فاطمة آل عمرو...روايتي البوليسية مزيج من الواقع والخيال
صغيرة في السنّ، كبيرة في الحلم والإنجاز، لم تفكّر يوماً في امتهان الصحافة، إلى أن قادتها ميولها الأدبية نحو عالم الصحافة وكتابة الروايات. كانت أول امرأة تكتب روايات «بوليسية» في المملكة، لتتفرد بجرأة ما تقدّمه لقرائها. أزاحت الستار عن كواليس العمل الصحافي في روايتها «اغتيال صحافية»، وأصدرت سلسلة من الكتب البوليسية كان أهمها «بوليسيات 1»... الصحافية والكاتبة فاطمة آل عمرو تتحدث عن خيالها وواقعها وماضيها وحاضرها في هذا الحوار.
- بعد جملة «كان يا ما كان»، كيف تستهل الكاتبه فاطمة آل عمرو حكايتها كطفلة ومراهقة وطالبة وصحافية؟
منذ صغري وأنا أتمتع بشخصية مستقلة، جريئة لكن مشاغبة جداً. لم أكن طالبة مجتهدة، ولم تكن لدي ميول الى المواد العلمية، وكنت أمقت مادة الرياضيات. ترعرعت وسط عائلة محافظة، فوالدي رجل أعمال ناجح ومثقف، وكان يعشق كتابة المقالات، ويملك الكثير من الكتب، مما نمّى لدي حس المطالعة وقراءة القصص، وإن كان ذلك على حساب واجباتي المدرسية. كنت أستمتع بمشاهدة الأفلام الوثائقية والبوليسية التي لها علاقة بالجريمة، ولا أنكر أنني كنت أملك حساً فنياً عالياً، لكن سرعان ما تلاشى هذا الحس بسبب معلمة الفنون التي رمت لوحاتي الفنية في سلة المهملات. وبعد المرحلة الثانوية توقفت عن الدراسة لمدة عام تفرغت خلاله لكتابة المقالات، ومن ثم تخصصت في علم الاجتماع، وقبل حصولي على البكالوريوس، تحمّست لدخول عالم الصحافة بعد أن التقيتُ عدداً من الصحافيات في معرض للفن التشكيلي أقامته أختي، وفي تلك الفترة عملت كمساعدة في مؤسسة «المدينة للصحافة والنشر»، وتنقّلت بعدها بين عدد من الصحف.
- كتابة القصص تحتاج إلى خيال جامح، هل ظهرت بوادر ذلك لديك باكراً؟
فعلاً كنت طفلة حالمة جداً، ولطالما جسدت في أثناء لعبي شخصية المراسلة التي تدوّن المعلومات وترسلها بالبريد... فحلمي وتمرّدي على الواقع، كثيراً ما كانا يحبطاني، لكن كانت الكلمات التي يقولها والدي لي، دافعي للتفوق على نفسي إلى أن كبرت.
- الميول الى الكتابة أمر ضروري لكل صحافي ناجح. لمن يعود الفضل في تعزيز هذا الجانب لديكِ، وما هي مقومات الصحافي الناجح في رأيك؟
كان والدي يهتم كثيراً بميولي، خصوصاً في ما يتعلق بالكتابة. ولا أنكر أن الموهبة وحبّ العمل الصحافي كانا موجودين في داخلي، لكن المرأة الوحيدة التي ساندتني وعلّمتني أبجديات الصحافة هي الإعلامية منال الشريف التي كانت بداياتي معها. كما أن عملي مع الإعلامي محمد التونسي علّمني الكثير، وأضاف الى خبراتي، فهو الذي وجّهني نحو كتابة سلسلة بوليسيات لأصدرها كل عام، بعد نجاح روايتي الأولى. وأرى أن من المهم أن يكون الصحافي جريئاً في الطرح ويتمتع بصفات الأمانة والصدق والاحترام والتعاون.
- حدّثينا عن بداياتك في العمل الصحافي والنجاحات الصغيرة التي رسمت على وجهك تأملات كبيرة...
حرصي على تطوير أدواتي الصحافية، ومقابلتي لعمالقة الإعلام في سن صغيرة، جعلا مني صحافية ناجحة بشهادة أساتذتي، فلم أكترث لأي إحباطات أو غيرة نسائية، وأعتبر نفسي محظوظة جداً لدخولي مجال الصحافة وأنا لا أزال طالبة جامعية. ومنذ انطلاقتي في صحيفة «عكاظ» عام 2009، تمكنت من تحقيق إنتاجية عالية، وبالتحديد في الصفحة الأولى. ورغم كوني المحرّرة الأصغر سناً في مكتب جدّة، تمكنت من إجراء حوارات مهمة في بداياتي، من أهمها حواري مع رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الراحل غسان تويني، والوزيرة الأولى في الكويت معصومة المبارك. تنقلت بين أحياء جدّة العشوائية لأنقل معاناة المجتمع، وكنت الصحافية السعودية الوحيدة التي التقطت صورة حصرية لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في أول زيارة رسمية لها لجدّة. ببساطة، عشقي للصحافة الاستقصائية كان دافعي للإنجاز والتميّز في العمل الصحافي.
