قبل أن تختاروها لأبنائكم احترسوا: أسماء تسبّب أزمات نفسيّة لأصحابها
يحاول بعض الآباء والأمهات البحث عن أسماء مميزة وغير تقليدية لأبنائهم، لكن في رحلة البحث هذه يقع البعض أحياناً في فخ الأسماء الغريبة، بل وأحياناً المثيرة للضحك أو السخرية، وهو ما يسبّب لأصحابها العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية. «لها» ترصد حكايات لأصحاب أسماء غريبة وآراء خبراء الاجتماع والنفس في إطلاق مثل هذه الأسماء على أبنائنا.
في البداية، يروي الدكتور عطارد عبد المجيد شكري، عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، قصة اسمه قائلاً: «أعتزّ باسمي، لأن والدي اختاره عند مولدي عام 1958، وقد شهدت حقبة الخمسينات عموماً نشاطاً كبيراً في مجال غزو الفضاء بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وكان والدي يعمل خبيراً إعلامياً وفنياً في اتحاد الإذاعة والتلفزيون ومتابعاً جيداً لهذا التطور وعاشقاً لاكتشاف كل جديد فيه، لهذا سماني «عطارد» على اسم كوكب «عطارد»، حتى أكون مثله مولعاً بمتابعة كل تطور علمي جديد في مختلف المجالات، بخاصة في مجال الفضاء، وهو مجال مشوّق.
ويوضح الدكتور عطارد أنه الوحيد بين أشقائه الذي يحمل اسماً غريباً يجعل كثراً ممن يتعرفون إليه يسألونه عن سبب التسمية ورأيه فيها، فيروي لهم القصة التي ذكرها آنفاً، وهذا ما يسبّب له أحياناً تأزماً نفسياً. لكن عموماً، هو سعيد بهذا الاسم حتى لو سبّب له بعض المشكلات.
دهشة
يقول وليد أبو جاموس، طالب في كلية التجارة جامعة القاهرة، أن اسمه الثاني يتسبّب له دوماً بحرج كبير، بخاصة مع الأصدقاء والمعارف الجدد، والذين يسألونه عن لقبه أو اسم والده، لكن ما يثير دهشته هو لماذا اختار جده هذا الاسم بالذات، ولم يختر أي نوع آخر من الحيوانات مثل أبو غزال أو غيره!
ولا يتردد أبو جاموس، 22 عاماً، في سرد مواقف مضحكة سبّبها له هذا الاسم، فيقول: «في إحدى المرات، دعوت أصدقائي من خارج القرية لحضور حفل زفاف شقيقي في بيتنا، وبالفعل لبوا دعوتي واتصلوا بي للاستدلال على عنوان المنزل، فقلت لهم أن يسألوا عن منزل وليد سيد، وهو الاسم الذي اعتادوا عليه، وبعدها بأكثر من ساعة اتصلوا بي مرة أخرى ليقولوا أنهم لا يستطيعون الوصول وأن أهل القرية يقولون أن ليس هناك شخص بهذا الاسم يسكن في القرية، فقلت لهم أن يسألوا عن وليد الذي يعمل في صيدلية، فاتصلوا بي مرة أخرى ليقولوا أنه لا أحد يعرفني أيضاً، فطلبت منهم وأنا أشعر بحرج كبير أن يسألوا عن وليد أبو جاموس، فانفجروا ضاحكين على هذا الاسم، وبالفعل استطاعوا الوصول سريعاً إلى المنزل».
يضيف وليد ضاحكاً: «مذاك وهم لا ينادونني إلا بأبو جاموس، حتى من دون اسم وليد الذي عرفوني به منذ ثلاث سنوات، وأحياناً يطلقون النكات والإفيهات على اسمي، لكنني أتقبل الموضوع بصدر رحب ولا أشعر بأي ضيق، فهذا الاسم اعتدت عليه في قريتي منذ زمن بعيد وأصبح عادياً وأكثر».
اسم ذكوري
تقول إسلام طلعت، وهي طالبة في الصف الثالث الثانوي، أنها حققت أرقاماً قياسية في التعرض للمواقف المحرجة بسبب اسمها، وتؤكد أنها تتعايش مع هذا الأمر بشكل عادي، بخاصة أن كل المقربين منها ينادونها باسم «سوسو» أو «سو»، فأصبح الأمر اعتيادياً.
