في رمضان: أطفال وشباب يبحثون عن السعادة بالأعمال التطوعية
الأعمال التطوعية ثقافة تبدأ منذ الصغر، ولهذا لا يتردد بعض الأطفال والشباب في الإقدام على الكثير من أشكال العمل التطوعي، ليس فقط لمساعدة الآخرين، لكن لأن تلك الأعمال التطوعية نفسها تشعرهم بسعادة بالغة.
«لها» تلقي الضوء على شباب وأطفال عرفوا الطريق الى الأعمال التطوعية، بخاصة في شهر رمضان الكريم، فما هي تجاربهم؟ وماذا يقولون عنها؟
مواقع التواصل
تقول إسراء يعقوب، 33 عاماً: «أقوم أنا وعدد من أصدقائي بتجهيز وجبات ساخنة لتوزيعها على الصائمين؛ في إطار حملة خاصة نقوم بها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نجمع تبرعات من أصدقائنا ومعارفنا، ونشتري كمية كبيرة من الأرز والمعكرونة والخضروات واللحوم، ثم نجهزها بأنفسنا، ونوزعها في شهر رمضان على الأسر البسيطة في المناطق الشعبية أو الصائمين في الشوارع».
وتضيف إٍسراء: «أشعر بسعادة بالغة في مساعدة المحتاجين، فنحن نقوم بهذا العمل منذ أكثر من خمس سنوات، إلى جانب الكثير من الأعمال التي نقوم بها خلال الشهر، مثل توزيع اللحوم والأطعمة الجافة على الأسر وتوزيع مساعدات مادية، بهدف إسعاد الأسر البسيطة فقط، ونقوم في كل سنة بعمل أكثر من 300 وجبة طازجة وساخنة، نقوم بطهيها بأنفسنا حتى نضمن نظافتها وجودتها، ثم ننزل الى الشارع قبل الإفطار بساعة تقريباً، ونوزعها على الباعة في الشوارع وعلى المشردين، وأحياناً في المنازل على الأسر التي نعرف حالتها. ولاقت حملاتنا تفاعلاً كبيراً، فحتى قبل بداية شهر رمضان أجد أصدقائي يسألونني عما إذا كنا سنقوم بعمل أي مساعدات هذا العام للمشاركة معنا، سواء بالمال أو بالمجهود».
إفطار المسافر
يقول المذيع أحمد يونس، أنه يقوم وعدد من مستمعي برنامجه؛ الذي يقدم على إحدى المحطات الإذاعية، بتعبئة أكياس كبيرة بالمواد الغذائية وتوزيعها على البسطاء لمناسبة شهر رمضان الكريم، في احتفال يشارك فيه عدد كبير من الشباب؛ تحت رعاية مؤسسة «مصر الخير»، إلى جانب حملات أخرى يقوم بها الشباب خلال الشهر، من إفطار الصائمين وإعطاء المحتاج وغيرهما من النشاطات الخيرية والمجتمعية، مؤكداً أن الحملة تستهدف توزيع 200 ألف كرتونة على المحتاجين في جميع محافظات مصر.
ويشير يونس إلى أنه قام بعمل اقتراع لاختيار 300 من مستمعيه للمشاركة في تعبئة الكراتين خلال رمضان، وأن هناك نشاطات أخرى ضمن الحملة؛ أهمها «إفطار المسافر»، من خلال توزيع 1500 وجبة يومياً طوال الشهر في الميادين الكبرى ومواقف الأقاليم، وحملة «إفطار خمسة ملايين صائم»، وهي الحملة الكبرى التي تنظمها المؤسسة منذ ثلاثة أعوام، وتقوم على توزيع الوجبات أو إقامة خيم رمضانية في الشوارع، أو الذهاب لتقديم المساعدات في المناطق الحدودية والمحافظات الفقيرة ومحافظات الصعيد.
