الحوار الأخير مع النجم الراحل عبد الحسين عبدالرضا: تمنّيتُ أن أكون قبطاناً بحريّاً
لم يكن شهر آب/أغسطس ليمرّ من دون حزنٍ هذا العام. فمع بدايته، ودّع الوسطان الإعلامي والفنّي الخليجي والكويتي الممثل الكوميدي عبد الحسين عبدالرضا، الذي توفي إثر تعرّضه لوعكة صحية شديدة، حيث كان قد نُقِلَ في التاسع من هذا الشهر إلى مستشفى خاص في العاصمة البريطانية لندن، ودخل قسم العناية المركّزة فيها لمدّة يومين ويتوفّى متأثراً بالوعكة.
حدادٌ شعبي وتكريم جديد
وقد نُقِلَ جثمان النجم الكويتي من لندن يوم الاثنين 14 آب إلى الكويت حيث وورِيَ الثرى في مأتمٍ شعبي ورسمي حاشد، في الوقت الذي أعلنت فيه محطات التلفزة الكويتية الحداد الرسمي، وقد أقامت قناة «العدالة» مراسم عزاء ورثاء على الهواء مباشرةً واستضافت فنانين ومشاهير تحدّثوا عن ذكرياتهم مع الراحل. ويأتي ذلك في موازاة اقتراح نائب رئيس المجلس البلدي الكويتي مشعل الجويسري، إطلاق اسم الفنان الراحل عبد الحسين عبدالرضا على أحد شوارع الكويت تكريماً للرواد الذين ساهموا في بناء الوطن. وأشار إلى أهمية تخليد ذكرى عبد الرضا الذي ساهم بإنجازاته وعطائه في رفع اسم الكويت في المحافل العربية والدولية، مبيناً أنّ الراحل من الفنانين الذين امتد عطاؤهم الفني نحو 50 عاماً، فيما سارع عدد كبير من النجوم إلى التغريد معزّين أهل الخليج وزملاءه الفنانين بوفاته.
آخر حوارٍ مع عبد الحسين!
ورغم قلّة إطلالاته الإعلامية، أراد عبد الرضا وفي العام 2015 أن يخصّ «لها» بحوارٍ مطوّل، فكان اللقاء مع مبدع استثنائي امتدت رحلة عطائه الفني الى خمسين عاماً حقق خلالها نجاحاً تلو النجاح، وحدّثنا عن أحلامه ومشاريعه الفنية التي لا تنضب ولا تخبو جذوتها في روحه المتجددة التوّاقه الى كل جديد، متمنياً أن تولي الدولةُ السينما العنايةَ التي تستحق وتمدّها بالدعم المطلوب. عبد الحسين عبدالرضا استضافنا في مكتبه، وأعطانا الكثير من وقته، متحدثاً عن مشواره الفني الطويل والغنيّ، وتوقفه القسري، ولم يبخل علينا بالإجابة عن أسئلتنا، مضفياً على الحوار الكثير من المرح والدعابة، هو الذي كان يُعاني من مشكلة، لم يتردّد للحظة في ترداد عبارة «قلبي حديد»... وفي لفتةٍ تكريميّة منّا لروحه، نعيد لكم أبرز مقتطفات الحوار.
- أُطلق اسمك على أحد المسارح في الكويت. بصراحة، هل تظن أنك تجد التقدير الكافي من الدولة بعد رحلة عطاء قاربت نصف قرن من الزمن؟
بالتأكيد. صحيح أن خطوة التكريم هذه بإطلاق اسمي على أحد المسارح الجديدة قد تأخرت كثيراً، لكن في الحقيقة لم تكن لدينا مسارح حتى تحمل أسماء فنانين معروفين، أو بعض الرواد في المجال الفني، وحين التفتت الحكومة إلى هذا الأمر، بادرت في الآونة الأخيرة إلى إنشاء صالات عرض ودار للأوبرا. هناك مثل يقول: «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألّا تأتي أبداً». صحيح أنهم تأخروا في التكريم، لكنني أعتبرها خطوة جيده بالنسبة إلينا، وأنتهز هذه الفرصة لأتوجه بالشكر إلى كل من اقترح اسمي ليُطلق على المسرح الجديد، وعلى رأس هؤلاء رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، فهو متابع جيد لأعمالنا وعاصرنا منذ سنوات طويلة. أيضاً أشكر وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود على ترحيبه بهذه الخطوة. هذا التكريم يعتبر تكريماً لكل الفنانين وليس لي وحدي، ونأمل في المستقبل أن يكون هناك المزيد من الصالات والمؤسسات الفنية التي تحمل أسماء رواد الفن الخليجي.
