المحامية فدوى البرغوثي: حبي لزوجي مروان البرغوثي هو مصدر قوتي
دائماً ما تقف المرأة الفلسطينية إلى جانب زوجها في الأزمات التي يتعرض لها، ولكن الأزمة التي مرت بها المحامية فدوى البرغوثي امتدت لتصل إلى 32 عاماً من الانتظار والدعم والصبر، فقد تعرض زوجها إلى الاعتقال والإبعاد والإقامة الجبرية وأكثر من محاولة اغتيال. عندما قررت الارتباط به، كان قرارها أكبر من عمرها بكثير، ورغم ذلك أصرت على الكفاح من أجل زوجها ولإيصال رسالته الى العالم الخارجي من خلال الحملة الدولية التي تقودها. لفدوى البرغوثي زوجة الأسير مروان البرغوثي قائد «إضراب الكرامة» في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مواقف جبارة، وهي أمام زوجها وأبنائها امرأة قوية من زمن الصبر.
لليوم السابع والعشرين، لا تزال زوجة الأسير مروان البرغوثي المُضرب عن الطعام تنتظر أن يحقق هذا الإضراب الذي عُرف بـ«إضراب الكرامة» انتصاره. ورغم معاناتها اليومية وظروفها الصعبة وتلهفّها لمعرفة أي جديد في ما يتعلق بقضية زوجها، تمكّنا من إجراء هذا الحوار الخاص معها، فحدثتنا في البداية عن قرارها الزواج بمروان قائلةً: «كنت في الـ 19 من عمري حين ارتبطت بمروان الذي كان يمضي محكوميته في المعتقل، بين عامَي 78 و83، وعندما تم الإفراج عنه، جلسنا على انفراد وأخبرني بأنه سيواصل مسيرة النضال طالما أن الاحتلال الاسرائيلي مستمر في تعنّته، ووعدني بأنه سيكون دائماً إلى جانبي بعد زوال الاحتلال، مؤكداً لي أنني حب حياته، ويصعُب عليه أن يقول لي هذا الكلام، ويفضّل ان يكون صادقاً وصريحاً معي، لأنه سيستمر في نضاله ضد الاحتلال حتى تتحرر فلسطين، ومن ثم يكرّس حياته لي ولأولادنا، وأعطاني مهلة أسبوع حتى أفكر جيداً في الأمر، وأُقرر إما القبول أو الرفض».
وأضافت فدوى: «يومها، أجبت مروان بأنني لا أحتاج الى أسبوع لكي أفكر في طلبه، وقلت له لماذا تعطيني مهلة أسبوع! فلسطين ليست لك وحدك بل هي لجميع الفلسطينيين. ورغم قراري الحاسم بالقبول، ألحّ عليّ بأن أفكّر أسبوعاً، ولكنني رفضت طلبه مجدداً وأصررت على موقفي، وكان ذلك بمثابة عقد زواج بيننا».
وتابعت: «عندها، طلب مني مروان أن أتحلّى بالصبر إذا اعتُقل أو صدر في حقّه حكم بالسجن المؤبد أو استُشهد أو أي شيء من هذا القبيل، وأكد لي أنه لا يستطيع أن يعدني بحياة هادئة ومستقرة، وأن يكون لي ولأبنائنا فقط، أو يتفرغ لمسؤوليات المنزل ويسعى لجمع المال، فأهم شيء بالنسبة اليه هو الاستمرار في النضال وتحرير الأرض من المحتل، فأجبته بأنني سأصبر وأتحمّل، وكان عرسنا بمثابة مهرجان جماهيري ضخم».
