أهل المريض... يتألمون مثله ويعيشون معاناته بحرقة
في العادة، يسأل أغلب الناس عن المريض وأحواله، لكن هل فكر أحد منا في أن يسأل يوماً ما عن أحوال من يهتم بالمريض... ويتحرّى عن مشاعره ونفسيته، وكيف يتدبر أمره في ظل تغير أسلوب حياته؟
يعاني أهل المريض والمهتمون به من القلق وقلة النوم والإرباك بحيث ينسون أنفسهم وهم يتفانون في خدمة مريضهم وتأمين الراحة له فيتعرضون لضغط نفسي وجسدي كبير.
إصابة أحد أفراد العائلة بمرض بسيط قد تؤثر في نمط حياة العائلة، وتجعلها في حالة استنفار الى حين شفائه، فكيف الحال إذا كان المرض خبيثاً أو مزمناً؟
«لها» التقت الروائية فضيلة الفاروق والكاتبة والصحافية غادة علي كلش، والسيدتين سوسن نضر ومنى عبد، فتحدثت كلٌ منهن عن تجربتها مع مرض أحد أفراد عائلتها، وتأثير هذه التجربة في حياتها، كما التقت الدكتورة هبة العثمان المسؤولة الطبية في منظمة «بلسم»، فكشفت عن دور المنظمة في حياة أهل المريض...
فضيلة الفاروق: شعرت بثقل الزمن
ترى الكاتبة فضيلة الفاروق أن حياتها تغيرت كلياً بعد مرض ابنها، وأنها باتت ترى الاشياء بمنظار آخر. وعن تجربتها هذه تقول: «أعتقد أن حياتي كانت روتينية جداً، ومواعيدي معروفة. حفظني كل من حولي، ثم فجأة مرض ابني الوحيد، بحيث أُصيب بفيروس ضرب مركز التركيز في المخ، أو ما يُسمى «أنسيفلايتس»... بالنسبة إليّ توقفت الأرض عن الدوران، وغادرتني روحي حين دخل في غيبوبة كاملة، ولازمته أسابيع عدة في المستشفى. ألغت عمّته سفرها لتساندني في محنتي، وعاد والده إلى لبنان على جناح السرعة. ولأنني أعيش في قرية، فقد غصّ صالون المستشفى بأهلها للاطمئنان عليه.
ما عشته تحديداً هو الشعور بثقل الزمن، فلم أعد أفرّق بين الليل والنهار، ولم أكن أنام إلا قليلاً خلال النهار، وحين تكون عمّته معه. أما ليلاً فقد قاومت النعاس بشرب القهوة، لأبقى مستيقظة وأتابع التطورات لحظة بلحظة. وأذكر أنني غادرت المستشفى يوماً لأستحمّ وأبدّل ثيابي التي واظبت على ارتدائها، فاستلقيت بعد الاستحمام على الفراش ليسرقني النوم ثلاث ساعات، وفي الأثناء اتصلت عمّة ابني بي ولم أردّ، فانتابها خوف شديد، أما انتظار نتائج تحاليل الدم يومياً فقد كان شبيهاً بالموت البطيء.
كنا نصدّق طبيبته المعالجة صباحاً ونفقد الأمل مساء. ولأن أهلي في الجزائر وأعمامه في أميركا، فقد كانوا يمطروننا بالاتصالات الهاتفية للاطمئنان عليه، أما أنا فقد كنت منهارة نفسياً، وبكيت حتى جفّت الدموع في عينيّ.
ذروة المعاناة كانت في الأسبوع الأول، ثم حين فتح عينيه وعشنا معه مرحلة جديدة، مرحلة الخوف من أن يخلّف المرض إعاقات في جسده الغض، لأنه لم يكن يستطيع المشي أو تحريك يديه أو النطق السليم، حتى أنه كان يتذكر أسماءنا وأسماء رفاقه في الجامعة بصعوبة.
كرّست كل حياتي للاهتمام بابني، ولن أنسى ما حييت كل من دعمني في محنتي، وأؤكد أن المرض يؤثر في كل مناحي حياتنا، ويستولي على تركيزنا. امتدت معاناتي حوالى أربعة أشهر أدركت خلالها محبة الناس لابني واحترامهم لي، كما لمست عن قرب تفاني العائلة من أجله. وأعتقد أن هذه المحنة أثّرت إيجاباً في تفكيري، فإن كان ابني قد وُلد من جديد، فأنا أيضاً أصبحت إنسانة مختلفة في نظرتها الى الحياة.
