تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الفنانة والباحثة الفلسطينية زهيرة زقطان: إسرائيل سرقت تاريخنا ونحن نحاول استعادته

 

 

 

في الوقت الذي يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي على سرقة التاريخ الفلسطيني، تعمل الفنانة الفلسطينية زهيرة زقطان ليل نهار من اجل الحفاظ على الهوية والموروث الثقافي والفكري والتاريخي الفلسطيني بشكل عام، فهي توثّق ذلك في إصداراتها من الكتب والأبحاث التي تحتوي على الكثير من الوثائق والرُقم الطينية، بالإضافة الى استخدامها قطع القماش حتى تطرّز الحكايات الفلسطينية التاريخية وكل ما يؤكد وجود الفلسطينيين على أرضهم. لها التقت الفنانة زهيرة زقطان في بيتها في رام الله لتكشف عن مساهمتها الفعلية في صون التاريخ الفلسطيني.


- الحفاظ على الهوية الفلسطينية حمل ثقيل، فكيف كانت البداية؟

ولدت في مخيم عقبة جبر عام 1956، وأنهيت دراسة الثانوية العامة في العام 1974، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية عام 1979. تفرغت للتراث الشعبي والكتابة الإبداعية، وأعمل في هذا المجال منذ 37 عاماً، وأقمت عشرات المعارض الشخصية التي تضمنت لوحات تراثية مشغولة بالتطريز على القماش، في كل من الأردن، لبنان، تونس، مصر، العراق وفلسطين. كما أنني عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وعملت كمقررة للجنة التراث الشعبي في الرابطة، وعضو في اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، بيروت/فلسطين.

- ما هي الفترة التاريخية التي تركزين عليها في أبحاثك؟
أهتم بكل شيء، ولكنني أركز في تاريخ الفترة الكنعانية للشعب الفلسطيني منذ 6 آلاف سنة قبل الميلاد، وأهتم بأبعاد تلك الفترة من تاريخ وأديان وعمارة وحياة اجتماعية وفنون وأساطير ومدن وحروب وغيرها.

- كيف تساهم هذه الوثائق في الحفاظ على تاريخ الشعب الفلسطيني؟
تحتوي هذه الدراسات والنصوص المكتشفة والموثّقة من جانب مئات الأثريين على تشكيل فني مرتبط بتلك النصوص، وذلك من خلال استخدام التطريز الذي عرفته الكنعانيات كأداة تشكيل تعبّر عن تلك الوثائق، وذلك من طريق دمج الفن مع كل من التاريخ والنص والمكان والاستمرارية وتطوير هذا الاستخدام الذي احتُّل مع احتلال الأرض كشكل من أشكال المقاومة، ومن ثم للحفاظ على هذا الموروث الحضاري، وذلك في محاولة فريدة عبر أبحاث وكتب وتشكيل من خلال اللوحة.

- من أين تستمدين هذه الوثائق التاريخية؟
أواجه حالياً صعوبة في الوصول إلى المادة، وخصوصاً في ظل الأوضاع المأسوية في سوريا، ولكن في السابق كان العمل يتم بشكل يومي في الحفريات، لأن سوريا هي منبع هذه الوثائق التاريخية الفلسطينية.

- هل تواجهين صعوبات في عملية حفظ التاريخ وتوثيقه؟
أواجه صعوبات في إقامة المعارض داخل فلسطين وخارجها، إضافة إلى صعوبة الترفّه باللوحة، لأن القصة تكمن في ما وراء اللوحة، ولذلك يعاني الجميع هذه المشكلة لأن الفن هو شيء فائض عن الحاجة، ولا يُعد أساسياً في عالمنا، وتحديداً في تعليمنا وتربيتنا، وأذكر جيداً كيف كانوا يحوّلون حصة الفن في المدرسة الى حصة لتعلّم اللغة الانكليزية والرياضيات في صغري، فكيف سننجح إذا كان هذا نهجنا؟ 