قرار الارتباط في سن صغيرة
تحذيرات والدها وسنّها الصغيرة لم تمنع فدوى من أن تقرر الزواج بمناضل فلسطيني، فقالت: «كنت لا أزال صغيرة في السن، وكنت أعلم أن ارتباطي بمروان سيكون صعباً عليّ، وقد حذّرتني عائلتي من مغبّات هذا الزواج، وتحديداً والدي الذي كان يخاف عليّ كثيراً، وقال لي حينذاك إن مروان معرّض للاعتقال في أي لحظة وستبقين لوحدك، أو ربما يستشهد وتتحملين بمفردك مسؤولية الأطفال، وكنت أدرك هذا تماماً لأنني كنت أتابع مع مروان تفاصيل ما حدث معه في سنوات اعتقاله الخمس في المرة الأولى».
مروان يحب القراءة
أكدت فدوى أن زوجها يهتم كثيراً بالثقافة والعلم، وأوضحت: «مروان رجل يحب القراءة، وقد حصل على شهادة الثانوية العامة وهو في السجن، وتمرّس النضال على أيدي قادة كبار كانوا في الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية».
وعن رحلة عذابها الطويلة مع مروان، قالت: «كنت في الـ 19 من عمري، ولم أكن أعلم أنني سأواجه كل هذا العذاب، لكن بعد مضي 32 عاماً، أؤكد أن الرحلة صعبة ومتعبة كثيراً، فأبنائي ظُلموا لأن القرار صدر عنا نحن الاثنين، ولم يكونوا شركاء فيه».
لم أندم على زواجي بمروان
وأشارت المحامية فدوى البرغوثي إلى أنها لم تندم يوماً على زواجها بالأسير مروان البرغوثي، مؤكدةً: «بعد مرور 32 عاماً، لم أشعر بالندم على ما قدّمته لزوجي، بل على العكس أنا فخورة به كثيراً، لأنه لم يكذب عليّ أبداً وكان صادقاً مع الشعب الفلسطيني، وأنا واحدة من أبنائه، وأفتخر بأنني استطعت أن أساعده في تربية أولادنا وإدارة شؤون بيتنا وفي قيادة حملته الدولية».
هاتف فدوى لم يتوقف عن الرنين طوال المدة التي استغرقتها المقابلة، لأن الجميع يريدون الاطمئنان على مروان، ويرغبون في الوقوف إلى جانبها، والسؤال عن أبنائها الذين قالت عنهم: «أنجبت أولادي الأربعة في مراحل مختلفة، ولم يتمكن مروان من حضور أعياد ميلادهم، لأنه كان إما معتقلاً أو مبعداً... حتى هذه اللحظة، يكون مروان قد دفع من عمره 22 عاماً في السجون، فقد أُبعد خارج البلاد مدة 7 سنوات، ووُضع قيد الإقامة الجبرية والحكم الإداري، وحاولوا اغتياله في الانتفاضة الثانية، لكن كان ينجو دائماً، وأدعو الله ان يكون معه في معركة «إضراب الكرامة» حتى يحقق جميع الأسرى الانتصار».
الانتهاكات في السجون الإسرائيلية كانت أحد أسباب الإضراب عن الطعام
أما عن أسباب إعلان الإضراب فقالت فدوى: «جاء هذا الإضراب ليعبّر عن الرفض التام للانتهاكات التي تقوم بها إدارة السجون الإسرائيلية، بدءاً بمصادرة حقوق الأسرى ومحاولة إذلالهم، وصولاً الى المساس بكرامة عائلاتهم من خلال التفتيش المهين الذي يخضعون لهم أثناء زيارة أبنائهم الأسرى وحرمانهم من رؤيتهم، وفي بعض الأحيان يسحبون التصاريح منهم ومن ثم يعيدونها إليهم».
