يوغا جديدة تخلّصك من الاكتئاب والتوتر: الضحك بدون سبب ليس قلّة أدب
جميعنا نبحث عن طرق نتخلص بها من الضغوط والتوتر والاكتئاب، البعض يلجأ الى العقاقير، والبعض الآخر يقصد الأطباء النفسانيين، لكن أخيراً بدأت تنتشر في مصر وبعض الدول العربية يوغا جديدة اسمها «يوغا الضحك».
ورغم أن المثل الشعبي يقول «الضحك من دون سبب هو قلّة أدب»، ترفض اليوغا هذا المثل، بل إنها تعتمد على فكرة الضحك ولو من دون سبب... «لها» تقتحم عالم «يوغا الضحك»، وتنقل لكم أسرارها.
«يوغا الضحك» تؤخّر الشيخوخة
عن انطلاق رياضة «يوغا الضحك»، أوضحت الدكتورة الألمانية أوتا مينيل ، المدرّبة الأولى لـ«يوغا الضحك» في مصر، أن هذه الرياضة بدأت في الهند قبل 22 عاماً، على يد الطبيب الهندي «مادان كاتاريا»، الذي لا يزال الى يومنا هذا يقود المسيرة في العالم، ويلتقي مشاهير المدربين في مؤتمرات دولية، وينشر التوعية العلمية بأهمية اليوغا التي تكافح الأمراض بعيداً عن الأدوية، وتؤخر الشيخوخة، حيث إنها تحسّن وظائف جهاز المناعة، مما يقلّل الشعور بالألم النفسي والعضوي، فقد أظهرت الدراسات الطبية أن الضحك من القلب وبصوت مرتفع، والتنفس الصحيح في عمليتي الشهيق والزفير، مع تحريك عضلات البطن، أفضل من ممارسة الرياضات البدنية، لأنه يزيد كمية الأوكسجين في كل خلايا الجسم، وليس في المخ فقط، مما يساعد في التخلص من الشعور بالاكتئاب والضغط النفسي، ومن المعروف علمياً أن الجسم يمرض إذا قلّت نسبة الأوكسجين فيه، وهناك حقيقة علمية يجب التنبه إليها، وهي أن جسم الإنسان لا يستطيع التفريق ما بين التظاهر بالضحك والضحك الحقيقي، ففي الحالتين تبقى النتيجة التي يتلقاها الجسم واحدة، والنتائج مذهلة وإيجابية، لأن الضحك يحفّز على إفراز مادة الأندروفين في المخ، وهو ما يسمى مجازاً بـ»هورمون السعادة».
وأشارت الدكتورة أوتا، الى أن الدراسات العلمية أكدت أن الطفل يضحك بعد ميلاده بما يقارب الـ 300 إلى 400 مرة يومياً، ثم يقل ذلك تدريجاً كلما كبر في السن، ليصل عدد مرات الضحك إلى حوالى 15 مرة في المتوسط، نظراً لضغوط الحياة التي تجعل الإنسان أكثر توتراً، مشيرة إلى أن «يوغا الضحك» تركز على تدريبات بدنية معينة، مثل التصفيق والضحك بصوت مرتفع والتنفس الصحي والاسترخاء، ويفضّل أن يكون ذلك جماعياً حتى يكون هناك تواصل بين المتدربين، مما يحقق حالة من «عدوى الضحك»، التي تزيد من تفاعل «هورمون السعادة» في جسم الإنسان، والذي يساعد في الشفاء من الأمراض العضوية الناتجة من الضغط النفسي، وبالتالي يساهم في تحسين المزاج العام.
ولفتت د. أوتا إلى أنها ساهمت عملياً في تحسين الأداء والعمل الجاد، من خلال «يوغا الضحك» في العديد من الشركات الكبرى والفنادق الشهيرة والمستشفيات، بل إنها شريك أساسي في التخفيف من الآثار النفسية الصعبة على السيدات المُصابات بسرطان الثدي، وذلك بالتعاون مع «مستشفى بهية»، وعدد من الحضانات والمدارس، حيث تقوم بتدريب الآباء والأمهات على كيفية غرس الضحك في حياتهم، مما ينعكس إيجاباً على أولادهم في تحصيلهم العلمي.
