تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

بحيرة كومو جمال علني وممرات سرّية

الزميلة ديانا حدارة

الزميلة ديانا حدارة

غالبًا يكون السفر إلى مدن تعرّفنا إليها في قصص الآخرين، أو من خلال الشاشة الافتراضية، مصحوبًا ببعض الخشية ألا تكون على قدر توقّعاتنا التي تأسست على رواية الآخر.
هكذا كان شعوري أثناء التحليق بين بيروت وميلانو حيث ستكون محطة وصولي الإيطالية للانطلاق منها نحو كومو البحيرة التي تستريح على ضفتيها أجمل القرى والبلدات الإيطالية، لأبيت في فندق «غراند أوتيل تريميتزو» Grand Hotel Tremezzo .


من مطار ميلانو مالبينزا انطلقت بنا الحافلة نحو كومو لساعة ونصف الساعة، وفي سباق مع النسائم الربيعية، اخترقنا بلدات إيطالية دخلنا في لعبتها الجغرافية صعودًا ونزولاً، بعضها يختبئ بين أحراج القمم يتأمل في البحيرة، فيما بعضها الآخر يستريح عند أقدام الهضاب المتدحرجة نحو البحيرة، والبيوت معتمرة القرميد الأحمر، متلاصقة وكأنها متكاتفة لا تفرّق بينها سوى شوارع ضيّقة حلزونية، فيما البحيرة بدت مياهُها لوحًا بلوريًا رُسم على وجهه المتحرك كل ما يزنّره من قمم وبلدات، فكان المشهد وكأنه تبادل أدوار على إدهاش كل من يجول بينهما.

اليوم الأول
عند باب الفندق استقبلتنا بحفاوتها الإيطالية داليا مديرة العلاقات العامّة في الفندق، المستريح مباشرة على البحيرة بهندسته التي جاءت على نمط «الليبرتي» الإيطالي في الفن الحديث يفصله عن ضفتها الشارع. وصلنا إلى البهو الرئيس عبر مصعد بانورامي.
كل تفصيل في هذا البهو الرحب يحضن نوستالجيا بداية القرن العشرين بسقفه العالي، الأبواب والشرفات العملاقة، أمّا الصالونات فمتصلة ببعضها البعض، وكلها تشرف على البحيرة، فيما السلّم يروي حكاية العصر الذهبي فكأنني في أحد أفلام هوليوود تلك الحقبة.
وُزّعت علينا مفاتيح الغرف، التي لا تزال تقليدية وليست رقمية، مما أشعرني بأنني أفتح باب بيتي لأفاجأ بغرفة جميلة جمعت في كل تفاصيلها بين فن الديكور الحديث والتصميم المخملي، يتوّجها مشهد البحيرة المهيب مخترقًا الغرفة بباب عملاق يفتح على شرفة صغيرة، عُلّقت بين أحضان مناظر خلابة للمياه الزرقاء المزركشة بالأخضر وتوابعه.

حكاية زوجين شغفهما بالسفر أوصلهما إلى بناء فندق
بُني «غراند أوتيل تريميتزو» عام 1910، وهو أول بناء شُيّد في الأساس ليكون فندقًا. كان إنيا غاندولا من بيلاجيو، وماريا أوسوليني زوجين كثيرَي الأسفار، قرّرا بعد عودتهما إلى إيطاليا بناء فندق يجمع الرقي والتطوّر على ضفة واحدة من أجمل البحيرات في العالم، ويلبي متطلبات هذا النوع الجديد من السياحة.
اختار غاندولا هذا الموقع الاستثنائي، المطلّ على حدائق فيلا كارلوتا، ويشرف على بحيرة كومو.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تغيّر العالم وجغرافيته، وبقي المبنى على سيرته الفندقية الأولى، رغم أنه تحوّل مستشفى خلال الحرب لمدة عام.
وفي الثلاثينات، ومع انتهاء الحرب، اشترت الفندق عائلة سامبييترو، وكان خلال تلك الفترة قد أصبح هدفًا للسياحة العالمية، لتتسلّم مفاتيح تاريخ هذا الفندق عائلة أخرى تملكه راهنًا. هذا التاريخ أفصحت عنه داليا أثناء الغداء الإيطالي الشهي الذي تناولناه على أحد ترّاسَي الفندق.