وأضافت: «كان لا بد من قرار الإضراب، فمنذ حوالى 9 شهور قدّم الأسرى مطالبهم الى إدارة السجون، وأبلغوها مراراً أنه في حال لم تُحقّق هذه المطالب فإنهم سيذهبون في اتجاه إعلان الإضراب عن الطعام في تاريخ 17-4-2017، ولكن إدارة السجون لم تكترث لأمرهم، فكان الرد بالإضراب الفوري عن الطعام»... موضحةً: «يأمل الأسرى أن يحققوا مطالبهم الإنسانية العادلة من خلال هذا الإضراب الذي يقوده زوجي، فمنذ اليوم الأول للإضراب، وضع جنود الاحتلال زوجي في غرفة العزل الانفرادي، ومن ثم أرسلوه إلى سجن الجلمة، وبعد مضي 25 يوماً تمكن الصليب الأحمر الدولي من زيارته، ولكن حتى اليوم لا نعلم شيئاً عن وضع زوجي الصحي، وحاولت سلطات الاحتلال أن تعزل القادة المضربين عن الطعام عن بعضهم البعض، ظناً منها أنها بذلك ستتمكن من إنهاء إضراب الأسرى».
إسرائيل وهستيريا «إضراب الكرامة»
ولفتت فدوى البرغوثي الى أن توقعات الاحتلال الإسرائيلي قد فشلت في ما يتعلق بإضراب الأسرى عن الطعام، مؤكدةً: «في البداية، اعتقد الاحتلال أن هذا الإضراب لن يحدث، وإن حدث تكون الأعداد المشاركة فيه قليلة، ولكن العدد فاق توقعاتهم، فخابت آمالهم خصوصاً أن الإضراب عن الطعام لا يزال مستمراً حتى الآن، مما أصاب إسرائيل بحالة من الهستيريا بسبب ما يحدث».
ولدى سؤالها عمّا إذا كانت تشجع النساء الفلسطينيات على الارتباط بمناضلين، أجابت فدوى: «لا يمكنني أن أقول شيئاً للفلسطينيات، ولكن أستطيع التحدث عن حالتي، فأنا أحببت مروان حباً جمّاً، لدرجة أنه لا يمكنني العيش بدونه، وهو بادلني الشعور نفسه. قصة الحب التي جمعتنا هي التي مدّتني بالصبر، فأستمر في دعمه حتى ينجح في استكمال رسالته. وبصراحة، لولا عشقي لمروان لما تمكنت من النضال كل هذه السنوات... فما زلت أقود الحملة الدولية الخاصة به والتي انطلقت منذ 15 عاماً، وأسافر الى كل البلدان حتى أحشد الدعم لقضية زوجي وباقي الأسرى في سجون الاحتلال، ودافعي الأساس في ذلك هو حبي الحقيقي لمروان، هذا الحب الصادق الذي يجعل إرادتي صلبة، وأستميت في الدفاع عمن أحب، والتضحية من أجله».
مروان لم يعرف طعم الراحة
تسأل النساء العربيات والأجنبيات عن سر قوة فدوى وتمسكها بزوجها، فتجيبهن بفخر: «هذا جزء من النضال الفلسطيني، فزوجي قدّم لفلسطين كل ما يملك طوال 40 عاماً، أي منذ عام 1978 وحتى اليوم، ولم تفتر عزيمته أبداً فيطلب الحصول على يوم إجازة ينشد فيه الراحة. لذا، لا أزال مستمرة في دعم زوجي منذ 32 عاماً، وأشعر بأنني أشارك الشعب الفلسطيني في النضال من خلال وقوفي إلى جانب زوجي وصون بيته وأولاده، فلم أتذمّر أو أشكو له يوماً معاناتي مع أولادنا، بل على العكس أنقل اليه دائماً الأخبار الطيبة، ليحافظ على ثباته وصموده وقوته، لأنني أعتبر تصرفي هذا واجباً وطنياً... بصراحة، أرى ان الناس يحترمونني لأنني وفية لزوجي وأدعمه في نضاله، كما ان النساء الفلسطينيات بشكل عام يمتلكن سمة الوفاء لأزواجهن».
مُنِعت لـ 4 سنوات من زيارته
ذاقت فدوى البرغوثي الأمرّين بسبب منعها من زيارة زوجها، وعن ذلك قالت: «مُنعت لمدة 4 سنوات من زيارة مروان، ومن ثم سُمح لي بزيارته بشكل متقطع، فعائلات الأسرى لا تحصل دائماً على التصاريح الخاصة بالزيارة، وإذا حصلوا على التصاريح فإنهم سيتعرضون للتفتيش المُذلّ والإهانة».
