تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ظاهرة زواج الأخت الكبرى أولاً تقلل من فرص زواج الأخت الصغرى

حسن مفارجة

حسن مفارجة

مها يوسف

مها يوسف

آمال خازم أبو العلا

آمال خازم أبو العلا

نور ومنى وعزيزة فتيات فاتهن قطار الزواج ليس لأنهن غير جميلات أو سيئات السمعة أو غير ذلك من الأسباب التي تقف عائقاً أمام زواج أي فتاة، ولكن السبب هو  تأخير زواج الأخوات الأصغر سناً من الأخت الكبرى التي لم تتزوج بعد، وهذا يستند الى الموروث الثقافي والاجتماعي الذي لا يزال سائداً في الشارع الفلسطيني ونلحظه بين الفينة والأخرى. وعندما تقدم العمر بهؤلاء الفتيات، قبلن بزيجات غير متكافئة، فإحداهن تزوجت من رجل مسن، وأخرى قبلت برجل عليل، والأخيرة اقترنت برجل متزوج وله أطفال. ولكن هذا لا ينطبق على غالبية النساء اللواتي عانين بسبب زواج الأخت الكبرى أولاً، فمنهن من بقين حبيسات جدران بيوتهن بدون زواج، لأن الأخت الكبرى لم يتقدم لها أي رجل للارتباط بها. 


لقاؤنا الأول كان مع «أم محمد» التي عانت الأمرّين بحيث كانت الأخت الكبرى في العائلة، وكان والدها يرفض تزويج أخواتها الصغيرات قبلها، فقررت الاقتران بأي عريس يتقدم لها من دون التحرّي عن أوضاعه حتى تتمكن أخواتها من الزواج، وتقول: «ما زلت أعاني من تبعات هذا الزواج، لأنني لست على وفاق مع زوجي، فهو بخيل جداً ويتمادى في ضربي وإهانتي، ما فعلته من اجل أخواتي كان لعنة حلّت على حياتي ولن أتخلص منها إلا بالموت».
أما سعدية وهي فتاة أخرى عاشت تجربة إجبارها على الزواج أولاً لأنها الأخت الكبرى في العائلة فقالت: «تعرضت للضرب بسبب رفضي لهذه العادات البالية، وكنت أطلب من أهلي أن يزوّجوا أخواتي الصغيرات، وألا ينتظروا زواجي، وفي نهاية المطاف وافق الأهل على مطلبي، وبعدما تزوجت أخواتي الأصغر سناً مني، تزوجت على الفور، وأنا اليوم سعيدة مع زوجي».

خطر
من جانبه أوضح الباحث في الفكر الإسلامي والتنمية البشرية حسن مفارجة انتشار ظاهرة زواج البنت الكبرى أولاً فيقول: «بالفعل، نجد في مجتمعنا الفلسطيني نسبة كبيرة من العنوسة، فبعض الفتيات تخطّين الستين عاماً، والسبب أن الأب كان يرفض أي عريس يتقدم للزواج ببناته الأصغر سناً من الكبرى، ويصرّ على عدم تزويجهن قبل أختهن الكبرى، وكانت النتيجة أن تقدمت البنت الكبرى في السن وكذلك أخواتها الصغيرات، فاضطرت اثنتان منهما للاقتران بزوجين أرملين، وذاقتا الأمرّين في تربية أولادهما من الزواج الأول».
ويضيف: «من الخطورة تأخير زواج الفتاة بسبب أختها الكبرى، بحيث تقل فرصها في الزواج المتكافئ، أو تصبح عانساً تضطر أحياناً للارتباط برجل طاعن في السن، فتصير خادمة له أكثر من كونها زوجة وسيدة منزل. وهذا الزواج غير المنطقي لا يشجّع عليه دين أو منطق، وغالباً ما تكون نهايته الفشل». 

