الأمهات الصغيرات: طفلات يربّين أطفالاً
الأمهات الصغيرات ظاهرة قديمة متجددة في مجتمعنا العربي، فلطالما كانت تُزوَّج الفتيات في عمر صغير جداً بحجة سترهن وتأمين مستقبلهن والخلاص من همهن، خصوصاً إذا كن يعشن ظروفاً اجتماعية صعبة. كأن الفتاة إذا كبرت في منزل أهلها وتعلمت ونضجت سيضيع مستقبلها أو ستأتي بفاحشة، بدلاً من أن تتعلم وتتثقف وتتمكن من تربية أولادها تربية صالحة.
الأمومة المبكرة تعرّض الفتاة لأزمات عدة، سواء على الصعيد الصحي أو الاجتماعي أو النفسي، فهي عندما تتزوج في عمر صغير جداً يكون جسدها غير ناضج وغير مؤهل للحمل والإنجاب، كما تكون تفتقد المعرفة والخبرة في تربية الأولاد وإدارة المنزل وحتى التعاطي مع الزوج... فهي بدايةً، تفرح بالفستان والذهب والغنج والدلال لتُفاجأ أو تُصدم في ما بعد بواقع مختلف لا تعرف عنه شيئاً.
كيف تربي الطفلة الأم أطفالها وهي لا تزال بحاجة الى تربية ورعاية، وبأي خلفيّة تعلّم جيلاً جديداً وتربيه وهي لم تكمل تعليمها أو تكسب خبرة تؤهلها لهذا الدور!! وكيف تحمي منزلها وتديره وهي بحاجة الى من يحميها ويدير شؤونها؟! كيف ترعى طفولة ابنها وهي التي حُرمت من طفولتها؟
الأمهات الصغيرات، كيف يربين أطفالهن وهن في عمر الطفولة، وما الصعوبات التي واجهنها عند تحقيقهن أمومتهن، بماذا شعرن وكيف تجاوزن محنتهن؟
مجلة «لها» التقت العديد من الأمهات الصغيرات واطلعت منهن على تفاصيل معاناتهن مع الأمومة المبكرة، وكان هذا التحقيق.
سمر كرمب الرفاعي: أبكي كلما بكت طفلتي
تزوجت سمر رفاعي في عمر الثالثة عشرة، وكانت حينها سعيدة بالعرس والفساتين والذهب وبيتها الخاص، فلم تفكر بتبعات الزواج ومسؤوليته، بل فكرت بما لم يكن لديها وستحصل عليه بمفردها، هي التي كانت تعيش مع أربعة عشر شقيقاً وشقيقة في منزل متواضع. تقول سمر: «أنجبت أمي 21 ولداً وبقي منهم 14 بعدما توفي الباقون، كان كل همها تزويجنا للتخلص منا ومن مسؤوليتنا. خلال شهر واحد، تمت خطوبتي وزواجي، وبعد ثلاثة أشهر حملت بطفلي البكر، وبعد ولادته بـ40 يوماً حملت بالطفل الثاني، لم أكن أعرف شيئاً عن الحياة الزوجية، كما لم أجد أمامي من يرشدني أو يساعدني، فقد كان أهلي يسكنون في الضيعة وأنا في المدينة والمسافة بيننا طويلة جداً. عانيت كثيراً مع ابنتي البكر وتعذّبت خلال الحمل والولادة، وواجهت مشاكل صحية ونفسية عديدة لأنني كنت بالغة حديثاً».
