تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

رودريغ سليمان: الأفلام اللبنانية الهابطة أساءت إلى سمعة السينما


رودريغ سليمان: الأفلام اللبنانية الهابطة أساءت إلى سمعة السينما

يحاول تحقيق الاستفادة القصوى من كل شيء، يتعلّم من دروس الأمس، يعيش اليوم ويأمل في الغد. شديد الحرص على تطوير ذاته وتقديم دوره بتميّز، والأكثر أهمية بالنسبة إليه هو ألاّ يتوقّف عن طرح الأسئلة.
واقع الشخصية المعقّدة لم يبتعد عنه، فقد أدّى دور «المقاتل» و«الثائر» و«المثلي الجنس» ويحرص في كل مرة على أن يؤدي أدواراً لا تشبهه.
في جعبته 14 فيلماً سينمائياً، وصلت في غالبيتها إلى المهرجانات العالمية، ويشارك في أعمال يُنتظر أن تبصر النور تباعاً وقريباً وهي في معظمها سينمائية. عن واقع الدراما التلفزيونية والأزمة السينمائية، وأحدث أعماله التمثيلية وحياته العائلية، يحدّثنا الممثل اللبناني رودريغ سليمان في هذا الحوار...


- تطلّ في فيلم «المُسافر» بشخصية مركّبة تجمع بين التراجيديا والكوميديا، ما الذي جذبك إلى الدور؟
«المسافر» (إخراج هادي غندور) تجسيد لمحاولات الهروب من الواقع والروتين، أؤدي فيه دور «عدنان»، رجل متزوج وله ابن، يعيش في القرية ويعمل في إحدى وكالات السياحة والسفر الكبيرة في بيروت، ليسافر مع كل تذكرة يحجزها للزبائن، عبر رحلات خيالية على جنح خياله، يجمع المعلومات ويظل مسافراً عبر عقله الشارد إلى جميع بقاع الدنيا، يعرف كل ما في البلاد من تراث وعادات وتقاليد، ما يضفي كآبة على تفاصيل حياته اليومية، التي يبدو خلالها رافضاً لواقعه. إلى أن تحين الفرصة فيسافر ويمثّل الشركة ويشجّع الناس على زيارة لبنان، وهي الرحلة التي يتوه فيها «عدنان»، إذ تسيطر عليه رغبة جامحة في التعرف إلى هذه العوالم الغريبة، لتظل حلماً سرعان ما يتحول كابوساً، يتكلل بالعودة.
فقد اكتشف أشياء لم يكن يدركها في نفسه، نتيجة روتين كان يعيشه، وبعد هذا الاكتشاف، ضاع وفقد هويته ولم يعد كما كان، إلى أن يعود إلى دياره في نهاية المطاف في خاتمة مفتوحة للفيلم.

- تؤدي في الفيلم دور متزوّج ولديه طفل، كما أنت في الواقع. لماذا عائلتك بعيدة عن الأضواء؟
أظنّ أن حياتي الشخصية لا تهمّ الجمهور بقدر ما يهمّهم عملي. هذه وجهة نظري، فحياة الآخرين الشخصية لا تهمّني، وما يشغلني هو عملهم والنتيجة التي يحصدونها.

- هل واجهت صعوبات لدى تأدية هذا الدور، خصوصاً أنك تتعامل للمرة الأولى مع ممثلين فرنسيين وتصوّر في باريس؟
الصعوبة تكمن في الخطوط والمراحل التي يمرّ بها الدور، فقد بذلت جهوداً كبيرة في معايشة الشخصية وتطويرها، إذ تواجدت في العاصمة الفرنسية باريس، حوالى الشهر ونصف الشهر، متفرغاً لهذا الدور. أتعبتني الشخصية وعشت تحدياً لأجعل المشاهد لا يشيح بنظره عن الفيلم لحظة.
وصحيح أن الفيلم صوّر بين بيروت وباريس، بمشاركة أستاذتي عايدة صبرا وممثلات وممثلين من فرنسا، إلاّ أنني لم أشعر بأي اختلاف، فمستوى التصوير في لبنان لا يقل أبداً عنه في فرنسا، فغالباً ما أتعامل مع فريق عمل لبناني في أفلامي ومسلسلاتي، مستواهم رائع جداً، لذا لم أشعر بأي فارق في المستوى.

- ما الذي تحرص عليه لحظة انتقاء أدوارك؟
أختار الأدوار التي تكون بعيدة نوعاً ما عن شخصيتي، وأراهن في كل أعمالي على النص الجيد والمخرج الواعي الذي يمكن أن أسلّمه نفسي. أهتم بالتقلبات التي تحدث للإنسان في كل لحظاته لدى انتقائي لأدواري، لذا أقرأ النص جيداً، أخوض التجربة وأحرص على عدم تكرار الشخصيات التي أجسّدها.

