تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

زوجك في المطبخ: مساعدة أم فوضى؟

محمد وشيماء

محمد وشيماء

محمد صلاح

محمد صلاح

محمد ودعاء

محمد ودعاء

د. مديحة الصفتي

د. مديحة الصفتي

للمطبخ فضول يجذب أنماطاً قليلة من الرجال الذين يستمتعون بارتداء المئزر والوقوف أمام الموقد.

والسؤال الذي تطرحه «لها»: هل هذا النمط من الرجال مريح في الزواج؟ أم تعاني الزوجات بسبب تدخلهم المستمر في كيفية إعداد الطعام؟ وهل تصل هوايتهم في دخول المطبخ حد الإدمان؟ وهل يساعدون زوجاتهم، أم أنهم في الحقيقة يثيرون الفوضى داخل المطبخ؟


زوجتي لا تجيد الطهو
محمد صلاح، مدير مبيعات وتسويق عقاري، 39 عاماً، بدأت هوايته مع الطهو منذ أن كان عمره 16 عاماً، والسبب إعجابه بطعام أمه، ويقول: «كنت أقف بجوار أمي في المطبخ أستمتع بمشاهدتها وهي تطهو أصنافاً لذيذة، لكنها كلها شرقية، فبدأ شغفي بالطهو ينمو، لكنني لم أمارس هوايتي وشغفي إلا عندما سافرت أمي الى أميركا، وبدأت أطهو لنفسي، ومنذ ذلك الوقت زادت ثقتي في قدراتي المطبخية».
يعتبر محمد أن الوقت الذي يمضيه في المطبخ مبهج ويمارس فيه هوايته المفضلة، وإن مارسها بشكل يومي بعد زواجه، ويوضح: «في فترة الخطوبة اكتشفت أن شيماء زوجتي لا تجيد الطهو، ولم أجد غضاضة في أن أعدّ بنفسي طعام الغداء يومياً في بداية الزواج، خاصة أنني كنت أرى أبي رجلاً مُرهقاً بطلباته الكثيرة لأمي، وكنت أتعاطف مع مجهودها الذي تبذله في تلبية طلباته، من إعداد الطعام والقهوة، فعاهدت نفسي على ألا أرهق زوجتي مثله، وشاءت الأقدار ألا تجيد زوجتي الطهو، فتماشى ذلك مع قناعتي بأن الرجل الذي يريد أن تحافظ زوجته على جمالها ورشاقتها طوال الوقت، عليه أن يساعدها في تحمّل الأعباء المنزلية، وإلا لن تجد الوقت الكافي للاعتناء بنفسها وبأطفالها وتدبير شؤون المنزل، خاصة إذا كانت موظفة مثل زوجتي».
تلتقط شيماء مدحت، مضيفة طيران، أطراف الحديث، وتقول: «علمت منذ فترة الخطوبة أن محمد يجيد الطهو، لكنني لم أكن أعلم باحترافه، وكانت المفاجأة الصادمة لي بعد الزواج، كم الأواني التي يتركها في المطبخ بعد الانتهاء من الطبخ، واضطراري لغسل الأطباق التي يستخدمها».
تبتسم شيماء وتكمل حديثها قائلة: «رغم الإرهاق الذي أُعانيه أثناء تنظيف الأواني، لكنني أستمتع كثيراً بمذاق الطعام، خاصة أن محمد يتفنن في إعداد الطعام وغير تقليدي، وتعلمت منه العديد من الوصفات، لكنه أحياناً يخفي عني سر الوصفة ليبقى متميزاً».
يتطوع محمد يومياً في تحضير طعام الغداء بعد عودته من العمل، ويقول: «مواعيد عملي مختلفة عن مواعيد عمل شيماء، بحيث أعود قبلها إلى المنزل بساعة أو اثنتين على الأقل، فأقوم بأعمال المنزل وأعدّ طعام الغداء، مراعاة مني لظروف عملها كمضيفة طيران من جهة، ولقناعتي بضرورة المشاركة الأسرية من جهة أخرى».
تؤكد شيماء كلام زوجها قائلة: «أعتبر نفسي زوجة محظوظة، فمحمد زوج متعاون إلى أقصى الحدود، ويقدّر الضغوط التي ترزح تحتها الزوجة العاملة، فهو لا يجد غضاضة في المشاركة في رعاية طفلنا، الذي بدوره يعشق دخول المطبخ مثل أبيه، وهناك بعض الأطعمة مثل الدجاج لا يأكل منها إلا إذا شارك والده في طريقة إعدادها».