- بعد سنوات من العمل الصحافي، كيف اشتعلت شرارة الكتابة في داخلك، وهل كان دخولك معترك القصص والروايات بدون مقدمات؟
فكرة كتابة الرواية كانت تراودني بالتأكيد، وبعد توكلي على الله انطلقت في هذا المجال، فأنا إنسانة تعيش اللحظة وتستمتع بها، وتعشق خوض تجارب جديدة وتكره القيود.
- في روايتك «اغتيال صحافية» تحدثتِ عن مبادئ المجتمع المحافظ والتي ترفض عمل المرأة في هذا المجال، هل واجهت هذه المشكلة في الواقع؟
أصدرت هذه الرواية عام 2013، عن «الدار العربية للعلوم- ناشرون»، ورغم أنني تحدثتُ على لسان إحدى المتضررات، لكن هذا لا يعني أن الرواية سردٌ لتجارب شخصية، فالمرأة تواجه ضغوطات في كل مناحي الحياة، وليس في مجالٍ بعينه كالصحافة. الرواية تنتقد خللاً وفساداً لا يزالان موجودين في بعض المؤسسات الإعلامية، وتعمّدت من خلال روايتي رسم شخصية البطلة بشكل حقيقي وواقعي، وسرد أحداث الرواية من خلال ضم قصص متفرقة لشخصيات تعمل في الوسط الإعلامي، وتسليط الضوء على المكائد والمؤامرات التي تُحاك في المجتمعات والمؤسسات الإعلامية، وكشف مشاكل الصحافيات وطرق التنافس غير الشريفة بينهن، إذ تحاول البطلة كشف غموض جريمة قتل زميلتها في المهنة، وتحليل خيوط جرائم قتل أخرى.
- هل أحسستِ يوماً أن عملك في الصحافة قد جعلك أقوى وأكثر استقلالية، وهل الصعوبات التي تواجهها المرأة تختلف عما يواجهه الرجل في هذه المهنة؟
العمل الصحافي جعل مني امرأة قوية وواعية، إذ تغير أسلوب تفكيري، وأصبح لديّ فهم أكبر للمسؤولية. خرجت من عالم البراءة التي كنتُ أعيشها وحملت معي مشاكل المجتمع ومطالبه وهمومه، لأنقلها إلى المسؤول. للأسف، صحافتنا لا تزال ذكورية، ولا تملك الصحافية- الأنثى الحرية في اتخاذ قراراتها داخل المؤسسة، هذا بالإضافة إلى أن هذه المهنة لا تُطعم خبزاً...
- قيل عنك في الصحافة إنك «أغاثا كريستي» بالنسخة السعودية، لكونك أول امرأة تُصدر روايات بوليسية في المملكة... ما رأيك بما قيل؟
في المناسبة، أحب أن أنوه بأن «أغاثا كريستي» اسم كبير لروائية لن تتكرر، ولا أنكر أن ارتباط اسمي بروائية عالمية تكتب عن الجريمة قد غمرني بالسعادة، ولكن هذا اللقب أطلقه عليّ الإعلام من دون الوقوف على رأيي، ومع ذلك أفضّل أن أكون فاطمة آل عمرو الروائية العربية التي تكتب روايات متنوعة، فأنا لا أحب الألقاب.
- هل من كتّاب تأثرتِ بهم وبكتاباتهم، سواء كانوا محليين أم عالميين؟
تأثرت بكتابات روّاد الرواية البوليسية ومن بينهم: أغاثا كريستي، آرثر دويل، وجوان كاثلين رولينغ. وأعشق منذ طفولتي المسلسل الأميركي «المفتش» Columbo للممثل بيتر فولك، كما تعجبني روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ كثيراً.
- هل كان هناك تشجيع لإصدار كتبك أم واجهتِ عقبات؟
مع الأسف بعض دور النشر المحلية تنقصها الخبرة وتضع شروطاً تعجيزية تهضم حق الكاتب، وهدف القائمين عليها تجاري بحت، ولا علاقة لهم بالكتابة والتقييم، أما التشجيع فلا أنتظره منهم إطلاقاً. وإشادة من شخصية بحجم وزير الإعلام الكويتي، ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح السالم الصباح، الذي أرسل إليّ خطاب شكر بعد قراءته الرواية، هي مسؤولية كبيرة تُلقى على عاتقي وتشجّعني على تقديم الأفضل.
- ما هو مصدر إلهامك في الكتابة؟
عموماً، الكتابة تحتاج الى أسلوب وذكاء وأجواء قد يبتكرها الكاتب بنفسه، ولولاها لما برزت أعمال خالدة لكتّاب عظماء سعوا من خلال كتاباتهم الى خلق شخصيات معتمدين في ذلك على قراءاتهم، أو مشاهداتهم، وقد يُضمّن الكاتب روايته شخصيات واقعية ممزوجة بالخيال، وأنا أعتمد هذا الأسلوب في كتاباتي... فمن يعلم من هو بطل روايتي المقبلة!