- السينما، التلفزيون والمسرح، هل من متعة أكبر في ميدان أكثر من الآخر؟
أستمتع في المسرح والسينما أكثر من التلفزيون.

- هل يسيطر الدور التمثيلي الذي تؤديه عليكَ؟
سيطر عليَّ دوري في فيلم «المُسافر»، ذلك أنني عشت في باريس بمفردي لفترة زمنية، وكنت أصوّر من الصباح إلى المساء، وإن خرجت ليلاً، أكون محاطاً بفريق العمل وتسيطر مجريات الفيلم على أحاديثنا، لذا تملّكني الدور ورافقني عن غير قصد.

- ما الذي يميّز أفلامك؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها للوصول إلى العالم العربي ثم العالم؟
الأفلام التي شاركت فيها وصلت إلى المهرجانات العالمية، فقد شارك فيلم «من السماء» في مهرجانَي «كان» السينمائي و«مراكش» وغيرهما من المهرجانات وحصد جوائز عدة، وخاض «بالحلال» سباق الحصول على جائزة «غولدن غلوب»، أيضاً فيلما «بيت البحر» و«المسافر» عُرضا في مهرجانات.
غالبية الأفلام اللبنانية التي شاركت فيها وصلت إلى الخارج وعُرضت في الصالات العالمية. ما من شيء يمنعنا من الوصول، ولكننا نعاني إنتاجياً، وها نحن نعتمد على الإنتاج الأوروبي لنُنتج أفلامنا.

- هناك نشاط سينمائي لافت ومجموعة من الأعمال التي تشارك فيها. لقد صورت 7 أفلام في سنة واحدة!
صحيح، مثّلت في 14 فيلماً حتى اليوم، 11 فيلماً طويلاً و3 أفلام قصيرة، وأقدّم مسلسلاً واحداً في العام، فلا يمكن تجاهل دور التلفزيون وفضله الكبير في دعم السينما.

- أطلقتْ الدراما التلفزيونية شهرتك على المستوى الشعبي، ولكن كيف ترى واقعها في لبنان؟
نعاني أزمة نصوص، فقد قرأت 10 مسلسلات العام الماضي ولم يلفتني منها سوى عمل واحد. مشكلة كتابة تتبعها مشكلة إنتاج ومشكلة اختيار ممثلين، فعملية «الكاستينغ» أساسية لبناء أي مسلسل... أن نُحسن اختيار الممثل فيؤدي الشخصية المناسبة. فعلياً، المستوى يتقدّم ولكن ببطء.

- لدى المنتجين اعتبارات معينة في اختيارهم الأبطال، هل ترفض المشاركة في عمل بطله أقل حرفيةً منك؟
ألتفت إلى أمور عدة، أنظر إلى المشروع من كل نواحيه ولا أسأل عن الممثلين. يهمّني النص، آخر ما ألتفت إليه هو الممثلون المشاركون، فالأهم بالنسبة إليَّ هو دوري، إذا كان جميلاً ويحتاج إلى جهد، أؤدّيه.

- ألا يزعجك أنك ما زلت محصوراً في أدوار ثانوية في الدراما التلفزيونية، وأنت تؤدي أدوار بطولة في أفلام تشارك في مهرجانات عالمية؟
بين المسلسلات التي قرأتها، 4 أدوار فيها كانت «دوراً أوّل»، ولكنني رفضتها، فقد شعرت بأنها فارغة حتى أنها تشبه بعضها البعض. صراحةً، لا يهمني من يؤدي الدور الأول، ولكنني أحبّذ أن يكون خبيراً في المجال أو خرّيجاً أو ممثلاً، فلا شك في أنه سيؤدي الدور بطريقة أفضل.

- ما مدى رضاك عن مسلسل «ورد جوري» الذي أدّيت فيه دور البطولة؟
بكل أمانة لم أشاهد سوى الحلقات الأولى منه، كنت متشوقاً لمتابعته وقلت إنني سأشاهده «أونلاين» لكن الوقت سرقني. لمست أصداء إيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي ومن الناس الذين التقيتهم، فقد أحبّوا العمل وأثنوا على أدائي فيه. النقد كان إيجابياً، وماذا أحتاج أكثر من ذلك! فتعبي لم يذهب سُدىً.