تي- سبا... دلال في حضن القرن الثامن عشر
دوّنت حكاية الفندق في ذاكرتي وتوجّهت إلى «تي- سبا» الذي يضمّه حيث استقبلتني مارتينا، وجالت بي في أرجائه.
والسبا في الأصل هو فيللا إميليا التي تعود إلى القرن الثامن عشر. هنا غرف الفيللا تحوّلت إلى أجنحة سبا، وهي جناح الموزاييك الذي تعيش فيه السيدة تجربة تفاصيل حياة أرستقراطيات إيطاليا القرن الثامن عشر، فهو مخصّص لتصفيف الشعر وتقليم الأظافر، فيما جناح التدليك رغم عصريته بقي متشبثًا بالتاريخ الحاضن له، أما جناح الاسترخاء المطلّ بشرفتيه على البحيرة فلا يزال على سيرته الأولى من حيث الديكور والأرض الموزاييك فيما الكنبات دائرية وثيرة.
وإضافة إلى جناح السونا والجاكوزي، هناك الحمّام التركي الذي جاء تصميمه أصيلاً كما عهدناه في الحمّامات التركية، فالسقف مقبّب، والجدران والمصاطب من الرخام الإيطالي، أما طقوس الاستحمام فهي نفسها التي كانت تُتبع في الحمّامات العربية والتركية، بالطبع من دون أم تبحث عن عروس لابنها.
ويضم السبا مسبحًا داخليًا تصميمه جاء وكأنه امتداد للبحيرة، فالخدع البصرية ضرورية أحيانًا كي نعيش حالة من الاسترخاء.
بعدما انتهيت من جلسة تدليك الوجه، عبرت ممر الحديقة، ومن حيث لا أدري جذبني سلّم طويل تسلقت درجاته إلى أن وجدت نفسي وسط حديقة غنّاء تفوح منها كل العطور، وكأنني رُميت وسط فردوس أرضي، لم أخشَ التيه بل جلت فيه واستمتعت بتفاصليه قبل أن تطبع الشمس قُبلة الوداع على وجه كومو وتختفي وراء القمم.
أنهيت يومي الأول في «غراند أوتيل تريميتزو» في تيراسا ريستورانت، حيث الأطباق الإيطالية لم ترحم ضعف إرادتنا في مقاومتها، فكان عزائي الغذائي أنني سوف أمشي وأحرق السعرات الحرارية الإيطالية.

اليوم الثاني... بيلاجيو وفيللا سولا كابياتي
استيقظت على صباح كومو حين كانت الشمس تغزل خيوطها الذهبية بين تعرّجات القمم التي تحيط بالبحيرة، صباح ربيعي بامتياز إيطالي.
تناولت وزملاء الرحلة فطورنا في لا تيراسا، وبدأنا نغرّد «بالطلياني» مع النُدل الذين كانوا رحبي الصدور رغم انشغالهم، في تعليمنا بعض العبارات، إنها روح الفكاهة التي يتمتع بها الشعب الإيطالي.
بعد الفطور اللذيذ، بدأت رحلتنا نحو بيلاجيو، سرنا حوالى الكيلومتر والنصف إلى أن وصلنا إلى محطة العبّارة التي ستقلنا نحو بيلاجيو التي وصلنا إليها بعد عشر دقائق.
هي قرية وديعة جمالها أقرب إلى قرى الافتراض التي تخرج من صفحات قصص الأطفال... البلدة هادئة في هذا الوقت من السنة، كورنيش القرية تصطف فيه المقاهي والحوانيت الصغيرة، بدأنا جولتنا في الرواق المدرّج الضيق، هدوء وسكينة... الكل يستعد لاستقبال الربيع، من خلال تجديد دكانه، أبنية متلاصقة رغم صمتها تحكي الكثير عن تاريخها، تفصل بينها إما السلالم أو الأروقة.
اللافت في المتاجر هنا أنها لا تعرض سوى المشغولات والمنتجات الإيطالية، وتحديدًا الجلد والحرير الذي تشتهر به منطقة كومو. دخلنا وداليا إلى متجر «سمانة» صاحبته سيدة في متوسط العمر، تمنحك كل الإيجابية، فبمجرد أن ترمي السلام تجدها مبتسمة ترحّب بالزبائن، طرافتها كانت تزيد كلما تكلّمت الإنكليزية، ودّعتنا كما استقبلتنا بحفاوة، وكأنها تعرفنا منذ سنين. عدنا ونزلنا السلالم نحو الكورنيش لنعود ونبحر من جديد نحو الفندق.

