تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

جمال بتوقيت سويسري

الزميلة ديانا حدّارة

الزميلة ديانا حدّارة

إنها سويسرا التي أزورها للمرة الرابعة، وأيضًا للمرة الرابعة ترميني مدنها وشوارعها وسط عوالم افتراضية، تفاصيلها أقرب إلى الخيال. من بيروت إلى جنيف حلّقت، وحلّقت معي صور «مونترو» و«فيفيه» و«آبنزيل»، وكل شريط رحلاتي السويسرية التي أوقعتني في قبضة الجمال، لأُدهش كلما وطأت قدماي أرض سويسرا. لوزان ومونترو وجنيف، ثلاث مدن أزورها بدعوة من هيئة السياحة السويسرية. مونترو زرتها مرات عدّة، بينما لوزان وجنيف أعرفهما من خلال الشاشة، ولا سيّما في ما يتعلق بالأخبار، فهما المدينتان النجمتان اللتان تشهدان دائمًا على اتفاقيات السلام بين الشعوب المتصارعة، وكأنهما تتحديان كل ما يعكّر صفو الروح الإنساني.

شكر خاص لهيئة السياحة السويسرية وفنادق La Paix و Grand Hotel Suisse Majestic و Hotel President Wilson على حسن الضيافة.

يوم في لوزان

حطّت الطائرة على مدرج مطار جنيف الدولي، فسارعت الخُطى كي ألحق بالقطار المتوجّه إلى لوزان. التعليمات عن كيفية الوصول إلى محطة القطار التي يضمها المطار كانت أسهل مما كنت أتوقّع، فجلّ ما كان يجدر بي هو قراءتها وتتبّعها. انطلق القطار من النفق المظلم إلى النور، حيث الطبيعة الخلاّبة تحضن مدنًا لا لبس في جمال هندستها المعمارية والحضرية.

بعد 45 دقيقة وصلت الى لوزان، وفي المحطة توجّهت إلى متجر تحويل النقود، فكل 100 دولار تعادل حوالى 95 فرنكًا سويسريًا، ورغم انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي والسفر إليها يتطلب تأشيرة شينغين، لا يزال الفرنك العملة المتداولة. وبناء على توجيهات توفيق منظّم الرحلة من الهيئة السويسرية، قصدت مكتب السياحة حيث حصلت على بطاقة استئجار تاكسي يقلّني إلى فندق «لا بي» La Paix.

كانت الدقائق العشر بين محطة القطار والفندق، كافية لتشحنني بالحماسة فأتعرف إلى لوزان. فتحت باب غرفتي وتوجهت فورًا الى الشرفة الصغيرة المطلّة على مشهد بانورامي رحب لبحيرة جنيف، أو كما يسمّيها الفرنسيون بحيرة ليمان، المزنّرة بجبال الألب. 

للوقت في سويسرا قيمة لا يمكن التهاون بها، وكما هو مذكور في برنامج الرحلة، عند الواحدة لقاء مع دايفيد من الهيئة السويسرية، الذي اصطحبنا سيرًا على الأقدام الى مطعم Brasserie du Grand-Chêne التابع لفندق «لوزان بالاس» الواقع في شارع «غراند – شين» Grand-Chêne. انهالت علينا الأطباق السويسرية، ولكنني لم أشعر بالذنب لأننا سنذهب مشياً إلى «المتحف الأولمبي». ودّعنا دايفيد بعد أن سلّم زمام رحلتنا اللوزانية الاستكشافية إلى المرشد السياحي رولف الذي استقبلنا بحفاوة سويسرية، لنسير معه عند نقطة توقف الترامواي. أجمل ما في سويسرا أنك لستِ مضطرة لقيادة السيارة، فوسائل النقل العام متاحة للجميع، وبمجرد أن تصلي إلى أي مدينة سويسرية يمكنك الحصول على بطاقة اشتراك النقل العام، تشترينها إما من محطة القطار، أو يوفرها لك الفندق الذي تنزلين فيه.

