الاستشاري في مؤسسة الشارقة للفنون إسماعيل الرفاعي: بينالي الشارقة تحول إلى بوابة للخليج
«تماوج» هو العنوان الرئيسي لبينالي الشارقة في دورته الثالثة عشرة، وتندرج تحت هذا الشعار أربعة عناصر هي الأرض والمياه والمحاصيل والطهو. هذه هي العناصر الأساسية التي بنى عليها بينالي الشارقة دورته الحالية والتي تزامنت انطلاقتها مع «لقاء مارس» الذي يُنظم كل سنة، ويختتم البينالي الشارقة فعالياته في حزيران/يونيو المقبل.
في ساحة المريجة حيث يجتمع التراث بالحداثة، هناك مبانٍ حافظت على تاريخها وأخرى تم ترميمها إلا أنها أبقت على روحها التراثية فاختلط القديم بالجديد في معرض ضم أعمالاً لفنانين من كل دول العالم.
في احدى القاعات اتخذت فلسطين زاويتها، فعكس الفنان خليل رباح في عمله التركيبي «فلسطين بعد فلسطين»، إذ صوّر واحدة أخرى غير تلك التي نعرفها، من خلال لوحات وأسلاك، فكانت فلسطين التي لا بد أنها كانت وتلك التي يجب أن تكون، من فلسطين اليوم والشتات والآتية.
أما الفنان عبدالله السعدي، فذهب في عمله إلى «رحلة الخرير والحرير» وصورها من خلال مخطوطات ورسومات، فقدم مجموعة أُنتجت خلال رحلتين متصلتين. بدورها، قدمت الفنانة هند مزينة عملها الذي حمل عنوان «حدائق دبي» والذي يرصد المساحات الخضراء في الإمارة، فتطرح وجهة نظر مغايرة لمدينة متهمة بأنها قائمة على الإبهار.
من سبّاكي مدينة طنجة التونسية استلهمت عملها الفني، ناقلةً لرواد المعرض فوضى الحياة وزحمتها من خلال أعمال نحتية مصنوعة من الأنابيب والصنابير المستهلكة، ويستطيع رواد المعرض أن يجدوا في عمل الفنانة أيطو برادة لوحة أخرى ومفهوماً آخر لها، ألا وهو مسرح يضم آلات موسيقية مجهزة من الصنابير وتمثل فوضى الموسيقى التي نعيشها اليوم.
وبين المدافن القديمة التي صوّرها أحد الفنانين المشاركين في بينالي الشارقة، زُرعت نبتة خضراء علّها تبعث الأمل في ظل فوضى الموت.
أما الأحجار التي تغيرت على مر العصور جرّاء عملية التكوّن تحت الأرض، فقد استعان بها خريستودولوس بانيوتو، الذي تمثل أعماله دراسات متأنية في الوهم والمظهر والهالة، وهي بمثابة عملية إعادة تقييم للأشياء والأعراف المرتبطة بها، ليزيّنها بالفضة والذهب وتكون بمثابة مجوهرات بينها قلادات أو خواتم.
كما شهدت إحدى قاعات المعرض، عروضاً لأفلام تصويرية تعكس الطبيعة والمياه، وهي من العناصر الأساسية التي بنى عليها «بينالي الشارقة» دورته...
وعلى هامش المعرض، أجرينا حواراً مع الاستشاري في مؤسسة الشارقة للفنون إسماعيل الرفاعي...
- حدثنا عن بينالي الشارقة في دورته الثالثة عشر وما الذي يميز هذه الدورة عن سابقاتها؟
انطلق البينالي في البداية في العام 1993 ويتم تنظيم الدورة كل سنتين، كان يوجه دعوات للدول في إطار رسمي وعلى الدول المدعوة اختيار المشاركين. لكن في العام 2003 اختلف البينالي وأدخل إليه ما يسمى التقييم، وبالتالي بدأ توجه المعرض يتغير، حيث يتم طرح موضوع معين وعلى أساسه يتم انتقاء الفنانين خارج التمثيل الرسمي لبلدانهم. وقد تداول المعرض عدة مفاهيم خلال الدورات الماضية، وهذه الدورة من تقييم مديرة أشكال ألوان في بيروت كريستين طعمة، وحملت هذه الدورة عنوان «تماوج» الذي تندرج تحت هذا الشعار العريض، أربعة عناصر وهي المياه والأرض والمحاصيل والطهي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها طرح الموضوع نفسه في كل من اسطنبول وبيروت بالتوازي مع رام الله ودكار، أي الحيز الجغرافي للبينالي اتسع وامتد إلى خارج الشارقة،اذ ان كل بلد اتخذ عنصراً واختبره من خلال عروضه. تزامن البينالي هذه الدورة مع الدورة العاشرة لـ «لقاء مارس». وغالباً ما تكون المواضيع المطروحة في لقاء مارس أثناء انعقاد البينالي متقاربة، ويمكننا أن نقول أن لقاء مارس يمثل الجانب النظري لطروحات المؤسسة إذا كان البينالي يمثل طروحاتها التطبيقية. من الممكن أن نناقش مستجدات العالم العربي ومشاريع مستقبلية.
- ماذا تعني بالمشاريع؟
مثلاً: إذا كنت فنانة ولديك مشروع فني، ولكنك لا تملكين تمويلاً، فيُطرح عبر لقاء مارس تمويل المشاريع من خلال المؤسسات الفنية المتواجدة في اللقاء. في هذه الدورة استضفنا نحو 74 فناناً، كما تم انتاج 30 عمل خصص للبينالي بتمويل من مؤسسة الشارقة للفنون. ولكن هناك أعمال مثل رسومات وأفلام، وتجهيزات، وعروض مسرحية، عرضت سابقاً قبل البينالي.
