في رمضان علّمي أبناءك معنى الاحترام والطاعة واللباقة
يميل معظم الأهل المعاصرين إلى اتباع أسلوب التربية الديموقراطية، وهي مسألة جيدّة إذ تساهم في منح أطفالنا حرّية التعبير والقدرة على الاختيار، والمعارضة.
ولكنْ هناك خيط رفيع جدًا بين التربية على الفوضى والسلوك غير المسؤول، والتربية الديموقراطية التي لها قيم أخلاقية لا يمكن التنازل عنها أو التهاون بها. الاحترام والطاعة واللباقة، قيم أخلاقية يُعدّ تكرسيها في نفوس الأبناء أساس التربية.
وفي رمضان يمكن الأهل ترسيخ هذه القيم والمبادئ الأخلاقية التي يؤكد عليها روح هذا الشهر من خلال الممارسة الفعلية، فالصوم ليس فقط الامتناع عن الطعام وإنما ترويض النفس على التحلّي بالأخلاق الحميدة والفضائل.
الاحترام
الاحترام هو قيمة أخلاقية يجدر بالأهل ترسيخها في أبنائهم وعدم التهاون بها. فقد لاحظ التربويون، ولا سيما أولئك الذين على اتصال مباشر مع التلامذة، أن بعض هؤلاء الصغار يتصرّفون وكأنهم أسياد أهلهم ولا يحترمون سلطتهم أو سلطة المعلمة، فهم يتحدثون إلى المعلمة أو أهلهم بصفة ندّية وينادونهم بأسمائهم، ويعبّرون عن غضبهم من المعلّمة لأنها لم تسمح لهم مثلاً باللعب في أوقات الدرس، بينما في المنزل لا يكترثون لوجود ضيف، بل أحيانًا لا يلقون التحية عليه ويتصرفون كأنه غير موجود.
والأهل يبررون هذا التصرف بأن أبناءهم لا يزالون أطفالاً. ولكن لا، فتعليم الطفل احترام الآخرين بغض النظر عن سنّه أو موقعه الاجتماعي، مسألة أساسية، فهناك فارق بين حريّة التعبير والوقاحة، وعبارة «اتركه على راحته» تعني أن لا حدود للطفل كي يدركها.
فالطفل الذي اعتاد عدم احترام وجود الآخرين، فهو سيعتاد حكمًا عدم احترام مشاعرهم، ولاحقًا عدم احترام القوانين.
وفي رمضان فإنّ غرس مبدأ الاحترام في نفس الطفل يكون ممارسة فعلية يفهم الطفل معناها. فمثلاً، إذا لم يكن الطفل صائمًا، يمكن الأم أن تنبهه الى أنه ليس من اللائق أن يتناول طعامه أمام أحد الصائمين، لأنه سيشعر بالجوع، وإن كان راشدًا.
وإذا كان الطفل برفقة والده يتسوّقان الحلوى الرمضانية، يمكن الأب أن يلفت نظره إلى احترام كبار السنّ، بشكل عملي ومن دون وعظ، فإذا رأى امرأة مسنّة تقف خلفهما عند الصندوق، يمكن أن يعطيها دوره، ويقول لابنه: «إنها مسنّة وليس من اللائق تركها تنتظر مدة أطول».
تعليم الطفل الاحترام يعني أنه يتعلّم تفهّم احتياجات الآخرين، واحترام السلطة والالتزام بالقوانين، ما يجعل الحياة أسهل عليه وأكثر مرحًا.
الطاعة لا تعني خضوعاً أعمى وشخصية مكبوتة
هناك فارق بين الطاعة والخضوع، فطاعة الوالدين لا تعني خضوعًا أعمى وشخصية مكبوتة، وإنما هي التزام بالقوانين المنزلية واحترام لسلطة الأهل. فمن المعلوم أن الطفل في سنّ معيّنة تظهر «لاءاته الكبرى» ويحاول كسر القانون المنزلي، مثلاً يريد الذهاب إلى فراشه في الوقت غير المحدد، بمعنى آخر يحاول تخطي قوانين المنزل.