ليس سهلاً أن تُصاب حياتك بالشلل التام، ويسارع كل من حولك لمساعدتك. انفصلت تماماً عن عالم الأدب والكتابة. وأدركت جيداً معنى أن تظلمك شركة التأمين، وألا يلبي نداءك أحد من المسؤولين. حتى حين فكرت في اللجوء الى الإعلام، بدا لي الأمر سخيفاً، وأنني لن أحقق من خلاله أي نتيجة، فقد تأكدت من أن الصحافة مهنة المتاعب إذ سرقتني من ابني ولم تعطني شيئاً سوى الوهم، ففي النهاية لم يقف إلى جانبي إلا العائلة وأصدقائي المقرّبون.
ذات ليلة، أخذت هاتفي ومحوت أسماء كثيرة منه، كما أغلقت صفحتي على «فايسبوك». وها أنا اليوم بعدما شُفي ابني تماماً وعاد لممارسة حياته الطبيعية، أحاول فهم ما حدث، ولماذا ابني أو أنا تحديداً، لكنني لم أجد جواباً شافياً، سوى أن التجربة كانت مرعبة ومرّة، وعلى الإنسان أن يحمد الله على كل شيء.
غادة علي كلش: لمست ثلاثة مستويات من الحزن
للكاتبة والصحافية غادة علي كلش تجربة مُرّة مع المرض، إذ عايشت مرض ثلاثة من أفراد أسرتها وفقدتهم الواحد تلو الآخر، ومعاناتها تركت أثراً واضحاً في حياتها وكتاباتها، وعن تجربتها هذه تقول: «ليس سهلاً على المرء أن يصف ما يختلجه من مشاعر حين الاعتناء بمريض في العائلة، سواء كان المريض أخاً أو أختاً، أو الأم التي هي أغلى ما في الحياة. بالنسبة إليّ، فقد اختبرت معاناة حسية ووجدانية خلال ثلاث مراحل من العمر، ولمست ثلاثة مستويات من الحزن. صحيح أن المريض هو الذي يتألم بشدة، لكن الشخص الذي يعيش معه ويرعاه يتألم أكثر، ويصبح كما العملة التي لها وجهان، أي يصير الوجه الآخر لهذا الصك المنقوش بخطوط الألم والتعب، رغم تمتعه بصحة جيدة. وهنا تغدو صورة العملة مصبوغة بلونيْن: لون المأساة، ولون المواساة في وقت واحد».
وتضيف غادة: «يمكنني اختصار المعاناة التي شهدتُها مع مرض أخي في الماضي، بأنها مزيج من بطولة مشاركتي له الألم، ومن التفكير الجبان بالهرب من هذه المشاركة، فمرضه كان يحول بيني وبين عيش أيامي بهناء، كسائر إخوتي، وبالأخص والديّ. لكنَّ البطولة – إذا صحّت الاستعارة - كانت هي الغالبة في تكريس معنى الأخوّة، وفي إبعاد شبح عذاب الضمير عن ذاكرتي. الأمر الذي جعلني بعد وفاته، أعيش في حالة نفسية متوازنة. أمّا معاناة أختي، تلك الصبية الجميلة، مع المرض، فكانت أشد عليّ وطأة وألماً. فكنت وأنا أرافقها إلى المستشفى، أعتصر دمعاً ليس في عيني فقط، وإنما في أوردة دمي. الأمر الذي جعلني مع مرور سنواتٍ على رحيلها، أكثر صلابة في التعبير العاطفي عن الحالات الإنسانية، وأكثر انزواءً. وممّا لا ريب فيه، أنّ المرحلة الثالثة التي اختبرتُها مع العجز الذي أصاب أمي، كانت عبارة عن مشاعر فيها تعب وهدوء وصبر وخوف وسلام ورضا. وكأنَّ «الصحيح» الذي أمضى زمناً طويلاً في التعايش مع المرضى من حوله، هو المريض الذي لا يلاحظه أحد. وأعتقد أن الكثير من التخبط الحسي يهدد من يراعي المريض ويهتم به، وهناك خطر من الأفكار السوداء التي قد يرزح تحتها هذا المُراعي، إن لم يكن صاحب ضمير ووجدان».
وتختتم غادة كلش حديثها بالقول: «أحمد الله على أنّ مراعاتي لوالدتي الراحلة الغالية، أراحت قلبي وضميري، وأنا أنصح كل من كان له مريض عاجز، وأقول له: اتعبْ مع مريض عندك عاجز، ولا تتعبْ مع ضمير لك مُؤاخذ».