- ألا ترى أن حضورك الكوميدي طاغٍ وبالتالي يؤثر في حضورك الدرامي؟
أنا إنسان لا يحب الغمّ. لذلك أميل إلى الأعمال الكوميدية حتى في طريقة الإلقاء، لكن هذا لا يمنع من إجادتي المشاهد التراجيدية، وتلمّس تجاوب الناس معها مباشرةً على خشبة المسرح، فلي مشاهد تراجيدية كثيرة لكنني لا أحب الإكثار منها، لأن خير الأمور أوسطها، إنما تظل الكوميديا أقرب إليّ من الدراما.
- ما سرّ ارتباطك الشخصي بالفنانة العراقية ميس قمر وإصرارك على وجودها في أعمالك؟
بدايةً، أوضح أن ليس لي سابق معرفة بميس قمر قبل مشاركتها في أعمالي، لكنني بطبعي أحب أن أطّلع على أعمال الآخرين، سواء العراقية أو المصرية أو السورية وغيرها... وكان من ضمن مشاهداتي المسلسل العراقي «أم ستوري»، حيث لفتت ميس نظري في هذا العمل لكونها كانت تجسد دور امرأة ممتلئة الجسم، ومتقدمة في السن، وحين شاهدتها في عمل آخر اكتشفت أنها ليست كبيرة إنما كان أداؤها مقنعاً جداً، فهي ممثلة كوميدية قديرة. ولفتتني موافقتها على دور أكبر بكثير من عمرها، فهذه النوعية من الفنانين تستهويني جداً، لذلك بحثت عنها، وحين تواصلت معها كانت تظن أنها كاميرا خفية، إذ لم تصدق أنني أطلب منها التعاون معي في مسلسل «أبو الملايين». وتواصل التعاون معها في مسلسل «العافور»، فهي فنانة أكاديمية وتستحق ما وصلت إليه، وأنا دائماً أقف إلى جانب هؤلاء المبدعين من الفنانين المخلصين المحبّين للفن.
- كنت لسنوات طويلة تختار فريق عملك وتفرض رؤيتك على المخرج... هل تخليت في الفترة الماضية عن هذا الدور؟
لا، لم أتراجع عن هذا الدور بحكم تجاربي وسنّي وخبرتي، بل زاد هذا التدخل حتى في طريقة أداء الممثل، خصوصاً إذا كان شاباً مبتدئاً ويجهل نطق اللهجة بطريقة صحيحة نظراً الى أن معظم شبابنا يتعلمون في الخارج ويحتكّون بجنسيات أخرى مما قد يؤثر في لهجتهم بعض الشيء، وواجبي كفنان كبير أن أوجّه الشباب حتى أستطيع إقناع الجمهور بما أقدّمه، لأنّ العمل باسمي وأنا المسؤول عن أي خطأ فيه، وبالتالي أنا من يحاسَب عليه، لذا لا أعتبر هذا تسلطاً بل حرصاً على تقديم الأفضل.
- مهما بلغت نجومية الفنان، يحتاج بين الحين والآخر إلى العودة بشكل مغاير وجديد ليفاجئ جمهوره، تُرى من نجح في القيام بهذه المهمة كمخرج أو ككاتب؟
مع الأسف لا أحد. وأقولها بكل صراحة، في كل مرة يقدّم لي نص، آمل أن يقدّم لي شيء جديد، لكن للأسف يخيب ظني، فالشباب الحاليون كسولون في ما يتعلق بتطوير أنفسهم، سواء الكتّاب أو المخرجون، فإذا نجحت تجربة أحدهم نجده يكتفي بها ويبدأ بتكرار نفسه ويعيش على نجاحاته، فتصبح الأعمال مملّة. الشباب الحاليون لا يتنافسون بالتجديد بل بالتقليد، لذا ترونني دائماً متواجداً في أعمالي طوال فترة التصوير، حتى إذا لم يكن لي مشهد، أقف لأعدّل الجمل والحركة وشكل الصورة... وهكذا.
- لماذا لا يعترف النجوم بأنهم كبروا على المسرح وآن لهم أن يتركوه للشباب الذين برعوا في تقديم مسرح تجاري مبتذل ودون المستوى؟
لا لم نكبر على المسرح، ونحن موجودون دائماً. شخصياً، أبحث حالياً عن نص مسرحي أفتتح به المسرح الذي أُطلق عليه اسمي أخيراً، فأنا أحب المسرح لكن مع الأسف المشكلة بالنسبة إلينا كانت تكمن في عدم وجود مسارح مهيأة، فكلّها صالات عرض بُنيت في المناطق السكنية لاحتفالات سكان المنطقة، واستغلّتها وزارة الشؤون كمسارح لعرض مسرحياتنا، لكنها في الأساس ليست مسارح مجهزة تقنياً لعرض الأعمال المسرحية، وقد بدأنا بها مضطرين لحاجتنا إليها، ورحنا نُنفق عليها ونكمل النواقص من جيوبنا الخاصة، فكنا ندفع والوزارة تساعدنا بعض الشيء، واستمررنا على هذا المنوال أكثر من 40 سنة. قدّمنا الكثير من الأعمال بإمكانات بدائية، ولكن بناء الدولة صالات عرض جديدة، شجعني شخصياً على العودة إلى المسرح، لأن لنا جمهوراً كبيراً متعطشاً لأعمالنا ويتمنى أن يحضر ويشجّع، وهو من جميع دول الخليج. أملنا كبير، مع وجود الصالات المتطورة، في أن تقدم شيئاً يتماشى مع الحداثة المعاصرة.
