أمهات شرطيات فلسطينيات: أطفالنا يقلّدوننا ويرتدون الزي الشرطي
لم يكن عمل النساء في جهاز الشرطة الفلسطينية يلاقي الاستحسان والقبول في المجتمع الفلسطيني، أما اليوم فتغيرالوضع، وأصبحت النساء ناشطات في هذا الجهاز، ما شكل علامة واضحة في مدى تقبّل المجتمع ذلك. وتعمل الأمهات الشرطيات على الموازنة ما بين الحياة العملية والاجتماعية والعائلية. كما بتن يتلقين الدعم الكافي من أزواجهن كي يواصلن هذا العمل.أما الأبناء فيعتبرون أمهاتهم قدوة لهم.
«لها» التقت أمهات يعملن في الشرطة الفلسطينية وتحدثت معهن عن الصعوبات والإنجازات وكيفية الموازنة ما بين البيت والعمل.
الرائد لنا المخللاتي: لا أسمح بأن يؤثر عملي في كوني امرأة متزوجة وأماً
لنا المخللاتي (36 سنة)، من محافظة نابلس والحاصلة على ماجستير في تخصص دراسات المرأة ومتزوجة ولديها ولدان وبنتان، فقد حدثتنا عن التحاقها بالعمل في الشرطة قائلة: «بعد أن أنهيت مرحلة الثانوية العامة، دخلت سلك الشرطة عندما كان عمري 17 سنة وعملت في قسم التحقيق، لم أكن متزوجة وكنت أتابع دراستي في الجامعة، وعندما أكملت الثامنة عشرة من عمري تزوجت ولم أتخلّ عن الجامعة إلى جانب عملي في الشرطة وبيتي، وكنت برتبة رقيب أول، وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية حصلت على رتبة ملازم أول».
أضافت: «اشتغلت في أقسام عدة في الشرطة، منها مكاتب المكافحة والمفقودات والتحقيق، وكنت ألتزم مناوبات مسائية، ومن ثم حصلت على رتبة رائد في العلاقات العامة والنوع الاجتماعي، وأصبحت نائباً للعلاقات العامة ومنسق النوع الاجتماعي، بفضل دراستي التي ساعدتني أيضاً في تغيير منصبي والتدرج الوظيفي العسكري».
وأشارت إلى سبب اختيارها العمل في الشرطة، فقالت: «بصراحة، اخترت العمل في الشرطة لأن والدي يرحمه الله كان يعمل برتبة عقيد في سلك الشرطة، فنمت لديّ رغبة قوية وحب وانتماء الى هذا العمل، ولم يكن هناك أي اعتراض من قبل الأهل، لأن جميع إخوتي موظفون في الشرطة».
وأضافت: «عملي في الشرطة مثل أي عمل إداري آخر، فالمسؤولون عني يراعون الأمور الحساسة بالنسبة الى النساء، ولا أشعر بأي ضغط كي أتنازل عن أي حقٍ من حقوقي».
وتحدثت عن دعم زوجها لها، فقالت: «يعمل زوجي كموظف إداري في مستشفى رفيديا، وتعرفت إليه في الجامعة وكان يعلم أنني في الشرطة، ولم يعارض ذلك مطلقاً على رغم العقلية النمطية السائدة لدى البعض، التي لا ترغب في عمل المرأة وتحديداً في الشرطة، وقد ساعدني في إكمال دراسة الماجستير».
وعن توفيقها ما بين دراستها وعملها وبيتها، أوضحت: «الحمد لله، يد واحدة لا تصفّق أكيد، فعائلة زوجي قدمت لي المساعدة عندما كان أبنائي أطفالاً، واستمر ذلك حتى كبروا، والآن عودت أبنائي على الاعتماد على النفس وتحمّل المسؤولية».
وأضافت: «في البداية، كنت أعاني من الضغوطات، على سبيل المثل، المناوبات الليلية التي كنت أشعر فيها بالتعب والإرهاق أحياناً».
وحول غيرة زوجها من عملها مع زملاء رجال، قالت: «لا يوجد بيت يخلو من المشاكل، لكن المرأة الذكية تستطيع أن تجد لها حلاً بمساعدة زوجها الذي يشعر بالغيرة أحياناً».
وأضافت: «أهل زوجي يسكنون بعيداً عني ولا يتدخلون في أموري الخاصة، وأنا لا أسمح بذلك أيضاً، وأستمع إلى النصيحة وآخذ منها ما يعجبني وأترك ما لا يعجبني».
