الاختصاصية الاجتماعية صفاء المصعبي: آمل أن يتوقف العنف في المجتمعات
لم يعد علاج المرضى الذين يدخلون الى المستشفى مقتصراً على الادوية والعمليات الجراحية بل أصبح العلاج النفسي جزءاً مهماً، إذ تبيّن أن الكثير من من يعانون مشاكل اجتماعية ونفسية، تؤثر في علاجهم العضوي.
«لها» التقت الاختصاصية الاجتماعية صفاء المصعبي والحاصلة على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وماجستير في علم النفس لتكشف أوراق نجاحها وما الذي تقدمه في قسم الخدمة الاجتماعية الطبية، وتتحدث عن حالات العنف التي تعالجها، والتحديات التي تواجهها في عملها.
- ما الدور الرئيس الذي تقومين به؟
أزور يومياً المرضى الموجودين في المستشفى، لنكتشف من خلال الأمراض العضوية التي يعانونها مشاكل اجتماعية أو نفسية. على سبيل المثال، إذا كانت هناك سيدة قد تناولت جرعة زائدة من الأدوية، نعمد الى معرفة الدافع وراء هذا السلوك السيئ فنجدها قد تعرضت لعنف أسري أياً كان طرفه... وربما نصادف فتاة عارض أهلها زواجها، فيتكرر دخولها المستشفى، ويبقى مرضها الطبي غير معروف، لكن بعد دراسة حالة الفتاة نجد أن سبب مرضها يعود الى مشاكل اجتماعية مع الأسرة، فليس بالضرورة أن يكون كل مرض طبي مرضاً عضوياً، فربما يكون نفسياً أو ناجماً عن عنف أسري.
- هل للأطفال نصيب في تلك الأمراض؟
تأتينا طفلة مثلاً وقد أُصيبت بمرض السكري وهي في الخامسة من عمرها، وللأسف يكون المرض في مراحل متقدمة، وبعد أن نتحرّى عن الأسباب وينتفي العامل الوراثي نجد أن العنف هو السبب الأول، سواء كان من زوج الأم، أو من زوجة الأب، أو من معلمي المدرسة أحياناً، عندها نأخذ بيد الطفلة فنعلمها كيف تتعايش مع مرض السكري، وما هي الأطعمة المسموح لها بتناولها، فالكثير من الأمراض العضوية أسبابها نفسية.
- هناك مرضى الحوادث والإصابات... كيف يتم توجيههم؟
الكسور أو بتر أحد أعضاء الجسم من أهم الإصابات التي تعرّض المرضى للاكتئاب، فنعلّم المريض كيف يتأقلم مع حياته الجديدة، إذا كان مضطراً لاستخدام العكاز أو الكرسي المدولب، أي نؤهّله تأهيلاً اجتماعياً ليتابع حياته من دون مشاكل نفسية، كما نحاول بلسمة جراحه بالكلمة الطيبة.
- هل يمكننا أن نطلق على ما تقومين به مصطلح «علم الاجتماع الطبي»؟
نعم، هو خدمة اجتماعية طبية بكل معنى الكلمة، ويُعتبر من العلوم المهمة من الناحية الطبية، لذلك يجب الانتباه إلى الجانب النفسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك سيدات يعانين كآبة ما بعد الولادة، فنرشدهن الى الطريق الصحيح ونخرجهن من تلك الكآبة. ومن أصعب الأمور، إقناع المرأة بالخضوع لعملية قيصرية، لأن حالتها لا تسمح لها بالولادة الطبيعية في الحمل الثالث، فنعمل على إقناعها، وبالتالي إقناع ولي أمرها كي يوقّع على الإجراءت المطلوبة.
- هناك أمهات يرفضن الطفل بعد الولادة...
هذا الرفض يعود أحياناً لظروف مادية بحتة، لكون الأم لا تملك القدرة على تربية الطفل، فمن أين تأتي له بالغذاء والدواء! عندها نتدخل لكي نقنعها ونقنع زوجها باحتضان الطفل، لكن الطامة الكبرى تتمثل في الأطفال اللقطاء الذين هم ثمرة الاغتصاب أو زنا المحارم.
