تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

فروض العطلة الصيفيّة ما الفائدة منها؟


فروض العطلة الصيفيّة ما الفائدة منها؟

مضى أكثر من شهر ونصف الشهر على نهاية العام المدرسي، وفروض العطلة الصيفية لا تزال محفوظة في المكتبة غير منجزة. والأهل ينقسمون بين مؤيد لهذه الفروض، وآخرين يسألون عن جدواها.
فهل من الضروري فعلاً إنجازها، وهل هي فعلاً مفيدة للتلميذ، لا سيما إذا كان من المتفوقين في المدرسة؟ في مقابل هذا الانقسام في الرأي، يؤكد التربويون أن فروض العطلة الصيفية ليست مجرد واجبات يقصد منها جعل التلميذ والأهل يرزحون تحت عبئها، وإنما الهدف منها إنعاش ذاكرة التلميذ وإبقاؤه على تواصل مع معلوماته الأكاديمية في شكل ترفيهي.
ففروض العطلة الصيفية لم تعد كما في الماضي جافة ونسخة طبق الأصل عما هي الفروض التي كان ينجزها خلال العام المدرسي، وإنما أضحت أحجيات رياضية ولغوية وقراءة قصص... وأحيانًا، يقوم التلميذ بإنجازها عبر هاتفه الذكي أو الآيباد، بحسب النظام المتّبع في المدرسة، وبالتالي هي أقرب إلى نشاط فكري ترفيهي.
فعن طريق اللعب، ينشّط التلميذ ذاكرته ويحفّز تفكيره ويقوّي معلوماته إذا كان من المتفوقين، فيما التلميذ الذي يعاني ثغرة تعلمية في مادة ما، فإنها تساهم في التعرّف إلى نقاط ضعفه، وبالتالي، تصبح لدى الأهل فكرة عما يمكن أن يكون عليه وضع ابنهم الأكاديمي في العام المقبل، إذا لم ترمّم هذه الثغرات التعلّمية خلال عطلة الصيف. في المحصّلة، فروض العطلة الصيفية ضرورة أكاديمية لا يمكن التهاون في إنجازها.
لكن هذا لا يعني أن تتحوّل العطلة الصيفية إلى فصل مدرسي صيفي، بل يجب أن تبقى الفروض في مستوى الترفيه الفكري للطفل، وليس التعذيب النفسي.


وهذه بعض النصائح لإيجاد التوازن بين الترفيه والفروض:

 لا لإجبار الطفل على إنجاز الفروض، لأن النتائج ستكون عكسية
تشير الدراسات التربوية إلى أن 60 في المئة من الأطفال ينجزون فروض العطلة الصيفية بمساعدة أهلهم. والمشكلة أن 90 في المئة منهم يقومون بها مرة في الأسبوع. وغالبًا ما تتحوّل فترة إنجاز الفروض إلى كوابيس، إذ من غير المجدي إرغام الطفل على إنجازها.
فهذا قد يؤدي إلى نتيجة عكسيّة ويجعل الطفل يكره المدرسة، وتسوء العلاقة بينه وبين والديه. فإنجاز الفروض خلال فصل الصيف غالبًا ما يُشعر الطفل بالإحباط أو ينظر إليه على أنه عقاب.
إذًا، فإنّ مراجعة الدروس أو إنجاز فروض العطلة خلال فصل الصيف ليسا مفيدين في الحقيقة للأطفال عندما يجبرون عليهما.
ويمكن أن تصبح فترة إنجازهما، فترة توتّر إذا فقد الأهل الصبر وتفوّهوا بعبارات تقلل ثقة الطفل بنفسه، مثل كسول أو غبي لا تستوعب، مما ينتج آثارًا سلبية على الطفل من شأنها أن تشعره بالاستياء من المدرسة كما المنزل.
فدور الواجبات المنزلية إبعاد التوتّر عن الطفل، إذ يجب إنجازها على أساس أنها نشاط ترفيهي فكري، لذا لا ينبغي أبدًا أن تكون مرادفًا للإجهاد.
كما يجب التأكيد للأهل، أن فروض العطلة الصيفية ليست حلاً سحريًّا للفشل المدرسي. إذ لا يمكنها وحدها تعويض تأخر الطالب، بحسب التربويين، فالآباء في كثير من الأحيان يأملون بأن تملأ الفروض الصيفية الثغرات التعلّمية التي يواجهها طفلهم.
لكن هذا يمكن أن يتحوّل بسرعة إلى مصدر للصراع بينهم وبين طفلهم إذا ما حاولوا أن يأخذوا دور المعلمة. لذا، عليهم الحفاظ على روح الاسترخاء التي تبثها عادة أجواء الصيف أو الاستعانة بشخص ثالث كي يحافظوا على علاقتهم الجميلة به، ولتبقى للصيف ذكراه الرائعة مع والديه.

