عملية تصغير المعدة ليست تجميلية... وهذه المعايير الطبية لإجرائها
باتت عملية تصغير المعدة اليوم وكأنها وسيلة للتخلص من زيادة الوزن، إلا أن الهدف الاساسي منها ليس تجميلياً في الواقع نظراً لما يرافق السمنة من مشكلات صحية خطيرة ومضاعفات لا يمكن الاستهانة بها.
وفي الوقت نفسه، لإجراء عمليات تصغير المعدة معايير وشروط، ولا يمكن اللجوء إليها بطريقة عشوائية في أي من الحالات. وحده الطبيب يحدد ما إذا كانت هناك دواع لإجرائها، وما إذا كان من الممكن إجراؤها، وما إذا كانت إلزامية حتى.
رئيس قسم الجراحة العامة والمنظار في مستشفى بلفو أنطوان يونان تحدث تفصيلاً عن دواعي إجراء عمليات تصغير المعدة ومخاطرها وكل الشروط والظروف التي تترافق معها.
ما المعايير التي يُستند إليها لإجراء عملية تصغير المعدة فيما نرى اليوم أنه يتم اللجوء إليها احياناً بطريقة عشوائية إلى حد ما؟
لا بد من الاستناد إلى معيار مؤشر كتلة الجسم ومعدل البدانة في اتخاذ قرار إجراء عملية تصغير المعدة. فلا يمكن إجراؤها بطريقة عشوائية. إذ يحسب مؤشر كتلة الجسم بمعادلة وزن/ طول ² ، فإذا راوحت النتيجة بين 19 و25، يعتبر الوزن مثالياً.
أما إذا راوحت النتيجة بين 25 و30 فيكون الوزن زائداً، من دون أن نتحدث عن بدانة. لكن عندما يتخطى مؤشر كتلة الجسم 30 فهذا يعني أن هناك بدانة، خصوصاً في حال وجود عوامل خطر كالضغط والسكري والكوليسترول وتراجع معدلات الأكسيجين أثناء النوم.
ففي هذه الحالات التي تترافق فيها البدانة (بمؤشر كتلة جسم=35 ) مع عوامل الخطر التي تهدد الحياة، لا بد من اللجوء إلى عملية تصغير المعدة. أما إذا بلغ مؤشر كتلة الجسم الـ40، وحتى في حال عدم وجود عوامل خطر، تُعتبر العملية ضرورية.
ألا تُجرى الجراحة في حال كانت زيادة الوزن بمعدل أقل؟
ثمة حدود لإجراء العملية، وهدفها الاستفادة من الناحية الصحية لأن البدانة تشكل خطراً على الحياة. كما ان العملية فاعلة في الزيادة الكبرى للوزن، لا في حال زيادة كيلوغرامات قليلة.
فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص يعاني زيادة بمعدل 15 كيلوغراماً، قد لا تفيده العملية في خسارة كل الكيلوغرامات الزائدة. مع زيادة الوزن الكبرى تساعد العملية على خسارة 70 أو 80 في المئة من الوزن الزائد.
ألا تُعدّ الحمية ممكنة في هذه الحالات؟
لا يمكن أن تنجح الحمية في خفض أكثر من 15 كيلوغراماً أو 20. فعندما تبلغ معدلات البدانة مستويات مرتفعة، يستحيل الاكتفاء بالحمية وحدها وتصبح العملية ضرورية.
كما أن من يعانون زيادة كبرى في الوزن، يلجأون عادةً إلى حميات عدة، ويملّون مع الوقت فيما يفشلون في خفض أوزانهم، فتكون ردود الفعل في مضاعفة الأكل فيعجزون عن خفض أوزانهم أكثر، لذا يجدون أنفسهم في دائرة مفرغة يعجزون عن الخروج منها.
هل يمكن اعتبار عملية تصغير المعدة الحل الجذري والنهائي لمشكلة البدانة؟
للعملية اهمية كبرى، فهي تسمح بالتخلص من الوزن الزائد وبالحفاظ على النتيجة، لكنّ لكل منها حدوداً معينة. فلا يمكن الحفاظ على النتيجة مع اتباع نمط حياة عادي كما في السابق. بل يجب التقيّد بنمط صحي لخفض الوزن والحفاظ على النتيجة. أما العملية فتسمح بخسارة ما لا يقل عن نسبة 70 في المئة من الوزن الزائد.
