فتيات يمارسن رياضات عنيفة... يلجأن إليها حبّاً أحياناً وللحماية أحياناً أخرى
رغم أن مجتمعاتنا لا تزال تصف الفتاة التي تمارس رياضة عنيفة بأنها «مسترجلة»، لكن رأيهم هذا لم يمنع الفتيات من اقتحام تلك الرياضات والتفوق فيها. وإذا كان بعض الفتيات قد لجأ الى تلك الرياضات حبّاً بها، فإن بعضهن الآخر قد وجد فيها وسيلة للدفاع عن النفس، خاصة في ظل انتشار العنف والتحرش في الشارع.
الفنون القتالية
في البداية، تقول الكابتن سماح إبراهيم، وهي لاعبة ومدربة «آيكيدو»: «حصلت على الحزام الأسود ثلاث مرات، وهو أعلى درجات الخبرة في الفنون القتالية، وأنا السيدة الأولى التي حصلت على هذا العدد من الأحزمة في مصر، وقد بدأت بممارسة «الآيكيدو» منذ ما يقارب السبع أو الثماني سنوات، فأنا أهوى الرياضة منذ طفولتي، وقد كنت ألعب تنس الطاولة وكرة اليد وأمارس السباحة والآيروبكس، لكن بعد فترة اكتشفت أنني أميل الى الرياضات القتالية، لكن لم تتسنّ ليّ ممارستها، وبالصدفة تعرفت إلى أحد المدربين أثناء العمل، وبدأت الدخول إلى هذا المجال».
وتوضح سماح التي تعمل في مجال الإعلام، أن «الآيكيدو» من الفنون القتالية اليابانية الحديثة، ويحتوي على تقنيات بالأسلحة أو بدونها، والتوسل بهذه التقنيات لا يُقصد به إلحاق الهزيمة بالخصم، بل التخفيف من حدّة اعتدائه، وقد تعجبت أسرتي كثيراً في بداية ممارستي لهذه اللعبة، لكنهم أصبحوا بعد ذلك فخورين بما حققته في عالم «الآيكيدو» ، حيث استطعت الوصول الى مراكز متقدمة في فترة قصيرة، ومع الوقت أصبح بعض أولادي يمارسون هذه الرياضة على وجه الخصوص، وبعضهم الآخر فضّل رياضات أخرى».
وتشير سماح التي تخرجت في كلية الفنون الجميلة الى أن «الرياضات القتالية تعزز ثقة الفتيات في أنفسهن. وعموماً، الفتيات اللواتي يتجهن إلى الألعاب العنيفة، يكون هدفهن الأول هو حماية أنفسهن من التحرش والمضايقات، وبعد ممارستهن لهذه الرياضات تظهر الثقة على وجوههن أو في تعاملهن اليومي مع الآخرين، فنادراً ما تتعرض فتاة تمارس ألعاباً قتالية عنيفة لتحرش أو مضايقات، فملامح وجهها تدل على أنها مقاتلة».
وتؤكد سماح أن السنّ الفضلى لبداية ممارسة الفتيات الرياضات القتالية، تختلف من لعبة الى أخرى، فرياضات مثل «الكاراتيه» و«التايكوندو»، يمكن الفتيات ممارستها في أعمار صغيرة، يعني في سنّ ست أو سبع سنوات، أما الرياضات الأخرى، مثل «الآيكيدو» أو «جيت كون دو»، فتتطلب أن تكون الفتاة في سنّ أكبر نسبياً، لأن هذه الألعاب تقضي بأن تتمتع اللاعبة بإدراك قوي، تجنّباً للأذى الذي قد تتعرض له».
كمال الأجسام
أما أسماء نصر، 22 عاماً، وهي لاعبة كمال أجسام، فتؤكد أنها كانت تعاني نقصاً في الوزن، إلى أن شاهدت في أحد البرامج التلفزيونية أن ألعاب القوى، إلى جانب الاستفادة البدنية التي تتحقق منها، من الممكن أن تزيد من وزنها وبصورة صحية، بدلاً من الزيادة التقليدية المرتبطة بمضاعفة كميات الطعام، والتي تؤدي الى تكدّس الدهون في الجسم وتجعله مترهلاً.