ونصحت الدكتورة أوتا السيدات بأن يكنَّ مفتاح المرح والسعادة في أسرهنَّ، ويسعين الى تغيير الصورة السلبية عن النساء – وخاصة الزوجات – بأنهن «نكديات»، لأن المرأة لا تستطيع أن تنقل السعادة الى أفراد أسرتها إن لم تكن هي نفسها سعيدة، فيجب عليهن أن يمارسن «يوغا الضحك» في حياتهن اليومية، سواء كنّ بمفردهن في غرف مغلقة، أو أثناء القيام بالأعمال المنزلية، مما يؤثّر إيجاباً في حياتهن، حيث يتخلّصن من الهموم والاكتئاب والشعور بالتعب.
تجربة مفيدة
أما غادة محمود ، 30 عاماً، تعمل في مجال السياحة فقالت: «علمت بيوغا الضحك من خلال صفحة على فايسبوك، في وقت كنت أحتاج فيه الى ممارسة نوع جديد من الرياضة المفيدة للجسم والروح معاً، فعلمت أن هناك مدرّبة ألمانية جاءت خصيصاً لتدريب المصريين على هذا النوع من الألعاب الروحية، وبعد تأكدي من مكان وموعد التدريب أتيت على الفور، وكانت تجربة مفيدة، فهي رياضة جديدة وجميلة، وأعتقد أنني سأمارسها لفترات طويلة، خاصة أنها ساهمت في تغيير مزاجي الى الأفضل».
وأضافت غادة قائلةً: «أحب اليوغا بشكل عام، وجرّبت العديد من أنواعها ووجدتها بالفعل تحسّن المزاج ككل، وأعتقد أن هذا النوع من اليوغا سينتشر بصورة أكبر، خاصة في مصر، فنحن شعب يحب الضحك بطبعه، ويحتاج إلى المزيد منه، للتخلص من ضغوط الحياة اليومية».
محاربة التوتر
قالت السعودية بسمة مدربة «يوغا الضحك»: «أمارس هذه الرياضة منذ عامين تقريباً، وأدرّب على يوغا الضحك وأنواع أخرى من التأمل في مصر منذ بداية هذا العام، وكنت أعيش قبل ذلك في السعودية، وعندما أتيت إلى القاهرة تعرفت إلى المدربة الألمانية أوتا، وهي التي أدخلت يوغا الضحك إلى مصر، ودرّبت عدداً كبيراً من المدربات على يوغا الضحك، وصرنا نتناوب على التدريب أسبوعياً».
وأضافت: «قبل اليوغا، يأتي إلينا الأشخاص في حالة توتر، وكثير منهم لا يضحك طوال يومه العادي، وأحياناً طوال الأسبوع بل طوال الشهر، وعندما يتدربون معنا لمدة ساعة واحدة أسبوعياً، فإن حالهم يتغير بدرجة كبيرة، رغم أنهم ما زالوا يعيشون حياتهم المثقلة بالهموم، لكن الشخص يبقى هو المسؤول الأول عن سعادته وتعاسته، فإذا أوعز لعقله الباطن بالضحك، شعر بالسعادة على أرض الواقع، وإذا أمره بالتعاسة والحزن يعطيه أضعاف ذلك غماً وبؤساً، واليوغا العادية عبارة عن ضخ الجسم بما يكفي من الهواء لكي يشعر بالراحة، من خلال وصول نسبة أوكسجين كبيرة إلى الرئتين، ومن ثم إلى المخ مع بعض التأملات الروحية، لكن في حالة يوغا الضحك، يكون الهواء مصحوباً بالكثير من الضحك».
وأوضحت «بسمة» أن اليوغا انتشرت بصورة كبيرة، ويرجع سبب هذا لما لها من فوائد صحية ونفسية كبيرة، فهي تعزز مناعة الجسم وتساعد في تنظيم عمل الرئة.