أجنحة الفندق جمعت الترف من أطرافه
قبل الغداء جالت بنا داليا في أجنحة الفندق، التي امتازت بالفخامة والتفرّد. ولعل جناحي الروف كان أروعها.
منظر خلاب ينتظر من يبيت فيه. فغرفة الاستقبال تشرف على البحيرة بشكل رحب، فيما غرفة النوم ملكية بامتياز، أما الترّاس فيضم جاكوزي. لفتني الباب السرّي الذي يختبئ وراء المكتبة، فبمجرد سحبه يندمج الجناحان ويصبحان جناحًا واحدًا.
قمة الترف الإيطالي. بعد الجولة كنّا على موعد مع الغداء في مطعم «تي بار» الذي يضمه الفندق. بدأت أتفهّم ليز جليبرت التي جسّدت دورها جوليا روبرتس في فيلمEat Pray Love في رحلتها إلى إيطاليا حين زاد وزنها لضعف إرادتها أمام المطبخ الإيطالي.
فالغداء كان مجموعة أطباق إيطالية، صحيح أنها كانت «غورميه»، ولكن في النهاية بدأت أشعر كما جوليا روبرتس بأنني بدأت أكسب بعض الغرامات. إنها الضريبة التي ندفعها أمام لذة الطعام.

إلى فيللا سولا كابياتي وبدء رحلتي مع الممرات السرية- اللغز
منذ القرن الثامن عشر، وقفت فيللا سولا كابياتي باعتبارها واحدة من الفيلات الأروع على بحيرة كومو.
فهذه الفيللا تحتضن إرث الفن الإيطالي الباروكي ولقرون من دون أن يصيبه أي اهتراء. في هذه الفيللا بدأ فضولي مع الممرات والدهاليز السرية.
فُتحت أبواب الفيللا أمامنا وفتح معها تاريخ الفن والعمارة ونمط حياة أرستقراطيي القرن الثامن عشر.
في الطبقة الأولى الأرضية صالونات لا تزال على سيرتها الأولى، ورسوم جدارية لم يتمكن الزمن من جعلها باهتة، فيما الجص المزخرف والأثاث العتيق وغرف النوم تعكس ذوق مهندسها الرائع والعائلات النبيلة التي تناوبت على السكن فيها.
صعدنا الى الطبقة الأولى عبر سلّم مخملي، زُينت جدرانه بلوحات «الكانفا» التي حافظت على رونقها رغم مرور أكثر من أربعة قرون عليها. يتوسط الطبقة الأولى العلوية صالون استقبال بكل أثاثه الأصلي، وكذلك غرف النوم.
السر الأول هو وجود سرير نوم نابليون وقبّعته وبعض أشيائه الخاصة عندما حلّ ضيفًا على سيد القصر في ميلانو، الذي نقلها من فيللا سيربوليني في ميلانو ليحافظ عليها، فأنقذها من ضربات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية عام 1943.
في هذه الغرفة فتحت عن غير قصد خزانة لأفاجأ بأنها تخبّئ درجًا سريًا يفضي إلى غرفة أخرى، لا أنكر أن وقع اكتشافه كان مخيفًا نظرًا إلى ضيقه وظلمته... ثم عدنا وصعدنا إلى الطبقة الأخيرة حيث توجد أجنحة تعليم الموسيقى والقراءة، وكنيسة صغيرة، وكل هذه الأجنحة كان تخفي ممرات سرية.
زيارة هذه الفيللا كانت لإعلامنا بأن «غراند أوتيل تريميتزو» عقد اتفاقاً مع أصحاب القصر الحاليين لتكون الطبقة الأرضية أجنحة تابعة للفندق، فيما تكون الطبقتان العلويتان بمثابة متحف.
أضيف إلى حديقة القصر حوض سباحة، وركن باربكيو وحديقة حيوانات صغيرة، إضافة إلى مدرج لطائرة الهليكوبتر. مما يعني أن من يبيت في هذه الفيللا سوف يعيش تفاصيل البذخ الأرستقراطي الإيطالي.