وأشارت إلى أن المرأة تبقى امرأة، ولا يؤثر عملها فيها كما يقال لتصبح أكثر خشونة: «لدي قناعة في حياتي الشخصية، أعيشها بكل بساطة، أما بالنسبة الى عملي فإنني قمت بصناعة قناع له، إذ لا أسمح بأن يؤثر عملي في كوني امرأة متزوجة وأماً».
وعن طموحها قالت: «طموحي على الصعيد المهني أن أصبح مدير شرطة، أما على الصعيد الشخصي فأن أحقق ذاتي بدراسة الدكتوراه، وأن أرى أولادي بأفضل حال إن شاء الله».
الرائد وفاء حسين: أبنائي وبناتي يحبون ارتداء زي الشرطة
في المقر العام لقيادة الشرطة الفلسطينية في رام الله، التقينا بالرائد وفاء حسين، مديرة وحدة النوع الاجتماعي من محافظة رام الله، فتحدثت إلينا عن طبيعة وظيفتها قائلة: «أعمل في وحدة حديثة في سلك الشرطة، فمنذ عام 2008 ألغى اللواء حازم عطاالله ما يسمى «الشرطة النسائية» كنوع جندري وأصبحنا كشرطة مختلطة تضم ضباطاً وأفراداً بغض النظر عن الجنس، ويكون التميز فقط وفق الخبرات والرتبة، وهذا غير موجود في المنطقة العربية، ونحن نفتخر بذلك».
وعن سبب توجهها للعمل في الشرطة، أوضحت: «عملت في جهاز الشرطة منذ عام 2000، وكنت متزوجة وتنقلت في العمل ما بين قسم الإدارة والتنظيم، ومن ثم العلاقات العامة في ضواحي القدس، ومن ثم عملت في مجال التحقيق في مقابلات مع النساء المعنفات».
أما عن موقف زوجها من عملها، فأشارت: «زوجي هو اللواء كاسترو، وكان برتبة مقدم في بداية عملي، لكنه تقاعد أخيراً برتبة لواء، ومن هذه البيئة انطلقت نحو عملي، آخذة في الاعتبار التوازن بين أسرتي وعملي، ما اعتبرته أساساً مهماً في وظيفتي».
ولفتت إلى مدى تأثرها بعملها، قائلة: «قد أتأثر بالحالات التي أقابلها أثناء عملي، وطبيعة عملي كشرطية ليس فيها أي نوع من العنف، فأنا لا أحاكم ولكني أجمع الاستدلالات في قسم التحقيق، كما أنني حارسة المرأة سواء كانت جانية أو مجنياً عليها، لأني أرفض أن يكون المجتمع والقانون ضدها».
وأضافت: «أقوم بفصل عملي عن بيتي، لكنني أشعر بالألم مما أواجهه من حالات وقضايا، لأن مجتمعي لا يستحق إلا الخير».
وتابعت: «عمل الشرطة عمل تكاملي، وكنت ألقي محاضرات توعية وإرشاد لطلاب وأمهات طلاب وغيرهم، وأطلب التعاون معهم لنصلح الأمور، كي لا تصبح الإشكالية المفروضة في المجتمع ظاهرة لا نستطيع كبحها، خصوصاً بالنسبة الى المرأة والأطفال».
أضافت الرائد حسين، أن عملها لا يؤثر في أسرتها: «الشكل العام منظم بين العمل والمنزل، والجميع هنا متعاونون مع بعضهم بعضاً، والتوازن موجود، ما يجعلني مرتاحة في العمل والبيت معاً».
وأردفت: «حدث معي أني كنت اضطر لترك زوجي والذهاب الى العمل بعد أن أجريت له عملية، لكنني كنت أوزع مناوبات مع أسرتي حتى موعد انتهاء دوامي، كي لا يحتاج إلى شيء».
وزادت: «أبنائي وبناتي يحبون أن يرتدوا زي الشرطة، وحفيدتي ارتدت الزي فرحة في يوم الشرطة الفلسطينية وقدمت باقة الورد إلى معالي رئيس الوزراء د. رام الحمد الله الذي قال لنا: هذه الأسرة فيها جينات سلك الشرطة».
الشرطية هالة دحدوح: ابنتي تقول لزميلاتها في المدرسة ماما شرطية وبابا شرطي، وأنا أريد أن أصبح شرطية
تتحدث الشرطي هالة دحدوح، مساعد إداري في وحدة النوع الاجتماعي، من رام الله، عمّن شجّعها للعمل في جهاز الشرطة: «عملت في جهاز الشرطة منذ عام 2015، وشاركت في دفعتي 14 فتاة، من بينهن 5 متزوجات، ومن جعلني أختار هذا العمل هو زوجي الذي يعمل كعسكري، لدي ابنتان، وعمرهما 5 و4 سنوات على التوالي، وبعد أن أحصّل الشهادة الجامعية مباشرة سأحوز رتبة ملازم».
