بالصور - قونيا المدينة التي تفيض بالروح الرمضانية
كثيرة هي المدن التي تحتفل برمضان، ولكل واحدة عاداتها وتقاليدها الرمضانية، التي تستوحيها من هذا الشهر الفضيل. ومدينة قونيا الواقعة جنوب وسط الأناضول تحتفل بهذا الشهر الكريم، بأسلوبها الصوفي الذي تشتهر به.
فهي معقل دراويش المولويّة إحدى الطرق الصوفية، وزيارتها في رمضان تملأ الزائر بالكثير من روحانية هذا الشهر وبركته، حيث يكتشف كنزًا من الحكايات الجميلة التي ترويها أسواق قونيا وجوامعها.
وبالتالي فالإيمان والتسامح اللذان يفيضان في هذه المدينة يغمران كل من يطأ أرضها.
متحف مولانا
وتعود تسميته إلى جلال الدين الرومي، المتصوّف الذي يعدّ من كبار شخصيات القرن الثالث عشر الروحية. وفي التاريخ أن متحف مولانا كان يُعرف بـ«روضة الورد» التي كانت تابعة للقصر السلجوقي، وأهداه السلطان علاء الدين كايكوباد إلى سلطان العلماء بهاء الدين والد جلال الدين الرومي.
وحين توفي سلطان العلماء، نصح أصدقاء جلال الدين بتشييد ضريح لوالده لكنه رفض قائلاً: «كيف يمكن أن يكون هناك ضريح أعظم من السماء»؟. ولكن بعد وفاة جلال الدين عام 1273 شيّد ابنه سلطان ضريحًا بلغت تكلفته 130000 درهم سلجوقي جمعها من تبرعات أتباعه، وقام ببنائه المهندس المعماري التبريزي بدر الدين.
تتحلق غرف الدراويش شمال الباحة الرئيسة وغربها، وتتوسطها بركة مياه يستخدمها المصلّون للوضوء، وفي خلفها مسجد يجاوره المبنى الرئيس الذي يضم ضريح جلال الدين وأضرحة باقي أفراد عائلته. ويضم المتحف كشكًا لبيع التذكارات.
أما حكاية جلال الدين الرومي مع التصوّف، فهي كما يُروى، أن الرومي التقى درويشًا جوالاً اسمه «شمس التبريزي»، وكان يتمتع بشخصية طاغية مهيمنة، بحيث ترك موطنه في تبريز وراح يتجوّل في بقاع العالم الإسلامي بحثًا عن شيخ مرشد إلى أن التقى جلال الدين الرومي في أحد شوارع قونيا حيث استوقف جواده ودار حوار عميق بين الرجلين، فعرف التبريزي أنه وجد ضالته.
ثم سارا إلى مكان اجتماعهما الأول الذي استمر ستة شهور كاملة، انقطع خلالها الرومي عن حلقة تلاميذه ومريديه وعن دروسه الدينية، وتفرّغ للحوار مع التبريزي. وروى من قام على خدمتهما في تلك الأثناء أن الصديقين كانا في حديث دائم لم يلهِهما عنه طعام أو شراب أو حاجة من حاجات الدنيا.
وعكفا على الحوار في آناء الليل وأطراف النهار. وحين فكّ الصديقان عزلتهما، راح المتطرفون من تلامذة جلال الدين يدسون الدسائس ملقين اللوم على «شمس» في إهمال شيخهم لالتزاماته الاجتماعية، مما دفع التبريزي إلى ترك قونيا. وراح مولانا يبحث عن صديقه الدرويش حتى وجده في دمشق، وعاد به إلى قونيا.
قتل «شمس» على يد أحد أتباع جلال الدين، وحزن الرومي عليه حزنًا عميقًا وراح ينظم الشعر الصوفي فيه حتى آخر أيامه.
ولم يكن مؤلَّفه الكبير المعروف بـ«المثنوي» والذي يضم ثلاثين ألف بيت من الشعر ليُنجَز إلا بدافع الصداقة القوية التي كانت بينهما.
مسجد علاء الدين
يقف مسجد علاء الدين عند قمة رابية علاء الدين إلى جانب قصر يعود تاريخ تشييده إلى القرن الثالث عشر في عهد الملك السلجوقي علاء الدين كايكوباد. تتميّز الهندسة الداخلية للمسجد بالبساطة، ونُقشت بعض جدرانه وأعمدته بالفسيفساء، أما المنبر فهو من الخشب وقد استغرق صنعه 30 عامًا. وخلال شهر رمضان يستضيف المسجد ضيوف الرحمن لأداء صلاة التراويح في الهواء الطلق.
