Art Dubai واجهة دبي الفنية عالمياً...
بين لندن وباريس مروراً بلوس أنجليس ونيويورك، هناك فن ايراني وآخر تركي يمتزج بالفنون العربية ليستقر في إمارة باتت منارة للعالم العربي وقبلة الفنون العالمية. لا يمكننا أن نصنف معرض Art Dubai في دورته الحادية عشرة بالمعرض المحلي أو الاقليمي بل اتسع ليكون معرضاً عالمياً، يضم متاحف من مختلف دول العالم، ويجسد ثقافات وفنوناً كما ينقل معاناة شعوب وضياع خرائط جغرافية لمدن كانت مهداً للثقافات والحضارات. شاركت في معرض Art Dubai لهذا العام 43 دولة وأكثر من تسعين غاليري و98 متحفاً ومؤسسة ثقافية من شتى أنحاء العالم. وقد أُقيمت الدورة الحادية عشرة لمعرض «آرت دبي» برعاية حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وافتتح المعرض ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، وذلك في فندق مدينة الجميرة في دبي.
شهدت هذه الدورة إزاحة الستار عن العمل الفني للفنانة البنغالية رنا بيغم الفائزة بالنسخة التاسعة من جائزة مجموعة أبراج للفنون، بالإضافة إلى الدورة الحادية عشرة من «منتدى الفن العالمي». تخلل حلقة النقاش في «منتدى الفن العالمي» لهذا العام مفهوم «التبادل التجاري» في ظل العولمة التي تناولت زوال الفنون المحلية وتماهيها بالعالمية، علماً أن أغلب الفنانين يشاركون في المعارض العالمية من خلال نقلهم ثقافة بلادهم ربما أو معاناة شعوبهم أو تجاربهم الشخصية... وكانت مشاركة عبر الرسم ثم النقاش لاحقاً للفنان الكولومبي أوسكار موريللو الذي تناول من خلال رسمه التمييز العنصري، ولا سيما ما يتعرض له النازحون السوريون في دول العالم، بالإضافة إلى العنصرية التي يعانيها أصحاب السُحنة السمراء.
وفي السياق نفسه، وضمن فعاليات أسبوع دبي للفنون، نظم نشاطٌ في حي السركال افتُتح خلاله 27 معرضاً، وبين الفن الذي جمع الجمال لروعته وإبداعه، وبين من تبنى قضية تناول فيها حياة أفراد كانوا رمزاً للتضحية، كان المعرض الذي حمل عنوان Inside the Fire Circle، للفنان المغربي منير فاطمي الذي جسّد من خلال معرضه حياة الناشط والصحافي الأميركي John Howard Griffin الذي كان يتناول في أعماله التمييز العنصري الذي يتعرض له أصحاب البشرة السمراء، مطالباً بالمساواة بين الأسود والأبيض. ولم يقتصر نشاط جون على مطالبته بالمساواة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، ليختبر المعاناة والتمييز الذي يتعرض له أصحاب البشرة السمراء، فعرّض جسمه للأشعة ما فوق البنفسجية وبات لون بشرته داكناً، وبالفعل تعرض للتمييز نفسه الذي كان يتحدث عنه. وعرض فاطمي صوراً تبرز تطور المراحل التي تغير فيها شكل الناشط الأميركي، وقد استعان منير بأرشيف Roberto Bonazzi. وبالنتيجة حاول الفنان منير فاطمي أن ينقل الحياة من الدائرة البيضاء إلى تلك السوداء والتي تعكس تبدلات الحياة.
وفي إطار أسبوع دبي للفنون، شهد حي دبي للتصميم حركة فنية كبيرة، إذ تم تنظيم أيام دبي للتصميم والتي ضمت عدداً من الأعمال الفنية، بالإضافة إلى معارض فنية ضخمة ومتنوعة.
على جدران المركز التجاري لـ Citywalk وعلى طريق المستقبل المحاذي للمركز، أعمال لفنانين من مختلف دول العالم أبدعوا برسومات أضفت على المكان طابعاً مميزاً وحيوياً.
بغداد الضائعة في عيون معرض دبي للفنون!