وتهاون الأهل وعدم إلزامه بقوانينهم يزيدانه تعنتًا، فيميل إلى فعل ما يرغب به، بل ربما يجعلهم يخضعون لإرادته هو. لذا، الطاعة هي سلوك لا يأتي من تلقاء نفس الطفل، إذ ليس هناك طفل مطيع بالفطرة، وإنما بالتربية، وهذا يحتاج من الأهل أن يلتزموا هم أنفسهم بالقواعد التي يضعونها، وأن يكونوا ثابتين على مواقفهم وحازمين في قراراتهم، مثلاً حين تقول الأم «ممنوع السهر حتى ساعة متأخرة»، فهذا قرار اتّخذته ولا رجوع عنه، وبالتالي على الطفل تنفيذه.
وفي الوقت نفسه يجب أن تشرح للطفل لماذا عليه طاعتها. وفي رمضان يكون الأهل نموذجًا لمعنى الطاعة، فحين يسأل الطفل: لماذا نصوم؟ الجواب يكون نحن نصوم طاعةً لله «سمعنا وأطعنا» كما جاء في القرآن الكريم.
فنحن نطيع ما أمرنا به الله، وصوم رمضان هو إحدى طاعات الله التي على المؤمن الالتزام بها. وينصح التربويون الأهل بمكافأة الطفل على سلوكه الجيّد. فمثلاً إذا رغب في الصيام نصف يوم، يمكن الأم مكافأته على طاعته لله.
وفي المقابل، يحذّر التربويون الأهل من جعل الطفل خاضعًا، بل عليهم أن يشرحوا له الفارق بين معنى طاعة الله وأهله، وطاعة الغرباء.
فهو ليس ملزمًا بطاعة شخص لا يعرفه، مثلاً تحذيره بعدم الاستجابة عندما يطلب أحدهم منه الذهاب معه، أثناء لعبه في المتنزّه، لأنه سيكافئه بلوح شوكولاته إذا أطاعه، بل عليه عدم الخضوع له لأنه لا يعرفه، ومن الضروري مناداة والدته فورًا. الطاعة تكون فقط لله والأهل والقوانين.
اللباقة أساس في بناء العلاقات الاجتماعية
«صباح الخير»، «شكرًا»، «وداعًا»... عبارات لا يكفي التفوّه بها لكي يكون الطفل مهذّبًا، بل عليه معرفة آداب السلوك الصحيحة التي ستصير جزءًا من سلوكه الاجتماعي، والتي يحتاج تعليمه إياها إلى مجهودٍ يبذله الوالدان معه منذ نعومة أظفاره، خصوصًا أن الطفل غير المهذّب لا يمكنه بناء علاقات اجتماعية ناجحة.
فغالبًا ما يؤدي عدم التقيد بآداب السلوك إلى انحراف اجتماعي، يظهر في مرحلة المراهقة. لذا على الأهل تعليم الطفل عبارات المجاملة منذ بدء تعلّمه الكلام، حتى تصير جزءًا من طبعه وسلوكه.
وبما أن الطفل لا يدرك الفائدة من آداب السلوك، على الأهل أن يشرحوا له أهميتها، وكيف أنه سيكون محبوبًا من الآخرين عندما يكون لطيفًا ومهذبًا، كأن تقول له والدته «لطف منك أن تقول عبارة لو سمحت» أو «صباح الخير» و «إلى اللقاء». ولكي يعتاد الطفل ذلك، على الأم تذكيره دائمًا بقول عبارات المجاملة بأسلوب لطيف بعيدًا من التأنيب، لأن التأنيب والتوبيخ يزيدانه عنادًا ورفضًا.
فإذا أخذ مثلاً قطعة حلوى من دون أن يقول «شكرًا»، في إمكان الأم أن تسأله ما إذا كان قد نسي أمرًا توجّب عليه القيام به، فإبداء الملاحظة أفضل من إصدار الأوامر المشدّدة.
وفي رمضان وأثناء جلوس الأهل إلى مائدة الإفطار، من الضروري تلاوة دعاء الإفطار والبدء بالبسملة والحمدلة. فهم بذلك يعلّمونه أهمية شكر الله على نعمه، وشكره على الصحة والقدرة على الصوم. وحين يرافق والده إلى الجامع لصلاة التراويح، من الضروري تعليمه إلقاء التحية على المصلّين.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024