كانت سمر طفلة بكل معنى الكلمة، لا تعلم شيئاً عن الأولاد والولادة، ولا عن أسلوب التعاطي معهم، لذا كانت كلما بكت طفلتها تبكي معها ولم تكن تعرف ماذا تفعل كي تسكتها أو ترضيها، حاولت أن تتعلم من بعض الكتب كما تقول، فاشترت كتباً ومجلات عدة تُعنى بتربية الأطفال، وحاولت قدر المستطاع التعلم من طبيبها كيفية الاهتمام بطفلتها وتغذيتها. تتابع سمر: «في المستشفى وعند الولادة، لامني الطبيب على زواجي المبكر وقال لي إن جسمي ما زال غير مؤهل للحمل والولادة، وعلمني كيف أهتم بطفلتي وأحمّمها وأرضعها... ولم أخرج من المستشفى إلا بعد أن خضعت لفترة تدريبية على الاعتناء بها، وعلى رغم ذلك، شعرت بأني أجهل أموراً كثيرة عن تربية الأطفال، وكلما كانت طفلتي تبكي كنت أبكي معها».
لا تنكر سمر أن جميع من كان يراها كان يسألها عن سنها ويلومها على زواجها المبكر، وأنها بعد أن أنجبت ولدها الثاني تعذبت أكثر، إذ كانت طفلتها الأولى لا تزال صغيرة جداً وباتت كمن يربي توأماً بسبب تقارب عمرهما. لقد حاولت التعلم من تجاربها ومن الناس ومن طبيب الأطفال، ومع الوقت، كما تقول، نجحت وتجاوزت محنتها، وأنجبت ولدين آخرين حتى بات لديها 4 أولاد.
سمر اليوم، عمرها 28 عاماً وابنتها في عمر الـ14 عاماً، وهي نادمة كثيراً لأنها تزوجت في عمر مبكر جداً، تضيف سمر: «لم أكمل تعليمي، لم أرَ شيئاً من الحياة، ولم أعش طفولتي كما يجب، وأشعر بأن زوجي رباني أكثر من أهلي، فللزواج المبكر سلبياته وإيجابياته، ولكن سلبياته أكثر من إيجابياته، وربما الإيجابية الوحيدة له أننا نكون في عمر الصبا مع أولادنا،
نتمتع بالحياة معهم أكثر». لا تنصح سمر ابنتها بالزواج المبكر وتدعوها للاهتمام بدراستها أولاً، على رغم أن ابنتها حالياً تفكر بالارتباط في هذا السن وتحاول تأجيل الزواج الى حين انتهائها من الدراسة، قد تنجح بالصمود وقد لا تنجح، المهم أن والدتها الى جانبها ولن تدعها تكرر الخطأ الذي وقعت به هي، كما تقول سمر: «لن أعيد التجربة مع ابنتي وأنصحها بالحصول على شهادة جامعية أولاً، وبعدها فلتفعل ما يحلو لها».
دانيا حمود: أجهضت 6 مرات بسبب ضعف جسمي
أحبت دانيا حمود زوجها في عمر السادسة عشرة، وعاشت معه قصة حب جميلة، وهذا ما دفعها الى الزواج والأمومة المبكرين نوعاً ما، فهي وبعد زواجها بفترة قصيرة، حملت وتعرّضت 6 مرات للإجهاض قبل أن تنعم بالأمومة، وذلك بسبب ضعف جسمها وعدم نضوجه. تقول دانيا: «عشت قصة حب في عمر صغير وتعلقت بزوجي كثيراً وتزوجته في عمر الثامنة عشرة. بعد الزواج، عانيت كثيراً بالحمل وأجهضت 6 مرات وتعبت جسدياً ونفسياً وبات لدي خوف وقلق من كل شي، ولما أنجبت ابنتي البكر فرحت كثيراً بأمومتي وبكيت من شدة الفرح، ولم أدع أحداً يمسكها أو يقترب منها، حتى والدتي منعتها من حملها. تعذبت كثيراً معها وكنت مربكة لا أعرف كيف أتصرف، وفي الوقت نفسه كنت أخاف أن يقترب أحد من طفلتي ويؤذيها، عانيت بمفردي وحاولت تعليم نفسي بنفسي، فوالدتي امرأة عاملة وحماتي متوفاة ولا أخوات فتيات لدي، عشت حالة صعبة جداً، كنت أرتبك جداً كلما بكت طفلتي وأبكي وأصرخ معها لأنني لم أكن أعرف ما الذي أفعله لكي تسكت، كما كنت كلما زاد بكاؤها أركض بها إلى الطبيب أو المستشفى لأطمئن على حالتها، لم أكن أشعر بالأمان ولا بالاستقرار مع طفلتي البكر كما شعرت بهما مع الولد الثاني والثالث لأنني كنت أفتقد الخبرة والوعي.
