أمل كلوني وناديا مراد... معاً لقضية إنسانية واحدة
لا يُخفى على أحد اهتمام المحامية اللبنانية-البريطانية أمل كلوني بالقضايا الإنسانية. وبرزت إلى العلن قضية دفاع أمل كلوني عن فتاة عراقية أيزيدية تدعى ناديا مراد بهدف لفت أنظار المجتمع الدولي وإلقاء الضوء على الفظائع والانتهاكات التي ترتكبها الدولة الإسلامية في حق الشعب الأيزيدي. تطالب أمل كلوني بمحاكمة المجرمين أمام محكمة العدل الدولية، وتصرّ على مساندة ناديا مراد، الناجية من مسلحي الدولة الإسلامية بعد رحلة عذاب طويلة، لنقل القضية إلى الرأي العام على أوسع نطاق ممكن.
في شهر آب/أغسطس من العام 2014، كانت ناديا شاهدة على مجزرة ارتكبها مسلحو «داعش» في حق العديد من أصدقائها وأفراد عائلتها، لمجرد أنهم من الطائفة الأيزيدية، قبل أن يسجنوا الآلاف الآخرين، من ضمنهم ناديا نفسها. بعد أسابيع من الاغتصاب اليومي، نجحت ناديا في الفرار والوصول إلى ألمانيا.
في مجتمع بات فيه الاغتصاب مصدر عارٍ للضحية والمعتدي على حد سواء، كشفت ناديا عن شجاعة استثنائية حين وافقت على التحدث عن عذابها.
وجاءت أمل كلوني لمساندتها من الناحية القانونية واللوجستية، لا سيما أن أمل محامية لامعة في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن كونها زوجة النجم الهوليوودي جورج كلوني.
تحاول أمل وضع استراتيجية قانونية للقضية، وتسليط الضوء عليها في الصحف ووسائل الإعلام، ومناشدة الحكومات بأخذ المسألة على محمل الجد. ولا شك في أن منصب كلوني ساعد على لفت الانتباه إلى القضية.
تشكل أمل كلوني وناديا مراد إذاً فريقاً ناجحاً جداً. أمل تستخدم ذكاءها وشهرتها للفت انتباه السياسيين، فيما ناديا هي الإنسانة الأكثر شجاعة على الإطلاق.
فريق استثنائي
امرأتان لقضية واحدة... امرأتان لفريق استثنائي... أمل كلوني محامية متخصصة في حقوق الإنسان، تخرجت في جامعة أوكسفورد، وتزوجت من النجم العالمي جورج كلوني. تمتاز كلوني بقامتها الطويلة والممشوقة، وأسلوبها الأنيق والراقي.
أما ناديا مراد فهي فتاة أيزيدية، وُلدت في قرية عراقية فقيرة وكان طموحها أن تصبح معلمة. مراد شابة خجولة وقصيرة القامة، تحاول عدم النظر مباشرة في عيون الآخرين. لكن ناديا تحولت الآن إلى رمز للصمود بالنسبة إلى أقلية مهددة بالانقراض. أسرها مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وعذّبوها كثيراً، لكنها مستعدة للشهادة علناً ومراراً عن الفظائع التي ارتكبوها في حقها، وسَوقهم إلى المحاكم الدولية.
حكاية ناديا
بدأت القصة في آب/أغسطس 2014، عندما كانت ناديا مراد طالبة عمرها 21 عاماً. في ذلك الشهر، دخل مسحلو تنظيم الدولة الإسلامية إلى قريتها، كوشو، في سهل نينوى. كان الرجال مسلحين وتحدثوا لغات لم يفهمها أحد في كوشو.
اعتبر المسلحون ناديا وجيرانها بمثابة كفّار. فالديانة الأيزيدية لا تعتمد كتاباً مقدساً، وإنما ترتكز على مزيج من تقاليد بلاد ما بين النهرين. يعيش معظم الأيزيديين في العراق، وينتشر عدد منهم في سوريا وألمانيا.
في 15 من الشهر نفسه، استدعى مسلحو «داعش» جميع السكان إلى مدرسة القرية وفصلوا الرجال عن النساء والأولاد. ذبحوا 312 شخصاً في ساعة واحدة، بينهم إخوة ناديا وأمها. ثم أجبروا النساء الشابات والأولاد على الركوب في باصات قبل اصطحابهم إلى مدينة الموصل التي كانت محاصرة من قوات النظام العراقية.
تم احتجاز ناديا في مبنى مع 1000 عائلة أخرى. عاشت النساء رعباً حقيقياً لأنهن علمن بما يخطط له المسلحون، وأنهم سوف يتقاسمون غنائمهم.
تعرضت ناديا للاغتصاب اليومي. حاولت الهرب ذات مرة، لكن حارساً أوقفها ووضعها في غرفة مع عدد من الحراس الذين تناوبوا على اغتصابها. نجحت أخيراً في الفرار عندما ترك سجّانها الباب مفتوحاً. لا يمكنها العودة إلى قريتها لأنها لا تزال تحت سيطرة «داعش»، فوجدت الملاذ في ألمانيا حيث تعيش حالياً.
اهتمام أمل
اهتمت أمل كلوني بقضية ناديا مراد وأرادت مساعدتها، لا سيما أن الأدلة التي تدين تنظيم «داعش» واضحة تماماً. فقد أعلن المسلحون بكل وضوح عن نياتهم، وصوّروا مجازرهم، ونشروا أشرطة لتلك المجازر على وسائل التواصل الاجتماعي. كما اعتبر مسلحو «داعش» أن الأقلية الأيزيدية يجب أن تختفي من الوجود لأن أتباعها جميعهم من الكفّار.
لكن رغم توافر كل هذه الأدلة، سيكون صعباً محاكمة زعماء تنظيم «داعش». فإلقاء القبض عليهم ليس أمراً سهلاً، فضلاً عن أن القانون الدولي يتحرك ببطء شديد ويواجه غالباً الكثير من العقبات الجيو-سياسية.
لذا، تتمثل أولوية كلوني في جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة قبل ضياعها. تحاول فعل ذلك بنفسها، من خلال تسجيل مقابلات مع الناجين، وتضغط في الوقت نفسه على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإجراء تحقيق رسمي على الأرض، مع ميزانية كبيرة لنبش القبور الجماعية وإجراء فحوص الحمض النووي وجمع الأدلة الوثائقية (مثل شهادات العبودية).
ترغب أمل في محاكمة زعماء «داعش» أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. إذا لم يكن في وسع محكمة العدل الدولية معاقبة أسوأ مجموعة إرهابية في العالم، فلمَ هي موجودة إذاً؟ إلا أن المحامية اللامعة منفتحة على خيارات أخرى مثل محكمة مدعومة من الأمم المتحدة والحكومة العراقية، شرط أن تلتزم بالمعايير الدولية للعدالة.
قصة ناديا أبكت الكثير من الأشخاص، وتسعى أمل لوضع استراتيجية قانونية لقضيتها، وإبقاء القضية ضمن العناوين الرئيسة لمهمات الدول النافذة. قد تستغرق القضية سنوات عدة. لكن أمل تأمل في أن ينجح الضغط في ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024