المخرج السوري - الفلسطيني باسل الخطيب: زوجتي رفيقة دربي وأعيش بأنفاس أمي
مثل نبعٍ لا ينضب، يغدقُ من فكره ليرتقي بالمجتمع ثقافياً وفكرياً فيعطي بلا حدود، ويحقق أحلاماً على امتداد عمره الفني الطويل الذي رسّخ معاني الدراما السورية بمفهوم مغاير نظراً لإرث ثقافي وحضاري ممتد من فلسطين إلى سورية.
تتوق الروح للقائه، والفكر للحديث معه، لينثر علينا من أحلامه كل جديد في عالم السينما التي أصبحت شغله الشاغل، وشاشته الصغيرة التي عشقها، ليقدم من خلالها المرأة الشامية بفكرها وثقافتها، وما حملت من إرث فكري وعطاءات أدبية وسياسية واجتماعية.
التقته «لها» في مكتبه في مدينة الياسمين الدمشقية لينثر عطر المرأة السورية وما حملته من آلام وآمال في سنوات صعبة مرت بها، إلا أنها أثبتت وجودها بقوة على الساحة الفنية في الحرب والسلم.
- من سورية إلى الجزائر حمل باسل أدواته لإخراج أول مسلسل تلفزيوني وفيلم سينمائي ضخم عن العلاّمة الجزائري عبدالحميد بن باديس (1889-1940)، ما الهدف من هذا الفيلم؟
كانا مشروعين، لكنني ركزت أكثر على الفيلم لأعطيه حقه من الوقت والاهتمام الذي يستحق، ويعود سبب اختياري للجزائر ولابن باديس بالذات الى تلك الصداقة المتينة والقديمة التي تربطني بوزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي حين دعاني لتنفيذ مشروع ضخم كهذا من إنتاج وزارة الثقافة الجزائرية، وأحببت أن أعرّف المشرق العربي على شخصية ابن باديس من خلال تاريخ الجزائر النضالي المعاصر، وما يميّزه عن المناضل عبدالقادر الجزائري أنه لم يركز على النضال ضد المستعمر الفرنسي بمفهوميه السياسي والعسكري، بل كان هاجسه الرئيس النضال ضد المستعمر الفرنسي الذي حاول طمس الهوية الجزائرية، ساعياً الى تكريس عروبة الجزائر وهويتها الثقافية، وقد أفنى عمره في تثبيت الشخصية العربية للجزائر وقدم صورة فيها الكثير من الجدية، مُظهراً الجانب التنويري للإسلام.
- هل اهتم الفيلم بدور المرأة الجزائرية في تلك الفترة؟
الفيلم يحكي عن ابن باديس تحديداً، والذي لم يكن موفقاً في حياته الشخصية، نظراً لمجموعة أزمات تعرّض لها، بدءاً بوفاة ابنه وصولاً إلى انفصاله عن زوجته، فعاش حياة الزهد والتصوف، لكن ابن باديس نادى بحرية المرأة وتعليمها، حيث كان يُدرّس الفتيات الصغيرات في المدارس، حتى أصبح له تأثير في جيل كامل من النساء الجزائريات، اللواتي ظهرن في الفترة اللاحقة، وافتتح مدارس على نفقته الخاصة.
- ألا تستحق المناضلة «جميلة بوحيرد» من المخرج باسل سيرة ذاتية؟
المناضلة «جميلة بوحيرد» تستحق كل التقدير، وسبق للمخرج يوسف شاهين أن قدّم عنها فيلماً رائعاً، لكن الأهم اليوم أن ظهور شخصية ابن باديس في تلك الفترة له دلالة ومعنى نظراً للتيار الفرانكوفوني الذي ما زال موجوداً بقوة في الجزائر، والذي يسعى ويهاجم كل المبادرات التي تُبرز الجزائر دولة عربية، لذلك كانت الدعوة لذلك الفيلم مهمة لتذكير الناس بإنجازات تلك الشخصية وإسهاماتها في تاريخ الجزائر المعاصر.
- متى سيُعرض الفيلم؟
انتهينا من التصوير، ونعمل حالياً على المونتاج والميكساج، وسيُعرض العمل قريباً.