يشكو كثر من مضاعفات العملية، هل يمكن أن يلجأ إليها أيٌ كان؟
لا يمكن أياً كان أن يجري العملية، بل ثمة معايير وشروط، ومما لا شك فيه أن لها مضاعفات غير سهلة. ثمة حالات صحية تحول أيضاً دون إجرائها.
ما أنواع عمليات تصغير المعدة التي يمكن اللجوء إليها؟
تتعدد عمليات تصغير المعدة، أما أبرز أنواعها المعتمدة فهي:
عملية الحلقة Ring: لم تعد هذه العملية معتمدة كثيراً اليوم. وتقضي بوضع حلقة عند باب المعدة تكون قابلة للتعديل. وفيما يسهل وضعها ولا مخاطر كثيرة لها، تبقى سيئاتها اكثر من حسناتها، لأنه مع تناول كميات زائدة من الطعام، لا بد من مواجهة مشكلة التقيؤ طوال الوقت.
كذلك ما إن يتجه المريض إلى أطعمة يسهل مرورها كالشوكولا والكريما وغيرها من الأطعمة الغنية بالدهون والوحدات الحرارية، حتى يزيد الوزن فيواجه مشكلة السُمنة مجدداً.
خطر إضافي : ثمة خطر يمكن مواجهته بحصول التهاب في المعدة، أو حصول ثقب في الحلقة.
Sleeve: أي عملية «تكميم» المعدة بحيث تأخذ شكل الكم بعد قصّها. وهي عملية منتشرة عالمياً ومعتمدة بكثرة، وتقضي باستئصال نسبة 75 أو 80 في المئة من حجم المعدة حيث تتسع لنسبة 20 في المئة من الأكل الذي يتناوله المريض فتخف عندها كمية الوحدات الحرارية التي يحصل عليها.
كما أنه في هذه العملية يُزال هورمون Ghrelin الذي يفرزه جدار المعدة، وهو المسؤول عن الإحساس بالجوع، فمع تصغير المعدة من الطبيعي أن تخف الشهية، وبالتالي كمية الطعام التي يتناولها الشخص الذي خضع إلى العملية. هذا مع الإشارة إلى ان هذه العملية نهائية، وتعتبر أقل تكلفة من غيرها وأكثر سهولة.
وعند الرغبة بزيادة كمية الطعام، من الممكن تناولها، فثمة حل لذلك. والخطر الوحيد في هذا النوع من العمليات هو في عدم القدرة على الأكل، غير أن ذلك لا يسبب اي مشاكل إلا في حال حصول خطأ عند إجرائها، علماً أن ثمة معايير معينة لإجرائها.
من حسناتها : لا تؤدي هذه العملية إلى نقص في الفيتامينات والمعادن، والخطر الوحيد فيها هو في الاسبوعين الاولين.
Bypass: في هذه العملية تحوّل المعدة إلى المعي. أما الـMini Bypass فتختلف من حيث التقنية، لكن تبقى فاعليتها هي نفسها، وهي لا تنحّف بمعدل أقل، بل إن الجراحة تختصر المراحل وتتطلب وقتاً أقل. ظهرت في البداية عملية Bypass ومن بعدها Mini Bypass لتُجرى بسرعة كبرى وتكلفة اقل. إلا أن خطر ارتداد الطعام فيها يكون أكبر. وبعد عملية الـBypass تتسع المعدة لكمية غذاء أقل فيتم فيها استئصال متر أو مترين من المعي من أصل 5 ويحوّل الى المعدة بحيث لا يعود الغذاء يمر في كل المعي بل في الأمتار الثلاثة منه فيأخذ نسبة 60 في المئة من الغذاء.
