هذا الصيف جولي في الريف الإنكليزي

23 تموز 2017

غالبًا حين نتكلم على رحلة إلى بريطانيا، تكون لندن وغيرها من المدن التي تعيش تحت أضواء الشهرة السياحية محور تفكيرنا، ولكن في جنوب غربي انكلترا ثمة منطقة ذات جمال طبيعي أخّاذ، إنها منطقة كوتسوولدز، وهي سلسلة من التلال بين باث وستراتفورد أبون- أيفون، وتبعد 90 دقيقة غرب لندن. كوتسوولدز هي بلا شك وجهة ساحرة لجميع محبي تفاصيل الطبيعة الجميلة.

كوتسوولدز هي موطن لمجموعة من البلدات والقرى الإنكليزية الصغيرة، حيث البيوت مشيّدة من الحجر الجيري مع لمسات اللون العسلي، فلقرون عدة، كان الحجر يستخدم في تشييد البيوت والقصور والكنائس أو الحانات... يأتي السيّاح إلى هنا للاستمتاع بهذه الأجواء الرائعة والمشي لمسافات طويلة من قرية إلى قرية، والتسوّق، والاسترخاء وخوض تجربة العيش على إيقاع الزمن القديم.
هناك المئات من المدن والقرى في كوتسوولدز والتي يشكل اكتشافها مغامرة فريدة حيث البيوت والقصور والكنائس ستحدّثك كم كانت هذه المنطقة مزدهرة في فترة تربية الأغنام وتجارة الصوف. وهنا بعض أجمل هذه القرى...

بورتون أون ذا واتر
بورتون أون ذا واتر هي واحدة من الوجهات الأكثر شعبية. هنا الجسور الحجرية المنخفضة والمقوّسة والتي كانت السبب في تسميتها بـ«بندقية كوتسوولدز»، معلّقة فوق نهر ويندراش Windrush تنساب أسرار التاريخ من تحتها بهدوء.
تظلل هذه الجسور الأشجار المصفوفة بأناقة، فيما المباني التقليدية التي تصطف عند أقدامها بوتيكات بيع التذكارات والمقاهي تستمتع بمشهد النهر الذي يتماوج على صفحة وجه مياهه الأخضر... مما جعلها قرية يتجاوز عدد السيّاح فيها خلال الموسم السياحي تعداد سكانها بكثير.
هناك الكثير يمكن القيام به في هذه البلدة الجميلة، فإذا كنتِ من محبّات الطيور فـ«بيردلاند»، أو أرض الطيور هي حديقة أصيلة للطيور، تضم مجموعة رائعة من طيور البطريق، جُلب بعضها من جزر في جنوب المحيط الأطلسي.
وهي أيضًا موطن لمجموعة كبيرة من الطيور الغريبة. فيما القرية النموذجية، وهي نموذج مصغّر لـ «بورتون على الماء» كما كانت عام 1937 تعيدك إلى أجواء العقود الأولى للقرن العشرين، أي البدايات البطيئة لعصر التكنولوجيا.
أما إذا كنت من عاشقات العطور وترغبين في تشكيل عطرك الخاص فمتجر ومصنع كوتسوولدز للعطور سوف يمنحك هذه الفرصة، ففي هذا المصنع تُركّب العطور الشخصية للملكة.
ومن العطور إلى السيارات... تعرّفي إلى أقدمها في متحف كوتسوولدز للسيارات ونماذج السيارات الألعاب. يضم المتحف مجموعات السيارات القديمة والسيارات الكلاسيكية والدرّاجات النارية.

سيرنسيستر Cirencester
سيرنسيستر هي العاصمة القديمة لكوتسوولدز وأكبر بلدة فيها. تُعرف ببلدة السوق وتبعد 150 كيلومترًا شمال غربي لندن يخترقها نهر تشورن، وهو رافد لنهر التايمز.
إنها موطن كلية الهندسة الزراعية الملكية، أقدم كلية زراعية في العالم ناطقة باللغة الإنكليزية، تأسست عام 1840. تضم البلدة متحف كورينيوم المشهور نظرًا إلى احتوائه على مجموعة أثرية رومانية. وكورينيوم كان الاسم الروماني للبلدة، والذي يعتقد أنه كان مرتبطًا بالقبيلة البريطانية القديمة دوبوني.
تستقطب البلدة الكثير من السيّاح الذين يأتون إليها للتسوّق والاستمتاع بالجمال الطبيعي الذي تصعب محاكاته في مخيّلتنا البشرية.
إلى الغرب من سيرنسيستر تمتد إحدى أجمل الحدائق الطبيعية في إنكلترا، التي وضعها «البيريج» إيرل باثورست الأول بعد عام 1714.
و«البيريج» لقب يُطلق على طبقة النبلاء في بعض الدول الأوروبية.
تضم سيرنسيستر الكثير من المعالم التاريخية المرمية وسط هذا الجمال الطبيعي منذ قرون، من بينها المدرج الروماني الذي يقع في شارع كوتسوولد، فرغم أن الزمن طمره في باطن الأرض، فهو لا يزال يحتفظ بشكله في التضاريس الموجودة في حديقة صغيرة.
فقد كانت سيرنسيستر واحدة من المدن الأكثر أهمية خلال الحقبة البريطانية- الرومانية. كما تضم البلدة نادي سيرنسيستر بارك بولو، الذي تأسس عام 1896، هو أقدم نادي بولو في المملكة المتحدة. تقع ملاعبه الرئيسة في حديقة إيرل باثورست سيرنسيستر بارك. وكثيرًا ما يرتاده أمير ويلز وولداه دوق كامبريدج والأمير هاري.