التدريب المتواصل
وأكدت سناء بدران أنها تداوم على «يوغا الضحك» منذ بدء انتشارها في مصر، وتحرص على التدرّب عليها كل يوم جمعة، وتُرجع ذلك إلى قدرة هذا النوع من الرياضة على التغلب على بعض المشكلات الصحية، إلى جانب منحه الشعور بالاسترخاء التام والراحة وخاصة في التنفس، ومواجهة المشكلات بهدوء تام، وقد تعلمت بعض الحركات التي تتدرّب عليها في اليوغا، وعندما تواجه أي مشكلة في حياتها اليومية تعمد الى القيام بإحدى حركات يوغا الضحك، فيزول التوتر تلقائياً، هذا فضلاً عن مواظبتها على ممارسة التمرينات في المنزل، بناءً على تعليمات المدربة.
ونصحت سناء كل النساء بالاطلاع على التمرينات المتعلقة بيوغا الضحك عبر الإنترنت، وممارستها في أي حديقة ولو لساعة واحدة أسبوعياً، وقد طلبت من بعض صديقاتها وزميلاتها بأن يرافقنها للتدرب أسبوعياً في حديقة الأزهر، وقد استجبن لها ولمسن الفارق.
الترويج للمبادرة
شريهان حسن ، 23 عاماً، معالِجة بالطاقة ومنظِّمة لمبادرة «يوغا الضحك» في مصر، قالت: «نروّج للمبادرة على فايسبوك، ونمارس هذه الرياضة بصورة شبه أسبوعية منذ عامين، ونحاول الوصول الى أكبر عدد من الناس على الإنترنت ونشجّعهم على الانضمام إلينا.
ورغم الاستجابة المشجعة، ما زلنا نحتاج إلى المزيد، وقد اخترنا أن يُجرى التدريب في حديقة الأزهر، وهي من أشهر وأكبر الحدائق في القاهرة، حتى يكون من السهل على المتدربين الوصول إليها».
وأضافت شريهان: «مبادرتنا لا تهدف الى الربح المادي، ولا ممول لها أو انتماء دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، فقط نسعى الى توصيل الضحك إلى كل الناس مجاناً، ونحرص على أن يكون الضحك عادة في حياتنا، وقد اعتاد رواد صفحتنا على الإنترنت على فكرة أنهم إذا أتوا إلى حديقة الأزهر كل يوم جمعة في الساعة العاشرة صباحاً، فسيحصلون على جرعة كبيرة من الضحك وبدون أي مقابل، مما يساعدهم على تحمل الضغوط طوال الأسبوع، وبالتالي يشعرون بالسعادة، كما تجذب حلقتنا بعض المارّة الذين يسمعون ضحكاتنا العالية فينضمون إلينا على الفور».
وعن المقولة الشهيرة «الضحك بدون سبب قلّة أدب»، أشارت شريهان الى أنهم يعملون على تغيير هذه المقولة، خاصة أن الله تعالى خلقنا لنكون سعداء، فلا طفل يولد وهو يعاني الاكتئاب مثلاً، لكن مع تراكم المشكلات الحياتية تغيب الضحكة، ونحن نحاول اليوم العودة إلى الفطرة، وتبديد السحابة الكئيبة التي تظلل حياتنا تدريجاً.
سعادة أسرية
عبّر مصطفى نبوي ، الذي يعمل في وزارة العدل، عن سعادته بالمشاركة في تدريبات «يوغا الضحك»، فقال: «بعدما علمت بيوغا الضحك، صرت أحتاج إليها بصورة كبيرة، لكثرة الهموم والمشكلات التي تواجهني، ولهذا سارعت مع بعض أصدقائي لتجربة هذا النوع من الرياضة، فوجدت أنها تحقق لي السعادة التي كنت أراها في الصور أو مقاطع الفيديو التي تنشرها صفحة يوغا الضحك، ومن ثم شجعت والدتي وأختي على ممارسة هذه الرياضة، وقد استمتعنا بها جميعاً، ورغم أن فترة التدريب لا تتجاوز الساعة أسبوعياً، لكنها تترك تأثيراً إيجابياً وتمد الجسم بالطاقة والحيوية وتغير المزاج 180 درجة».