- في حالات الاغتصاب، أين تضعون الطفل؟
في زنا المحارم وهو الأصعب نرسل الطفل الى إحدى الجمعيات الخيرية، ونُخضع الأم للعلاج النفسي، وإذا رفض أهلها احتضانها، نرسلها الى الإصلاحية فتكمل حياتها هناك وتتعلم وتتزوج... وهذا غيض من فيض.
- إذا كان الطب يهتم بقضايا الصحة والمرض، وعلم الاجتماع يدرس البناء الاجتماعي، فإن الخدمة الاجتماعية الطبية تمثل حلقة الوصل بين العلمين؟
أجل، الخدمة الاجتماعية عبارة عن حلقة وصل بين الطبيب المعالج والمريض، نظراً لأمور عدة تُخفى على الطبيب، نوصلها نحن أصحاب الخدمة الاجتماعية، لأن الطبيب يتوقف عن متابعة المريض بمجرد خروجه من المستشفى، لذلك نكمل الدور العلاجي بتأمين الدواء والعلاج اللازم من خلال الجمعيات الخيرية إذا لزم الأمر، ونساعد المريض كي يتابع حياته بطريقة صحيحة.
- هل تدرس الخدمة الاجتماعية قضايا الصحة والمرض في ضوء علاقتهما بالنظم الاجتماعية والاقتصادية؟
نحن ندرس الحالة الاجتماعية البحتة فقط، إلا إذا كان السبب اقتصادياً، كمريض السكري الذي لا يملك ثمن العلاج فنؤمّنه له، مثل إبر الأنسولين أو جهاز لقياس معدل السكر، من مخزن خاص بالخدمة الاجتماعية، ومن المتبرعين للحالات الإنسانية مثل الكراسي المتحركة، وهذا يتم بعد الدراسة الاقتصادية المستفيضة عن الحالة المرضية.
- بعد دراسة استغرقت 11 عاماً، بمَ يفيد علم النفس الخدمة الاجتماعية في رأيك؟
علم النفس مكمّل للخدمة الاجتماعية، فحين أدرس حالة مرضية ما، أرجع الى تاريخها وأعرف كل شيء عنها، وما يهمني هو الحالة النفسية للمريض، فهذا يساعدني في مجال عملي كخدمة اجتماعية وليس كعلم اجتماع كما يفهمه البعض، لأن علم الاجتماع فرع من فروع الخدمة الاجتماعية.
- من كان وراء هذا النجاح وإثبات الوجود في مكان حساس؟
للعلم، هذا الفرع لم يكن اختياري الأول، ولم أكن أعرف عنه شيئاً، لكن حين دخلته وجدت نفسي فيه وأحببته، وحققت نجاحاً فيه بفضل الله، ثم أهلي وزوجي.
- ما هي التحديات التي واجهتك؟
التحديات في العمل قليلة ومحدودة، لأن هناك توازناً في كل شيء، لكن التحديات الصعبة تتمثل في حالات الوفاة، فحين ترافق سيدة والدتها الى غرفة إنعاش القلب وتبقى منتظرة أن تقوم بالسلامة، لكن يشاء القدر أن يسبقنا، في تلك الحالة أحاول الاتصال بجميع الأهل وإحضارهم قبل إبلاغ الابنة بالوفاة، لئلا تُصاب بالصدمة.
أما التحدي الثاني فعندما تأتي المرأة وآثار العنف على جسدها من الزوج في الدرجة الأولى، والأب والأخ في الدرجة الثانية، فنحاول قدر الإمكان تلافي غضب الزوج أو الأب وتهدئته، وللأسف الشديد فإن المرأة في أغلب الأحيان تعود مع الزوج الى بيت الزوجية، لكن بعد التقدم بشكوى الى القوى الأمنية يتعهد على أثرها الزوج بعدم التعرض لزوجته ثانية.