دانيا غير نادمة على زواجها المبكر، لكنها تعترف بأنها لن تدع ابنتها تكرر تجربتها، لأنها كانت صعبة ومريرة، وأن الأم الناضجة أفضل بكثير من الأم الصغيرة على جميع الأصعدة، الصحية والنفسية والاجتماعية والتربوية، فالطفلة لا يمكنها أن تربي طفلة وكلاهما تحتاجان الى الرعاية والاهتمام.
رويدا عتريسي: عدم نضوج جسمي أفقدني الجنين
في عمر السادسة عشرة، تزوجت رويدا عتريسي ابن خالتها بعدما طلبتها والدته للزواج وبارك والدها هذه الخطوة، فالزواج المبكر بالنسبة الى والدها أمر طبيعي وهو سبق أن زوج أختها في السن نفسها. تضيف رويدا: «كنت ما زلت في المدرسة عندما طلبتني خالتي لابنها، يومها أرادت أن نتعارف كزوجين ووافق والدي وخطبنا مدة ستة أشهر وأحببنا بعضنا وبعدها تزوجنا. خلال فترة الخطوبة، شعرت بتغير في حياتي، على رغم فرحتي بالخطوبة وأجواء الاحتفال وفي ما بعد بالزفاف والاهتمام، أحسست بأن شيئاً ما بات يحد من حريتي وتصرفاتي كمراهقة، كنت طفلة وأكملت طفولتي ومراهقتي في بيت زوجي».
حملت رويدا بعد زواجها فوراً، لكن جسمها الصغير وغير الناضج لم يستطع الحفاظ على الجنين فأجهضت في الشهر الثالث، تزيد رويدا: «نصحتني الطبيبة بالتريّث والانتظار سنتين كي أنجب ريثما يكتمل جسمي ويصبح قادراً على الحمل والولادة، فعملت بنصيحتها وانتظرت حتى أصبحت في عمر الثامنة عشرة وحملت، في البداية انزعجت وشعرت بالقلق والضيق وبتغيرات كبيرة في جسدي، وعندما أنجبت ابنتي البكر خفت ورفضت حملها والاهتمام بها، كانت والدتي تقوم بهذه المهمة، حتى أنها كانت تحملها عني حين أطعمها، كنت أرضعها فقط ووالدتي تقوم بالمهمات الباقية». تعترف رويدا بأنها كانت صغيرة وليست لديها الخبرة الكافية والجرأة للاعتناء بالأطفال الخدج، لذلك تولت والدتها هذه المهمة عنها وربت أولادها الثلاثة.
ترى رويدا أنها لو أنجبت بعمر أكبر لكانت أنضج وأكثر خبرةً بالتعاطي مع أطفالها وبكيفية الاهتمام بهم، والدليل أنها شعرت بالفرق في التربية ما بين الولد الأول والولد الأخير، فمع ابنتها الأولى كانت خائفة ومتوترة ولم تستطع الاهتمام بها قبل أن تبلغ عمر السنتين، كما أنها كانت تدقق معها في تفاصيل كثيرة وتقيدها بالحركة والتصرف والكلام، أما الولد الأخير فربته بحرية أكبر وتركته يعبر عن نفسه. تعترف رويدا بأنها شعرت بلذة الأمومة عندما كبرت أكثر من ذي قبل، فهي الآن بعد 11 سنة زواج أكبر وأنضج وأكثر خبرة في أمور كثيرة، ولديها رؤية مختلفة عن السابق.
