لهذا السبب لم يعد طفلك يرغب في عناقه
لم يعد هادي (10 سنوات) يرغب في أن تحضنه والدته وتلاطفه كما كان في سن السادسة، بل يبدي انزعاجه وأحيانًا غضبه إذا قامت بهذا السلوك أمام أصدقائه في المخيم.
ولكن لمَ أصبح هادي يرفض مشاعر الحنان التي تعبّر عنها والدته، وهو الذي كان يقفز إلى أحضانها عندما كانت تأتي الى المدرسة لاصطحابه إلى البيت، وكان يطلب منها عناقًا قويًا قبل النوم؟ أما اليوم فهو يبعدها عنه حين تحاول عناقه. فهل هذا مؤشر إلى أنه لم يعد يحبها!
بالطبع لا كما يؤكد الاختصاصيون، وإنما هادي أصبح في سن ما قبل المراهقة، وهو بدأ يدرك أن له هويته وشخصيته الخاصة، ويحاول تحديدهما.
فهو لم يعد الطفل الصغير الذي يشعر بالحزن إذا غابت والدته عن ناظريه، ولا ذاك الطفل الملاصق لوالديه، وإنما الطفل الذي يخطو نحو المراهقة، أي نحو الاستقلالية وعدم التبعية لوالديه. واحتضان والدته له وعناقه وتقبيله، ولا سيما في الأماكن العامة وأمام أقرانه تعني أنه لا يزال طفلاً صغيرًا. وإذا تتبّعنا مراحل النمو عند الإنسان نجد أن احتياجاته العاطفية تختلف باختلاف السن والمرحلة التي هو فيها.
في مرحلة الطفولة المبكرة العناق والحضن ضروريان
عند الولادة يحضن الوالدان الرضيع بحنان، وبشكل متواصل، فتكون بشرته متلاصقة مع بشرة والدته أو والده. فهي تعانقه في كل مرة تغير له الحفاض وأثناء الرضاعة والاستحمام وهذا يساعد على بناء علاقة وطيدة مع الطفل، ومن اللافت كم يشعره هذا العناق المتواصل بالراحة والأمان العاطفيين.
لذا، من المهم جدًا عناق الأطفال الصغار لأسباب عدة، فهو يساهم في تعزيز روابط التواصل معهم، ويواسيهم ويطمئنهم ويوفر لهم الراحة العاطفية ويعزّز نمو أدمغتهم بشكل ممتاز.
واحتضان الطفل الرضيع هو أيضًا منحه لاحقًا احتمال أن يجد لنفسه مصادر «راحة النفس»، التي تسمح له بإدارة عواطفه والتعامل مع تقلبات الحياة. فالأطفال يحبون أن يكونوا محضونين.
يرتبط هذا الشعور، بالدفء الرقيق والرائحة المعروفة يسعى إليهما طوال مرحلة الطفولة. لاحظوا كم تهدأ أكبر المشكلات على الفور عندما يضع الطفل رأسه على صدر والدته الدافئ والحنون.
نحو استقلال الطفل الذاتي
حوالى 2-3 سنوات عندما يتعلم الطفل الاستقلال يكون للعناق دور مهم، وخاصة في لحظات الانفصال اليومية، في الصباح حين يذهب إلى الحضانة أو المدرسة، أو لحظة النوم وكذلك مع أي تغيير كبير يحدث في العائلة: وصول أخ أصغر أو شقيقة، والانتقال...
بدءًا من سن السادسة يريد الطفل ألا يُنظر إليه على أنه صغير جدًا ويطلب من والدته عناقًا أقل في الأماكن العامة، ولكن حاجته إلى الحضن، والجلوس على ركبة والده والتواصل الجسدي مع والديه لا يزال مهمًا بالنسبة إليه.
وفي الواقع، حاجة الطفل إلى الحضن لا تستند إلى السن فقط وإنما إلى مزاجه وشخصيته: فكل طفل لديه احتياجات مختلفة، ويمكن إعادة شحن مخزونه العاطفي بعناق مدته متغيرة.
ومع ذلك، فإذا حدث تغيير مفاجئ في سلوك الطفل، وأصبح يرفض العناق بشدة في حين كان يطلبه، فمن المهم التحدث معه، والانتباه إلى ما يحدث في يومياته مع أقرانه أو الراشدين المحيطين به.
مرحلة هو الذي يقرّر فيها!
ما الذي يمكن فعله إذا رفض محبتنا؟ سؤال يطرحه الكثير من الأهل فيجيب الاختصاصيون بأن على الأهل في هذه المرحلة من عمر الطفل (8- 12) الامتناع عن العناق المفروض، والمجاملات أو المديح الذي في غير محله. لذا عليهم الانتباه ما إذا كانوا يعاتبونه على رفضه.