إلى سيتا دي كومو
يبدو أن منطقة كومو فيها الكثير من الأسرار والممرات السرّية، التي شغلت فضولي، والتي تشبه إلى حد ما شوارعها المتعرّجة التي سارت فيها وبنا الحافلة، نحو كومو المدينة.
توقّفت الحافلة عند مدخل ساحة مزدحمة بعض الشيء، حيث كانت أكشاك وبسطات تفوح منها رائحة الشوكولاته الشهية، ربما لن تتمكني من مقاومتها وتذوّقها، لكن افعلي مثلي وانشغلي بالبوتيكات المتحلّقة حول الساحة والأروقة المتفرّعة منها.
بدا كل رواق كأنه ممر سري نحو ساحة مفتوحة، أجملها ساحة الكاتدرائية، حيث تطغى كاتدرائية كومو المميزة بواجهتها الوردية والمجسّمات التي تعود إلى عصر النهضة، فيما قبّتها جاءت على النمط القوطي، ومن الساحة عبرنا شوارع ضيقة تصطف فيها البوتيكات الصغيرة لنصل إلى ساحة أخرى يتوسّطها مجسم أليساندرو فولتا ابن كومو الفيزيائي الذي أحدث ثورة في الكهرباء، وتضم متحفًا خاصًا بالفيزيائي رائد الكهرباء والطاقة، ومخترع البطارية الكهربائية ومكتشف الميثان الفولتية عام 1799.
بعد جولة في وسط المدينة، توجهنا نحو مطعم «كيتشن» الذي يقع في الحديقة الخضراء التابعة لفندق «الشيراتون».
هنا خضنا تجربة فريدة في تناول الطعام واستمتعنا بالنكهات الإيطالية مع لمسة عصرية في جو إيطالي أنيق، وللمرة الرابعة كنت ضعيفة الإرادة أمام لذة الأطباق الإيطالية.

اليوم الثالث... الإبحار في كومو واكتشاف ممرات سرّية جديدة
أنّبني ضمير رشاقتي، فقرّرت أن أقوم بنزهة صباحية سريعة على كورنيش البحيرة، علّني أخسر بعضًا من الغرامات التي اكتسبتها في أقل من يومين.
كان كل شيء هادئًا كما هدوء البحيرة المهيب. ولا عجب في أن يثير غموضها عدسة ألفرد هيتشكوك، فيصوّر أفلامًا عدة على ضفافها.

فيللا ديل بالبيانيللو... حكاية رجال أحبّوا العلم والاكتشاف
عند العاشرة صباحًا، التقيت زملاء الرحلة لنبحر في مركب «واتر ليمو» التابع للفندق، نحو فيللا ديل بالبيانيللو.
بعد حوالى 20 دقيقة رسا المركب عند مدرج فيللا رائعة تسكن جزيرة رُميت وسط البحيرة، الصعود إليها كان ارتقاءً نحو إحدى الروائع الإيطالية.
شيّد هذه الفيللا عام 1787 الكاردينال أنجيلو ماريا دوريني لتكون له قصرًا صيفيًا يجتمع فيه وأصدقاءه خلال أمسيات الصيف يتناقشون في الأدب والفلسفة، ورثها ابن أخيه، لويجي بورو لامبرتنغي، الذي عندما أُجبر على مغادرة إيطاليا، باعها لصديقه، جوزيبي فيسكونتي دي مودرون الذي أجرى تحسينات على حدائقها.
وبحلول أوائل القرن العشرين، شهدت المباني حالة من الإهمال عندما قام رجل الأعمال الأميركي بتلر إميس بشراء الفيلا وتجديدها وحديقتها.
ومن بعده، باع ورثته الفيللا عام 1974، للمستكشف غويدو مونزينو قائد أول بعثة إيطالية لتسلق قمّة إيفرست.
بدأت جولتنا في أجنحة الفيللا التي تحولت إلى متحف يتحدّث عن تاريخ رجال أحبّوا العلوم والاستكشاف، وقبل كل شيء أحبّوا الجمال الطبيعي، فزيّنوه بهذه التحفة الإيطالية.
تتصل أجنحة الفيللا ببعضها البعض عبر ممرات وأروقة وسلالم تسيرين بينها كما تسيرين في عالم من الفن والتاريخ، فكل جناح فيها يحكي أسرار المستكشف الإيطالي، بدءًا من الجناح الذي كان يسجل فيه ملاحظات رحلاته الاستكشافية، مرورًا بالجناح الذي تُعرض فيه القطع الأثرية التي جلبها معه خلال رحلاته من كل أنحاء العالم، ومكتبه وصالون الشاي ومكتبة للمطالعة والعُلّية التي تعرض مزلاجه الذي استعمله في رحلته إلى القطب الشمالي، وصولاً إلى الصالونات التي كان يستقبل فيها الأصدقاء وغرف النوم.
أما الأثاث فمن النمطين الفرنسي والإنكليزي ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكل تفاصيل حياة هذا المستكشف وكتبه ومؤلفاته لا تزال تحافظ على سيرتها الأولى. عادت الممرات السرية في هذه الفيللا تفاجئني كلما لمست بابًا أو فتحت خزانة.
ووفق المرشدة السياحية فإن أحد الممرات كان مخصصًا للاختباء من الارهابيين الذين ظهروا في سبعينات القرن الماضي في إيطاليا، والذين كانوا يخطفون الأثرياء للمطالبة بفدية مالية.
ومهما كانت أسباب شق هذه الدهاليز السرية، فقد بقيت مثيرة لفضولي، خصوصًا أنها القاسم المشترك بين معظم القصور الموجودة في كومو.
جمال الفيللا وحديقتها الغنّاء التي تنبثق منها أشجار عملاقة شُذّبت على شكل قبة، والمنحوتات المنتشرة فيها وإطلالتها الرائعة جعلت منها مقصدًا للعدسة الهوليوودية، فهنا صورت بعض مشاهد فيلمَي «كازينو رويال»، و«ستار ووارز».