 

في المتحف الأولمبي تعرفي إلى الألعاب الأولمبية منذ بداءتها

ترجّلنا من الترامواي وتوجّهنا نحو المتحف الأولمبي، ومن حديقته الخلفية دخلنا، فقد أراد رولف أن نتعرف إلى الأعمال الفنية المنتشرة في الحديقة الأولمبية، والتي هي مزيج من اتحاد الطبيعة والفن والمرافق الرياضية، أما موقعها فهو خاطف للأنفاس إذ يقع المتحف وحديقته على تلة «أوشي» المُشرفة على بحيرة ليمان، وجبال الألب التي تزنّرها. كما أنها تضم مسارًا رياضيًا حقيقيًا حيث يمكن الزائر أن يقوم بسباق جري محاولاً منافسة البطل الأولمبي الافتراضي. اللافت في الحديقة الأولمبية أنها مقصد للعائلات، فإما يستريحون على عشبها أو يجلسون على المقاعد ويستمتعون بالمشهد الخلاّب للبحيرة.

جاء النمط المعماري للمبنى معاصرًا، وقد أخذ المهندسان اللذان صمّماه في الاعتبار ألاّ يكون مظهره الخارجي نافرًا بين الأبنية التاريخية المحيطة به، والتي تتميز بها مقاطعة فود التي تتخذ من لوزان عاصمةً لها. أُعيد افتتاح المتحف عام 2013 بعدما خضع لأعمال الترميم والتجديد.

في الطبقة الأولى من المتحف، دخلنا الى عالم الألعاب الأولمبية منذ بداءتها عام 776 قبل الميلاد، فتجولنا في عالم الإغريق القديم وتعرفنا إلى هرقل الذي بنى أول استاد للألعاب الأولمبية تكريماً لوالده زيوس، وسرنا بين سطور الأساطير الإغريقية عبر الشاشات التي تروي كل التاريخ بأبعاد ثلاثية، فيما بعضها تفاعلي، كما لمسنا التاريخ في المقتنيات والأثريات المعروضة. ومن عالم اليونان القديم صعدنا الى الطبقة الثانية حيث تعرفنا إلى المؤرخ والتربوي البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان الذي عمل على إدراج الرياضة في المناهج الدراسية، والذي يعود إليه إحياء الألعاب الأولمبية المعاصرة. ففي عام 1923، شيّد فيللا «مون ريبو»، وهي متحف أولمبي لجمع تراث الألعاب الأولمبية وحفظه. وهنا تعرفنا إلى كل تفاصيل الألعاب الأولمبية المعاصرة، واسترحنا في الجناح الذي أدخلنا في تجربة أولمبية على مستوى المشاعر والذكريات. إذ في هذا الجناح شاشة عملاقة على جدار مقوّس تعرض لحظات الخيبة والانتصار والتحدي للأبطال الأولمبيين، وترافق المشاهد موسيقى سمفونية تجعلكِ تتفاعلين مع المنتصرين أو الخاسرين. أما الطبقة الثالثة من المتحف فمخصّصة لمجموعات الشباب، وفيها غرفتان مجهّزتان بأحدث التقنيات في مجال التعليم، مما يتيح المشاركة في ورش عمل تعليمية، إضافة الى مشاركة تفاعلية في بعض الألعاب الأولمبية. وفي الطبقة العلوية يقع مقهى «توم» المُطلّ على مشهد البحيرة البانورامي.