- هل تتوقعين أن يختلف نهجك ولونك في الكتابة يوماً ما؟
الكاتب لا يسير على وتيرة واحدة، بل يكتب إبداعاً من أجل الإبداع. وأنا بطبعي أكره الروتين، ربما أكتب مسلسلاً كوميدياً يوماً ما... من يدري؟
- لا بد للكاتب من أن يتعرض للانتقادات، ما رأيك بالقارئ السعودي، وما الفارق بينه وبين القارئ العربي بعامة؟
في الحقيقة، بعض القراء بشكل عام تعليقاتهم سلبية، فهم لا يستطيعون انتقاء الكلمات المناسبة، ويستبقون الأحداث، ويتسرعون في إطلاق الأحكام، ويتصيدون الأخطاء وينتقدون بأسلوب جارح بهدف الإساءة ولمجرد الانتقاد وحسب... هذا بخلاف القارئ العربي الذي يحظى الكاتب بفرصة لتصيّد موهبته وتنميتها، وإن وُجدت أخطاء، فالجوهر لديه هو تذوّق الإبداع وفهم الفكرة. وبعيداً من السلبيات، نالت رواياتي إعجاب الكثيرين ممن أثنوا على أسلوبي وشجّعوني لتقديم الأفضل. ردود فعل القراء كانت غير متوقعة، وأسعدتني وحمّستني لاقتحام هذا المجال الذي يستحق الاقتحام.
- هناك لبس كبير بين الكاتب والإعلامي والصحافي والمُعدّ والمذيع، لدرجة أن بعض النشطاء والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي باتوا يُلقَّبون بالإعلاميين والكتّاب وأصبحوا مؤثرين أكثر من أصحاب المهن نفسها. هذه الثورة المعلوماتية هل أثرت في صورة الكاتب أو الصحافي وجعلته مهمشاً في رأيك؟
مع الأسف، لقد ابتُلي إعلامنا وبعض المؤسسات الإعلامية بـ»الشللية» التي تستغني عن الأكفياء والأقلام المميزة، وتستعين ببعض مشاهير «السوشال ميديا» وذوي الأقلام الضعيفة، الذين لا علاقة لهم بكتابة المقال. أنا هنا لا أحتقر أحداً وإنما أنقل الواقع المرير، فليس كل محرر نشر خبراً يُطلق عليه لقب «صحافي»، فربما يكون المواطن الذي نقل الخبر من طريق مواقع التواصل الاجتماعي صحافيّاً أكثر منه، فـ»الصحافي» ليس من يجلس الى مكتبه ويصيغ الأخبار وينقلها، ليتقاضى مبلغاً خيالياً نهاية الشهر... أما في ما يخص مشاهير «السوشال ميديا»، فهم ليسوا إعلاميين، فالإعلام في رأيي لا يعني الاستهتار، ولقب «الإعلامي» أو «الصحافي» هو لقب كبير يستحقه كل من مارس المهنة لسنوات طويلة، وله مواد صحافية مصنوعة، وهذا ما ليس متوافراً في مشاهير «السوشال ميديا»، الذين غرّتهم الشهرة، وأقول لكل واحد من هؤلاء: «قبل أن تفكر في الشهرة، تعلم كيف تصنع الخبر، أو حتى تكتب تحقيقاً استقصائياً. كن صاحب رسالة وتفنّن في أسلوب نقلها، وتمتّع بالتواضع، ليحترمك الجميع، وتحظى عن جدارة بلقب إعلامي».
- الصحافي قد يجمع في جعبته العديد من الهويات والطموحات والأفكار المستقبلية، فمن مجرد كونه محرراً قد ينطلق ليصبح كاتباً أو شاعراً أو حتى مُعدّ برامج، فهل هذا نوع من التطور في المهنة أم هو رغبه في التخلص من رتابة العمل الصحافي؟ وما الصورة التي ترين نفسك فيها مستقبلاً؟
للصحافي خيارات عدة، وهو يتدرّج في العمل إلى أن يصبح مذيعاً تلفزيونياً مثلاً، وهذا من حقه بلا شك، طالما أن لديه الإمكانيات التي تؤهله ليخطو هذه الخطوة بنجاح. عموماً، أنا أكره الروتين وأميل إلى التغيير. وحالياً أوجدتُ لنفسي مساراً مختلفاً عما كنتُ عليه في السابق وفضلت أن أكون «مُحاورة صحافية» في صحيفة مطبوعة، أستضيف فيها شخصيات مهمة في الوطن العربي.
- ما المفاجأة التي تحضّرينها لقرّائك؟
أعمل حالياً على كتابة رواية مختلفة عن سابقاتها من حيث الأحداث والشخصيات، إذ تحمل طابعاً إنسانياً اجتماعياً، وتحاكي واقعاً يعيشه البعض، وهي بالفعل ستكون مفاجأة مميزة وستنال إعجاب القراء.-
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024