وفي إحدى زوايا Art Dubai، هناك حضارة ضائعة بين الخرائط، هي لوحة الفنان العراقي صادق كويش الفراجي التي حملت عنوان In Searching of Lost Baghdad، ويتحدث الفراجي عن عمله بالقول: «يضم العمل فيديو ولوحة تجمع عدداً كبيراً من الخرائط، هي لوحة رجل وكأنه عائم فوق السحاب مع تجزئة خريطة بغداد، هذه التجزئة تشير إلى التشتت لضياع المدينة. الفيديو يضم دوائر وفي داخلها فيديوات من بغداد وقد صورتها في العام 2009»، ويتابع صادق: «العمل صُوِّر على شكل دوائر تدور ولا نستطيع أن نركز فيها، وهذه الدوائر تصور فكرة التجزئة والضياع نفسه الموجود في الخريطة. أي لا يمكننا أن نمسك اللحظات والأماكن، هناك ضياع مستمر، وهذه هي بغداد في الواقع الذي تعيشه اليوم». ورداً على سؤال عن سبب اختياره لفكرة الضياع، قال: «أشعر أنني عائم أو أطير فوق بغداد وأبحث عنها ولا أجدها. (يدمع) حتى خلال زيارتي إلى بغداد إذ أعيش في هولندا، شعرت أنني فعلاً عائم فوق المدينة ولكنني لا أجدها، بل اختفت. علماً أن المدينة نفسها، والشكل نفسه والمباني نفسها، ولكن في الوقت نفسه هي ليست نفسها لأن هوية المدينة اختفت، فالأماكن موجودة وليست موجودة. الفيديو احتاج الى نحو شهرين ولكن اللوحة استغرقت وقتاً طويلاً، لأجمع الخرائط القديمة من بغداد ومن ثم أدخلت عليها بعض التعديلات غرافيكياً، وهي عبارة عن 209 قطع. وعرضت أيضاً في معرض الشارقة حديقة الأمة الموجودة في وسط بغداد، وهي «سنتر» مزدحم بالمقاهي ودور السينما، ومحاطة بمحلات كثيرة من تسجيلات صوتية، وتتوسطها مجموعة نصب تذكارية، كما أصور وسط المدينة بجماله وهو يعج بالعشاق، فالعمل من نوع الحنين لحديقة الأمة، وهو جزء من سلسلة أعمال أطلقت عليها اسم «كان يا مكان»، هذا العمل عبارة عن 9 شاشات كبيرة يتوسطها تمثال، وهذه الشاشات كلها Animation في محاولة مني لنقل الأجواء التي تعيشها حديقة الأمة».
وعن محاولته نقل معاناة الشعب العراقي من خلال أعماله، يقول الفنان العراقي: «أنا أنقل إحساساً، بإمكان المعاناة أن تكون وراء انتاج عمل، لكن لدي هدف من وراء الضياع الذي أطلقته على عملي».
تجربة The Room السريالية...
لعل تجربة The Room حرية الطبخ، من أغرب التجارب التي يمكن أن يختبرها قاصد «الغرفة»، فالأطباق التي تحضَّر فيها مستوحاة من كتاب الطبخ للفنان الاسباني سيلفادور دالي Les Diners de Gala. مأدبة العشاء قُدمت بأشكال غريبة وسريالية. إلا أن ليس كل ما هو جديد قد يثير إعجاب المتذوق، وليس كل الناس مستعدين للخضوع للتجربة، إلا أنه لا يمكننا أن نصنف العرض بالعادي، بل هو بالفعل مثير للاهتمام ومميز. ويذكر أن هذه الأطباق قُدمت ضمن مشاريع «آرت دبي» و»أطفال أحداث».
مديرة معرض Art Dubai ميرنا عياد: نحاول أن نكون مرآة دبي المتنوعة
على هامش المعرض كان هذا اللقاء مع مديرة معرض Dubai Art التي تحدثت عن الدورة الحادية عشرة من المعرض وعن تجربتها الأولى كمديرة له...