وتشير أسماء التي تدرس الإعلام إلى أنها ذهبت إلى إحدى صالات الجيم منذ ما يقارب الثمانية أشهر، وتمارس كل ألعاب القوى لزيادة كتلتها العضلية، مشيرة إلى أن شكل جسمها قد تحسن بعد الاستمرار في ممارسة هذه الرياضة، التي يعتبرها البعض رياضة رجالية إلى حد ما، بسبب تركيزها على تقوية العضلات... وتضيف: «أسرتي تحب الرياضة بشكل عام، فأخي الأكبر يمارس رياضات قتالية منذ فترة طويلة، مما سهّل عليَّ ممارسة تلك الرياضة، ذلك رغم خوفي في البداية من حدوث خلل في هورمونات الأنوثة والذكورة، بسبب رفع الأثقال والضغط على العضلات، حيث كنت أرى صوراً لبعض لاعبات كمال الأجسام وقد تحولت أجسادهن إلى أجساد رجالية بسبب ضخامة العضلات، إلا أن الأمر اختلف بعدما عرفت أنهن يتناولن في معظمهن عقاقير تدخل في تركيبتها هورمونات الذكورة لإبراز هذه العضلات، وهذا أمر خطير وغير صحي أبداً، بدليل أن غالبية المدرّبات يتمتعن بأجسام أنثوية مشدودة، رغم أن مهنتهن ترتكز على حمل الأثقال بصورة مستمرة».
بطلة المصارعة الرومانية
تقول، إيناس خورشيد،27 عاماً، لاعبة المنتخب المصري للمصارعة الرومانية: «دخلت مجال المصارعة وألعاب القوى عموماً بالصدفة. ورغم أن والدي مصارع قديم، إلا أنني دخلت المجال عندما كنت في المرحلة الثانوية، وكنت أرغب في الحصول على درجة رياضية لدخول كلية طب الأسنان، حيث توجّب عليَّ الاشتراك في بعض الأنشطة للحصول على الدرجات الخاصة بالنشاط، وبعدما اخترت المصارعة الرومانية انجذبت إليها كثيراً، خاصةً أن كل أفراد عائلتي يمارسون هذه الرياضة، وقررت الاستمرار فيها وتنمية قدراتي الجسمانية و«التكنيكية»، والمشاركة في بطولات ومسابقات».
وتؤكد إيناس أنها بذلت جهداً كبيراً للوصول إلى ما هي عليها اليوم، وتقول: «لا يمكن أي فتاة أن تصبح مصارعة محترفة، فهذه الألعاب تحتاج إلى قدرات وسمات خاصة، فيجب على المصارِعة أن تمتلك العزيمة والإرادة وقوة التحمل وسرعة البديهة، إلى جانب القدرات الجسمانية والتمارين المستمرة لتقوية العضلات».
وتمتلك خورشيد عدداً من الميداليات والجوائز، وقد تمكنت من الحصول على المركز الأول في بطولة الجمهورية في أول مشاركة لها بعد مضي ثلاثة أشهر على دخولها مجال المصارعة، ثم استطاعت دخول منتخب مصر للمصارعة الرومانية بعد المشاركة المحلية بعامين، وفازت بالمركز الخامس على مستوى العالم في أول بطولة عالمية تخوضها، ثم حصلت مراراً على الميدالية الذهبية على قارة أفريقيا بين عامي 2009 و 2015، وتوالت نجاحاتها، كما شاركت في بطولة ريو 2016 التي أُقيمت في البرازيل.
حب في حلبة الملاكمة
تقول داليا العامري، مدربة «kick boxing»، إنها تعرفت إلى خطيبها سامر في الجيم، حيث كانا يتمرنان على لعبة الملاكمة، وفي عام 2013 اختيرا لتمثيل النادي الذي يتمرنان فيه بمسابقة على مستوى الجمهورية، وشاركا إلى جانب بعض اللاعبين في معسكرات للتدريب على المسابقة، ومع كثرة التمرينات وجدا أشياء مشتركة بينهما، مما ساهم في توطيد علاقتهما.