ويضيف: «هناك ضرورة لإشراك الشباب في العمل الأهلي، وألا يكون مقتصراً فقط على رجال الدين أو الأغنياء، وذلك لخلق مناخ اجتماعي مليء بالتكاتف والتكامل، فالشباب هم عماد المجتمع، وحملة مثل التي نشارك فيها لا تحتاج الى أي اشتراك مادي، لكننا شاركنا فيها بالجهد فقط؛ من خلال التعبئة أو مساعدة الصائمين خلال رمضان، وأنا فخور بمستمعي برنامجي وبالاشتراك في هذا العمل الخيري الكبير.
الأطفال وكرتونة رمضان
من مصروف الجيب، استطاع طلاب مدرسة تجميع أكثر من ألف حصّة غذائية لتوزيعها خلال شهر رمضان، رسموا من خلالها البهجة على وجوه الأسر البسيطة، بجهودهم الذاتية، ومن دون أي مساعدات خارجية، تمكنوا من جمع مبلغ ضخم أثار انبهار كل من في مدرستهم.
طلاب المدرسة الكائنة بمنطقة مصر الجديدة الراقية، استهدفوا جمع 30 ألف جنيه من مصاريفهم على مدار السنة، لتجهيز مساعدات وتوزيعها خلال رمضان، بتوجيه من أحد المعلمين داخل المدرسة، وما حدث كان على غير المتوقع، حيث قاموا بتجميع 80 ألف جنيه، وبالفعل اتفقوا مع أحد المتاجر الكبرى لتوفير المنتجات الغذائية، ونقلها إلى فناء مدرستهم، ثم قاموا على مدار أسبوع بتعبئة هذه المنتجات بالتساوي داخل أكياس بلاستيكية، واتفقوا مع إحدى السيارات، ثم نزلوا إلى الشارع لتوزيع هذه الأكياس بأنفسهم في منطقة شعبية فقيرة بالقاهرة.
يقول أحد المعلمين بالمدرسة، أنهم فوجئوا بما يقوم به الطلاب، فلا أحد من المعلمين كان يتوقع أن تكون لديهم كل هذه الحماسة والرغبة في المساعدة، لكن الحملة بدأت من خلال الطلاب رؤساء الفصول ومسؤولي النشاط داخل المدرسة، حيث قاموا بعمل صندوق كبير والترويج للحملة على مدار عام، وأُخذ مبلغ بسيط يومياً من كل الطلاب، تجهيزاً لشهر رمضان، مؤكداً أن حملة الطلاب بدأت من العام الماضي؛ وأحدثت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن ما قام به الطلاب لم يكن متوقعاً، بخاصة مع سنهم الصغيرة، فكل المشاركين تقريباً أصغر من 14 عاماً.
السعادة
شكل آخر من أشكال التطوع يقوم به كريم جمال، الطالب في الصف الثالث الثانوي، وأصدقاؤه، حيث قرر هؤلاء الشباب أخذ أجر إفطار الصائمين في الشوارع لحظة الإفطار، وتخفيف حدة العطش الذي يشعر به الصائمون في آخر ساعة من الصيام، ويقول كريم: «منذ الصغر، كنت أخرج مع أصدقائي في لحظة الإفطار لنقف في الشوارع ونوزع الماء والعصائر والتمور على الصائمين في السيارات، فعندما يؤذن للمغرب، نجد كثيرين من الأشخاص لم يستطيعوا الوصول الى منازلهم بسبب ازدحام الطرق أحياناً أو طول المسافة أحياناً أخرى، ونحن نشعر بمعاناتهم، بخاصة مع ارتفاع درجة الحرارة، كما أن هناك أجراً كبيراً عند الله لما نقوم به، فنقوم بشراء كمية من التمور تكفي لتوزيعها طوال الشهر، وكمية أخرى من العصائر، وتجهيز كمية من المياه المثلجة، ثم ننزل قبل المغرب بربع الساعة، بسيارة والد صديقي، ونقوم بتوزيع هذه الأشياء على السيارات أو على الباعة في الشوارع.