- ابن الشاعر الفلسطيني الراحل يوسف الخطيب والمرأة العظيمة بهاء الريس، هل هناك فكرة لمسلسل سيرة ذاتية عن تلك الأم التي أنجبت المبدع باسل الخطيب والتي نهل من فكرها؟
أطال الله في عمر والدتي التي أعيش بِنَفَسِها، وكل ما قدمتُه من أفلام يتناول موضوع المرأة السورية ويحمل روح الوالدة العظيمة، وتفاصيل كثيرة عنها، وكل تلك الشخصيات النسائية في الأفلام الأخيرة مستوحاة بشكل أو بآخر من شخصية أمي، هي معي أينما حللت، ونَفَسَها موزع على تلك الأفلام: «الأم»، «مريم» «الأب» و«سوريون».
- فيلم «سوريون» حصد جائزة مهرجان الاسكندرية، ما هي التحديات التي واجهتها؟
واجهت تحديات كثيرة، لكن التحدي الأكبر والأساسي هو الحديث عن سورية اليوم، وما يدور على الساحة يعرفه القاصي والداني، لذلك حين قدمته بصورة فيلم، سلّطت الضوء على قضية الانتماء الى الوطن، فالوطنية ليست مفهوماً فضفاضاً، بل هي البوصلة التي تحرّكنا.
وهؤلاء النسوة اللواتي قدّمتهن في أفلامي، رغم كل الكوارث وآلام الوطن وأثلامه، التي مررن بها، بقين منتميات إلى الوطن بصدق وعاشقات له، وهذ إن دلّ على شيء فعلى عظمة المرأة السورية وقوة تحملها الصعاب.
- فيلم «سوريون» عُرض في سورية، وحقق نجاحاً باهراً، لكن ماذا عن عرضه في دور السينما العربية؟
عُرض هذا الفيلم في الجزائر ومصر وفرنسا من خلال مساعٍ شخصية، وعرض في أستراليا أيضاً مع فيلمَي «مريم» و»الأب»، وهي المرة الاولى على مستوى السينما العربية التي يعرض فيها مخرج سوري كل أفلامه في أستراليا، أسبوع في سيدني وآخر في ملبورن، وكل دعوة على مستوى العالم العربي تواجّه بالرفض.
- إن ألقينا الضوء على المرأة العربية بشكل عام والمرأة السورية بشكل خاص، ألا نجدها مقهورة؟
تعبير مقهورة صعب وصفه، لكن نستطيع القول إنها أسيرة لنمط التفكير المجتمعي أو الذكوري، لكن إذا اطّلعنا على إنجازات المرأة قبل 100 عام، نجد المرأة العربية بعامة، والسورية بخاصة قد حققت إنجازات عظيمة في كل مناحي الحياة، وقطعت شوطاً كبيراً على مستوى الحضور الاجتماعي والثقافي والفني والسياسي والإنساني، وأصبح لها مكانة كبيرة.
- فيلم «أريد حلاً» للفنانة الراحلة فاتن حمامة غيّر قانون الأحوال الشخصية في مصر، هل في بالك فيلم يتناول قضية المطلّقات ومعاناتهن مع المجتمع؟
الطلاق ظاهرة قديمة، والكثير من النساء على امتداد الوطن العربي استطعن تخطي تلك المرحلة، وتفرّغن لتربية أولادهن وتعليمهن، رغم تحديات الحياة الصعبة، لأن المرأة حباها الله بقوة وقدرة على الصبر والتحمل تساوي أضعافاً مضاعفة من الرجل، فما هذا الكائن الذي نراه ضعيفاً وهشّاً وفي لحظة يتحول إلى قوة حقيقة تعمل على بناء المجتمع!
- ما الذي يشغلك المرأة السورية في ظل الظروف الراهنة؟
قضية الفتيات الأرامل والأيتام، فهناك جيل كامل من الفتيات الصغيرات اللواتي سرقت الحرب أزواجهن وتركتهن مع أطفالهن يواجهن ظروف الحياة الصعبة ونتائج الحرب القذرة... تلك النماذج الحيّة التي تراها العين صباحاً ومساء، ورغم كل شيء بقيت المرأة السورية قوية وقادرة على التأقلم مع الظروف المستجدة.
- ماذا يعني لك الأمل في تلك الظروف؟
لست متفائلاً ولا متشائماً، لأن تلك القضية لا تقتل الهاجس الذي يستحوذ على تفكيري، وعلى كل شخص واجب من الضروري أن يقوم به، ولكل إنسان حياته التي يجب أن يعيشها، والتزاماته التي يجب أن يقوم بها، وعلينا أن نتفادى حالة التشاؤم المحبِطة، والأهم أن نعمل بصدق وإخلاص وضمير، فربما تصبح الحياة أفضل.