الحاجة أم الاختراع
رغم أن محمد عبدالعزيز، مسوق إلكتروني، 38 عاماً، لا يزال عازباً، إلا أنه طبّاخ ماهر، وتدعوه أمه وأسرته لإعداد الطعام رغبة منهم في التجديد وحباً في اختراعاته المطبخية، لكن تبقى مشكلتهم الأزلية معه، هي الغرق في أكوام الأواني التي يخلفها في المطبخ بعد الانتهاء من عملية الطهو.
محمد يقدم برنامج «عزيز وأصحابه» على موقعي التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«يوتيوب»، محققاً نسب مشاهدة عالية، ورغم هذا النجاح الباهر، يعترف بأن دخوله المطبخ فُرض عليه فرضاً عندما سافر للعمل في السعودية، واضطر للعيش بمفرده عام 2004، ويقول: «كعادة أي مغترب، لجأت إلى الوجبات السريعة، لكن بعد فترة مللت منها، فبدأت أبتكر أطباقاً، منها ما فشل بسبب زيادة الملح أو لخلل في المقادير، لذا قررت بعد الاحتراف في برنامجي المقدّم على الإنترنت أن أحرر الأكلات من المقادير، وكانت هذه فلسفتي التي نجحت في تطبيقها، وكذلك حررت الأكلات من التقليدية التي ربتنا عليها أمهاتنا، بعدما وجدت فارقاً كبيراً بين نظرة الرجال الابتكارية الى الطعام ونظرة النساء التقليدية، فالطهو بالنسبة إليهن أداء واجب، وهذا يظهر جلياً عندما أدخل مطبخ العائلة وأحضّر لهم الطعام، عندها يكون وقوفي في المطبخ مفعماً بالمرح والضحك، ولذلك فهم يحبون اليوم الذي أطهو فيه».
ويشير محمد إلى أن مخلفات طهوه، من الصواني والأواني والأطباق، هي الكارثة الكبرى بالنسبة الى أمه وأخته، اللتين لا تتوقفان عن الشكوى والتذمر منها، ويقول: «أمي وأختي تصابان في كل مرة أنتهي فيها من الطهو بصدمة غسل الأواني، لكننا اتفقنا من البداية على تقسيم الأدوار، أنا أطهو وهما تنظّفان الأطباق، لكنهما تؤكدان دائماً أنها مهمة صعبة بسبب استخدامي المفرط للأواني».

ضحية مجتمع
شيرين حرب، صحافية فلسطينية نشأت في مصر وتعيش حالياً في النروج، تؤكد أن إلزام المرأة بعبء الطهو غير موجود إلا في المجتمع الشرقي، وتقول: «رغم أن زوجي يعيش في أوروبا منذ زمن طويل وخطبني في مصر حيث نشأت، إلا أنه ما زال متشرباً الثقافة العربية، ويرى أن الطهو اليومي وتحمّل أعباء المنزل جميعها من واجبات المرأة فقط، على عكس المجتمع الأوروبي الذي يشارك فيه الرجل زوجته في تحضير الطعام ويساعدها في تربية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية».
تؤكد شيرين شعورها بأنها ضحية مجتمع ظالم للمرأة وغير مقدّر لجهودها، وفي الوقت نفسه يمجّد الرجل، حتى وإن كان بطلاً من ورق. هذا المفهوم كان سائداً أيضاً في أوروبا، لكن مع إيمانهم بالمساواة أصبحوا يرسّخون المبدأ في عقول الأطفال، ففي كتب الحضانة مثلاً تعبّر الصور عن الأب الذي يطهو والأم التي تقرأ، حتى نشأوا على المساواة بين الرجل والمرأة، وأصبحوا يرون المرأة إنساناً وليست جارية مثلما يراها البعض حتى الآن.