- كنت صحافية تقومين بتغطية معرض Art Dubai على مدى عشر سنوات، ما الذي تغير اليوم بعدما أصبحت مديرة للمعرض؟
العين الانتقادية التي نكتسبها كصحافيين ساعدتني كثيراً، بالإضافة إلى المعلومات التي اكتسبتها على مدى عشر سنوات، واكتشفت أن هناك أوجه شبه بين كوني مديرة للمعرض، وبين العمل الصحافي الذي امتهنته وأبرز وجوه الشبه، الديبلوماسية، والإنصات الجيد. كما أنني ما زلت أعتبر نفسي أروي قصة، والناس هم أنفسهم، ولكن الأحاديث تغيرت، مثلاً لو التقينا العام الماضي لكنا قد تحدثنا وانتقدنا المعرض، واليوم ألتقي بك في المعرض لكنّ حديثنا مختلف. المعرض ليس غريباً عليّ، تعرفت عليه في العام 2007 بدورته الأولى، وكان حينذاك يضم 40 غاليري واستقطب 8000 زائر، فشهدت على ولادته وتطوره، وأشعر أنه معرضي، لا سيما أنني تربيت في دبي وكنت محظوظة في مواكبة التغيرات التي طرأت على الساحة الفنية، من خلال عملي الصحافي، لذلك لم أستغرب المعرض بما أنني تابعت مراحل تغير دبي أيضاً. وكأي مهمة في العالم، أتوقع أنه عند انطلاقة بذور الولادة الاولى للمعرض، كان اهتمامهم محصوراً بأن يكونوا من ضمن المعارض المهمة الموجودة على الساحة العالمية، ولكن الفكرة تغيرت ونضجت وتطورت، واليوم بعد مضي عشر سنوات وُلدت فكرة مختلفة، وبات من المهم لنا كمعرض أن نتعاون مع إمارة دبي وأن نكون مرآةً لها، وأن نضم ثقافات متعددة، وأن نكون ديناميكيين وابتكاريين كدبي. التنوع الذي نشهده في المعرض اليوم مهم لنا، وهي المرة الأولى التي تشارك فيها 43 دولة، إلى جانب الجنسيات التي يتجاوز عددها السبعين، ويمكننا أن نقول إن العالم في قلب Art Dubai، وفي الوقت نفسه يضم المعرض جزء غير تجاري، ومدرسة Campus Art Dubai، والفن التفاعلي والـGlobal Art Forum الذي نحركه قبل المعرض، ولدينا الـArtist Residency وهذا أيضاً يُقام قبل المعرض، وهذا العام بدلاً من أن تُعرض الأعمال الفنية في المعرض، نعرض بعضها في المدينة، بهدف تحريك دبي من ناحية الفن الثقافي، والمعرض أساسي جداً وصُنع في دبي من أجلها ومن أجل العالم.
- إلى أي مدى تغير الفن منذ انطلاقة المعرض في دورته الأولى حتى اليوم؟
ليس الفن وحده الذي تغير، بل الناس والهواة، وبالتأكيد نحن نتطور. لا يمكننا أن ننسى أن هذه الإمارة هي مركز اقتصادي وسياحي، أنا لبنانية ولكنني أعيش هنا منذ 35 عاماً، ولذلك أعتبرها بيتي وبلدي، ودبي بلد العديد ممن يقطنون فيها. في خضم الأزمة التي يشهدها العالم العربي، باتت دبي قِبلة سكان هذه الدول. أذكر كيف كان الجامعون يجمعون الأعمال في البداية، أما اليوم فباتوا يلتزمون الجلوس عند كل معرض، مثل الفنان محمد أفخامي الذي يجلس عند المتحف البريطاني، سلطان القاسمي وضع مؤسسته الخاصة، بارجيل للفنون وباتت مجموعته تجول في أنحاء العالم، من لندن وباريس إلى تورونتو، وكأن هذه المجموعة سفير يتحدث عن العالم العربي ولكن من المنطلق الفني. تغير الجامعون وكذلك دور العرض، لم يعد الغاليري يقتصر على عرض لوحة لفنان، بل امتدت نشاطاته إلى تنظيم ورشات عمل ونقاشات إلى جانب طريقة تقييم المعرض. ازداد عدد دور العرض والمؤسسات المشاركة، مثل مؤسسة الشيخة سلامة في أبو ظبي، معرض الشارقة للفنون وهو مستمر منذ فترة طويلة. في الوقت نفسه نشهد اهتماماً بالفن العربي والشرق أوسطي الذي يضم إيران وتركيا، والاهتمام لا يقتصر على المحلي، بل يمتد إلى الإقليمي والدولي.