- ما رأيك بالدراما السورية اليوم؟
في منتهى الشفافية، لي رد فعل سيئ تجاه الدراما التلفزيونية السورية، وتجاه كل ما يُنتج في سورية، فلم يعد هناك شركات إنتاج يستطيع الإنسان أن يُراهن عليها لتقديم مشروع فني لائق.
- ماذا على الصعيد السينمائي، بعد فيلم «سوريون»؟
هناك فيلم سنبدأ تصويره خلال الشهرين المقبلين، عنوانه المبدئي «النجاة»، وهو يربط بين مرحلتين في تاريخ سورية المعاصر، مرحلة الثمانينات من القرن الماضي بكل أحداثها المؤلمة، وما نعيشه اليوم في الألفية الثالثة من أحداث وقعها أكثر إيلاماً، مع ربط بين الشخصيات في هاتين المرحلتين.
- ما الرسالة التي تريد إيصالها؟
أؤكد أن عدونا واحد، وهو متربص بنا دائماً، وإن اتّخذ أشكالاً مختلفة ومسمّيات عدة، ضمن إطار إنساني وروائي يتخلله دور مهم للمرأة السورية حين كانت ضحية للإرهاب في ثمانينات القرن الماضي، وضحية للإرهاب والعنف في يومنا هذا، لنشاهد كيف يتحرك هؤلاء النسوة بين الفترتين.
- في مسلسل «حدث في دمشق» قدمت المرأة السورية بصورة مغايرة، ما الذي أردتَ تصحيحه؟
حاولنا كفريق عمل أن نُخرج المرأة السورية والشامية تحديداً من الإطار الذي وُضعت فيه، بحيث يحكمها الرجل، فجاء مسلسل «حدث في دمشق» ليُنصف المرأة الشامية ويعكس صورتها الثقافية والاجتماعية الحقيقية من خلال الصالونات الأدبية والثقافية، مع تسليط الضوء على بعض الأحداث بدحض الأكاذيب والأقاويل التي كانت تُحاك ضد الشام وأهلها في تلك الحقبة.
- هل هناك مشروع تلفزيوني جديد؟
هناك مشروع لرمضان 2018 يحكي عن المطران الراحل كبوشي ورحلته الطويلة، وربط طفولته بمدينة حلب الشهباء، وماهية علاقته بالقضية الفلسطينية، ومدى تأثيرها في العالم.
- كاتب سيناريو ومخرج... ألم تجد صعوبة في كتابة السيناريو، وأين كتّاب السيناريوات اليوم؟
الكتابة عملية مضنية وصعبة، وتتطلب مني بذل جهد كبير، فتجعلني شخصاً عدوانياً لكونها تعزلني عن الناس والمجتمع، وتأخذني من حالة العزلة إلى حالة من التوحش، كما قال همنغواي: «ألد أعداء الكاتب أسرته». حين يجلس للكتابة، ينعزل عن محيطه، لذلك أنا لا أحب الكتابة لأنني أحب الحياة، وحين تهاجمني الأفكار أضطر لتفريغها على الورق، إضافة الى الهوّة التي تُباعد بين كتّاب السيناريوات، فكلٌ منهم يكتب ما يريد، وليس ما يتطلبه العمل، أو ما أريد التحدّث عنه.
- لكن أفلام السينما من تأليفك...
شاركني فيها شقيقاي وضّاح وتليد الخطيب، ويشاركني السيناريو في فيلمي الجديد ابني مجيد الخطيب الذي يدرس الإخراج السينمائي في أميركا، أي أنه تعاون عبر البحار.
- هل خطفتك السينما من الشاشة الصغيرة؟
إطلاقاً، لكنني في انتظار النص الجيد والإنتاج الأجود، ولا يمكن في حال من الأحوال أن أدير ظهري لما قدمته في الدراما التلفزيونية خلال الأعوام العشرين ولاقى النجاح، لأنني أحب أن أحافظ على جمهوري من خلال الشاشة الصغيرة.
- ماذا تحب أن تقول لـ «لها»؟
ليس من باب المجاملة، المرأة أهم قيمة في حياتنا، حين يضعف الرجل تكون الملهمة والمحرّض لإبداعه، ومن لا يقدّر المرأة لا يعرف قيمة الحياة. زوجتي ديانا جبور رفيقة دربي، وأعيش بأنفاس أمي، وأنحني إجلالاً «لها».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024