سوسن نضر: مرض ابني أثّر في حياتي وحياة عائلتي
كانت السيدة سوسن نضر تعيش بهدوء وسلام مع عائلتها، إلى أن أتى يوم غيّر مسار حياتها وقلب موازينها. فقد تعرض ابنها لحادث سيارة مروّع ونجا منه بأعجوبة مما أفقدها الراحة والأمان، فمنذ تلك الحادثة وهي تعيش في قلق وخوف وتوتر.
تقول سوسن: «منذ أن تعرض ابني لحادث سيارة، تحولت حياتي إلى جحيم، فالخبر كان له وقع كبير في نفسي وغيّر مسار حياتي، وقد شعرت يومها بأنني أدخل في نفق مظلم وطويل، ولم أستطع الخروج منه بعد. في البداية، أُصبت بانهيار عصبي، فرؤية ابني في العناية الفائقة ووضعه الصحي الحرج أفقداني صوابي. كنت وإخوته ووالده وزوجته نمضي أياماً وليالي في المستشفى، وندعو له بالشفاء العاجل».
محنة سوسن وعائلتها لم تقتصر على الحادث وحده، بل تعدّته لتشمل الآثار التي خلّفها على جسد ابنها ونفسيته، فهو وبعدما استفاق من الغيبوبة وخضع لعدد من العمليات الجراحية بقي يعاني صعوبة في الحركة، مما أثّر في نفسيته وأدخله في حالة من اليأس والكآبة الشديدة. وترى سوسن أن حياتها وحياة عائلتها تبدلت كلياً رغم تخطّيهم المرحلة الصعبة التي أمضوها في المستشفى، وتقول: «بعد الحادث، تحول ابني إلى إنسان آخر، وبات بحاجة دائمة الى من يساعده، لأنه لم يكن يستطيع تحريك يديه بشكل طبيعي، ولا يتمكن من تناول الطعام أو ارتداء ملابسه أو الاستحمام بمفرده، مما أشعره بالعجز فتحوّل إلى شخص عصبي جداً».
كانت سوسن تخدم ابنها وتساعده بكل ما أوتيت من قوة، لكن الألم كان يعتصر قلبها، ولم تكن تعرف طعم الراحة والنوم، لا هي ولا افراد عائلتها. كانوا يعانون بصمت كلٌ على طريقته، وتقول سوسن: «حياتي كلها تأثرت، ولم أعد أعيش كالسابق، حتى زوجته وإخوته تبدلت حياتهم كلياً، نحن اليوم لا يمكننا تركه في البيت بمفرده رغم تحسن حالته، لأننا نخاف عليه من نفسه. نحرص دائماً على أن يبقى أحدنا معه، يسلّيه ويواسيه ويساعده في قضاء حاجاته».
تؤكد سوسن أن قلقها بات مضاعفاً، ومعاناتها صارت أكبر، وتقول: «في الماضي كنت أذهب إلى عملي مرتاحة، لا همّ لي سوى تأمين حاجات عائلتي ومستلزمات منزلي، أما اليوم فالوضع تغير وبتّ أذهب الى العمل لكن يبقى قلبي وعقلي مع ابني، أفكر فيه طوال الوقت، وأخاف أن يؤذي نفسه بسبب حالة اليأس التي تتملّكه، أتصل مراراً بإخوته وأبيه وزوجته للاطمئنان عليه، وأحاول التنسيق معهم ليبقوا إلى جانبه خلال غيابي عنه. بصراحة، حالة القلق لم تصبني وحدي، بل أصابت كل أفراد عائلتي، حتى أخته المتزوجة توترت حياتها وباتت تترك بيتها وأولادها من أجل الاهتمام بأخيها».
وتختتم سوسن حديثها بالقول: «أحمد الله على أن وضع ابني الصحي بدأ بالتحسن، ولكنه ما زال يعاني صعوبة في قضاء حاجاته الشخصية، فدخل في حالة من اليأس الشديد حاول على أثرها الانتحار مراراً، فهو بات عاطل من العمل وغير منتج في الوقت الذي كان يفكر فيه بشراء بيت وتحسين نمط معيشته وتأمين مستقبل ابنه، فمعاناته باتت معاناتي وآلامه آلامي، وأتمنى أن أستفيق من هذا الكابوس وأعود الى حياتي الطبيعية وأفرح بتجاوز هذه المحنة بسلام».
