بعد 45 عاماً على كتابتها: صنع الله إبراهيم ينشر رواية «67»
حدث أدبي كبير شهدته القاهرة في الفترة الماضية، وهو صدور رواية للأديب الكبير صنع الله إبراهيم، بعد أكثر من 45 عاماً على كتابتها، وهي بعنوان «67»، حيث قرر أن يصدرها بعد كل هذه السنوات بالشكل ذاته الذي كتبت به في الستينات. إبراهيم حرص في مقدمته على أن يروي تفاصيل هذه الرواية، والظروف التي أحاطت بكتابته لها قائلاً: «في بداية صيف سنة 1968، سافرت بالباخرة إلى بيروت، وأقمت ثلاثة أشهر في منزل أحد زملائي في وكالة أنباء الشرق الأوسط، وخلال تلك الفترة كنت أتكسب عيشي من ترجمة ملخصات للروايات الأميركية لدار النهار، وأعمل على روايتي الثانية – «بعد تلك الرائحة» - في انتظار وثائق تعييني في القسم العربي بوكالة أنباء ألمانيا الديمقراطية، في هذه الفترة انتهيت من روايتي «67»، ولم أفكر في محاولة نشرها بمصر لبعدي عنها، ولظروف الرقابة وقتها، وشجعني جو السماح السائد في لبنان، فقدمتها إلى عدة دور نشر رفضتها جميعاً».
هذه الظروف كلها دفعت إبراهيم الى نسيان هذه الرواية، والانشغال بروايته الجديدة في ذلك الوقت: «انشغلت بعد ذلك عن محاولة نشرها بأسفاري وبالعمل في روايتي التالية «نجمة أغسطس»، التي أتممتها في موسكو في مطلع 1973، وبعد عودتي إلى مصر في العام التالي، كنت قد نسيت أمر رواية 1967، وانشغلت بمشاغل الحياة وبمحاولة كتابة رواية جديدة، كما وجدت أن الأجواء السياسية والاجتماعية السائدة لا تساعد على نشر رواية كتبت في ظروف معينة وبحرية تامة، كما أنها قد تستخدم من قبل القوى اليمينية في حملاتها ضد الناصرية والاشتراكية، وهو وضع استمر طوال 45 عاماً».
لكن ما الذي دفع إبراهيم إلى أن يقلّب في أوراقه القديمة، ليعيد نشر رواية كانت في وقتها تمثل الرواية الثانية له، أما الآن فهي لا تعبر عن هذا الترتيب الزمني؟ يرجع إبراهيم هذا الأمر إلى قيام ثورة 25 يناير 2011، التي يرى أنها أسفرت عن نتيجة فورية؛ وهي اتساع مساحة التعبير بشكل غير مسبوق، ويضيف: «في مراجعتي لأحد المخابئ التي أستخدمها تحسباً لزيارة مفاجئة من رجال السلطة، عثرت على مخطوطة الرواية. كنت قد نسيت أمرها تماماً؛ فقرأتها باهتمام، وراودتني على الفور الرغبة في محاولة نشرها، فقد تبينت الدور الذي تمثله كحلقة من حلقات تطوري الإبداعي وشهادة على فترة حافلة في تاريخ البلاد، ترددت طويلاً قبل الإقدام على هذه الخطوة، لكن أصدقائي شجعوني بالإضافة إلى شعوري بقرب النهاية المحتومة لرحلتي».
ينفي صنع الله إبراهيم قيامه بأي تغيير في الرواية، رغم مرور ما يقرب من نصف قرن على كتابتها: «أبقيت النص الوارد في المخطوطة كما هو من دون تغيير، في ما عدا تصويب الأخطاء اللغوية وتدبرت القيام ببعض الإيضاحات».
ويرى الدكتور محمد بدوي في دراسته المرفقة في الرواية، وجاءت تحت عنوان «عندما تصبح الرواية شهادة وفضحاً»، أن رواية «67» جاوزت مهمة الفضح السياسي إلى إنتاج صورة لعالم معقد، فالممارسات الجنسية في الرواية لا تنتمي إلى عالم السياسة، وهذا أمر طبيعي، لأن الجنس ينتمي إلى «الثقافي»، وبذلك تتجاوز رواية «67» تخوم رواية تلك الرائحة، لأنها وضعت يدها على جراح عميقة تتصل بما يتجاوز السياسي المتغير إلى الثقافي الموغل في الزمان والمكان.
تقع الرواية في 170 صفحة، وقد سبقها في الصدور للمؤلف الروايات التالية: «تلك الرائحة»، «نجمة أغسطس»، «اللجنة»، «بيروت بيروت»، «ذات»، «شرف»، «وردة»، «التلصص»، «أمريكانلي»، وغيرها.
من أجواء الرواية: «غادرت مقعدي وعبرت الصالة حيث كانت إنصاف تجلس بمفردها بجفون منتفخة وشعر غير مرتب يملؤه البياض. قالت إنها تتمنى لي عاماً سعيداً. وتأملت الحاضرين ثم قالت: هو وحده الذي ينقصنا. وقالت: لا بد أن نبني له قبراً. كيف نتركه هكذا في قطعة أرض لا تحمل حتى اسمه؟ لماذا يحرمونه حتى من اسمه؟ ألا يكفي أنهم قتلوه بعد تعذيبه؟ كانت عيناه حمراوين. قلت: لقد نسينا أن نزور قبره في ذكرى وفاته. قالت: ذهبت أنا بمفردي. لم يعد أحد يذكره الآن، والذين لم يكونوا شيئاً أصبحوا كل شيء».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024