وأضافت: «شاركت في دورة للشرطة في أريحا وبقيت فيها شهرين ونصف الشهر، واضطر زوجي لأخذ إجازة من عمله كي يبقى مع طفلتينا، لم أرَ ابنتيّ إلا بعد مضي 20 يوماً من الدورة، ومن ثم عدت إلى البيت بعد مضي 45 يوماً».
وتابعت: «كنت متأثرة جداً، والحمد لله الضباط في كلية الشرطة ساعدوني كثيراً، وعندما رجعت إلى البيت بعد انتهاء الدورة بكيت أنا وزوجي، لكن ابنتيّ لم يعطينني أي اهتمام، ونظرتا إلينا مندهشتين».
وعما تقوله ابنتها لزميلاتها: «ابنتي تقول لزميلاتها في المدرسة ماما شرطية وبابا شرطي، وأنا أريد ان أصبح شرطية».
وزادت: «قام والدها بتعليق صورته بالزي الشرطي على الحائط في المنزل، فقالت له ابنتي الكبرى: بابا هذه جميلة أريد ان آخذها وأذهب بها إلى حيث اليهود وأريهم إياها كي يخافوا ويرحلوا من هنا».
وعن طلب البعض العمل في الشرطة، قالت: «لدي صديقة في الجامعة طلبت مني مساعدتها في أن تعمل في جهاز الشرطة، وهي تلحّ عليّ في ذلك».
وذكرت دعم العائلة، فقالت: «عائلتي كانت تسألني كيف سأعمل في الشرطة وأتغيب عن بيتي؟! لكن الآن، أصبحت تشجعني، ولو كانت لدي أخت لشجّعتها على العمل في سلك الشرطة».
وعما أضاف عملها كشرطية إلى شخصيتها، أشارت: «خلال عملي في جهاز الشرطة، تعودت أن أفصل ما بين العمل والبيت، وتطورت شخصيتي، لأنني مسالمة وهادئة، والآن أصبحت أقوى وقراري يصدر عني فقط، حتى أنني طلبت من زوجي أن يكون عملنا كل على حدة، وأنا أساهم في مصاريف البيت وأساعد نفسي وأسرتي، إضافة إلى أن عملي ساعدني في بناء العلاقات الاجتماعية».
وحول تصرفها في حال مرض أحد أفراد العائلة، لفتت: «في حال لا سمح الله مرضت إحدى بناتي، فإنهم يتعاونون معي في عملي ويسمحون لي بأن أتأخر عن الدوام أو أن أتغيب إذا كانت الحالة صعبة جداً».
الرقيب شوكت الخطيب: أتمنى أن تعمل زوجتي في الشرطة الفلسطينية
أما الرقيب شوكت الخطيب (26 سنة) من رام الله، وحاصل على الشهادة الجامعية في مجال العلوم التنموية، فتحدث عن عمله مع زميلاته قائلاً: «عملت في سلك الشرطة وأنا في السنة الجامعية الثانية، وأنا وزميلاتي نتعاون لإنهاء العمل، وعندما تتغيب إحداهن لظرف طارئ أقوم بالمناوبة بدلاً منها، وهنّ يبادلنني العمل إذا حصل لي الشيء ذاته، أشعر بأنهن كعائلتي، وتشاركنني زميلاتي المهمات الخارجية في العمل جنباً إلى جنب، ما يجعلنا نكمل بعضنا بعضاً».
وعن احتمالية عمل زوجته في الشرطة، قال: «أتمنى أن تعمل زوجتي في الشرطة الفلسطينية، لكن لا توجد وظائف شاغرة، وفي الوقت الذي ستحصل زوجتي على وظيفة فسأتعاون معها في كل شي حتى في أعمال البيت وتربية أبنائنا، علماً أن كثراً من أبناء قريتي يعملون مع زوجاتهم في سلك الشرطة الفلسطينية».
وأضاف: «أحترم زميلاتي سواء المتزوجات أم غير المتزوجات، ومن غير المنطقي أن يكون العمل في جهاز الشرطة مرتكزاً فقط على الرجال، كما أن وجود الزميلات يشكل تكاملاً مهماً ويساعد في عملية سير العمل بطريقة محكمة وممتازة».
وتابع: «أنتظر حصول زوجتي على وظيفة في الشرطة، إذ إنها تحب عملي وترغب فيه».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024