- هل تأتيكم حالات حرجة؟
بالطبع، هناك حالات خلع كتف، أو كسر أنف، وربما كسر يد، وكل حالة يرافقها عنف لفظي من الزوج، سواء بشتم أهل الزوجة أو توجيه اتهامات باطلة إليها، نسبة هؤلاء السيدات تصل إلى 60 في المئة، أما الـ40 في المئة الباقيات فيلتزمن الصمت.
- ما وقع تلك الألفاظ على المرأة، وأي دور تلعبه الخدمة الاجتماعية في تلك الحالة؟
وقع تلك الألفاظ سيئ جداً، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى أمراض نفسية خطيرة، وكل ما نستطيع فعله هو توجيه الزوج وتوعيته وإرشاده الى الطريق الصحيح، وتغيير مساره العدواني واللفظي.
- ألا تنعكس تلك الحالات على نفسيتك ونفسية زوجك؟
خلال الأشهر الأولى من عملي كان الوضع صعباً جداً، وكنت أعود الى المنزل مكتئبة، لدرجة أنني لم أكن أستطيع النوم في غرفة مظلمة بحيث كنت أتابع ذوي الاحتياجات الخاصة من الإعاقة الشديدة، لكن مع مرور الوقت ووقوف زوجي إلى جانبي تخطيت تلك المرحلة.
- كيف تتعاملين مع الأطفال الذي تعرضوا للعنف؟
لا يتم ذلك بين ليلة وضحاها، بل يستغرق وقتاً طويلاً، بدءاً بتوعية الطفل المعنّف في المستشفى من خلال برامج توعوية وتثقيفية، وتعليمه كيفية الدفاع عن نفسه، وعملي لا يخوّلني متابعة هذا الطفل في البيت إلا إذا كانت مبادرة إنسانية مني، لكن إذا علمت بتعرضه للعنف ثانية، نبلّغ دار الحماية، لتكون على بيّنة من الأمر.
- لكن ماذا عن الأطفال المغتصبين من الجنسين؟
نُخضع الطفل أو الطفلة المغتصبة للعلاج النفسي، ومن ثمّ نحوّلهما الى المستشفيات المتخصصة إذا احتاج الأمر، كلٌ حسب عمره.
- كم هو عدد أبنائك؟
عندي بنتان وولدان، كنت وما زلت حريصة على توعية أولادي باستمرار حتى لا يتعرضوا لأي أذى قد يؤثر في حالتهم النفسية، وأقوم بدوري على أكمل وجه لتبقى أسرتي ترفل بالسعادة.
- ما هو دور زوجك في رعاية الأولاد؟
تشبّع من كثرة الحالات التي أستعرضها في الجلسات العائلية، وخاصة بعدما كبر أولادي، فابنتي الكبرى في الجامعة، وآخر العنقود لا يزال في المرحلة الابتدائية، وزوجي يستشريني في معظم القرارات الأسرية، وبدوري أتحمل مسؤولية كل شيء، فنحن نشكّل أسرة نموذجية أهّلتني للنجاح.
- ما هو الأمل الذي يراودك في الحياة؟
آمل أن يتوقف شيء اسمه «العنف» في المجتمع، وأن تعيش كل أسرة حياة سعيدة، فلو تخلص مجتمعنا من العنف تصبح الحياة أجمل بكثير، هناك حالات منع فيها الأب ابنته من متابعة دراستها، فنحاول قدر الامكان توجيه الأب وإسداء النصح له، وقد يقتنع، أو يبقى متشبثاً برأيه، فمن الصعب أن تُسلب المرأة حقوقها، وأنا لا أملك عصا سحرية لتغيير الآراء.
- إلامَ تطمحين؟
ُ طالب بصوغ قرارات فاعلة في المجتمع، وتطبيق العقوبات الصارمة على كل معتدٍ، ليتلزم حدوده ويكون عبرة للآخرين.-
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024