كلف نمش دبوغات...
البشرة الصافية النقية هي معيار للجمال... بيد أنه في الكثير من الأحيان، قد نلمح دبوغات أو تصبغات بنية اللون. هي بقع مختلفة الأسباب، والجامع بينها هو «التشوّه الجمالي» الذي يزعج العين. كلف، نمش، بقع شيخوخة، تصبغات جلدية نتيجة الشمس، حساسية على العطر أو على الأدوية... كلّها تخلّف بقع على البشرة، أغلبها في الوجه وعلى اليدين وفي منطقة الصدر، بسبب التعرّض المباشر لأشعة الشمس.
لكن تجدر الإشارة إلى أنّه ليست كلّ دبغة علامة مرض جلديّ خبيث، وليست كلّ البقع مماثلة من حيث العلاج حتى، بل يجب تشخيصها عند الطبيب المختصّ للحصول على النتيجة المُرضية. عادةً ما يبغي المرء سُحنة مثالية خالية من الشوائب، لذلك عندما يلحظ تلوّناً مختلفاً في بشرته، غالباً ما ينفد صبره في محاولة العلاج، فيلجأ أحياناً إلى تقنيات أو مستحضرات غير مدروسة، من شأنها أن "تزيد الطين بلّة"، بمعنى أن تفاقم المشكلة. لكن، يجب الصبر والإستماع إلى إرشادات الطبيب المعالج، والمواظبة على العلاج، حتى إبّان التماثل إلى الشفاء.
مهما علق المرء في دوّامة الحياة المعاصرة بنمطها السريع، عليه أن يكرّس وقتاً للعناية ببشرته، كونها حسّاسة وعُرضة لشتى الشوائب التي قد تصيبها من مختلف العوامل الخارجية وحتى الصحّيّة. العناية الصحيحة هي في المواظبة على تنظيف البشرة وإستخدام المستحضرات والكريمات الملائمة لنوعية الجلد. ويجب أيضاً إستشارة طبيب مختصّ مداورةً للحصول على تشخيص سليم لحالة البشرة. لكن في بعض الأحيان لا تكفي الوقاية، بل تكون المشكلة أكبر أو متشعّبة، فتحتاج إلى علاج. وأبرز مثال هو وجود بقع بنية على الوجه أو اليدين. وقد يحصل ذلك لاسباب مختلفة، وتحتاج البقع بالتالي إلى عناية وعلاج. فلا يجوز إهمالها لأنها لن تذهب من تلقاء نفسها.
تتحدث الدكتورة لينا دكر مطر، إختصاصية أمراض جلدية وزهرية، عن مختلف البقع البنية التي تظهرعلى البشرة مفسّرةً أسبابها وسبل العلاج المستعملة. كما يتطرّق السيد عادل وهبي، إختصاصيّ صيدلة، إلى الشق المتعلّق بالعلاج الموضعي والكريمات، وفقاً لإرشادات الطبيب. ترى الدكتورة مطر بدايةً أنّ "إستعمال واقي الشمس أمرٌ لا مفرّ منه على مدار السنة، كونه يحمي البشرة ويحصّنها لدى التعرّض للعوامل الخارجية المؤذية التي قد لا تظهر كذلك للناس". ومن جهة أخرى، تشدّد على "وجوب إستخدام مستحضرات مقشّرة وكريمات طبّيّة بحتة، لأنّ تلك التجارية منها مؤذية للبشرة، وقد تخلّف بقعا أو دبوغات وحتى أخاديد".
ويؤكّد وهبي، من جهته، أنّ "كل المستحضرات التي تُباع في الصيدليات تخضع لإشراف طبّي في مختبرات علمية، وهي متنوّعة لتلائم نوعيّات البشرات المختلفة، والحالات الطبية المحدّدة. فلا يجوز بالتالي الإختيار بحسب الإعلان أو التسويق التجاري، وإنما يجب إستشارة الطبيب أو حتى الصيدليّ لإختيار الأنسب".