- لماذا تعيش غالبية المشاركين العرب في أوروبا وأميركا؟
الحروب والأزمات الاقتصادية دفعتهم للهجرة إلى الخارج. وهو السبب نفسه الذي تركت من أجله لبنان، إذ سألتني سيدة ما إذا كانت دبي كالحلم الأميركي الذي يراود الناس، والذي من خلاله يجني المهاجر مليون دولار، فأجبتها يأتون إلى دبي لأنها بلد آمن ويستطيعون فيه الحصول على فرص عمل جيدة وعيش حياة مستقرة من ناحية الدراسة والعناية الطبية.
- لاحظنا أن هناك نسبة كبيرة من الشباب تشارك في المعرض، هل مشاركتهم تتيح لهم فرصة للاستمرار في ما بعد؟
لكي يشارك أي فنان في Art Dubai يجب أن يمثل أحد الغاليريات، لكن الجزء غير التجاري يجذب فنانين شباباً، وبالتالي نحاول أن نتيح فرصاً لهؤلاء الفنانين.
- هل تحاولون أن تعكسوا صورة مختلفة لما يصوّره الغرب عن العالم العربي؟
بالفعل، ولكنه ليس الهدف الوحيد، لدينا أكثر من معرض ونحاول أن نقدم صورة مختلفة. أعيش في دبي وأشكر هذه المدينة بجنسياتها المتعددة. الآن عندما أرى لوحة ايرانية أدرك معناها لأنني تعرفت على الثقافة الايرانية من أبناء هذه الجنسية الذين يعيشون في دبي، والأمر ينطبق على الباكستانيين وغيرهم... دبي أهدتنا فرصة التعرف على مختلف الجنسيات والثقافات بعيداً عن التمييز.
- أُقيمت حلقة نقاش في Global Forum Art حول الفنون المحلية والعالمية، وامتد الحديث ليطاول التمييز العنصري، كما لفتنا في أحد المعارض في السركال شخص سرد قصة حياة صحافي أبيض غيّر لونه ليختبر العنصرية، لماذا نبحث هذه القضية اليوم؟ وإلى أي مدى يعيش العالم هذه الحالة؟
لماذا نعيش هذه الحالة! أثق بأن لا أحد يستطيع أن يتحدث عن التاريخ كالفنانين. إذا أردتم الحقيقة فانظروا إلى الفن.
- لحظنا أن المرأة موجودة بقوة في المعرض وفي المجال المهني ككل في دبي.
بالفعل، كنت في أحد المؤتمرات في لندن، فأخبرتني صحافية ألمانية بأنها ترغب في الانتقال للعيش في دبي، وسألتني كيف تشعرين كامرأة؟ فأجبت: لا أشعر بشيء، كوني امرأة ليس موضوعاً للنقاش، بل تحوز المرأة فرصاً كثيرة.
- المعرض الذي تديرينه اليوم عالمي، إلى أي مدى يحمّلك مسؤولية؟
المسؤولية كبيرة ولكن ما أقوم به اليوم هو لأنني فخورة كوني من الشرق الأوسط، بعيداً عن الأزمات التي نعيشها، نود أن نلتفت إلى أنفسنا، ومن خلال الفن والثقافة نستطيع أن نرى أنفسنا.
- ما هي الخطوات المقبلة لتكون نسخة المعرض الجديدة أوسع وتشمل كل دول العالم؟
من المهم لنا كما ذكرت سابقاً أن نكون مرآة لدبي، ومن المهم لنا التنوع وأن نهتم بالجزء غير التجاري، فهذه مسؤولية. الثقافة والفن هما الطريق التي نسير عليها، قال Frederic Sicre المدير العام لمجموعة «أبراج»، في المؤتمر الصحافي عبارة أشعرتني بالقشعريرة، وهي «إذا أرادوا أن يبحثوا عن مدن مستدامة، فكيف لهذه المدن أن تستمر وتدوم وتتطور من دون الفن والثقافة!». ألا تعتقدين أنني لا أتضايق بعدما أجد كلاً من بيروت والقاهرة، اللتين كانتا مدينتي الثقافة والفنون بمختلف أنواعها وقد تراجعتا اليوم! ولكن من الجيد أن دعم الفنون والثقافة انتقل إلى دبي ولم ينتفِ نهائياً من عالمنا العربي.-
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024