 

وسط لوزان كل شارع ينبض بالحياة

بعد جولة المتحف الأولمبي، ركبنا المترو عائدين إلى وسط لوزان. كان لدي بعض الوقت لأكتشف محيط الفندق الذي كان يضج بالحياة، فلوزان مدينة الشباب، نظرًا إلى أنها تضم أهم الجامعات السويسرية والعالمية، وبالتالي لا عجب في أن تكون بهذا المقدار من الحيوية والطاقة. كل شيء في لوزان يدعوك إلى السلام والجمال، في كورنيش البحيرة الكل يتنزّه على هواه، منهم من يمارس الرياضة، ومنهم من يجلس على المقاعد يتأمل في البحيرة، وربما يتأمل في عناوين حياته المقبلة، فيما الأطفال يصولون ويجولون وهم يلعبون على الأراجيح أو يستخدمون الألعاب الموجودة على طول الكورنيش. ما يعني أنك إذا زرت لوزان مع أبنائك فإنهم من المؤكد لن يضجروا، فهنا أمور كثيرة تشغلهم، سواء في المتحف الأولمبي أو الحدائق العامة. جلت في السوق لبعض الوقت، ثم عدت أدراجي إلى الفندق، لأنضم إلى زملاء الرحلة ونتوجه إلى مطعم Café du Grütli الذي يبعد عن الفندق 7 دقائق سيرًا على الأقدام. 7 دقائق جعلتني أكتشف القليل من لوزان، كل شيء يتمحور عند الهضبة التي تتدحرج منها الشوارع المرصوفة بالحجارة وتصطف فيها الأبنية التاريخية التي تحتل أسفلها البوتيكات. وصلنا إلى المطعم وقد استقبلنا مالكه، اللافت أنه يقوم على خدمة الزبائن هو وزوجته وموظفوه. تبادلنا بعض الأحاديث، إلى أن أحضر لنا طبق جبن الفوندو، ولكنني لم أشعر بالذنب لأن العودة إلى الفندق مشيًا وصعودًا كانت كفيلة بحرق كل الوحدات الحرارية التي يمكن اكتسابها بسبب طبق الفوندو.

معلومة:

● Suisse Travel Pass تتيح لك هذه البطاقة استعمال وسائل النقل العام في كل أنحاء سويسرا، أما تكلفتها فتختلف باختلاف المدّة التي تمضينها والدرجة التي تختارينها، فإما الدرجة الأولى أو الثانية. للاستعلام: SuisseTravelSysteme.com

● اطلبي من الفندق أو الوكالة السياحية توفير بطاقة تنقّل في لوزان LTC فهي تتيح لك استعمال الحافلة والقطار والمترو طوال مدة إقامتك في لوزان، وأقصى مدة هي 15 يومًا.

يوم واحد في مونترو  

ودّعت لوزان صباحًا وسرنا جميعًا نحو محطة القطار للانطلاق إلى مونترو العزيزة... نعم العزيزة، فهي المدينة التي زرتها لأكثر من مرة، وفي كل زيارة كانت تدهشني، لذا فتجربتي معها تقول إنني سوف أكتشف شيئًا جميلاً وجديدًا في مونترو. بعد 20 دقيقة وصلنا، وكان الفندق قُبالة المحطة مباشرة، رحّبت بنا جوليا من مكتب «مونترو- فيفه» السياحي، وسرنا نحو فندق Grand Hotel Suisse Majestic. تناولنا غداءنا في مطعم الفندق المُطلّ مباشرة على البحيرة. مفارقة لطيفة أن تطلبي طبقًا تظنين أنه صغير لتُفاجئي مثلي بأنه يُطعم اثنين وأكثر. أما طبق السلَطة فقد تشاركنا في تناوله جميعًا.

بعد الغداء سألتنا جوليا: هل أنتم مستعدّون للإبحار نحو قلعة شيون؟ من الفندق انطلقنا سيرًا على الأقدام نحو مرسى العبّارة. على طول كورنيش البحيرة كانت أحواض الزهور رفيقتنا، فبدت منمّقة بشكل رائع، وألوانها تبعث على التفاؤل والفرح، واللافت أيضًا مشهد العصافير وهي تتقافز أمامنا من دون أن تخاف اصطيادها. مشهد الفرح وحب الحياة الذي طُبع في ذاكرتي اللوزانية، أراه مرة أخرى واقعًا في مونترو، فيما المقاهي المنتشرة على طول الكورنيش بدا لي روّادها لا ينوون مغادرتها، وأطرف ما شاهدته مجموعة شابات سويسريات يدخنّ «الشيشة» على «ترّاس» أحد المطاعم... من قال إننا لا نجتاح الغرب! ها هي النرجيلة أصبحت ضمن لائحة نزهات الأوروبيين.

