تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

إطلالات عصرية ضمن هندسة تقليدية


انطلقت برفقة زوجي من بيروت الى صور في جنوب لبنان، رابع أقدم مدينة في العالم، لنبلغ مرفأ الصيّادين سائلين عن موقع فندق «دار ألما».
ركنّا السيارة وأكملنا المشوار سيراً على الأقدام لنكتشف الأزقّة الضيقة فبدت لنا وكأنها عالم تجتمع في حناياه عوالم مختلفة، لكن لا شيء هنا يشبه الحياة السريعة.


تزدان الأزقّة في الحارة القديمة بأحواض الزهور المعلّقة على شرفات المنازل المتجاورة، والتي تبث أريجها في الأجواء.
وفي أثناء تجوّلنا كان السكان المحليون يستقبلوننا بابتسامة تدل على ترحيبهم بالضيف، كما لفتنا مشهد بعض النساء اللواتي يتسامرن عند أبواب بيوتهنّ... إلى أن وقعت أنظارنا على يافطة صغيرة تؤكد أننا وصلنا «دار ألما».

أول ما لفتنا في «الدار» بابٌ قديم يؤدّي إلى باحة الاستقبال وآخر إلى الغرف، الشاطئ والترّاس. ما بين بساطة المكان وأناقته والصعود أو النزول لاستكشاف المكان، قاطعنا صوت أحد الموظّفين، يدعونا لتناول شرابٍ منعش... فأفضل ما في هذه الأمكنة هو حُسن الضيافة أو بتعبير أدق المعاملة الخاصّة التي لا نحظى بها في أكبر الفنادق العالميّة.

حضر المالك فيليب تابت آتياً من الدار المجاورة للفندق حيث يقيم. فالرجل الذي رمّم هذا المنزل وحوّله فندقاً فخماً وفتح أبوابه للزوّار الباحثين عن تجارب استثنائية، يملك الكثير من الشغف، الحبّ والحنين، ويظهر ذلك في حماسته وعشقه للمكان... يقول تابت: «عندما أعلمتني والدتي أنّ الجيران يريدون بيع منزلهم، وكان ذلك في عام 2010، قلت لها سأشتريه مهما كان ثمنه، لأنّني رغبت في امتلاكه منذ أن كنت طفلاً ولطالما حلمت به».

أجمل ما في المكان هو أنّ تابت لم يحاول تغيير معالم المنزل الذي يعود الى عام 1870 أو الشاطئ أو حتى الحارة، بل ترك كلّ شيء ساحراً بأصالته، مما يعكس فخره بمدينته، أهلها وطبيعتها. لذا أطلق عليه «دار ألما» تيمناً باسم والدته «ألما»، كما أنه يعني «الروح» في اللغة الاسبانية.

ديكور الفندق يعكس نموذجاً فريداً من مزيج الهندسة اللبنانيّة التقليديّة، كذلك تسكن فيه طرز مختلفة من لمسات كلاسيكية وحديثة تنتمي الى بلدان عدة. كما يتغنى تابت بقوله إن هذا الفندق يعكس أيضاً أهمية عندما يقرأ كل سائح ملامحه بمنظاره الخاص...

تمّ بناء الطابق الأوّل من المنزل في أواخر القرن التاسع عشر، والطابق الثاني في خمسينيّات القرن الماضي، أمّا الطابق الثالث الذي يشبه العليّة، فتمّ بناؤه أخيراً. وتتميز كل غرفة في الطابقين الثاني والثالث بإطلالة بحرية رائعة تُسحر المرء بزرقة مياهها الصافية...

الأجنحة كلها مشغولة بالأثاث الخشبيّ الطبيعي، مما يضفي على المكان لمسة عصرية. وتتألف «الدار» من صالون استقبال تتدلى من سقفه ثريا مصرية تضيء بأنوارها المكان، وعشر غرف تتميز بهندستها الجمالية، كما أن سبل الراحة والخدمات المتوافرة فيها تنافس تلك التي في الفنادق العالمية.
هذه الغرف اتخذت لها ألواناً بارزة كالأزرق والرمادي والأخضر لتعكس طرزاً مختلفة. كما توزعت المصابيح بطريقة مدروسة فبدت عصرية تارة، و«أنتيك» تحاكي التراث العربي طوراً. أما الأرضية والبلاط المزركش وورق الجدران فاستلهمها المالك من هندسة البيوت اللبنانيّة القديمة، فأسرت القلوب بفرادتها.

أما الطابق السفلي الذي تم اكتشافه أثناء عمليات الترميم، إذ كان مطموراً منذ مئات السنين، فهو مؤلف فقط من عقد وترّاس، تحول الأول الى «مطعم –عقد» حيث يقدم أطيب وأشهى المأكولات البحرية والعالمية، وزوّد الترّاس عند الشاطئ بجلسات بألوان صفراء وزرقاء فيشعر المرء بأمواج البحر تتكسر على رمال الشاطئ اللؤلؤية، مما يدعوه للسباحة أو التأمل بزرقة مياه البحر والاستمتاع برؤية قلعة صليبية تشهد على تاريخ عريق. 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079