- هل تنتظر ردود فعل تجاه أعمالك؟
أنتظرها وأفضّل أن يأتني النقد السلبي، فإن لم يضئ أحدهم على خطئي فلن أنتبه إليه وسأتابع فيه. وأقصد بكلامي النقد البنّاء البعيد عن التجريح، فأحياناً نشعر بأننا «طايرين عن الأرض وعاملين العمايل»، ولا بد من شخص يعيدنا إلى الواقع.

- هل يسهل عليك الفصل بين الشخصيات، فقد أدّيت في فيلم «أنا مش شهيد» السينمائي دور «القنّاص المقاتل»، وفي «بيت البحر» قدّمت شخصية مثلي الجنس، وفي «ورد جوري» دور الحبيب الثائر؟
أختار دوراً لم ألعبه ولا يمكن أن يشبه ما قدمته من قبل، كما أحضّر للشخصيات قبل التصوير، فالتحضير المسبق عملية أساسية وأقوم بها دائماً.
لذا، يسهل عليَّ التنقّل بين الشخصيات، بالتعاون مع المخرجين والنصوص، فالأداء يختلف باختلاف النص. علماً أنني أنتقل إلى دنيا ثانية أثناء التصوير وأعيش الدور الذي أؤديه، وهو ما يسبب لي المشكلات في بعض الأحيان، ولكنني ملزم وإلاّ سأفشل في مهنتي.

- تقول، هناك دور معيّن لمسلسل تلفزيوني أتمنى القيام به وإن لم يُعرض عليّ أبداً فسأكتبه لنفسي وأؤدّيه. هل عُرض عليك هذا الدور أم بعد؟ وهل أنت مستعد للقيام بالمبادرة حالياً؟
في إمكاني تقديمه حتى وإن بلغت سنّ الثمانين... حالياً، لا أملك الوقت لكتابته، فقد انتهيت هذا الشهر من مشاريع كنت قد بدأتها في أيلول/سبتمبر الماضي، كما أُحضّر لفيلم سينمائي جديد سأباشر في تصويره بعد أيام، إضافةً إلى أنني أكتب مسرحية في الوقت عينه. أما في ما يخصّ هذا الدور، فربما سأبتعد عن المجال لعام حتى «أستمخّ» وأنتهي من كتابته.

- برأيك، هل يمكن ممثلَين أن يشكّلا ثنائية ناجحة؟
ولمَ لا؟َ! سينجحان بالتأكيد، علماً أن للشاشة الصغيرة اعتباراتها، فإن لم يكن الثنائي مكوّناً من رجل وامرأة، لا يحصد العمل نِسب مشاهدة عالية، وكما هو واضح، شعبية الدراما في لبنان ما زالت متفوقة على السينما. ففي فيلم 11 Ocean حوالى 11 بطلاً شاباً، وهي ظاهرة طبيعية جداً في الخارج، فأعود وأكرّر أن «الكاستينغ» عملية أساسية لبناء أي عمل.

- نيل صدى وتقدير في الخارج، يشجّع المواطن اللبناني ويثير فضوله لمشاهدة الأعمال اللبنانية، فآخر خيار لدينا هو الفيلم اللبناني، ما السبب برأيك؟
لا شك في أن السبب هو بعض الأفلام الرديئة الهابطة التي تُعرض في الصالات والتي جعلت الناس يحكمون على باقي الأفلام بأنها بمستواها.
حين عُرِض فيلمي «من السماء» في «كان»، صدمني مشهد الناس وهم يقفون في الطابور، يتدافعون لكي يحجزوا أماكن، فقلت: «عنجد عم يعملوا هيك تا يحضروا فيلم لبناني؟!»، وعندما حضر الفيلم إلى بيروت، لم يشاهده سوى 1000 شخص وسُحِب بعد أسبوع واحد على بدء العرض.
هناك مشكلة كبيرة، فالأفلام تُعرض أسبوعاً واحداً فقط في صالة السينما، وإن لم تحظَ بمشاهدة، تُسحب! بدل أن يتركوها ليدعموا الإنتاجات اللبنانية، فهي بحاجة إلى أسبوعين على الأقل «لتقلّع». هناك الكثير من الحلول لدعم السينما، لكن للأسف لم يفكّر أحد في تنفيذها...

- ما هي رسالتك إلى المشاهد اللبناني؟
أتفهّم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمادية التي يعانيها الناس، ولكنني أرغب في أن ألمس إقبالاً على الفيلم اللبناني في السينما. لمَ لا يقصدون السينما لمشاهدة الفيلم اللبناني بدل الأجنبي!

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أتمرن على مسرحية وأقرأ نصّين، أحدهما أحاول أن أرسم شخصيتي فيه مع المخرج، ولدي 4 أعمال ستنزل إلى صالات السينما في الفترة المقبلة.        

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080