- كيف تنظر إلى مشوارك الفني بعد هذه التجربة الثرية والعميقة؟
لكل مشوار في الحياة مصاعب ومتاعب، لكن الإنسان هو من يختار طريقه. المجال الفني متعب، لذلك فمن لا يحبه لا يستطيع الاستمرار فيه، وعلى الرغم من تعبي ما زلت أعشقه، فالفنّ يسري في دمي.
- لو لم تكن فناناً فماذا تكون؟
قبطاناً بحرياً... فأنا أعشق البحر بحكم تربيتي، ووالدي كان بحّاراً.
- لو عاد بك الزمن إلى الوراء، فما الذي تتركه وتتخلّى عنه وما الذي تبقي عليه وتتمسك به؟
لا أستطيع الرد على هذا السؤال، إذ يستحيل على المرء أن يختار أو يرسم قدره. أنا راضٍ بكل شيء، سواء النجاح أو الإخفاق، الندم موجود لكنه لا يؤثر فيّ، لأنني مؤمن بأن ليس هناك إنسان كامل، وطالما نحن على قيد الحياة فلا بد من حدوث أخطاء، هذه طبيعة البشر، فالحياة أحياناً تفرض علينا أشياء لم نكن نتوقعها، لذلك لا ألوم نفسي نهائياً، وإذا نظرت إلى الوراء فلن أستطيع التقدم إلى الأمام، وهذا مبدئي في الحياة. بدأت بالفن لأملأ وقت فراغي حينما كنت أشتغل في المطابع الأميرية، ولم أكن أعلم حينها أنني سأصبح من أهم فناني الخليج، حتى اكتشفني الراحل زكي طليمات ولمس فيّ موهبة التمثيل التي صقلتها تجربتي في المسرح المدرسي والحركة الكشفية، إذ كان هذا النشاط مهماً جداً ومفيداً، ومن حسن حظي أنني تتلمذت على يد عميد المسرح العربي زكي طليمات، الذي علّمني وقفة المسرح وطريقة الأداء، فاستفدت منه كثيراً وتدرّجتُ في العمل. وكنت راضياً بمكافأة قيمتها 20 ديناراً في المسرح و5 دنانير في التلفزيون ودينار واحد في الإذاعة، ولأنني أحببت مهنتي وأخلصت لها، كان النجاح حليفي.
- هل تختلف نظرتك إلى النصوص عما كانت عليه أيام الشباب...
اختلفت كثيراً، أصبحت أكثر دقّة وتخوفاً، فأي نص يقدّم لي، سواء كان مسرحياً أو درامياً، إذا وصلتُ إلى الصفحة العاشرة ولم ألمس من خلاله شيئاً مهماً أرميه مباشرةً، فلا بد من أن تجذبني أحداثه، لأن كل كلمة محسوبة عليّ. تغيرت نظرتي عن ذي قبل، وأصبحت أتعب أكثر مما مضى لأنني صرت أدقق وأصحّح وأعدّل في النص، والأمر بات مرهقاً بالنسبة إليّ.
- أخيراً، ما الذي بقي في خاطرك ولم تحققه حتى الآن، سواء أكان دوراً أم شخصية أم مشروعاً فنياً؟
يضحك ويقول: «ما خلّيت شي في بالي ما عملته»، وعلى الرغم من ذلك أحلم بعمل فيلم سينمائي، لكن للأسف، هنا ينظرون الى السينما على أنها تجارة، ربح وخسارة فقط لا غير، فلا بد من إنتاج أفلام، وعلى شركة السينما أن تفسح في المجال وتشارك الفنانين وتدعمهم، وواجب الدولة والجهات الثقافية أن تولي هذا الجانب الاهتمام الكافي. لا تنقصنا الإمكانات، لكن لا بد من تضافر الجهود لتطوير هذا الجانب. نحن فنانون كبار ومطلوبون في أعمال سينمائية، فأين هي هذه الأعمال؟ إنما عشمنا (أملنا) في الحكومة ووزارة الإعلام لدعم السينما كبير، مثل المسرح والتلفزيون. يجب عليهم دعم صناعة السينما في الكويت كي تستمر، فنحن في الخليج أوْلَى الناس باقتحام هذا المجال، وقادرون على إثبات وجودنا في السينما من خلال تجاربنا السابقة في المسرح والدراما والإذاعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024