من الممرات السرية إلى جزيرة كوماشينا حيث لغز الكاردينال
نحو جزيرة كوماشينا أبحرنا حيث تناولنا غداءنا في مطعم لوكاندا الذي عرف سرّ إزالة السحر الذي رماه أسقف كومو. وفي التاريخ، في عام 1169 غزا فريدريك بارباروسا وجنود من بلدة كومو الجزيرة، ما أثار غضب فيدولفو، أسقف كومو فألقى عام 1175 لعنة على الجزيرة تمثلت بالكلمات التالية: «لن تُقرع الأجراس أبدًا، ولن تُرصّ الصخور واحدة فوق الأخرى، لا أحد على هذه الجزيرة سيقوم بعمل الجابي، والعقاب سوف يكون الموت المحتم».
أُعطيت الجزيرة عام 1919 لبلجيكا، تحيةً للملك ألبيرت الأول. ثم أُعيدت الجزيرة إلى السلطات الإيطالية في العام الذي تلاه. بنى بيترو لينغيري ثلاثة منازل في الجزيرة عام 1939.
وكان هدفه تحويل الجزيرة إلى مستعمرة للفنانين. وقد بنيت المنازل بطريقة حديثة، مصنوعة من المواد المحلية مع القليل من الديكور. تتكوّن الجزيرة الآن من مطعم ومقهى، ومجموعة من المواقع الأثرية ومنازل الفنان الثلاثة.
هذه الأسطورة التي روتها لنا داليا، أثارت فضولنا جميعًا، ولا سيما أن مطعم «لوكاندا» عرف سرّ إزلة لعنة الأسقف. رسا المركب وصعدنا إلى المطعم، وجلسنا في الترّاس الخارجي، فقد كان الطقس ربيعيًا مشمسًا ودافئًا، تأسرنا المشاهد البانورامية للبحيرة وهي تتلاعب بوجوه البلدة المستريحة على ضفافها، فتبدو مجموعة لوحات مائية تتبدل ألوانها مع حركة المياه والشمس.
يعود تاريخ مطعم «لوكاندا» إلى عام 1947، ورغم مرور سبعين عامًا، لا تزال أطباقه تحافظ على طقوسها في التقديم. انهالت علينا أطباق نباتية مثل الفاصوليا، والقنبيط، والجزر وأطباق أخرى من الأعشاب، كانت كافية لأن نلتهمها من دون حساب، مدّعين جميعًا أنها خفيفة، وإذ بعد ذلك نفاجأ بأطباق الدجاج والسمك والسلطة.
لم تنته طقوس تقديم الطعام عند هذا الحد، بل كان لا بدّ لنا، بحسب صاحب المطعم الذي كان يقدّم لنا الأطباق بروح الفكاهة الإيطالية التي تجعلنا نضحك طوال الوقت بمحاولته الباسلة في تكلم الإنكليزية بلكنة إيطالية، أن نغسل معدتنا بقطعة جبن بارميزان اقتطعها من قالب كبير أظن أنه أكبر قالب جبن رأيته في حياتي.
بعدما انتهينا من الأطباق، أُعلن عن الشراب الذي يحلّ لعنة الأسقف: إنها القهوة، التي كان يحضّرها أمام رواد المطعم، وأثناء ذلك كان يقصّ علينا حكاية الأسقف بطريقة ممسرحة وبالإيطالية، وخلال تصويري لطقس القهوة دعاني لشرب أول فنجان قهوة، وإذا قلت إنها لذيذة يعطي الإذن بتوزيعها على رواد المقهى. طقس طريف لا يمكن تفويته.
عدنا أدراجنا إلى الفندق، لنستعد لعشائنا الأخير في كومو، حيث تناولناه في «برايفت روم»، وهي صالة تقام فيها حفلات عشاء الغالا، في جو يحضن كل نوستالجيا العقود الأولى من القرن العشرين. وطبعًا الأطباق الإيطالية كانت تصرّ على وداعنا بما لذّ وطاب منها.
ودّعت كومو فجرًا، وكانت البحيرة تتبادل أسرار سكان المدينة مع القمر الذي كان ضوؤه يستريح على وجهها عاكسًا القمم التي تزنّرها، فبدت شخوصًا مستلقية بصمت تتجسس على أحلام سكان هذه المنطقة وزائريها، والسيارة كانت تسير بسرعة نحو مطار ميلانو، فيما أنا كنت أعيد ترتيب صورها حتى لا تسقط إحداها سهوًا من ذاكرتي الإنسانية التي امتلأت بالجمال الإيطالي بكل عناصره.