لذا، في هذا النوع من العمليات، لا يمتص الجسم كل الفيتامينات من الغذاء فيكون ضرورياً اللجوء إلى المكملات الغذائية يومياً. مع الإشارة إلى أنه غالباً ما يعاني من يخضعون إلى عملية الـBypass نقصاً في الكالسيوم والمغنيزيوم، ويواجهون خطر الإصابة بترقق العظام وغيرها من المشاكل.
هل تُفضّل أنواع من هذه العمليات في حالات معينة؟
يبدو كل من هذه العمليات أفضل بحسب الحالة، فيحدد الطبيب نوع العملية الفضلى لكل شخص بحسب وضعه الصحي ومعدل زيادة الوزن لديه وعوامل أخرى عديدة.
فعلى سبيل المثال، إذا كان مؤشر كتلة الجسم قد تخطى معدل الـ50، يُنصح بعملية الـBypass إذ تبدو أكثر فاعلية من عمليةSleeve. أيضاً في حال الإصابة بالسكري، تُشفى نسبة 80 أو 85 في المئة من المرضى بعد الخضوع إلى عملية تصغير المعدة Bypass، وهي نسبة أعلى من تلك المنتشرة بين الذين يخضعون إلى عملية الـSleeve حيث تُشفى من السكري نسبة 70 في المئة من المرضى.
أيضاً في حال كان مؤشر كتلة الجسم حوالى 40، يمكن اللجوء إلى الـSleeve للحصول على نتيجة مُرضية. لكن إذا وصل مؤشر كتلة الجسم إلى 50، من الأفضل اللجوء إلى الـBypass. أما إذا كان مؤشر كتلة الجسم 45، والمريض مصاب بالسكري، يُفضّل أيضاً اللجوء إلى الـBypass لارتفاع احتمال شفائه من السكري.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن عملية التكميم تفضّل أيضاً للشابات وغير المتزوجات تحسباً لحصول حمل في يوم من الأيام حتى لا تكون أكثر عرضة لحالة «عقدة المصران» والنقص الحاد في الفيتامينات.
لماذا يواجه كثر مشكلة استعادة الكيلوغرامات الزائدة بعد فترة من إجراء العملية؟
يختلف ذلك باختلاف نوع العملية التي تم اللجوء إليها. لكن بشكل عام، تواجه نسبة 30 في المئة ممن يجرون العملية مشكلة زيادة الوزن مجدداً.
ويقع اللوم على نسبة 20 في المئة منهم لاعتبارهم يتجهون إلى تناول الأطعمة المسبّبة للسمنة، والتي يمكن تناولها عند إجراء العملية كالشوكولا مثلاً وغيرها من السكريات. عندها تفشل العملية لأنهم اتجهوا إلى هذه الأطعمة بما أنهم يعجزون عن تناول الاطعمة الدسمة والثقيلة على المعدة.
في حال فشل العملية، هل يمكن تكرارها؟
أحياناً إذا لم تنجح عملية الـSleeve وزاد وزن المريض مجدداً يمكن تحويلها إلى Bypass أو Mini Bypass. أيضاً إذا كانت عملية Bypass يمكن إجراء عملية ثانية، لكن من الطبيعي أن تكون العملية الثانية أكثر صعوبة، وأن تترتب عنها مضاعفات أكثر ربما.
إنما تبقى حلاً في حال عدم نجاح العملية الاولى. لا يمكن ان ننكر أن ثمة احتمالاً لفشل أي عملية، لكن تتوافر الحلول لذلك.
متى تعتبر العملية ناجحة؟
تعتبر العملية ناجحة عند خفض نسبة 70 في المئة من الوزن الزائد لدى الشخص بغض النظر عن الهدف الذي يرغب في تحقيقه.
أما النتيجة المثلى فتكون بخفض الوزن بمعدل 100 في المئة. لكن لا بد من التركيز على أهمية العمل مع اختصاصية تغذية من البداية، وخصوصاً في المراحل الأخيرة لخفض الوزن أكثر.
هل تعتبر مرحلة ثبات الوزن Plateau حتمية في حال اللجوء إلى عملية تصغير المعدة؟
تنتج مرحلة ثبات الوزن Plateau من اعتياد الجسم بعد فترة من انخفاض الوزن فلا يعود يتفاعل مع الحمية أو غيرها من الوسائل لخفض الوزن أكثر.