 

قلعة شيون حين يستريح التاريخ على مجده    

وصلنا المرسى، وهو النقطة التي يبحر منها المركب نحو قلعة شيون. تتخذ البحيرة شكل الهلال، وتنتمي ضفتها الشمالية إلى سويسرا، بينما تنتمي ضفتها الجنوبية إلى فرنسا، ويشكّل وسط البحيرة الخطوط الحدودية بين الدولتين. بعد ساعة من الإبحار على مركب يرفرف عند ساريته علما فرنسا وسويسرا، في بحيرة هي أشبه بالبحر، وصلنا إلى ميناء صغير وتوجهنا سيرًا نحو شبه جزيرة تصل بر مونترو ببحيرتها، حيث يقع قصر «شاتو دو شييون» Chateau de Chillon  الأروقة المؤدية إليه مدجّجة بالأخضر وألوان الطبيعة، الجميع يسير ببطء ويتأمل في العالم الأقرب إلى الافتراض، فلا عجب في أن تستوحي ديزني قصة «الأميرة النائمة» من هذه القلعة المهيبة التي تقف عند البحيرة منذ القرن العاشر. منذ أواخر القرن الثامن عشر، جذبت القلعة أدباء المذهب الرومنطيقي، مثل جان جاك روسو وفيكتور هوغو وألكسندر دوماس وغوستاف وفلوبير واللورد بايرون، فكانت ملهمة الفنانين والأدباء من جميع أنحاء العالم. قال عنها هوغو: «شيون هي برج سكني على كتلة من الصخور». فيما رسم الفنان الفرنسي غوستاف كوربيه مرات عدّة القلعة خلال منفاه السويسري، وتحديدًا في «لا تور دي بيز».

دخلنا القلعة وقد أُعطينا دليلاً سياحيًا رقميًا، هو عبارة عن تسجيل تختارين من خلاله اللغة التي تتقنينها، ثم تبدأ رحلتك مع أجنحة القلعة الـ43. كانت القلعة مكتظة بالزوار من مختلف الجنسيات، الجميع يضع سمّاعاته، ويتأمل في تفاصيل أجنحة القلعة، وأقبيتها ونوافذها، وأكثر ما يثير الرهبة هو سجنها.

انتهيت من الجولة التي دامت حوالى الساعة، وقررت وبعض زملاء الرحلة العودة إلى الفندق سيرًا على الأقدام. فمستحيل أن تكوني في مونترو ولا تتركين لنفسك حرية المشي وسط هذا الجمال المنتشر من حولك. مشيت حوالى خمسة كيلومترات ولم أشعر بالتعب، بل لم ألحظ الزمن الذي يحيرني شخصيًا، فأحيانًا عشر دقائق أشعر بها دهرًا، فيما تشعرني الساعة في أحيان أخرى كأنها لحظات مرت بسرعة. هكذا هو الجمال السويسري يبدّد الزمن رغم أنه أشهر من التزم به، فبرع في ابتكار ساعات هي الأغلى والأجمل عالميًا.

العشاء في مونترو كان في مطعم Le Palais Oriental الذي يقع على ضفة البحيرة، وكما يدل اسمه فإن أطباقة من المطبخ العربي، وكذلك روّاده فغالبيتهم عرب. وسط ديكور هو مزيج من الفن المغاربي، والأطباق من مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، أطلقت العنان لشراهتي، فالعودة سيرًا... ما يعني أن أطبّق مقولة «تعشّى وتمشّى»، فكيف إذا كان المشي في مونترو!