بينزويك Painswick
تلقّب بـ «ملكة كوتسوولدز». إنها جوهره صغيرة تختبئ بين تلال كوتسوولدز الشهيرة بشوارعها الشديدة الانحدار والمنازل التقليدية، تحيط بها بعض المناطق الريفية الأكثر روعة، في كوتسوولدز.
التجوال في هذه البلدة رحلة في عوالم مفتوحة على كل احتمالات الجمال الطبيعي المتناثر في جميع أنحاء البلدة. فهنا شيّدت معظم المباني من الحجر الليّن حوالى 1428عندما كانت تجارة الصوف والقماش مزدهرة، فيما يكشف مبنى «بيكون هاوس» الذي جاء على النمط الجيورجي الرائع وفندق فالكون عن الترف الذي عرفته ولا تزال تعرفه هذه البلدة.
في شارع بيسلي تقع منازل القرن الرابع عشر، إضافة إلى بوابتين كبيرتين كانت الحمير القادمة من الوديان المحلية، تعبرهما محمّلة بمواد الصوف الخام. اليوم هناك مجموعة متنوعة من المحلات التجارية الصغيرة وصالات العرض والحانات والمطاعم وبيوت الشاي. كما تضم أقدم نادي في بريطانيا للركبي Rugby يعود إلى القرن الخامس عشر.
الريف حول بينزويك يضمخ البلدة بالسحر الحابس للأنفاس، ولا سيما متنزّه «ناشونال تراست وودلاندس» حيث يجد هواة الطيور وعشاق الحياة البرية ملاذهم. كما تشرف بينزويك على مناظر خلابة لوادي سيفرن، وفي يوم صيفي مشرق يمكن رؤية جبال ويلز.
ملاحظة: تنظم بينزويك مهرجان الفنون على مدى 6 أسابيع من منتصف تموز/ يوليو إلى نهاية آب/ أغسطس.

بايبوري Bibury
بايبوري هي قرية أقرب إلى قرى الافتراض التي تصوّرها كتب أدب الأطفال، قال عنها الفنان والحرفي ويليام موريس عندما زارها في القرن التاسع عشر: «بايبوري أجمل قرية في إنكلترا». تقع القرية على بعد 10 كيلومترات شمال شرقي سيرنسيستر وتستريح على ضفتي نهر كولن، وهو أحد روافد نهر التايمز.
ومما لا شكّ فيه أن مجموعة البيوت الريفية الخلابة التي تضمّها البلدة ولا سيّما في ممر أرلينغتون أكثر المشاهد التي تمّ تصويرها بين بلدات كوتسوولدز.
وربما تكون الآن أيضًا أكثر القرى تصويرًا في العالم، فمنذ عام 2010 ظهرت صورة لأكواخ النسّاجين السابقين في «أرلينغتون رو» على الغلاف الداخلي لجميع جوازات سفر المملكة المتحدة الصادرة حديثًا.
وهي وجهة رئيسة للسيّاح الذين يزورون القرى الريفية التقليدية، ومنازل الشاي والعديد من المباني التاريخية في منطقة كوتسوولدز. كما أنها واحدة من ستة أماكن في البلاد ظهرت في متنزّه قرية «ميني أوروبا» في بروكسل.
كل تفصيل في هذه القرية الإنكليزية يحفّز المخيلة، بل ربما يتحدّاها، فعندما يتماهى الإبداع الإنساني مع روائع الطبيعة، لا بد من أن يخرج منهما جمال يستحيل أن يشيخ أو يبهُت.
تخيلي الأخضر وتدرجاته التي نُثرت عليها كل الألوان تلاعبها النسائم العليلة صيفًا، وهي تتسرب بين أكواخ تعود إلى القرن السابع عشر لتستريح على أسطحها الضيقة.
هذه الأكواخ كانت حاضنة للنسّاجين الذين كانوا يحيكون القماش بدقة تتوق إلى الكمال. حتى الثمانينات، كانت هذه الأكواخ تضم متحف «أرلينغتون ميل» مع مجموعة من الملابس التي تعود إلى القرن السابع عشر، ثم تحوّل إلى فندق «بارنسلي هاوس» لتعود وتصبح ملكية خاصة يمكن استئجار إحدى غرفها والمبيت فيها.
وقد استُخدمت بايبوري موقعًا لتصوير العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، فظهرت في خلفية غلاف فيلم Stardust ، كما صُوّرت فيها مشاهد من فيلمَي «مذكّرات بريدجيت جونز» و«ليبرتاين» من بطولة جوني ديب. وهي البلدة التي أحبها إمبراطور اليابان هوريتو حين أقام فيها لفترة أثناء جولته الأوروبية.

بيوت الشاي
مطاعم كوتسوولدز ومحلات الشاي تلبي مختلف الأذواق، ويمكن العثور على الكثير منها في كل أنحاء منطقة كوتسوولدز، وكلٌ منها متخصص بنوع محدد من الشاي وله أسلوبه الخاص في التقديم.
ومن المعروف أن بيوت الشاي الإنكليزي في جميع أنحاء العالم تتبع نمطًا تقليديًا، فمع الشاي يقدّم الكعك الكريمي الطازج، وأكواب الشاي يجب أن تكون أنيقة، ولكن هذه البيوت ليست أصيلة ولا يمكن أن تكون كالتي يمكن العثور عليها في انكلترا، وخاصة في كوتسوولدز حيث تقليد شرب الشاي يعود إلى 300 سنة مضت