ووفق أحد المؤرخين، فإن الصلاة في الهواء الطلق كانت من عادات أهل قونيا حتى قبل اعتناقهم الإسلام، فقد كانوا يتعبّدون في الغابة الموجودة في منطقة المسجد، وعندما اعتنقوا الاسلام، تمّ تحويل المنطقة إلى مسجد مفتوح للصلاة والعبادة.
إذ يقف الإمام على حجر مرتفع قليلاً، أثناء إلقائه خطبة الجمعة كي يراه المصلّون، وهم يستظلّون بالأشجار، وبقيت عادة الصلاة في الهواء الطلق إلى يومنا هذا يقوم بها سكان قوينا، وكل المؤمنين الذين يزورون المدينة. الوصول إلى المسجد والقصر يكون عبر السوق الشعبي حيث تتجاور المتاجر العصرية والتقليدية التي تعرض المسابح واللوحات القرآنية والبخور وسجاد الصلاة.
وفي التاريخ أن قونيا اشتهرت بصناعة سجاد الصلاة، الذي قال عنه الرحالة الإيطالي ماركو بولو، حين زار المدينة في القرن الثالث عشر، إنه أفخر وأروع سجاد رأته عيناه في العالم.
مسجد السليمية
يقع مسجد السليمية في مواجهة مسجد مولانا، وقد بُني بين عامي 1566 و 1574 بتكليف من السلطان سليم الثاني. يمكنك التمتع برؤية هذا المسجد في المساء حيث تُضاء من أجله الأنوار، ويضم الطريق الرئيس إليه العديد من المقاهي والمطاعم التي تقدّم ألذ الإفطارات خلال شهر رمضان، بحيث يستطيع الصائمون التوجّه مباشرة إلى المسجد لأداء صلاة المغرب، ومن ثم يكملون إفطارهم.
مدرسة كاراتاي
تم بناء مدرسة كاراتاي عام 1251م لخدمة السلطان السلجوقي، بأمر من أمير المدينة، والذي كان اسمه جلال الدين كاراتاي.
وكانت كاراتاي مدرسة لتعليم الحديث والتفسير. عند الدخول تستوقفك بوابته التي زخرفت عليها آيات من القرآن وأحاديث نبوية، لتظهر باحة مكشوفة بعقود متكئة على أعمدة مزينة بزخرفة بيضاء وزرقاء، مؤكدةً روعة الفن المعماري للحقبة السلجوقية.
تغطي قاعة استقبال المدرسة قبّة مزيّنة بالفسيفساء تتوسطها ثريا، كما نُقشت على الأقواس والجدران المحيطة بالقبة آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
تشتهر قونيا بمطاعمها الصوفية، ولا سيما تلك القريبة من متحف مولانا. وخلال رمضان تستقبل الصائمين لتدخلهم في تجربة إفطار بروح صوفية.
ففي هذه المطاعم يختلف مفهوم اللباقة العصري في ارتياد المطاعم، فلا موائد مرتفعة، ولا صالات كبيرة تحتوي على أحجام مختلفة من الطاولات، ولا هندسة داخلية متكلّفة، بل مجموعة غرف بسيطة منفردة يدخل إليها الضيوف حُفاة، وتحتوي كل غرفة على طاولة واحدة خفيضة يتحلّق حولها الضيوف جالسين على الأرض لتناول الطعام على الطريقة الصوفية.
ولتنشيط الأعمال التكافلية والخدماتية في قونيا، تقوم بلدية قونيا بكل أقسامها الإدارية والخدماتية بتوسيع أنشطتها وتكثيفها من أجل توفير جو إيماني وديني وخدمات تسهيلية للأهالي والزائرين خلال شهر رمضان.
من الأمور التي يحرص المواطنون الأتراك على تطبيقها في رمضان، مسابقات تلاوة القرآن ورفع الأذان، ويشترك فيها عددٌ من المتسابقين حيث يحاولون تلاوة القرآن ورفع الأذان. وبقرار من لجنة الحكم الرسمية، المعيّنة من جانب المحافظة، يتم اختيار أفضل مؤذن وقارئ للقرآن الكريم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024