فالطفل في حاجة إلى أن تكون له القدرة على الطلب والبحث عن العناق في اللحظة التي تسمح له بالشعور بالراحة، فهو لم يعد يريد العناق الذي يخنقه، بل يرغب بعناق يحدّد هو متى يحتاج إليه، أو حضن يساهم في تهدئته إذا كان متوترًا.
إذًا، على الأهل في هذه السنّ احترام رغبة الطفل وليس اتهامه بأنه لم يعد يحبّهم. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأطفال يفضّلون أشكالاً أخرى في طريقة استعادة الشعور بالأمان مثل اللعب مع أهلهم، تخصيص وقت للتحدّث عن الأمور الشخصية، ومشاركة لحظات ترفيهية.
يرفض العناق ولا سيما في الأماكن العامة!
على الرغم من أن المراهق (8-13 سنة) لا يزال يرغب في عناق أهله، هناك قاعدة عامة إلى حد ما، وهي أنه لا يحب أن يعانقه أحد والديه، ولا سيما والدته أمام أصدقائه، ففي مرحلة ما قبل المراهقة، يعتبر الطفل نفسه أنه أصبح ناضجًا ويسعى إلى الاستقلال الذاتي، وبالتالي يتصرف أمام أصدقائه كما لو أنه سيّد نفسه والقادر على اتخاذ القرارات الخاصة به، وأنه لم يعد طفلاً تلاحقه نظرات والديه أينما ذهب، ولا يبكي إذا تأخر أحد والديه لجلبه من المدرسة، وبالتالي فعناقه وحضنه أمام أصدقائه، يشعرانه بالحرج، فالأطفال في هذه المرحلة يستهزئون بصديقهم إذا عانقته والدته أمامهم، وقد يتنمّرون عليه مثلاً «ابن الماما... لا يزال طفلاً صغيرًا...».
لذا قبل انفصال المراهق الحقيقي، ونعني عدم التبعية لأهله في كل تفاصيل حياته، فإن هذا الطفل العابر إلى مرحلة المراهقة سوف تمرّ علاقته بوالديه بفترات متقلبة تتناوب فيها رغبة الانفصال عنهما وأحيانًا أخرى الرغبة في الالتصاق بهما.
حتى لو كان صعبًا، على الأهل تقبّل عدم رغبة المراهق الصغير في معاملته كما الطفل، ولا سيما العناق والاحتضان واحترام هذا الرفض، لأنه جزء من التطوّر الطبيعي للمراهق، فهو في حاجة إلى وضع مسافة صحية بينه وبين والديه للحصول على الحكم الذاتي.
وقد يفاجئ هذا الطفل أحد والديه بعناق قوي وشديد، خصوصًا إذا حقق إنجازًا ما أو كافأه أحد والديه، أو تحققت له أمنية، عندها على الأهل الاستمتاع بهذه اللحظة وتجنب عبارات تحمل في مضامينها عتاباً من قبيل «اعتقدت أنك لم تعد تحبني».
هل رفض العناق هو بالمقدار نفسه عند البنت والصبي؟
لا، فالمسألة عند الصبي تتعلّق بمفهوم الرجولة والقوة، فيما البنت في طبعها تظهر استجابة كبيرة لمشاعر المحيطين بها، ولا سيما والديها، فهي أكثر حساسية، وبالتالي لا تخجل أو تشعر بالحرج إذا ما حضنتها والدتها أمام صديقاتها، بل على العكس ربما تتباهى أكثر بعاطفة والديها، فيما الصبي، وتبعًا للمفاهيم الراسخة في اللاوعي الاجتماعي، يشعر بالحرج إذا عانقته والدته أمام أصدقائه.
ولكن الملاحظ أن البنت والصبي بدءًا من سن الست سنوات، يرفضان العناق المفروض عليهما ومن دون استئذان.
إذًا من الأفضل عدم فرض العناق، لأن ذلك قد يسبب صراعًا بين الطفل وأهله. ومع ذلك، لا شيء يمنع الأهل من إظهار عاطفتهم ومودّتهم لطفلهم، من خلال عبارات التشجيع، والمراقبة التي تشعره بالأمان، ومشاركته في النشاطات الترفيهية، فهذه المسائل تُشعر الطفل بالأمان العاطفي، وتعزز ثقته في نفسه.
لماذا يقال إن العناق جيد للدماغ؟
لأنه يساهم بتحرّر الهورمونات في الجسم، وتحديدًا هورمون الأوكسيتوسين، المعروف أيضًا باسم هورمون العناق. ويؤكد اختصاصيو علم النفس أن العناق يساعد بانتظام في مكافحة الشعور بالإجهاد، والتعب والاكتئاب والالتهابات، كما أنه يساهم في تعزيز جهاز المناعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024