ويضيف كريم: «كنت أقوم بهذا العمل منذ فترة أيضاً، ضمن حملة تقوم بها إحدى الجمعيات الخيرية الكبرى في منطقتي، وعندما استطعنا توفير المال لشراء هذه الأشياء من مالنا الخاص، قمنا على الفور بتنفيذ ما تعلمناه، وحقيقة فإن العمل التطوعي بشكل عام يجعل الفرد يشعر بسعادة بالغة، فنقطة مساعدة الغير في حد ذاتها تجعلنا نشعر بأننا ذوو قيمة داخل المجتمع».
ثقة
يقود صلاح عبدالمعطي عبيد، مجموعة من شباب عائلته داخل مؤسسة خيرية أسسوها في مسقط رأسهم بمحافظة الغربية، وتقوم بكل النشاطات الخيرية في مختلف محافظات مصر، بعد أن اكتسبت خبرة ميدانية وثقة المؤسسات الخيرية في الوطن العربي، فأصبح الهلال الأحمر الإماراتي؛ وغيره من المؤسسات الخيرية العربية؛ الداعم الأكبر لها.
ويشير عبدالمعطي، (57 عاما)، إلى أنه خلال شهر رمضان تقوم مؤسستهم يومياً بعمل «مائدة الرحمن» أمام منزلهم، والتي هي عبارة عن سرادقات كبيرة لإفطار الصائمين من الفقراء وعابري السبيل، تتكفل جمعيتهم بكل تكاليفها؛ من بناء السرادق وشراء الأطعمة وطهي الوجبات وتعبئتها وتقديمها على الموائد أو توزيعها أحياناً في حال امتلأ السرادق، كما أن أعمالهم الخيرية تتضاعف في رمضان، ويسافر إلى محافظات مختلفة بالتعاون مع مندوبين من جمعيتهم لإقامة موائد مشابهة.
ثقافة التطوع
يرى الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، أن العمل الخيري أحد الروابط النبيلة بين أفراد المجتمع، بخاصة وقت الشدائد، وينتهز الناس شهر رمضان للتعبير عن الخير الموجود في نفوسهم تجاه الفئات المستضعفة أو المهمشة أو المحتاجة، ويصبح شعارهم: «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط»، مطالباً بأن تهتم الأسر بتربية أولادها على حب وفعل الخير منذ الصغر، عن طريق اصطحابهم معهم في أي عمل خيري أو اجتماعي، أو زيارة الفقراء من الأقارب، ومثل هذه التربية الخيرية تجعل الأبناء والبنات يتسابقون في العمل الخيري بكل سعادة، لأن سعادته في إسعاد الآخرين.
ويلفت د. زايد، إلى أن العمل التطوعي عامل أساسي في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، لأن فيه ممارسة إنسانية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح، ويتوافق مع الفطرة الإنسانية النقية؛ التي تجعل الناس تسعى الى مساعدة بعضها البعض، وتعدد أشكال العمل التطوعي وأنواعه بحسب المجتمع وتعليمه ووعيه، والمشكلات التي يعيش فيها أفراده، ولهذا نجد صوره تختلف في رمضان عن غيره من الشهور، لأنه يرتبط بما يحتاج إليه الصائم من طعام وشراب وكساء، وكل ما يدخل السعادة إلى نفسه ويخفف متاعب الصيام عنه، حيث يتنوع العمل التطوعي؛ فقد يكون جهداً يدوياً وعضلياً أو مالياً أو معنوياً.
ويضيف د. زايد، أن العمل التطوعي قد يكون بجهد فردي ومبادرات شبابية، أو بشكل مؤسسي، ولهذا لا بد من تنمية ثقافة التطوع في المجتمع باعتبارها منظومة القيم والأخلاقيات والسلوكيات والمعايير والممارسات التي تحض وتدفع الى عمل الخير، حتى يصل نفعه وفائدته الى الغير، إما بجلب مصلحة أو بدرء مفسدة، تطوعاً ومن غير إلزام أو إكراه، وللأسف فإن هذا المفهوم في حاجة إلى مزيد من الجهد؛ حتى يصبح أسلوباً تلقائياً للحياة طوال العام، وليس في رمضان فقط، لأن الله الذي نطلب منه الأجر هو رب الناس في كل الشهور.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024