وتشير إسلام إلى أن والدها أخبرها أنه عندما ذهب لتسجيلها في سجلات المواليد الحكومية، تعجب العاملون من أن يكون الاسم لمولودة أنثى، وسألوه ما إذا كان متأكداً من أنه يرغب في تسمية ابنته بهذا الاسم، فأكد لهم ذلك، بالإضافة إلى تعجّب صديقات والدتها من أن ابنتها اسمها إسلام! حتى إذا قالت لهم «سو» يسألون عن اسمها الحقيقي من باب المعرفة.
تسرد إسلام أحد المواقف المضحكة والمحرجة في الوقت نفسه، التي تعرضت لها، قائلة: «عندما وصلت إلى المرحلة الثانوية، ذهبت إلى مدرسة المرحلة الجديدة مع زميلاتي في أول يوم كأي طالبة، وعندما جاءت القائمة بأسماء الطالبات إلى الفصل لإثبات حضورهن، لم أجد اسمي ضمن القائمة، فاستدعاني مدير المدرسة للتحقق من الأمر وسألني عن اسمي، وحين علم بأن اسمي «إسلام» ظهرت آثار الدهشة على وجهه وسمح لي بعدها بأن أكمل اليوم الدراسي حتى يتحقق من الأمر. وبعد يومين، استدعى والدي وقال له أن اسمي موجود في المدرسة الخاصة بالبنين، ثم اعتذر له وطلب منه أن يقدّم طلباً للإدارة التعليمية يؤكد فيه أن إسلام طلعت طالبة لا طالب. أضف إلى ذلك الكثير والكثير من المواقف، وتقريباً فإن أي أمر متعلق باسمي لا بد أن يحدث بسببه موقف محرج».
موضوع معقد
على جانب آخر، يبحث البعض عن الأسماء المختلفة إذا كانت أسماؤهم تقليدية أو منتشرة، حيث تشير نفرتيتي محجوب، 24 عاماً وتعمل في مجال الإعلام، إلى أنها تحب اسمها جداً لما يحمله من تاريخ عريق تمثّله الملكة الفرعونية نفرتيتي، وعلى رغم أنه اسم مصري خالص، إلا أنه غير منتشر في الأوساط الحديثة ويلفت انتباه كل شخص، وهذا الأمر يعجبها كثيراً.
تقول نفرتيني: «اخترت لنفسي هذا الاسم منذ نحو عشرة أعوام، إذ إن اسمي الحقيقي منى، وأعتقد أن هذا الاسم هو أكثر الأسماء التقليدية الموجودة في مصر، في وقت أرغب في أن يكون اسمي مميزاً، كما كل شيء في حياتي»، لافتةً إلى أن اسم نفرتيتي باللغة الهيروغليفية المصرية القديمة معناه «الجميلة أتت».
تتابع نفرتيتي: «حاولت منذ فترة قصيرة أن أغير اسمي في السجلات الحكومية إلى نفرتيتي ليصبح اسمي الجديد رسمياً، لكني وجدت أن الموضوع معقد جداً، إذ طُلبت مني أمور عبثية، أولها أن أقوم بعمل إعلان في صحيفة رسمية بتغيير اسمي من منى إلى نفرتيتي، ولا أدري ماذا تعني هذا الخطوة، لكن توقف الأمر عند هذا الحد واكتفيت بأن يكون هذا الاسم هو اسم الشهرة فقط».
نصيحة
يؤكد الدكتور حسن شحاتة، الأستاذ في كلية التربية جامعة عين شمس، أنه يجب على الوالدين وضع مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، لما للاسم من تأثير اجتماعي ونفسي كبير فيه، فمثلاً تحمل الأسماء المضحكة أو التي تؤدي الى الاستخفاف إيذاءً كبيراً لمشاعره وإحساسه بالحرج أمام الآخرين، ما يؤدي الى الانطوائية وفقدان الثقة بالنفس، وينعكس ذلك سلباً على مستقبله في التحصيل العلمي وحياته الاجتماعية والأسرية، وهنا يُنصح بتغيير الاسم كجزء من العلاج حتى يشعر الإنسان بالرضا عن النفس وتقدير ذاته واحترام المجتمع له واندماجه فيه.