رويدا ليس نادمة لأنها تزوجت في عمر مبكر، إلا أنها ترفض تزويج ابنتها بسن 16، كما لا تنصح أي فتاة بالزواج في هذه السن، وتختم حديثها بالقول: «أنصح الفتيات بأن يعشن عمرهن ويكملن دراستهن ويحصلن على الشهادة الجامعية أولاً، وبعدها يفكرن بالزواج لأن هذا أفضل وأضمن لهن ولمستقبلهن».
ديالا المهتار: كنت ألعب بطفلي «بيت بيوت» مع رفيقاتي
ديالا مهتار سيدة اختصرت مراحل حياتها وتجاوزت طفولتها ومراهقتها لتصبح أماً في الرابعة عشرة من عمرها، فهي وبعد أن عاشت ظروفاً اجتماعية صعبة، اضطرت للزواج في عمر الثالثة عشرة. تقول ديالا :«أبي وأمي منفصلان وكنت أعيش عند جدتي بسبب زواج كل منهما بعد طلاقهما، لم أستطع متابعة تعليمي بسبب الضغط النفسي الذي كان يُمارَس علي من المعلمين في المدرسة، ضرب وإهانات وطلب حضور الأم الغائبة من حياتي، ما اضطرني لترك المدرسة».
كان الزواج بالنسبة الى ديالا مجرد حفلة ورقص كما تقول، وهذا ما فهمته من جدتها وخطيبها، لم تكن تعلم تبعات هذا الحفل وما يترتب عليه من مسؤوليات، خصوصاً أنها ظلّت تسكن مع جدتها بعد زواجها، لأن الجدة كانت تريد رعاية حفيدتها الطفلة وإبقاءها تحت نظرها، وأيضا لأنها بحاجة الى رجل في البيت يحميه ويرعاه بعد فقدانها زوجها. تفاجأت ديالا بمتطلبات الزواج وشعرت بالمسؤولية، وهي الطفلة التي كانت تجهل كل شيء عنه.
تقول ديالا: «كان جسمي ضعيفاً وغير مكتمل وحوضي صغيراً، ما ألزمني الفراش أشهراً عدة الى حين ولادتي. فرحت كثيراً عند ولادتي، وشعرت بأن لعبة جديدة جاءتني، وبتّ أدعو رفيقاتي للعب بها كلما سمحت لي الفرصة، كنا نضع البودرة على طفلي ونملأ أذنيه وعينيه ونحمله من واحدة الى أخرى، وفي إحدى المرات سألتني جدتي لماذا ابني كله «بودرة» فأجبتها بأنني كنت ألعب «بيت بيوت» مع صديقاتي به، يومها منعتني نحو 7 أشهر من الاقتراب إليه، وباتت هي تهتم به. كنت طفلة لا أفهم شيئاً عن الأطفال وتربيتهم، كما كنت بحاجة الى من يهتم بي.
تعترف ديالا أن هناك فرقاً شاسعاً في التربية والتصرف ما بين الأم الطفلة والأم الناضجة، وقد التمست هي هذا الفرق ما بين الولد الأول والولد الثاني والثالث... حتى بات لديها ثمانية أولاد. لم تندم ديالا على زواجها المبكر، لكنها تعترف بأنها لم ترَ من الحياة شيئاً سوى عائلتها وزوجها، وأنها تمضي حياتها في خدمة هذه العائلة، هي فرحة بعائلتها وتشكر ربها على إعطائها هذه النعمة، وتتابع: «صحيح أنني حُرمت من التعليم والتمتع بطفولتي ومراهقتي، إلا أن ربي عوّضني بزوج جيد وعائلة جميلة وهذه أكبر نعمة».