- هل لعبت السياسة دوراً في غياب الفن المتعدد المجالات؟
غطّت السياسة على كل شيء، وأفضل مثال على ذلك هو وضع الثقافة والفن في فلسطين، وإذا حصل أي شيء فهو حتماً يتبع الوضع السياسي، وهنا مقتل الفن أو مقتل الإبداع بشكل عام. وللأسف، حتى تاريخنا في منظمة التحرير الفلسطينية كان يعتمد على السياسة أولاً وأخيراً، ولطالما تم تهميش الثقافة، ففي فترة معينة، كان الثقافي يفرض نفسه في بيروت، لأن مساحة الحرية هناك كانت تسمح له بذلك، ولكن حالياً ثمة قوقعة فنية وثقافية، وأصبح التفرغ للفن أو الكتابة صعباً للغاية بسبب الضائقة المعيشية، لأن الفن لا يُطعم خبزاً، مما يؤدي إلى ظلم الموروث الثقافي وكل من يريد أن يبدع فيه على أي صعيد، ورغم أن البعض يلجأ الى التحدي، لكن هذا الأمر يبقى محدوداً.

- هل التاريخ الفلسطيني الثقافي مرتبط بالمرأة فقط؟
لا. ليست المرأة من صنع الهوية عبر التاريخ، فهذا التراث ساهم فيه الرجل والمرأة معاً، ورغم ان المرأة في القرن الماضي هي التي كانت تمارس فن التطريز، إلا ان الرجل كان موجوداً باستمرار في الميراث الكامل، حتى أنه استخدم النول، فلا نستطيع القول إن المرأة وحدها هي التي صنعت الهوية الثقافية. وللأسف تغيب المرأة اليوم عن هذا العالم وتستبدله بأزياء وقماش غريب عن هويتها الثقافية، وهي بذلك تساهم في طمس معالم زيّها الفلسطيني بيدها، كما ساهم ثمن الثوب المرتفع في لجوء المرأة الى الملابس الرخيصة الثمن، وبما يتوافق مع أحوالها المادية.

- هل تقدم الجمعيات والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة التوعية اللازمة للنساء في كيفية الحفاظ على الثوب الفلسطيني كهوية لهن؟
أبداً. للأسف هناك تراجع في دور الجمعيات الأهلية والمؤسسات الرسمية التي تعمل في مجال الحفاظ على التراث الفلسطيني، بالإضافة إلى غياب المعلومة الثقافية عن هذه الجمعيات والمرأة نفسها. ولو كانت المرأة تدرك قيمة الثوب الفلسطيني لما باعته أو تركته، وهذا في رأيي تجهيل مجتمعي لا نستطيع أن نظلم المرأة فيه. ورغم أن طريقنا جبلية ووعرة في كل شيء، لكننا سنحاول تخطيها باستمرار ولن نتراجع أبداً.

- ما هو المنتظر في عالم التوثيق؟
لا أنتظر شيئاً، وأعتمد على قدرتي على الاستمرار، فالفكرة الجديدة تأتي مع كل شيء جديد سأراه مستقبلاً، ولكنني أعمل على الاستمرار على صعيدين فقط، وهما الكتابة والتنفيذ على القماش.