 

إلى جنيف مدينة السلام

تركت وزملاء الرحلة مونترو صباحًا متوجّهين الى جنيف، وطبعًا القطار وسيلة التنقل المثلى. بعد حوالى الساعة وصلنا إلى جنيف، حيث كانت في انتظارنا كارولين من هيئة السياحة السويسرية، لنعود ونركب الحافلة نحو فندق «بريزدينت ويلسون»  Hotel President Wilson. يقع الفندق مباشرة على بحيرة جنيف، ويبعد عن محطة القطار حوالى عشر دقائق عبر الحافلة.

أخيرًا، أتنفّس هواء جنيف وأسير على ضفاف بحيرتها، أتأمل في نجمة مسرح السلام العالمي. أبحرنا في تاكسي الـ Mouette نحو الضفة الأخرى من بحيرة جنيف حيث يقع متنزّه Des Eaux Vives، والذي يضم فندقًا مؤلفًا من سبع غرف ومطعم يحمل اسمه، ويعود إلى القرن الثامن عشر. تناولنا غداءنا وسط التاريخ والحدائق الغنّاء... كانت تجربة سويسرية ولا أجمل.

معلومة تاريخية عن متنزّه «أو دو فيف»

بدأ تشييد هذا المتنزّه في القرن السادس عشر من جانب عائلة «بلونجون» Plonjon، ثم اشتراه عام 1714 المصرفي جوزيف بر الذي بنى فيه قصرًا عام 1750، تحوّل نُزُلاً في بداية القرن التاسع عشر، ومن ثم اشترى المتنزّه بما يضمه لويس فافر عام 1861. تم تحويل القصر إلى مطعم فاخر حوالى عام 1900. وفي عام 1912، اشتراه مجلس مدينة جنيف ليصبح متنزهًا عاماً تُقام فيه فعاليات رياضية وفنية.

يبدو أن مزاج جنيف شتوي أكثر منه ربيعيًا، فلحظة خروجنا من المطعم بدأ المطر الربيعي يرمي بزخّاته بسخاء، وسابقناه حتى وصلنا الى بوابة المتنزّه الرئيسة وركبنا الحافلة نحو وسط المدينة التاريخي، الذي كان مزدحمًا ولا أحد يكترث لمزاج الطبيعة السويسري، غير أن كارولين التي تسكن في وسط المدينة طلبت منّا الانتظار، لتجلب لنا المظلاّت. المفارقة أن المطر توقف لحظة تسلّحنا بالمظلة.

بُنيت المدينة القديمة على تلة تُشرف على البحيرة، سرنا بين سطور تاريخ المدينة المتجسد في أبنية تشهد على الكثير من جنيف التي كانت جمهورية مستقلة منذ القرن السادس عشر حتى أصبحت كانتونًا سويسريًا عام 1815. ينبض الوسط التاريخي بالحيوية، ويمكن القول إنه فردوس التسوّق بما يتوافق مع ميزانيتك، فهنا تتجاور أو ربما تتنافس بوتيكات دور الأزياء الراقية ومراكز التسوّق لذوات الميزانية المتوسّطة مثل «غلوبوس» و«سي أند أي»، فيما المقاهي تنتشر بكثافة في ساحة الوسط التجاري، لذا فأثناء تجوالك سوف تؤخَذين بروائح الأطباق الشهية.

سرنا صعودًا وبين أروقة جنيف التاريخية نحو كاتدرائية «سانت بيير» الواقفة في قلب المدينة، والتي بدأ تشييدها بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر على النمط الروماني، الذي تم تحويله إلى الطراز القوطي في القرن الخامس عشر، وفي القرن الثامن عشر تم بناء بوابتها الغربية التي تستريح واجهتها على عمودين من الطرازين اليوناني والروماني. دخلنا الكاتدرائية لنصعد نحو البرج بدرجاته الحلزونية والتي يبلغ عددها حوالى 157 درجة، لنصل إلى أعلى البرج حيث مشهد جنيف البانورامي تتوسط بحيرتها أطول نافورة يخطف الأنفاس.