نبيلة الخطيب: ظلمت نفسي بالزواج المبكر
الظروف الاجتماعية الصعبة كانت سبباً رئيسياً لزواج نبيلة الخطيب في عمر مبكر، فانفصال والديها عن بعضهما ووفاة والدها بعد ذلك وهي في عمر العشر سنوات وكثرة عدد أفراد عائلتها البالغ ثمانية أخوة وأخوات، ذلك كله دفعها كما دفع إخوتها الى الزواج المبكر. تقول نبيلة: «كنا نريد أن نتخلص من الوضع الذي نعيشه، فإخوتي ربونا ووالدتي تزوجت بعد انفصالها عن والدي، وعلى رغم بقائها معنا أردنا الزواج لنستقل ونستقر».
تزوجت نبيلة في عمر السادسة عشرة من دون أن تفكر بالمسؤولية الكبيرة التي تنتظرها، خصوصاً أنها لم تكن ناضجة ولم تكن لديها الخبرة الكافية في إدارة شؤون المنزل وتربية الأولاد. هي تعترف بأنها عانت في الفترة الأولى لزواجها من مشاكل مع زوجها لهذا السبب، ولولا وقوف حماتها إلى جانبها ودعمها لها لما استطاعت تجاوز هذه المشاكل. حملت نبيلة بعد ثلاثة أشهر من زواجها ولم تكن تعرف ما هو الحمل وما عليها فعله خلال هذه الفترة، كانت تسأل شقيقتها التي كانت ترشدها كيف يجب أن تتصرف، حتى أنها لم تقصد طبيباً نسائياً ليتابع حالتها وحالة الجنين إلا بعد مرور ثمانية أشهر على حملها، وهي زارت الطبيب فقط بهدف معرفة المكان الذي يجب أن تلد فيه، وكانت تعتمد هذا الأسلوب في كل حمل. تلفت نبيلة: «واجهت مشاكل كبيرة في البداية بسبب جهلي وعدم خبرتي في تدبير المنزل وتربية الأولاد، ولولا وجود حماتي إلى جانبي لما تخطيتها، كنت عندما يحين موعد ولادتي أمشي من منزلي في بئر العبد إلى منطقة البسطة حيث منزل حماتي، وبعد هذا المشوار الشاق ألد في اليوم نفسه، كنت ألد في المستشفى وأعود بعد ساعات إلى بيتي وأخدم نفسي بنفسي. في الولد الأول، لم أكن أعرف كيف أهتم بالأطفال الخدج وكنت أسال أختي وحماتي اللتين كانتا تعينانني أحياناً في هذه الفترة ريثما يشتد عود طفلي، لكن مع الوقت تعلمت وتأقلمت ونضجت، الأيام تعلّم من لا يتعلم».
كانت تتمنى نبيلة لو لم تتزوج باكراً، ولو أنها أكملت تعليمها وحصلت على شهادة جامعية وعملت في وظيفة مرموقة، لكن الحظ لم يحالفها، لذلك هي ترفض تزويج ابنتها في عمر مبكر وتحثّها على العلم لأن فيه منفعة لها ولعائلتها. وترى أن هناك فرقاً كبيراً في التربية والاهتمام ما بين الأم الصغيرة في السن والأم الناضجة على جميع الأصعدة، فالأولى تكون جاهلة، خائفة، متوترة، لا تعرف كيف تتصرف، أما الثانية فتكون متمكّنة وذات بال طويل، تعرف ماذا تفعل وكيف تربي. تتمنى نبيلة لو يعود بها الزمن إلى الوراء لتكمل تعليمها وتحصّل شهادة جامعية كغيرها، لكن ما في اليد حيلة كما تقول، هي الآن تريد أن تحقق حلمها مع أولادها وتنصحهم بالعلم والتعلم بعدما فقدت هي من ينصحها ويوجهها. وتختم نبيلة حديثها بالقول: «ظلمت نفسي عندما تزوجت باكراً ولم أجد من ينصحني، فرحت بالفساتين والمحبس وخسرت طفولتي ومراهقتي ومستقبلي العلمي، لذا لا أحب تكرار ذلك مع ابنتي».