اختلفت الأيام
وتقول الإعلامية مها يوسف: «سمعت الكثير عن عائلات رفضت تزويج أي من بناتها الصغيرات قبل البنت الكبرى، وفي إحدى العائلات كانت البنت الكبرى هي التي ترفض الزواج لأنها كانت مخطوبة ولم توافق على ترك خطيبها، ولكن الأهل كانوا يصرّون على تزويجها قبل الصغرى، وبالفعل كان يتقدم الكثير من العرسان للبنت الصغرى والأهل يستمرون في رفضهم، وبقي الأمر على ما هو عليه الى ان توفي الوالد، وكانت البنت الصغرى وقتها قد تخطت الثلاثين من عمرها، فتقدم لها عريس يكبرها بـ ٢٠ عاماً وتزوجته».
وتضيف مها: «ليس في الأديان ما يحض على تزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، وفي الماضي كانت الأسر تصر على تزويج البنت الكبرى أولاً خوفاً عليها من العنوسة إذا تزوجت قبلها أخواتها الأصغر منها سناً».
أما عن نظرة المجتمع والآثار النفسية التي تعانيها البنت الكبرى فتقول: «تعاني البنت الكبرى من نظرة المجتمع الفضولية والأحاديث الجانبية التي تدور حولها، فهي في رأيهم ستصبح عانساً، ولا أحد سيتقدم للزواج بها... ولو لم تكن تعاني مرضاً أو عاهة جسدية لما تزوجت أخواتها الصغيرات وبقيت هي بدون زواج. كما تعاني البنت الكبرى آثاراً نفسية بسيطة في حال تزوجت أخواتها الأصغر منها، وقد تزداد حالها سوءاً إذا لم تُكمل تعليمها أو لم تحظ بفرصة عمل، فالمجتمع من حولها يدقق كثيراً في هذه الأمور... هذا بالإضافة الى المواقف التي يتعرض لها الأهل إذ يمطرهم المحيطون بالأسئلة حول أسباب عدم زواج ابنتهم الكبرى».
وعن عرض البنت الكبرى للزواج أولاً، توضح مها: «لا أشجع أبداً هذه الخطوة، فهذه الأيام تختلف عن السابق، لأن العريس يختار العروس التي تناسبه. وأعتقد أن هذا التصرف يقلّل من شأن البنت الكبرى ويحط من قيمتها، فمن حقها أن توافق أو ترفض وحتى أن تُستشار، فهي ليست دمية في يد العائلة يحرّكونها كما يريدون وبما يتماشى مع العادات  والتقاليد، ففي هذه الأيام نالت الفتاة حريتها، وأصبحت ربما تفضل التعلّم والعمل على الزواج».

لم يرد في النصوص الدينية
تقول مدرّبة التنمية البشرية آمال خازم أبو العلا إن أياً من الأديان السماوية لم يدعُ الى زواج البنت الكبرى أولاً، وتؤكد: «لم يرد في أي من النصوص الدينية ما يحرّم زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى، كما أن اشتراط بعض الأسر زواج البنت الكبرى مخالف للشريعة الإسلامية، وأن الأب الذي يحول دون زواج ابنته الصغرى لهذه الأسباب هو آثم، لأن الخالق سبحانه وتعالى أناط استمرار النوع البشري بالتزاوج، وعلى الإنسان أن يرضى بما قسمه له الله، ولا بد من أن يكافئه على صبره».
وعن نظرة الأهل والمجتمع الى زواج الكبرى أولاً، توضح آمال: «في السابق، كانوا ينظرون الى الفتاه الكبرى التي لم تتزوج نظرة سلبية، ويطلقون عليها لقب «عانس»، والذي قد يرافقها طوال حياتها، مما يعرّضها لضغوط من المجتمع والأهل والأقارب، فتسوء حالتها النفسية وتتأرجح بين خيارين، فإما أن تنطوي على ذاتها وتصبح شخصيتها سلبية فترفض أي تغيير أو تجديد، أو تقبل الزواج بأي رجل تصادفه في حياتها، غير مكترثة لعامل التكافؤ الذي هو أساس الزواج الناجح، وكل ذلك من أجل الهرب من الواقع الصعب الذي تعيشه».
وتتطرق أبو العلا في حديثها الى مساوئ الزواج المبكر فتقول: «في الواقع، يفوق الزواج المبكّر، زواج الأخت الكبرى صعوبةً، إذ يُعد من أهم الأسباب التي تؤدي الى المشاكل الصحية والاضطرابات النفسيّة التي تواجهها الفتاة، ذلك أنّ زواجها في سن صغيرة يجرّدها من حقوقها، كأن تعيش مراحل عمرها الطبيعيّ كباقي قريناتها، وتتلقى التعليم المناسب، وبدلاً من تمتعها بهذه الحقوق تُلقى على عاتقها مسؤولية المنزل والزوج، وتحمل أعباء تفوق قدرتها، فتكتئب وتحقد على المجتمع الذي تعيش فيه».
وتضيف: «الزواج المبكر يصيب الفتاة بأمراض، كما أن حملها في سنٍ صغيرة يسبب لها الكثير من المشكلات، كفقر الدم، والإجهاض المتكرر بسبب عدم اكتمال نمو رحمها... وقد لا تحسن التصرّف مع طفلها الرضيع الذي أصبحت له أماً بشكلٍ مفاجئ، كما قد تعاني مشكلات عدة مع زوجها وأهله لجهلها بكيفية التعامل معهم بأسلوب لائق وصحيح، لانعدام خبرتها في الحياة. والأهم من ذلك ان زواج الفتاة المبكر يعرّض أهلها وزوجها للمساءلة القانونية، لأنّه على الأرجح لن يُسمح بتوثيقه في السجلات المدنية».
وبحكم عملها كمدربة تنمية بشرية، ترى آمال أبو العلا أن من الضروري حفظ مكانة المرأة في المجتمع، وتوجيهها لطلب العلم والتقدم وبناء ذاتها، فنحصل على مجتمع ناجح أساسه الأسرة الطيبه، المبنية على المودة والرحمه بعيداً عن التقيد بالعادات والتقاليد التي لا تقدم ولا تؤخر».