وتشير داليا التي درست «العلوم النفسية» إلى أن «kick boxing» هو أحد فنون القتال إذ يستخدم فيه اللاعب يديه ورِجليه، وهو مختلف عن الـ«boxing»، وتقول إنها مارست هذه اللعبة في البداية للدفاع عن النفس والتدرب على ردود الفعل السريعة في المواقف المختلفة، مؤكدةً أنه في ظل أحداث العنف التي تشهدها البلاد، يجب على كل الفتيات تعلم الرياضات القتالية لحماية أنفسهن من التحرش والمضايقات في الشارع.
وتلفت داليا الى أنها تدرّب الفتيات على الملاكمة، وأن ممارسة الرياضات الثقيلة بنِسب معقولة تجعل جسم الفتاة متناسقاً، ولا تحوّلها رجلاً كما هو شائع، فهورمون النمو العضلي عند الذكور وهو «التستوستيرون» موجود أيضاً عند الإناث ولكن بمعدل ضئيل جداً، كما هو الحال بالنسبة الى هورمون «الإستروجين» الأنثوي، فهو أيضاً موجود لدى الرجال، فهل إذا تناول الرجل الشوكولاتة مثلاً – وهي محفّزة لهورمونات الأنوثة - سيتحول إلى امرأة؟ بالطبع لا، والأمر نفسه ينطبق على رياضة رفع الأثقال أو كمال الأجسام، فهي رياضة يمكن الفرد ممارستها بصورة عادية جداً، سواء أكان ذكراً أم أنثى.
أما خطيبها سامر علام، وهو مهندس معماري ومدرب «Cross Fit»، وهي أيضاً لعبة قتالية، فيقول إنه لا يمانع أبداً في ممارسة الفتيات الرياضات القتالية، مؤكداً أنها لا تقلل من أنوثة الفتاة إذ تجعل صحتها جيدة وعضلاتها مشدودة، بل على العكس، فالرجل ينجذب إلى الفتاة التي تهتم بنفسها، وقد انجذبت إلى داليا، وهي الفتاة التي تشاركني اهتماماتي الرياضية، ونحن نعيش لحظات رومانسية طبيعية، لكن بطابع رياضي، فهدايا مناسبات الحب دائماً ما تكون عبارة عن أدوات رياضية كالأحذية وأدوات الملاكمة.
التايكوندو
جنّات عصمت، 13 عاماً، تلعب «التايكوندو» في نادي النصر في القاهرة، منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، وتقول: «كانت أميل لممارسة الألعاب القتالية، ولاحظت والدتي ميولي هذه، وأرادت هي أيضاً أن تعلمني بعضاً من هذه الألعاب، لكي أستطيع الدفاع عن نفسي، فجربت في البداية رياضتَي «الكونغ فو» و»الجودو»، لكنني لم أكن أرغب في الاستمرار فيهما، ثم جربت «التايكوندو» وأُعجبت كثيراً بها وما زلت أمارسها الى اليوم، كما لا أشعر بأن هذه الرياضة تخص الذكور فقط، بل يحق للفتيات أن يمارسهن لأنها تفيدهن في الدفاع عن أنفسهن أثناء تعرّضهن للمضايقات في الشارع».
جنّات، والتي أثنى مدربها على أدائها، تبذل جهداً لتنمية قدراتها، ودخول المنتخب المصري للـ«تايكوندو»، والوصول إلى الأولمبياد، بعدما حصلت ثلاث مرات على المركز الأول في بطولة الجمهورية، ومرتين في بطولة القاهرة للألعاب القتالية تحت 13 عاماً، والآن تستعد لخوض بطولة الجمهورية للمرة الرابعة في أيلول/سبتمبر، في مدينة الإسماعيلية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024