ويشدد الدكتور شحاتة على أن للأسماء عموماً تأثيرها الإيجابي أو السلبي في أصحابها من حيث الأثر النفسي والتقبل الاجتماعي، لهذا نحذر من الانسياق وراء أسماء على الموضة، مثل تلك المقتبسة من الأعمال الدرامية الأجنبية، بخاصة التركية، لأنها قد تحمل معاني رخوة في لغتها الأصلية الأعجمية، فضلاً عن أن هذه الأسماء الأعجمية للمشاهير من الممثلين تجعلهم مثلاً أعلى لصاحب الاسم وقدوة للأولاد، والأفضل أن نسمي بالأسماء العربية الأصيلة وما أكثرها، حتى تكون مألوفة عند المجتمع.
مشكلات
توضح الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الأسماء الغريبة تسبب العديد من المشكلات النفسية والاجتماعية لصاحبها نتيجة تعرّضه لسخرية الآخرين، وهذه المشاكل تبدأ منذ الصغر، أي منذ أن يدخل إلى المدرسة، حيث يجد نفسه أمام سخرية أصدقائه، وتتراكم هذه المشاكل مع الزمن إلى أن يلجأ أحياناً الى المحاكم لتغيير الاسم، وقد أجمعت كل الدراسات النفسية والاجتماعية على أن من حق الطفل أن يكون له اسم لا يسبب له الإساءة، لأن البعض يسمي أولاده بأسماء غريبة خوفاً من الحسد أو للتباهي، وتزداد هذه الظاهرة في القرى، ومع مرور الزمن بدأ المجتمع يعيد النظر فيها فتقلّصت حدتها لكنها ما زالت مستمرة.
وتشير الدكتورة الساعاتي إلى أن الدراسات الاجتماعية والنفسية تؤكد أن اسم الطفل عندما يكون مقبولاً ومنتشراً في مجتمعه وبيئته، يساهم كثيراً في النمو الاجتماعي والنفسي والتكيف والتوافق مع هذه البيئة التي يعيش فيها، حتى أن علماء الاجتماع بجامعة سايكس البريطانية لاحظوا أن غالبية الطلبة الذين يترددون على العيادة النفسية من ذوي الأسماء الغريبة، وأنهم في أكثريتهم يتعرضون في طفولتهم لمتاعب ومضايقات لا يتحمّلها بعضهم، فيصاب بأمراض نفسية.
عقدة نفسية
ينصح الدكتور إيهاب عيد، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، بضرورة التأني في اختيار أسماء الأبناء وعدم الإصرار على الرغبة المطلقة في التميز والتفرد في اختيار هذا الاسم أو ذاك، وفي النهاية تكون النتيجة تسبُّب الأب والأم بعقدة نفسية لأبنائهما، تجعلهم يشعرون بالخجل كلما نودي باسمهم أمام الناس. وبصرف النظر عن معنى الاسم، هناك من يسمي ابنه مثلا «فلة»، هذا الاسم معناه جميل فالفل زهرة جميلة، لكنه اسم غير متداول في مجتمعنا، بخاصةً إذا ما أُطلق على ذكر، ما يجعله لافتاً للنظر في كل مكان، وبالتالي يفضل اختيار الأسماء التي اعتاد عليها المجتمع.
يضيف الدكتور إيهاب: «اسم الابن دائماً ما يتسبّب بخلافات بين الوالدين، فهناك من يصر مثلاً على تسمية ابنه على اسم والده، أياً كان اسم الوالد، وشيء جميل أن تخلّد اسم والدك، لكن من الممكن أن يكون هذا الاسم قد عفّى عليه الزمن، كمثل أن يسمي أحدهم ابنه «الشحات»، فهذا الاسم في وقت ما لم يكن يسبب أي أزمة لصاحبه بصرف النظر عن معناه، لأن المجتمع قد اعتاد عليه، لكن لا يصلح في الوقت الحالي أن يُطلق على طفل، وبالتالي تكون قد ظلمت ابنك وسببت له عقدة نفسية بسبب أول شيء يعرف به وسط الناس، وهو اسمه».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024