت بترشيحها، وصدر الكتاب، لكني تركت الوزارة قبل أن تتم ترجمته. إلا أنه في المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية وجدنا ضرورة ترجمة هذا الكتاب من جديد بالتعاون مع الأزهر الشريف، وأعلنا عنه في رمضان السابق، ولاقى حفاوة من السفارات العربية والغربية، وكذلك المجلس القومي للمرأة المصرية وجميع الهيئات المعنية بحقوق المرأة، وتعهدوا جميعاً بتوزيعه للجهات الأجنبية المعنية بحقوق المرأة. الجدير بالذكر، أن كتاب «المرأة في المنظور الإسلامي: بعض القضايا» يناقش المفاهيم المغلوطة لدى الغرب عن وضع المرأة في الإسلام، فمثلاً يعتبرون أن القاعدة الفقهية «للذكر مثل حظ الأنثيين» تمييزاً في الميراث، فيوضح الكتاب حالات الميراث المختلفة التي ترث فيها المرأة بالتساوي، وتلك التي ترث فيها ولا يرث الرجل، وغيرها من القضايا الفقهية المثيرة للجدل الغربي.
- بحكم كونك مستشاراً سابقاً في تحكيم اتفاقية «السيداو»، إلى أي مدى ترين أن الدول العربية تطبق اتفاقية القضاء على أشكال العنف والتمييز كافة ضد المرأة؟
جميع الدول العربية وقعت الاتفاقية، ومن الناحية القانونية ليس عليها أي مآخذ، لكن ما زال هناك تقصير كبير في عمل الدول العربية للقضاء على أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، والسبب في المقام الأول أن الثقافة المجتمعية ما زالت متردية، إضافة إلى تفسيرات رجال الدين المناهضة للنساء، بغض النظر عن أصول التفسيرات الصحيحة أو تجديد الخطاب الديني.
- اتفاقية «السيداو» تلزم الدولة باتخاذ التدابير الكاملة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لكن الحقيقة أن دولة مثل مصر تعاني تراجعاً في مكتسبات النساء، فما رضاك على مدى التزام الدول العربية باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة؟
لا نستطيع القول إن وضع جميع الدول العربية متساوٍ في كفة واحدة، فهناك دول تقدمت كثيراً، وهناك دول أخرى ما زالت متأخرة بسبب التردد، تارة يسمحون بالكوتة وأخرى يلغونها، فمثلاً موريتانيا لديها ثماني وزيرات في الحكومة منها وزيرة خارجية، وفي الإمارات رئيس البرلمان امرأة. إن المشكلة الكبرى التي تعانيها الدول العربية هي كيفية حماية حقوق النساء بصفة مستمرة، فكما هي الحال في مصر، تارة تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة من أجل تمكين المرأة سياسياً، ويخصصون كوتة نسائية في مجلس الشعب، وأخرى يلغونها، وهذا يتم تحديده حسب هوى الحكام ومدى إيمانهم بدور المرأة في المجتمع، لذا يجب أن يكون لدى الحكام إيمان بأن المرأة مواطن له الحقوق والواجبات كافة، فضلاً عن كونها ثروة بشرية يجب استغلالها كثروة منتجة.
- ما هي التجارب العربية التي ترشحينها للاستفادة منها في الدول المتأخرة بعض الشيء؟
تجربة الأردن رائعة ويمكن الاحتذاء بها، فقد سمح بتعيين أول قاضية عربية في المحكمة الجنائية الدولية استمرت لمدة عشر سنوات، ثانياً، عيّن قائد فرق السلام في كوسوفو امرأة، وهذا دليل على إيمان الأردن بالمرأة كمواطن من دون تمييز. كذلك، ثمة دول عربية أخرى لها تجارب يجب النظر إليها بالاعتبار، مثل الجزائر، حيث تمثل المرأة في البرلمان أكثر من 30 في المئة، أما مصر فأصابها تردٍّ في حقوق المرأة بعدما كانت من الدول العربية الرائدة.
- لماذا واجهت حقوق المرأة في مصر تردياً بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير 2011)؟
بسبب تشدد الخطاب الديني والتفسيرات الخاطئة للتشريعات الإسلامية، فالمتشددون دينياً يحاربون وجود المرأة في الحياة العامة منذ أيام الإمام محمد عبده، حيث واجهوا طه حسين وغيره، أما في العصر الحديث فكان حكم الإسلاميين في 2012 يمثل تدهوراً في حقوق المرأة وتمكينها سياسياً، وانعكس الأمر كذلك على المطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، لتُسحب منها المكاسب الجزئية التي وصلت إليها بعد معارك حقوقية استمرت عشرات السنوات.
- بناء عليه، هل يمكننا القول إن للمرأة دوراً في بناء المجتمعات في المراحل الانتقالية؟
يجب أن تكون المرأة موجودة في جميع المراحل التي تمر بها البلاد، لتكون صوت نظيراتها من النساء، فالذكور لا يتفهمون طبيعة متطلبات المرأة، فمثلاً إن لم أكن موجودة في لجنة الخمسين الخاصة بالتعديلات الدستورية عام 2011، لما كانت ظهرت إلى النور المادة رقم (11) التي تنص على المساواة وإعطاء المرأة حقوقها، لذا أنصح النساء في جميع الدول التي فيها نزاعات بالتمسك بحقوقهنّ المكتسبة سابقاً، وأن يشكلنّ خط دفاع عن حقوقهن وإلا ستسلب منهن.
سبعة أهداف
منظمة المرأة العربية حكومية تعمل في إطار جامعة الدول العربية، ومقرها جمهورية مصر العربية، وقد وافق مجلس الجامعة على إنشاء المنظمة انطلاقاً من «إعلان القاهرة»، الصادر عن مؤتمر قمة المرأة العربية الأول المنعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2000، استجابة لدعوة من السيدة سوزان مبارك، وبتنظيم مشترك بين المجلس القومي للمرأة في مصر ومؤسسة الحريري في لبنان وجامعة الدول العربية، ودخلت اتفاقية إنشاء المنظمة حيّز التنفيذ في آذار (مارس) 2003.
وتتبنى المنظمة 7 أهداف لإنجاز غاياتها:
1. تحقيق تضامن المرأة العربية باعتباره ركناً أساسياً للتضامن العربي.
2. تنسيق مواقف عربية مشتركة في الشأن العام العربي والدولي، ولدى تناول قضايا المرأة في المحافل الإقليمية والدولية.
3. تنمية الوعي بقضايا المرأة العربية في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والإعلامية.
4. دعم التعاون المشترك وتبادل الخبرات في مجال النهوض بالمرأة.
5. إدماج قضايا المرأة ضمن أولويات خطط وسياسات التنمية الشاملة.
6. تنمية إمكانات المرأة وبناء قدراتها، كفرد وكمواطنة، على المساهمة في دور فعال في مؤسسات المجتمع وفي ميادين العمل والأعمال كافة، وعلى المشاركة في اتخاذ القرارات.
7. النهوض بالخدمات الصحية والتعليمية الضرورية للمرأة.
تصوير: أحمد حمدي
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024