قسّام البرغوثي: نعيش مأساة فلا أحد يهتم بنا أو يدعم قضية الأسرى، التي نؤمن بها جميعاً
كان قسّام البرغوثي ابن الأسير مروان البرغوثي يجلس في قاعة الاجتماعات في مقر الحملة الخاصة بوالده وبرفقته عدد من أصدقائه الذي يحاولون طمأنته على والده. كان التوتر بادياً عليه بوضوح بينما ينتظر أي خبر يكشف له حقيقة الوضع الصحي لوالده... حدّثنا قسّام فقال: «في الإضرابات السابقة كنت لا أزال صغيراً في السن، ولم أكن أعلم ماذا يعني الإضراب عن الطعام الذي كان يشارك فيه والدي مروان البرغوثي الأسير في سجون الاحتلال، ولكن اليوم وبعدما تقدمت في السنّ، أصبحت أدرك جيداً ماذا يعني الإضراب الذي يقوده والدي برفقة الأسرى الباقين، ولا يُسمح لنا بزيارته في السجن».
وأضاف: «حاولت بكل الطرق الاستفسار عن وضع والدي ولكنني لم أنجح أبداً، كما ان المحامي يعجز عن الوصول اليه، ولكن في اليوم الـ 25 زاره الصليب الأحمر، وحملنا الينا سلامه فقط، ولكنني أريد أن أعرف المزيد عن والدي في السجن. لا يساندنا سوى الله وشعبنا في هذه المحنة، ولا نزال بمعية 1600 عائلة من عائلات الأسرى ننتظر فرج الله، ونعيش مأساة فلا أحد يهتم بنا أو يدعم قضية الأسرى، التي نؤمن بها جميعاً».
وعن دعمه لأمه، قال قسّام: «كأي ابن، أقدّم الدعم لوالدتي بكل ما أوتيت من قوّة لتبقى صامدة في مواجهة الصعاب».
نداء البرغوثي: معجبة بشخصية المحامية فدوى البرغوثي
أما زوجة مقبل شقيق مروان البرغوثي، وتُدعى نداء البرغوثي، وتعمل في مكتب الحملة الدولية الخاصة بالأسير مروان البرغوثي، فهي معجبة كثيراً بشخصية فدوى البرغوثي حيث قالت عنها: «منذ اليوم الأول الذي تعرفت فيه إلى «أم قسّام»، لاحظت كم أنها إنسانة صبورة وقوية جداً، فكانت تلعب دور الأم والأب بحكم غياب زوجها المتكرر عن العائلة، فكونها أماً لأربعة أطفال لم يمنعها من استكمال دراستها والحصول على إجازة في الحقوق».
وأضافت: «أكملت فدوى دراسة الماجستير، ولكن في أثناء مناقشة رسالة الماجستير، اعتقل جيش الاحتلال ابنها قسّام، ورغم ذلك حققت النجاح على المستويين العلمي والأُسري بحيث استطاعت أن تربي أولادها وتحافظ عليهم... أكثر من ذلك، أصف فدوى بالمرأة الاجتماعية، فهي لا تتوانى عن المشاركة في المناسبات العائلية رغم المسؤوليات التي تُثقل كاهلها... فدوى إنسانة من زمن مختلف، فهي عظيمة وقدوة للمرأة الفلسطينية بحيث استطاعت ان تبرز قضية زوجها وتوصلها الى كل العالم، ومنذ ان تعرفت إليها، أي قبل 15 عاماً وهي تمتلك القوة والأمل نفسهما، ولم يعرف اليأس طريقه اليها، وأتمنى ان تتكلل جهودها وتعبها بتحرير الأسرى وعلى رأسهم زوجها الأسير مروان البرغوثي».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024