معلومة 

يقع منزل الأديب الفرنسي جان جاك روسو في شارع 40 والذي لا يزال يحمل اسمه الحقيقي «بيت روسو والأدب»، وهو مسقط رأس روسو وتقام فيه فعاليات أدبية يشارك فيها الأدباء والجمهور.

 

في جنيف خوضي تجربة تحضير الشوكولاته الخاصة بك

غالبًا عندما نعود من سويسرا، نُسأل عن هدية الشوكولاته السويسرية، ولكن أن تصنعي الهدية بيديك، فهي تجربة ولا أروع. بعدما نزلنا من علياء جنيف الجميل، توجهنا نحو متجر ومصنع شوكولاته «ستيتلير» Stettler الأشهر في العالم، لنتلقّى درسًا من الشيف إدوارد في صناعة الشوكولاته. بعدما عرفّنا الشيف على أنواع حبوب الكاكاو التي تحرص شركة «ستيتلير» على اختيار أفضلها، وُزعت علينا مآزر وقبعات الطهو، وبدأنا نلهو كالأطفال ونتنافس على صنع ألواح الشوكولاته الخاصة ونضيف إليها بعض المطيّبات، وأحيانًا نغش في التهام قطعة من هنا وهناك... فنحن وسط بحر من الشوكولاته، ولا يمكن مقاومة تذوقها. 

معلومة- دروس في صناعة الشوكولاته

يعطي متجر ومصنع شوكولاته «ستيتلير» دروسًا خاصة في صناعة الشوكولاته للصغار والراشدين، وما عليك سوى إعلام الفندق برغبتك كي يوفر لك بطاقة. يستغرق الدرس حوالى الساعة ونصف الساعة.

 

في هذا الجناح نزل المشاهير وعزفوا

عدنا إلى الفندق، وكانت غرفنا جاهزة لاستقبالنا. فتحت باب غرفتي وبحيرة جنيف تحاصرني ويجتاح مشهدها  الشرفة الزجاجية العملاقة. وضعت حقيبتي ثم نزلت الى البهو لألتقي وزملائي سارة وهشام مسؤولي العلاقات العامة، اللذين جالا بنا في الفندق ليعرّفانا إلى نماذج غرفه وأجنحته. يضم الفندق 204 غرف و 22 جناحًا تجمع بين الراحة والأناقة، مع نوافذ كبيرة تطلّ على مناظر بانورامية للبحيرة. لا أخفي سرًا أن الأجنحة تدخلك في عالم الترف، ولكن ذروته كانت جناح «رويال بانت هاوس»  Royal Penthouse Suite إذ يمتد هذا الجناح على مساحة 2680 مترًا مربعًا، ويضم 12 غرفة، إضافة إلى غرفة جلوس تحوي بيانو، تخيلي أن هذا البيانو كانت قد عزفت عليه ريهانا والراحل مايكل جاكسون والكثير من المشاهير الذين نزلوا فيه، وطاولة بلياردو وغرفة طعام منفصلة مع مطبخ صغير، وبالطبع حماماته من الرخام وهي تضم الجاكوزي، كل هذا والبحيرة تحاصر هذا الجناح من جهاته الأربع بمشهد بانورامي يحبس الأنفاس ويخطف الأبصار.

بعد الجولة في عالم الترف، تناولنا العشاء في مطعم «أرابيسك» الموجود في الفندق، وهو يقدّم أشهى الأطباق اللبنانية التي يحضّرها الشيف جوزيف مبيّض.

معلومة - عن الفندق

● يضم الفندق ناديًا رياضيًا و«سبا» علاجياً تُستعمل فيه منتجات La Mer  .

● يوفر فندق «بريزندينت ويلسون»، بطاقة استعمال المواصلات مجانًا طوال فترة إقامتك فيه.