الكلف
تقول مطر: "بادئ ذي بدء، لا بدّ من التنويه إلى أنه يجب التفرقة بين البقع البنية الناتجة عن الكلف وتلك الناتجة عن أسباب أخرى، إذ يختلف التشخيص وبالتالي العلاج والروتين الوقائي أيضاً". أمّا الكلف Chloasma ، "فيظهر بسبب تغيّرات هرمونية في الجسم، مثل فترة الحمل أو إنقطاع الطمث، أو جرّاء تناول حبوب مانعة للحمل. كما أنّ التعرّض بكثافة لأشعّة الشمس يؤدّي إلى ظهور علامات الكلف أيضاً، إضافةً إلى عامل الوراثة والبشرة السمراء". ويمكن أن يظهر الكلف ما بين سن العشرين والستين، بشكل بقع بنية داكنة بحدود غير منتظمة تظهر على الجبهة والوجه والخدين والأنف وعلى الرقبة، وتزداد بعد التعرض للشمس.
علاج الكلف: تؤكّد الدكتورة مطر أن "لا علاج نهائياً مضموناً 100% لمشكلة الكلف، بل إنّ فترة العلاج طويلة ويجب المواظبة عليها. يمكن إستخدام أدوية وكريمات لتنظيم إنتاج الميلانين في الجلد، لكن كلّما تأخرنا في بدء العلاج إستغرق الأمر وقتاً وجهداً أكثر. فالخلايا داخل الجلد عندها قدرة على إنتاج الميلانين، كما عندها ذاكرة لإعادة إنتاج البقعة عند معاودة التعرّض للشمس. فالعلاج إذاً دائم وسنويّ. ففي الشتاء، يتمّ إستخدام أدوية قويّة لتنظيم الميلانين، وفي الصيف، يُستعمل واقٍ من الشمس ذو مؤشر عالٍ وتكون العلاجات أخف، للمحافظة على نتائج الشتاء. أما الطريقة الثانية، فهي التقشير Peeling الذي يعطي نتائج مُرضية. وهو يتمّ مرّة كلّ ثلاثة أشهر. بعدها، يجب إستعمال كريمات وواقٍ من الشمس صيفاً، ويُعاوَد التقشير مرّة سنوياً في الشتاء. أمّا الحلّ الثالث، فهو الليزر الذي يعطي نتائج مماثلة للتقشير، لكن في وقت أقلّ وكلفة أعلى بكثير".
بقع بنية مختلفة
توضح الدكتورة مطر أنّ "البقع البنية المختلفة عن الكلف قد تكون عبارة عن نمش Freckles ، وتكون عندها بقعاً لونية بنية صهباء، قطرها لا يتجاوز الخمسة مليمترات، تظهر على بشرة فاتحة اللون. وهي غالباً تعود لأسباب وراثية، عند أشخاص مهيئين جينياً. وتبدأ الظهور ما بين السنة الثانية والسنة الرابعة من العمر. كما تظهر عند المراهقين بعد التعرّض للشمس، ليزداد عددها ومساحة انتشارها، وتنتشر بشكل رئيسي في المناطق المكشوفة من الجسم الذي يتعرض للشمس". وبعض الأشخاص يعتبرونها غير جمالية والبعض الآخر لهم رأي مختلف. تضيف مطر: "بعض الدبوغات هي بقع شيخوخة Senile spots، تظهر على الوجه واليدين، عند النساء والرجال، وتزداد مع التقدّم في العمر. ويلعب العامل الوراثي دوراً كبيراً في ظهورها". أمّا البقع الأخرى، فقد تكون ناتجة عن إستعمال العطور أو المواد المعطّرة.
إذ غالباً ما يشكو بعض النساء والرجال، من ظهور مفاجئ لبقع داكنة غير جمالية على البشرة، في المناطق المكشوفة للشمس، لا سيما على الرقبة. فتكون نتيجة حساسية أو تفاعل ما بين العطر وأشعّة الشمس. يقول وهبي: "يمكن أن يؤدّي تناول دواء معيّن إلى زيادة تصبّغ الجلد، خاصةً في الأماكن المكشوفة للشمس، فتنجم عنه بقع داكنة غير جمالية. لذا، يجب التنبه إلى ضرورة عدم التعرّض للشمس عند إستعمال أيّ دواء، إلاّ بعد قراءة النشرة الموجودة داخله أو إستشارة الصيدلي". فالحساسية الجلدية تجاه الدواء تسبب دبوغات صعبة العلاج Post Inflammatory Hyperpigmentation. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه البقع، بإختلاف تسمياتها ومسبباتها، لا تؤلم ولا تسبّب الحكاك، بل هي ببسطة شوائب غير جمالية.