الإجازة الصيفية فترة راحة ويقظة ضرورية
يشدّد التربويون واختصاصيو علم نفس الطفل على ضرورة أن يسمح الأهل لأبنائهم بتنفّس الصعداء خلال العطلة الصيفية، وهذا لا يعني أن يتركوهم يعيشون في فوضى، فتكون لهم حرية فعل ما يشاؤون مثل النوم في ساعات متأخرة والاستيقاظ في وقت متأخر من النهار، والجلوس قدر ما يرغبون إلى هواتفهم الذكية، أو مشاهدة التلفزيون، وإنما يمكن الأبناء الاستمتاع بأجواء الاسترخاء والراحة، في ظل نظام المنزل وقوانينه، على أن يجد لهم الأهل أشكالاً متعدّدة من النشاطات الترفيهية التعليمية تشجع الأبناء على تفعيل شعورهم.
وهناك طرق مختلفة لتعزيز فكرهم من دون أن يشعروا بأنهم يعيشون تحت ضغط الدروس الصيفية. مثلاً، تدوين الأحداث الجميلة في مفكرة يوميات العطلة، السماح للمراهق بالمشاركة في مخيّم بيئي ترفيهي، أو المشاركة في نشاطات ثقافية، أو تشجيعهم على ممارسة رياضة... فهذه الأنواع من النشاطات الترفيهية ستكسبهم مهارات جديدة مهمّة تعزّز المفاهيم الأكاديمية - المدرسية.
وكذلك المبيت في مخيم سيساعدهم في النضوج، وإن كانت المسافة لا تتعدى بضعة كيلومترات بعيدًا من المنزل، كما أن هذه النشاطات مفيدة لتقييم الذات، والثقافة العامة و عمل الذاكرة.
فكرة أخرى لإعادة شحن أجواء الاسترخاء الصيفية، وهي تقديم كتب من أجل المتعة، لا علاقة لها بالبرنامج المدرسي، وألا تكون من ضمن الروايات الكلاسيكية، بغضّ النظر عمّا إذا كانت رواية معاصرة للمراهقين، أو رواية خيال علمي، الهدف الرئيس منحهم حس المطالعة. فالصيف هو الوقت المناسب الهادئ واللطيف للبدء بممارسة المطالعة. أمّا في ما يتعلق باللغات الأجنبية، فإن العديد من الأساتذة ينصحون بمشاهدة البرامج التلفزيونية أو اليوتيوب، فهما وسيلة للعمل والفهم والاستماع والاسترخاء.
وأخيرًا، يجب أن تظل العطلة الصيفية مرادفًا للراحة، ففي نهاية المطاف يستحقها الأبناء عن جدارة، وقبل كل شيء، هي الوقت الضروري في تعزيز عملية التعلّم. وعلى الأهل أن يتذكّروا ألا يضعوا أبناءهم تحت الضغط المستمر، لأنه يأتي بنتائج عكسية، فبعد عام مدرسي طويل، يحتاج الطفل إلى مرحلة الراحة لاستيعاب المفاهيم. فمن دون راحة، سيتعامل الطالب مع التعلم عن طريق رد الفعل والعادة.

عدم تأجيل العمل في فروض العطلة إلى آخر الصيف
يحذّر الاختصاصيون من تأجيل العمل في فروض العطلة الصيفية إلى أسبوع قبل العودة إلى المدرسة لا ينفع، لأن الهدف من هذه الفروض تربوي شامل أكثر منه أكاديمي، فالمدرسة تنصح بهذه الفروض ليعمل الطفل طوال الصيف ويحافظ على معلوماته الأكاديمية.
كما أن تأجيلها إلى نهاية الصيف يكسب الطفل عادة سيئة، وهي أنه يصبح ممن يؤجلون أعمالهم الى اللحظة الأخيرة، مما يؤثر سلبًا في أدائه الأكاديمي والعملي في المستقبل.
أمّا إذا كان الأهل لا يجدون فائدة من فروض العطلة الصيفية لأنهم يوفّرون لأبنائهم كل الوسائل التربوية والتثقيفية التي تساعد على بلورة فكر الطفل وتطوير ذكائه، فلا مشكلة.

دورات مكثفة ودروس خصوصية
هذه الصيغ مناسبة للطلاب الذين يفتقرون إلى الثقة بأنفسهم. فبعدما أمضوا عطلتهم الصيفية في شكل منظّم، أي أنهم حازوا الراحة، إلى جانب دورة أو دروس خصوصية، ستكون عودتهم المدرسية هادئة لا يشوبها الخوف من الثغرات التعلمية.
فمثلاً، عندما يكون التلميذ يواجه صعوبة في التعبير باللغة الإنكليزية، يمكن الأهل تسجيله في دورة لغة إنكليزية خلال الصيف، في البداية، لن يكون سعيدًاجدًا لأنه سيكون له وقت أقل للخروج مع أصدقائه.
لكن في النهاية، تسمح له هذه الدورة بالتحدث باللغة الإنكليزية والتعبير في شكل أفضل، ذلك أن هذه الدورة لن تشعره بالتوتر لأنها ليست لأجل العلامات وإنما لتقوية اللغة، وعندما يعود إلى المدرسة ستكون لديه الجرأة على التعبير باللغة.
وعلى الأهل أن يدركوا أن تعزيز القدرة التعلمية عند الطفل أمر مختلف تمامًا عن توقّع برنامج العام المقبل ومحاولة استباق المراحل، إذ لا ينبغي استغلال الصيف لتسريع عملية التعلم وحرق مراحلها. لذا يجب الحرص على عدم تعليم الطفل أكثر من اللازم، فهذا يقلقه.
في هذا السياق، يشدّد التربويون على الأهل بألا يطالبوا أطفالهم بالإنجاز العلمي الكثير خلال الصيف، وإن كان نجاح أطفالهم يشغلهم ويقلقهم، فمن غير المفيد إنجاز البرنامج المدرسي مسبقًا، فالتلميذ حين يعود إلى المدرسة ويعرف معظم مواد الفصل سيشعر بالملل، وقد يفوته شرح المعلمة، ولاسيّما إذا كانت فكرة مهمة، فأسلوب المعلمة في شرح مفهوم ما قد يختلف عن أسلوب الأهل، وبالتالي قد يشعر التلميذ بالإرباك. لذا على الأهل ألا يستبقوا المراحل، ويكتفوا بفروض العطلة الصيفية التي اقترحتها إدارة المدرسة. 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078