أمور نهى عنها الشرع
ويبقى لإمام وخطيب مسجد سردا الكبير، محمد ربعي رأيه المخالف للجميع إذ يقول: «لم أسمع منذ زمن بعيد بزواج الأخت الكبرى أولاً، باستثناء قصص نادرة كان يتناقلها آباؤنا وأجدادنا، وكانت ظروف الحياة تلعب دوراً في ذلك... ورأي الدين واضح في هذه المسألة، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم) «إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، فهذا الحديث النبوي الشريف يتيح للشاب وكذلك الفتاة حرية الاختيار، شرط أن تكون العلاقة جيدة مع الخالق والمجتمع... وبالتالي كل النصوص الدينية تدل على أهمية الزواج ولا تفرّق فيه بين الفتاة الكبرى والفتاة الصغرى».
وعن سبب إصرار الأهل في السابق على زواج البنت الكبرى أولاً، يقول: «انعدام المعرفة بأصول الشرع، والتقيد بالعادات والتقاليد المجتمعية، ورفض تزويج الفتيات الأصغر من البنت الكبرى... كلها أمور نهى عنها الشرع، لا بل جعلها تحت مسمّى «عضل الأولياء للمرأة وعدم تزويجها مع تقدم الكفء لها ورضاها به»... قال الله تعالى: «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف»، مما يشير إلى ان هناك معصية في حق الله ورسوله، وفي حق المرأة بمنعها من الزواج بمن هو كفء لها، وخطيئة بحق الخاطب بمنعه من حقه، فانتظار تزويج الكبرى لا يسوّغ الامتناع عن تزويج الصغرى، بل على العكس فإنه يسعى إلى تفويت الفرصة عليها».
أما عن الآثار النفسية التي قد تنجم عن عدم زواج الأخت الكبرى أولاً، فيوضح: «تترتب على عدم زواج البنت الكبرى أولاً آثار نفسية وانزعاج، خصوصاً من جانب الوالدين، فعندما تتخطى الفتاة سن الزواج وتشعر بأنها تحمل لقب «عانس» فذلك يعرّضها هي وأسرتها لحالة من الإحباط، وتصبح فرداً غير فاعل في المجتمع، وقلّما نجد «عانساً» تتمتع بحياة طبيعية مقارنة بغيرها من المتزوجات، حتى وإن كانت ناجحة ومتفوقة في عملها... فهي قد تعاني الوحدة، وتصبح انطوائية رغم كثرة الناس من حولها، لذلك لا بد من تقوية العامل الأخلاقي والتربوي والديني لدى أفراد المجتمع للتغلب على هذه الظاهرة الخطيرة».
ويضيف: «ثمة عوامل أخرى تشجع على انتشار هذه الظاهرة، وأهمها الحالة الاقتصادية المتردية، التي تجعل الشبان يُحجمون عن الزواج، بالإضافة إلى عدم الرغبة في تحمل المسؤولية، والإحباط العام، وفقدان الشعور بالأمن والثقة في المستقبل، ومشكلة السكن، وندرة فرص العمل... وفي المقابل، تمتنع بعض الفتيات عن الزواج بسبب المفاهيم الخاطئة والأفكار المثالية سعياً وراء الأمل المنشود وفارس الأحلام، الذي قلّما نجده في الواقع، فكم من فتاة ندمت أشد الندم على فوات شبابها، لذا على الفتاة أن تتحلّى بصفات التعقل والتشاور والموازنة بين المصالح والمفاسد والتركيز على توافر صفة الدين والخلق في الشاب المتقدم لخطبتها».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079