- كيف تساهمين في استعادة ما سرقته إسرائيل من تراثٍ وتاريخٍ فلسطيني؟
نحاول دائماً أن نستعيد المسروقات التي سرقتها إسرائيل منا، وهذه الاستعادة تكون عبر الحفر ونبش الآثار التي تمدّنا بالوثائق والمعلومات والرُقم الطينية والبحث الموضوعي. يجب اعتبار الوثيقة كمعادلة الرياضيات التي لا يمكن الجدال فيها، وهي موجودة في كل الأماكن التي عاش فيها هذا الشعب، وعلى سبيل المثال في الحفريات وما يعثر فيها على وثائق، وأيضاً في بعثات الآثار المتتابعة منذ عام 1992 الى اليوم، يتم إخراج وثيقة جديدة عن قِدم الشعب الفلسطيني وتنوع حضارته، ويتمثل ذلك في العمارة والأديان القديمة وطريقة العيش، وهذا كله تاريخ للشعب الفلسطيني الذي بدأ من قبيلة كنعانية وانتشر في بلاد الشام، وأنا أعمل في هذه المنطقة الأثرية وأحاول المساهمة في عملية التوثيق قدر الإمكان، ولكنني أتصور ان التطور محدود لأنه يحتاج إلى مؤسسات، لذا أنفّذ اللوحة أو الكتاب، لكن هناك الآلاف من الوثائق التي تحتاج إلى مجموعات ومؤسسات، وهذه معركة شعب ولا تقتصر على فرد، فالحقائق موجودة، لكن ما يهم هو كيفية التعامل معها والعمل عليها كما يجب. 

- هل ستنجحين في ذلك وأنت تعملين بمفردك؟
لا. لأنني أؤمن بأن العمل الفردي ينجح لمرحلة معينة ومن ثم يذهب مع الفرد، وهذا هو القلق الذي يرافقني عندما أحقق هدفاً ما، ودائماً أتساءل في قرارة نفسي: إلى متى؟ 

- إلى أي مدى تساهم الكتب في حفظ التاريخ الفلسطيني؟
ساعدت الكتب في حفظ التاريخ الفلسطيني كثيراً، وشخصياً ألّفتُ ثلاثة كتب في مجال الحفريات وتوثيق الفترة الكنعانية بكل شموليتها، لأننا لا نستطيع ان نأخذ شيئاً ونتجاهل الآخر، وأتوقع أن يُحفظ هذا الشيء في الكتب، لأنني أرى أن الكتاب يدوم أكثر من اللوحة، وقد تمت طباعة اثنين من كتبي، ولكن الثالث لم يلقَ بعدُ دعماً من وزارة الثقافة الفلسطينية، وبقي  أشهراً من دون طباعة، مما اضطرني إلى سحبه من الوزارة. 

- كيف تجدين الهوية التاريخية الحالية؟
التاريخ يعيد نفسه لأن إسرائيل تعيش واقعاً يدفعها للبحث عن بقائها كي تستمر، ومن اجل الاستمرار عليها إيجاد جذور في الأرض الفلسطينية وتاريخ لها، كي لا تذوب كما ذابت أول مرة في هذه الأرض. 

- متى ستقررين التوقف عن التوثيق والعمل في هذا المجال؟
في البداية، أشكر أي جهة تفتح هذه النافذة، سواء كان رجلاً أو امرأة، فأنا لا أفرّق بين المرأة والرجل لأنهما متساويان في الإنسانية، فالمرأة لا تستطيع العمل لوحدها، وكذلك الأمر بالنسبة الى الرجل. وحالياً أنا متفرغة لهذا المشروع المتعلق بتلك المرحلة من خلال الأبحاث والتشكيل، ولن أتوقف عن عملي طالما أنني على قيد الحياة.- 

 

لك إصدارات متعددة... حدّثينا عنها؟

صدر لي في المجال القصصي قصة «أوراق غزالة والنعمان» التي حصلت على الجائزة الأولى في الإبداع النسوي للقصة القصيرة في رام الله. وفي مجال النصوص بدءاً من مكتشفات أوغاريت الدينية والاجتماعية والأساطير والتاريخ، وصولاً الى الحياة الكنعانية ما قبل ثلاثة آلاف سنة على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، صدر لي كتاب «أوغاريت ذاكرة حقل». وفي مجال الرواية، صدرت لي رواية «مضى زمن النرجس»، وهناك بحث لا يزال قيد الطبع عن تاريخ العمارة والدين في المدن الكنعانية، بعنوان «كنا هنا... داخل السور القديم».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080