● مطعم Bayview حيث يقدّم الشيف ميشيل الأطباق الكلاسيكية والمعاصرة، مع قائمة موسمية مكونة من المنتجات المحلية.

● مطعم Umami الذي يعني «لذيذ» باللغة اليابانية، يقدم للشيف ميشيل روث، بخلاف السوشي الشهير، الأصناف التقليدية، بالإضافة إلى أطباق الشيف المميزة بلمسة فرنسية في أجواء فريدة من نوعها في جنيف.

إيفوار قرية فرنسية تراقب جنيف

في الصباح الثاني في جنيف، أبحرنا وجيانا المرشدة السياحية نحو قرية إيفوار الفرنسية وجلبنا معنا جوازات سفرنا عملاً بنصيحة جيانا، فلربما طلبت الشرطة الفرنسية إظهار بطاقة هوياتنا. استغرق الإبحار حوالى الساعة وربع الساعة على مركب «هنري دونانت». وهنري دونانت هو مؤسس الصليب الأحمر الدولي... كل تفاصيل حياة هذا النبيل تجدينها على لوحة وُضعت في مقهى المركب، ولا بد من أن تتأثري بسيرة حياته، فقد استحق أن ينال جائزة نوبل عام 1910. كانت الطريق المائية بين جنيف وإيفوار مزركشة ببلدات سويسرية جمالها يحبس الأنفاس. رسا المركب عند ميناء قديم تشرف عليه قرية تعود إلى القرون الوسطى، من خلفها تبدو قمم الـ«مونت بلان»، إنها إيفوار Yvoire التي بدت لي جميلة مستريحة على ضفاف الزمن غير آبهة بسيرورته، بيوت حجرية وأزقة مرصوفة بالحجارة وأصص زهور متدلية من نوافذ صغيرة تراقب دهشة الزوار وكيف لا يكفّون عن التقاط الصور، وحيرتهم في اختيار الزوايا. رغم صغر مساحة هذه القرية، فإن فيها الكثير مما يجعلك تشعرين بأنك في حاجة إلى أيام من العيش فيها حتى تكتشفي الكثير مما تخفيه بيوتها العتيقة. هنا تتجاور الحوانيت التي تبيع التذكارات والأشغال اليدوية، والمقاهي، كلها عند أقدام البيوت القديمة. تناولنا الغداء في مطعم Le Jardin du Leman أي «حديقة ليمان»، ما يعني أن الفرنسيين متمسكون بتسميتهم للبحيرة، إنه اختلاف على التسمية واتفاق على الجمال بكل تفاصيله.

عدنا إلى جنيف برًا عبر الحافلة وكانت الطريق إليها مزدحمة، ذلك أنه يوم سبت، أي يوم عطلة الأسبوع وغالبية السويسريين يستعملون سياراتهم الخاصة، غير أن الازدحام لا يقتصر على السيارات وإنما يشمل المشاة أيضًا، فوسط جنيف التاريخي كان مزدحمًا بالناس من كل الجنسيات والأعمار، والجميع يخرجون يوم العطلة رغم زخات المطر، ليستمتعوا بهذه المدينة.

انتهت رحلتي السويسرية في عشاء في مطعم «شي فيليب»، الموجود في وسط المدينة، وهو مطعم «ستيك هاوس» استوحى صاحبه الشيف فيليب شوفرييه من رحلاته إلى نيويورك نمط تقديم أطباق الشواء. ودّعت صباحًا جنيف ومعها سويسرا وتوجهت إلى المطار عبر التاكسي، فقد أردت الاحتيال على الوقت، لأودّع المدينة ببطء، فلم أستقلّ القطار  لكن الوقت دهمني فالوداع كان سريعًا إذ خلال 15 دقيقة وصلت إلى مطار جنيف الدولي، حاملةً معي حقيبة من الذكريات لثلاث مدن سويسرية رمتني وسط تفاصيل جمال لا يجرؤ الزمن على رسم تجاعيده على خطوطها مهما شاخ. 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078