منى عبد: أعيش معاناة زوجي منذ 25 عاماً
لم تكن السيدة منى عبد تعرف أن زوجها مصاب بمرض عصبي مزمن، وأنه يعاني حالة نفسية صعبة تدفعه للدخول أحياناً إلى المستشفى، وخصوصاً إذا لم يتابع علاجه بشكل منتظم. تقول منى: «خطبت وتزوجت من دون ان أعرف بمرض زوجي، فلم يكن يظهر عليه أي عوارض مرض أو ما شابه، إذ كان يتناول الدواء بانتظام وبسرّية تامة، حتى بعد أن تزوجنا كان يذهب كل يوم، ومن دون علمي، إلى بيت أهله يتناول دواءه ويعود إلى البيت. لم أكتشف حالته هذه إلا بعد مرور اشهر على زواجنا، وأذكر يوماً أنه بعدما تعرض لضغط نفسي أخرجه عن طوره، بات رجلاً آخر يصرخ ويحطّم محتويات المنزل ويقوم بأفعال لم أعهدها منه من قبل... شعرت بالخوف واتصلت بأهله الذين حضروا على الفور وعالجوا الموقف على طريقتهم، يومها عرفت بمرض زوجي وبدأت أشعر بالقلق والرعب والتوتر معه، فهذه الحالات العصبية كانت تنتابه من فترة الى أخرى، وتضطرنا الى إدخاله المستشفى أياماً عدة».
مرض زوج منى مزمن ولا شفاء منه، وهو يحتاج الى رعاية واهتمام وصبر طويل. ورغم ذلك لم تتخلَّ منى عن زوجها بعد اكتشافها حقيقة مرضه، بل زاد اهتمامها به وأنجبت منه عدداً من الأولاد. وعن ذلك تقول منى: «لا أنكر أنني ذقت الأمرّين في حياتي معه وتعذبت كثيراً، فبتّ أعمل خارج البيت وداخله وأتحمل كل المسؤوليات لكي أحافظ على بيتي وأسرتي، ولم يكن الأمر سهلاً عليّ، لكن أشكر الله على نعمة الإيمان التي تلهمني الصبر».
مرض زوج منى لم يؤثر في حياتها فقط، وإنما أثّر أيضاً في حياة أولادها، فهم يعيشون في قلق دائم وكآبة مستمرة بسبب وضع والدهم الصحي، كما يخجلون من نظرات زملائهم، وهذا ما يؤلم منى ويدفعها لفعل أي شيء لإسعادهم. هو اليوم لا يستطيع العمل بسبب الأدوية المهدّئة التي يتناولها، وهذا ما يزيد من حملها وتعبها، ورغم ذلك تحمد الله على ما أصابها، وتتمنى أن تستعيد حياتها الطبيعية بعد معاناة 25 عاماً، وتأمل أن تجد راحتها المفقوده بعد كل هذا التعب.
الدكتورة هبة العثمان
الدكتورة هبة العثمان من مؤسسي منظمة «بلسم» ورئيسة فريق العناية التلطيفية في المركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت، ترى أن عملها كطبيبة أسرة ساعدها في إنشاء مركز للعناية التلطيفية، لأن فلسفة طب العائلة قائمة على الاهتمام بالمريض وأسرته وكل محيطه، فالمحيط عادةً يؤثر في الشخص والعكس صحيح، وهم في مركز العناية التلطيفية يحاولون تحسين نوعية حياة المريض مهما كان مرضه من خلال اهتمامهم به وبمن حوله. تقول العثمان: «نعلم جيداً أن وجود مريض في العائلة يؤثر في جميع أفرادها، ولذلك نخصص جزءاً من عملنا واهتمامنا لهم أولاً».
وعن آلية العمل مع الأهل تقول العثمان: «قد يظن بعض الأهل أن عليهم إخفاء مشاعر الحزن أمام المريض كي لا ينزعج، وهذا خطأ لأنه يبني حاجزاً ما بين المريض وعائلته، فهو لا يريد لهم أن يحزنوا ولا هم يريدون له ذلك، فيخبّئ الاثنان مشاعرهم وهذا مؤذٍ جداً. فالدور الذي تلعبه العائلة مع المريض مهم جداً، ويمكن أن يكون جزءاً من العلاج. لذلك نعمل خلال الدورات التدريبية التي نقدمها للعناية بالمريض على التركيز على العائلة ونتحدث معهم عن المريض وكيفية علاجه. نخصص جزءاً لهم ليس لأننا إنسانيون فقط، بل لأنهم جزء من علاج المريض، فإذا كانت عائلة المريض مرتاحة يصبح المريض مرتاحاً اكثر، وإذا أحسنوا التعامل معه يساهمون في شفائه». وتضيف: «إصابة شخص في العائلة بالمرض قد يدفع بعض أفرادها الى الانهيار والارباك، فلا يعودون يحسنون التعاطي معه، لذا نشرح لهم عن حالة المريض ونعلّمهم كيف يهتمون به، مما يؤثر ايجاباً في الجو العام وفي نفسية المريض، وبالتالي يساعد الجميع على تخطي المحنة براحة وسلام».