تعتبر مشكلة الترهل بعد هذا النوع من العمليات شائعة، كيف يمكن معالجتها؟
تنجم مشكلة الترهل عن الانخفاض الكبير في الوزن على أثر العملية، وهو أمر طبيعي. هي مشكلة يواجهها معظم من يلجأون إلى العملية، وغالباً ما تكون هناك حاجة إلى اللجوء إلى عملية شد الجلد لمعالجة هذه المشكلة.
يواجه كثر مشكلة نقص الفيتامينات في الجسم بعد عملية تصغير المعدة، هل تختلف مرحلة ما بعد العملية بين نوع وآخر؟
في ما يتعلّق بالـBypass، ثمة حاجة لتناول الفيتامينات طوال الحياة بعد العملية، لأن الجسم لا يمتصها من الأكل بمعدل كافٍ. فيما قد لا يكون هذا ضرورياً مع نوع آخر كالـ Sleeve مثلاً. أيضاً من الضروري بعد شهر من العملية إجراء فحوص للدم، تليها أخرى بعد 6 أشهر، ثم مرة كل سنة.
ماذا عن الغذاء، وكيف يكون النظام الغذائي بعد العملية؟ علماً أن كثراً يواجهون مشاكل مرتبطة بذلك .
في الايام الـ10 الأولى بعد العملية، على المريض تناول السوائل، ومن بعدها الطعام المطحون خلال 10 أيام. اما التحلية فتكون بالمحلّي الاصطناعي لا بالسكر. ويُمنع المريض من تناول المشروبات الغازية والحمضيات وغيرها من الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على الأسيد.
أما في الأيام العشرة التالية، فيُعتمد الطهو الصحي المشوي أو المسلوق والسلطة. وبعد شهر يصبح النظام الغذائي عادياً، لكن طبعاً بكميات أقل نتيجة العملية من جهة، وأيضاً بهدف خفض الوزن والاستفادة من العملية.
في حال عدم الالتزام بالتعليمات الغذائية بعد العملية، ما الذي يمكن أن يحصل؟
في حال عدم التقيّد بالتعليمات في الفترة الأولى يمر الطعام الصلب مما يسبب مشكلة، وقد يحصل تسمم والتهابات، وهذه هي مخاطرها.
ما المضاعفات الاخرى التي يمكن أن يواجهها من يخضع إلى عملية تصغيرٍ للمعدة؟
في المدى البعيد يواجه البعض مشكلة الحصى في المرارة. وبعد 6 أشهر من العملية، تحصل إفرازات في الكبد. لذا من الافضل دائماً اللجوء إلى الصورة الصوتية قبل إجراء العملية لإزالة الحصى في حال وجودها، لأن المشكلة تزيد سوءاً بعدها.
إلى أي مدى يمكن ان تصل خطورة هذه العمليات؟
إذا لم تُجر عمليات سابقة في المعدة، وفي حال عدم الإصابة بالسكري، وعدم تناول أدوية معينة، لا يتعدى الخطر 1 من 500 حالة، شرط أن تُنجز الجراحة بطريقة جيدة. أما في حال وجود عوامل خطر وفي حال تناول كورتيزون فيتمثل الخطر في 5 من 500.
ما هي تكلفة هذا النوع من العمليات؟
تراوح تكلفة العملية بين 6 و15 ألف دولار تقريباً بحسب نوعها وظروفها. وتكمن المشكلة في أن شركات التأمين والجهات الضامنة ترى أن هذه الجراحة لا تُجرى لأهداف صحية، بل لدواعٍ تجميلية، ولذلك فهي لا تغطي تكاليفها حتى وإن ترافقت مع مشاكل صحية.
ما معدل انخفاض الوزن بعد العملية؟
في الشهر الأول الذي يلي العملية، ينخفض الوزن بمعدل 10 إلى 12 كيلوغراماً. أما في الشهر الثاني فيكون معدل الانخفاض 5 أو 7 كيلوغرامات، ثم 3 أو 4 كيلوغرامات. وخلال سنة يستمر الوزن بالانخفاض بهذا المعدل ثم يخف بعدها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024