بقع خبيثة
تقول الدكتورة مطر إنّ "البقع البنية المذكورة هي حميدة ولا تسبّب المرض. لكن يمكن أن تتحوّل دبغة بنّية إلى بقعة خبيثة تُعرف ب Pre cancerous Lesion وتُسمّى Dubreuil Melanoma. تكون هذه البقع على الوجه وعلى ظهر اليدين وفي منطقة الصدر. ويكون شكلها لافتاً للنظر ليشخّصها الطبيب المختصّ، فهي لا تشبه سائر البقع البنية باللون والشكل، بل تكون من عدّة ألوان وتظهر في منطقة واحدة من الوجه مثلاً ولا تكون ملساء. وفي حال ظهور بقع مماثلة، لا بدّ من مراقبتها بواسطة Dermoscope لفحصها، وهي آلة مثل القلم، تفحص مختلف الشامات الموجودة على الجلد. ولا بدّ من أخذ خزعة وفحصها مخبرياً، قبل حرق البقعة أو إستئصالها جراحياً. وهي تستدعي المتابعة دورياً".
أهمية الوقاية والمتابعة
يقول وهبي: "من المهمّ أن يستعمل الإنسان ما يناسب بشرته على مدار السنة، تفادياً للمشاكل والأمراض الجلدية التي يمكن أن تتفاقم في ظلّ الإهمال. إذ إنّ المستحضرات والكريمات الطبية موجودة في الصيدليات لتسهيل العناية اليومية. وهذا لا يُغني عن إستشارة طبيب أمراض جلدية ولو مرّة سنوياً للمتابعة والوقاية". يضيف: "من جهة أخرى، إنّ للشمس مساؤى جمّة وأخطاراً جسيمة، فلا بدّ من إستخدام واقٍ ذي مؤشر عالٍ للحماية، صيفاً وشتاءً. إذ إنّ السطوح العاكسة للأشعة والحرارة العالية وحتى موجات المايكرويف وضوء مصباح التوفير داخل المنزل، من شأنها أن تنعكس سلباً على البشرة، خاصةً للمصابين بالكلف". كما يجدر التحذير دوماً من عدم تجربة دواء من دون الإستناد إلى وصفة طبيب، تلافياً للمضاعفات.
ومن المستحسن الإمتناع عن رشّ العطور مباشرة على البشرة والتعرّض بعدها للشمس.
تختم الدكتورة مطر: "من المهمّ إتباع كلّ توجيهات الطبيب وإستخدام العلاجات المناسبة لفترات قد تكون طويلة. لكن عندما يفهم الشخص نوعية المشكلة التي يعانيها وأسباب ظهورها وتفاقمها وسُبل الوقاية منها، يتفاعل مع طبيبه لإنجاح العلاج بصورة أفضل".
علاجات متنوّعة: تستطرد مطر: "في ما خصّ البقع البنية الأخرى كلّها، تكون العلاجات إجمالاً مماثلة، إذ يمكن حرقها بLiquid Nitrogen في جلسات تستغرق كلّ واحدة منها 3 إلى 5 دقائق، كما يمكن الإستعانة بجلسات الليزر مرّة شهرياً للحصول على نتائج رائعة". وأما في ما خصّ الدبوغات الناتجة عن حساسية تجاه دواء أو تفاعل العطر مع الشمس، فيكون العلاج متدرّجاً وخفيفاً، كي لا تعاود البشرة الإلتهاب Post Inflammatory Hyper pigmentation بعد تقشير عميقٍ مثلاً أو حرق. أمّا عند الخضوع لجلسات الليزر، فيجب مراعاة عدم التعرّض للشمس بعدها، وعدم الإسمرار قبلها، لأنّ الليزر يعمل على التصبّغ، فلا يجوز حرق البقعة والجلدة معاً. ويلفت وهبي "إلى عدم وجود كريمات أو مستحضرات لإزالة اللون في ما يتعلّق بالبقع البنية، بإستثناء الكلف الذي يوصف له كريمات مبيّضة وريتين أ".
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024