وتلفت العثمان الى أن الدراسات بيّنت ان الاشخاص الذين كانوا يهتمون بالمريض وخسروه بعد معاناة طويلة، يمكنهم عيش حياة أفضل من غيرهم، لأنهم يشعرون براحة نفسية بسبب تقديمهم المساعده له خلال مرضه. أما في حال لم يستطع هؤلاء مساعدة مريضهم وتوفي على الأثر فيشعرون بالذنب وتأنيب الضمير، وتكون خسارتهم أكبر من غيرهم... وتقول: «نعلّم أهل المريض كيفية القيام بالخطوات العملية التي تساعد مريضهم بما يتوافق مع قدراتهم، وهم عندما يقومون بذلك يرتاحون لراحته. كما نشدّد على عامل المصارحة، فعند الإصابة بالسرطان يحاول بعض الأهل اخفاء حقيقة المرض عن المريض ظناً منهم انهم بذلك يحمونه، في وقت يشعر هو بأنه سجين مرضه، وبأن الجميع يكذبون عليه، وهنا مكمن الخطورة إذ يدرك المريض أن مكانته تغيرت وأن الجميع يشفقون عليه ويعاملونه بأسلوب مختلف. لذا عندما تتم المصارحة تخفّ وطأة المصيبة. كما نكشف لأهل المريض ما قد ينتظرهم مستقبلاً، خصوصاً إذا كان المرض في مراحل متقدمة، فنحضّرهم للخطوات اللاحقة، فإذا كانوا مستعدين لها مسبقاً يزول خوفهم بعض الشيء ويتعاملون مع الواقع بشكل أفضل».
وتُنهي د. هبة العثمان حديثها مشيرةً الى أحوال عائلات المرضى بالقول: «نحن نساعد جميع العائلات على تخطي المراحل الصعبة مع مريضهم، ولكن يبقى الواقع الاجتماعي لدينا صعباً جداً، لأن المجتمع ينتظر منا أن نهتم بالعائلة ككل، لكن الديموغرافية تغيرت اليوم بحيث أصبح لدينا اشخاص مغتربون كثر، وانخرطت المرأة في سوق العمل، وتسارعت وتيرة الحياة، وفي حال أُصيب أحد أفراد العائلة بالمرض فسيُربك كل العائلة، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية لا أحد يجازف بعمله من أجل الاهتمام بمريض في عائلته. وهنا الطامة الكبرى، خصوصاً أن لا مراكز مخصصة لدينا للعناية بالمريض، وقد يلجأ البعض للاستعانة بممرضين خصوصيين ويتكبّدون مصاريف خيالية، لكن إلى أي مدى هذا الحل عملي! إنها بالفعل معضلة اجتماعية لم تجد حلاً لها الى اليوم». {
* العناية التلطيفية هي مقاربة صحية تهدف إلى مساعدة المرضى الذين يعانون أمراضاً مستعصية وتحسين نوعية حياتهم، وكذلك تحسين نوعية حياة الأسرة التي ينتمون إليها. وتركز هذه الطريقة بشكل خاص، على تخفيف معاناة المريض قدر الامكان بواسطة التشخيص المبكر، والمعاينة الدقيقة، والمتابعة الدؤوبة، ومعالجة الاوجاع أو أي مشاكل اخرى قد تطرأ، جسدية كانت أو نفسية أو اجتماعية. ولبنان كما البلدان المجاورة يعاني نقصاً كبيراً في مجال العناية التلطيفية، اذ إن عدداً قليلاً جداً من الهيئات والمنظمات في لبنان أو في البلدان الاخرى المجاورة، يقدم حالياً خدمات من هذا النوع، من شأنها تخفيف المعاناة التي يمكن تجنبها عند المرضى وأسرهم.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024