معلومات عن «غراند أوتيل تريميتزو»
العنوان: Via Regina, 8 - 22016 Tremezzo
Lago di Como – Italy

● يضم الفندق 76 غرفة و 14 جناحًا بعضها يطل على الحديقة الرائعة وبعضها على البحيرة.
● في كل جناح يوجد جاكوزي في الهواء الطلق يقع على ترّاس خاص بانورامي يطل على بحيرة كومو. كما يمكن توفير «سرير سكاي»، مما يمكّن النزلاء من النوم في الخارج والنظر إلى النجوم.
● يضم الفندق 5 مطاعم مختلفة وحانات الوجبات الخفيفة يشرف عليها مايسترو غوالتيرو مارشيسي، الشيف الإيطالي الأكثر شهرة في العالم وأول شيف غير فرنسي يُمنح 3 نجوم ميشلان، ولكنه امتنع عن تسلّمها. وعند سؤاله عن السبب قال: «لأنبّه الطهاة الشباب ولمساعدتهم على فهم أن شغف الطبخ لا يمكن أن يخضع للتصويت. وأنا على يقين بأن الكثيرين يبذلون جهودهم ويضحّون براحتهم من أجل الحصول على نجمة ميشلان. ولكن أعتقد أن هذه النجمة ليست صحية ولا عادلة».
● يحتوي الفندق على ثلاثة حمّامات سباحة: وتر أون ذي وتر - بركة سباحة عائمة أمام الشاطئ الخاص مباشرة، وحوض السباحة الداخلي T سبا «إنفينيتي».
● تي- سبا: واحة من العافية للجسم والروح مع صالة استرخاء بانورامية ومجموعة العناية بالبشرة وعلاجات السبا من مستحضرات إسبا الإنكليزية.
●T اللياقة البدنية: صالة رياضية تجمع بين فن الرياضة وضوء النهار الطبيعي مجهّزة بآلات حديثة وتفتح على مدار 24 ساعة. إضافة الى صفوف اليوغا والبيلاتيس.
● ركن «قولي نعم» Say yes: يحتوي الفندق على طاولة جميلة لشخصين في زاوية منعزلة من الحديقة مع مناظر رائعة للبحيرة. هذه الطاولة مشهورة إذ يحجزها الذين يرغبون في طلب الزواج من حبيباتهم، في ركن من أكثر المواقع رومانسيةً على بحيرة كومو.


يوفر الفندق برامج نشاطات فيه مثل صفوف الطهو، أما في الخارج فيسهل على نزلائه الحصول على بطاقة الاشتراك في رياضة الكاياك في البحيرة، والجولات السياحية في بيلاجيو، كما يوفر مركب «واتر ليمو» التابع للفندق رحلة بحرية للتعرف إلى المناظر الخلاّبة لكومو، أو للتنقل به بين البلدات والجزر.

الحجز عبر البريد الإلكتروني
[email protected]

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078