- لمسنا مزج بين الحديث والقديم!
بالفعل، الصالات جهزت من الناحية المعمارية، في محاولة لمزج ما بين المعمار القديم والحديث.
- كم مشروع تستضيفون في البينالي؟
هناك 124 مشروعاً. وتوزعت المشاريع على عدد من المناطق، مثلاً هناك معرض في منطقة الفنون وهي ضمن البينالي أيضاً، في ساحة الفنون يوجد Installation ضخم جداً على امتداد الساحة. هناك بيت السركال وهو بيت قديم وتاريخي، ويعرض مجموعة من الأعمال. بالإضافة إلى مبنى الطبق الطائر وفيه أعمال معروضة أيضاً، وفي منطقة الحرية ثمة عدد كبير من صالات العرض وبالتالي البينالي يمتد على مستوى مدينة الشارقة بأكملها. وهذا المكان الذي نتواجد فيه يسمى المريجة وهو حي مؤسسة الشارقة للفنون والمباني جديدة نسبياً وحاولوا الحفاظ على المباني القديمة ولكن بلمسة حديثة.
- لماذا تحاولون الحفاظ على القديم؟
نعتمد مقولة المثل القائل: «الذي لا يملك قديم لا جديد له». عندما بدأت الطفرة النفطية شهدنا توسع معماري التهم بعض المباني القديمة، على حساب التراث. في الثمانينات تنبه المعنيين لأهمية هذه المباني فأعادوا ترميمها أو بناء ما هُدم من جديد، حتى المباني الجديدة صممت على الطراز القديم، وذلك في محاولة لترسيخ المعمار التقليدي ومزجه مع المعاصر، وأعتقد أن المعمار التراثي والمعاصر يغنيان بعضهما البعض. مثلاً: منطقة التراث التي نتواجد فيها، تاريخياً كانت المركز الرئيسي للشارقة، ثم أعيد ترميم مبانيها. هذه البيوت تحولت إلى متاحف للأشغال اليدوية، ومسارح وجمعية للمسرحيين، وبيوت للشباب، ومن الجيد إعادة استثمار هذا المكان من خلال الروح التي تمثل امتداداً لها، وتداخلها مع حياتنا اليومية ومن ضمنها المشروع الثقافي.
- من هم رواد البينالي؟
جمهور البينالي متنوع، أنا فنان تشكيلي سوري وأعمل في هذا المعرض منذ نحو 14 سنة، وأهتم بكيفية استقطاب جمهور للفن، ان كانوا من العرب أو الأجانب المقيمين في الدولة، وذلك عبر دورات البينالي والمعارض التي تنظمها المؤسسة وسائر المؤسسات المعنية بالفنون في الشارقة، ولمسنا تزايد عدد المهتمين، وبتنا نستقطب أيضاً طلاباً من كلية الفنون أو طلاباً يعملون في مجال التصميم، وتحولوا إلى أوائل المشاركين، إلى جانب عدد من البرامج التعليمية التي تنظمها المؤسسة مع طلاب المدارس والجامعات. كما أن البينالي تحوّل إلى بوابة للخليج، إذ نستقطب مشاركين من مختلف الدول المجاورة، إذ ان بينالي الشارقة يعتبر الثاني أو الثالث في العالم من ناحية الاحترافية في التنظيم. ومن يعرض أعماله في بينالي الشارقة يأخذ اعترافاً وبالتالي بات البينالي بمثابة منصة اعتراف وترويج للفنانين، إلى جانب انه منصة أساسية للمشاركة في صياغة المشهد الفني في العالم.
- كيف تقيمون هذه الدورة وإلى متى تستمر؟
الدورة مستمرة لغاية شهر حزيران/يونيو المقبل، إذ ان البينالي يقام على مدار سنة كاملة ويقسم هذا العام إلى أربعة فصول والختام سيكون في بيروت في شهر تشرين الأول/أكتوبر. حدث بهذا الحجم، صدر عنه ثلاثة كتب لكتّاب وروائيين إلى جانب المطبوعات التي تصدر عنه، والأفلام التي أنتجت لصالحه، وحضور حشد إعلامي كبير، فالبينالي هذه الدورة سيكون خطوة إضافية لمسيرتنا لأنه أساسي في تفعيل المشهد الفني، كما أن هذا الحراك أساسي في خريطة الفن العالمي.
- بما أنك ذكرت انك من سوريا، إلى أي مدى يمثل هذا المعرض بارقة أمل في ظل الأزمة التي نعيشها في العالم العربي؟
تشارك أعمال تعكس ما يحصل في العالم العربي من قتل وموت ودمار وانتهاك لكل شيء من حجر وبشر وشجر، وأعتقد أن الخطاب الفني يبحث ربما في قيم وعوالم افتراضية وهو يقترح حلولاً معينة لما يحدث، مثلاً عندما يناقش قضية الماء فهو بالتالي يقرع جرس الانذار لمسألة تهديد وجودنا بطريقة أخرى، لكن هذا المعرض لن يُصلح الوضع القائم ولكننا نحاول أن نطرح أو نعتمد شيئاً خارج الاثنيات والجنسيات والانتماءات الاقليمية والطائفية، اذ نعتمد الخطاب الانساني.-
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024