مجرد هواية
أما محمد جمال، صاحب شركة دعاية وإعلان، 36 عاماً، متزوج منذ ثماني سنوات، فيؤكد أن الطهو بالنسبة إليه مجرد هواية وليس أسلوب حياة. ويقول: «الطهو هواية أمارسها في الإجازة الأسبوعية، أستمتع بها كثيراً، فأنا محترف سلطات لبناني وشرقي، وأكلات جديدة، وعن طهو الأسماك فحدّث ولا حرج، حيث أتفنن في طهو كل ما يخرج من البحر، والسبب في ذلك أن هوايتي الأولى هي الصيد، وأحب أن أطهو السمك الذي أصطاده بيدي».
يؤكد جمال أن زوجته طاهية ممتازة، ويقول: «زوجتي محترفة في الطهو، وأحب كل أكلاتها بلا استثناء، لكنني لا أتوقع أن يرث أحد أبنائي الذكور هوايتي في الطبخ».
يضحك جمال مؤكداً أن هناك بعض الأسرار المطبخية لا تعرفها النساء، وهذا سر تفوق الرجال محبي الطهو، ويقول: «السبب في تفوق الرجال في الطهو هو بعض التفاصيل التي تهملها النساء أو تجهلها، مثل التتبيلات والصلصات».
تلتقط دعاء سعيد أطراف الحديث من زوجها محمد جمال، قائلة: «في فترة الخطوبة لم أكن أعرف أن محمد يجيد الطهو، وكانت المفاجأة بعد الزواج، فأكثر ما يرهقني في دخوله الى المطبخ قلّة النظافة وفوضى الأواني التي يخلّفها وراءه، فأجد كل شيء متسخاً، بداية من السكين، مروراً بالملاعق المستخدمة في الطهو، وصولاً الى الأطباق والصواني».
وتتابع: «أحمد الله أنه ليس مدمناً هواية الطهو بسبب الفوضى التي يفجّرها في المطبخ، لكنه يحب تجربة الأكلات الجديدة التي يشاهدها في برامج الطهو التلفزيونية، خاصة السوشي، فهو يسعى الى الاحتراف في إعداده، وفي الوقت نفسه يحب محمد أكلاتي، لأنني متنوعة دائماً، وأخرج عن الأكلات التقليدية، وهذا سر تناغمنا في التفكير المطبخي والطهو».

صورة نمطية
الدكتورة مديحة الصفتي، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية، تؤكد أن سبب إيمان القليل من الرجال بالمشاركة المنزلية، لا سيما في الطهو، هو حدوث تغيير إيجابي في الثقافة الاجتماعية والنظرة إلى المرأة كإنسان، بعيداً عن صورتها النمطية التي تقلّل من شأنها، أو حتى النظرة إليها كبطل خارق يقوم بكل المهمات بدون كلل أو ملل، وليس من حقها الشكوى.
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع أن اقتصار دور المرأة في المجتمع على تحمّل الأعباء المنزلية فقط، أو إلحاق العار بالرجل الذي يحترف الطهو ويساعد زوجته، يعود في الأساس إلى التنشئة الأسرية منذ الطفولة والتمييز بين أدوار الرجل والمرأة، موضحةً: «تغيير الصورة النمطية للمرأة يعتمد أساساً على كيفية تربية أبنائنا، وتغيير نظرتهم إلى المرأة، وبالتالي يرتكز على القيم التي نزرعها في نفوس الأطفال، لنحصدها تغييراً إيجابياً عندما يصبحون شباباً».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079