وتابع مصطفى قائلاً: «في اليوم الأول من ممارسة اللعبة، شعرت ببعض الحرج لأننا نضحك من دون سبب وبصوت عالٍ ومع أشخاص لا أعرفهم، لكنني اعتدت على الأمر بعد ذلك، وتغاضيت عن هذه النقطة بعد الفوائد التي حصلت عليها، من التأمل والتنفس بصورة صحيحة وشد عضلات الجسم، ومع أنني كنت أمارس رياضات بدنية كثيرة، أيقنت أن من الضروري القيام بهذه الرياضة الروحية».
العلاج البديل
الدكتور إيهاب عيد ، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، أوضح أن «يوغا الضحك» من أحدث صيحات العلاج البديل، والتي اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة، وهي تعتمد في الأساس على الضحك بالاستناد الى أشياء أخرى غير النكتة أو الفكاهة، أي «المرح الطفولي» أو الضحك بدون سبب، وهي تماماً مثل لعب الأطفال مع بعضهم البعض، ويبدأ الإنسان تدريبه بالضحك لمدة 10 أو 15 دقيقة متواصلة، مما يؤدي إلى تغير تلقائي في حالته النفسية والمزاجية بشكل خاص، والضحك بالنسبة الى الأشخاص الطبيعيين هو وسيلة للوقاية من الأمراض، أما بالنسبة الى الأشخاص المرضى فهو شفاء من كثير من الأمراض، وخاصة مرض السرطان.
وأشار الدكتور إيهاب إلى أن اليوغا مجموعة من الطقوس الروحية والبدنية التي تعتمد أساساً على تمارين التنفس المفيدة لجسم الإنسان بصورة كبيرة، وخاصة المخ والرئتين، والربط بين اليوغا والضحك تحت مسمى «يوغا الضحك»، أي الاعتماد على تمارين الضحك والتنفس جنباً إلى جنب، وهذا يعني تزويد الدماغ بنسبة كبيرة من الأوكسجين في الشهيق، مصحوباً بطاقة كبيرة يقدمها الضحك الى القلب، فيجتمع علاج العقل والقلب معاً، مما يسهّل على المخ التخلص من الهموم والذكريات المؤلمة، وإضفاء جو من المرح والسعادة من خلال الضحك، وأعتقد أن هذا النوع من العلاج من أفضل العلاجات النفسية السريعة المفعول، حيث يظهر تأثيره بوضوح خلال جلسة العلاج.
وأنهى الدكتور إيهاب كلامه مؤكداً أن الصحة النفسية أساس لشفاء كثير من الأمراض العضوية، ولهذا فإن «يوغا الضحك» علاج بدون آثار جانبية، كما أنه ليس مكلفاً ولا يحتاج الى جهد أو ملابس خاصة، بل هو متاح لأي إنسان ساعة يشاء.
علاج اجتماعي
أشارت الدكتورة عنان محمد ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الى أن «الضحك» هو اللغة العالمية التي لا تحتاج إلى ترجمة، كما أنه يوطد العلاقات الاجتماعية بين البشر، حيث يكون الإنسان الضحوك محبوباً، لأنه ينشر جواً من المرح والسعادة في المحيط الاجتماعي الموجود فيه، ولهذا فإن «يوغا الضحك» سلاح اجتماعي فعال، لأنه يقضي على الفوارق الاجتماعية بين المشاركين ويساعد على التلاقي الروحي والنفسي.
وأكدت د. عنان أن «يوغا الضحك» تقلّل من المشكلات الاجتماعية، سواء على المستوى الأسري أو العلاقات الاجتماعية، مما يُضاعف الألفة والسعادة بين البشر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024