الدكتورة دولة خضر خنافر، أستاذة جامعية وباحثة اجتماعية
الزواج كما حدده علماء الاجتماع، هو علاقة تقوم على المشاركة والتفاعل الإنساني بين شخصين هما رجل وامراة، وهذا يتطلب من الشخصين نضوجاً ووعياً وتحمّلاً لمسؤولية كبيرة بالنسبة الى العائلة، بخاصة الأولاد وتربيتهم وتوجيههم.
وفي مجتمعاتنا العربية، كانت الفتاة تُربَّى وتُهيأ منذ طفولتها للزواج، وكان الأهل هم من يختار العروس لابنهم، وكان المطلوب فتاة جميلة، لطيفة، مطيعة، «لها فم يأكل ولا يحكي»، صغيرة السن لم تتجاوز 15 - 16 سنة، وكان دورها يقتصر على الإنجاب وخدمة الزوج وتربية الأولاد. لماذا يريدونها صغيرة السن؟ لأنها لم تنضج بعد ولم تحقق ذاتها ولم يكتمل وعيها، وغالباً ما يكون الزوج يكبرها بسنوات عدة، وأحياناً يكون بعمر والدها وهي في نظره مجرد أداة للمتعة وإنجاب الأطفال وخدمة العائلة، فهي لا دور لها في اختيار الزوج، بل هذا يعود الى الأب أو الأخ في حال غيابه، وهذه الظاهرة كانت سائدة في المجتمع العربي والإسلامي، حيث كان يتم تزويج البنات في سن مبكر جداً. وهذه الفتاة العديمة الأهلية، التابعة للزوج، التي لا ثقة بخياراتها ولم تجد الحياة بعد ولم تنضج ولا رؤية لها ولا فكرة عن الحياة الزوجية، فهي مركز الضعف والزوج مركز القوة، وهي تربت على طاعة الزوج والسهر على راحته وخدمته. امرأة كهذه أو أم كهذه كيف ستربي أولادها؟ هذه المرأة «المراهقة» أو بالأحرى الطفلة التي حُرمت من عيش هذه المرحلة، فدورها كزوجة وأم يحتم عليها أن تتحمل مسؤولية كبيرة وبكل جدية، وهذا يتناقض تماماً مع دور المراهقة التي تعني بناء الشخصية واكتساب الخبرة والنضج، نحن نعلم أن هذه المرأة – الأم غير قادرة على القيام بعملية التنشئة الاجتماعية بشكل صحيح وسليم، وهنا تلجأ الى الاستعانة بأمها أو حماتها ليعلماها ويدرباها ويساعداها، فينشأ الطفل وهو لا يعرف أيهنّ أمه التي تنقصها الكفاءة والقدرة والوعي والنضج للقيام بدورها كأم وتربية طفلها وإشعاره بالاطمئنان والأمن العاطفي والإشباع النفسي وإبعاد الخوف والقلق عنه. وهذه الأمور كلها تتطلب وعياً ونضجاً من جانب الأم، وهذا ما لا يتوافر عند هذه الأم الطفلة.
لكن في الوقت الحالي حيث حصلت تغيرات بنيوية في المجتمع العربي، وفي لبنان بخاصة، فإن هذه الظاهرة، أي زواج القاصر، هي في طريق الزوال وأصبحت نسبتها ضئيلة جداً، خصوصاً بعد أن دخلت الفتاة المدرسة والجامعة وتخصصت وعملت، هذه المرأة هي التي تستطيع أن تنشئ أجيالاً أصحاء، وهذا لا يتم إلا بالتعاون والتفاهم والمشاركة بين الأم والأب.
قوانين عربية تحمي ولكن...
تتزوج في العالم العربي فتاة من أصل 7 قبل بلوغها سن الثامنة عشرة بحسب صندوق الامم المتحدة للسكان (عام 2012). أما الأسباب فغالباً ما تكون الفقر والجهل والتقيّد بالعادات والتقاليد وصون الشرف. وصحيح أن بعض الدول كمصر والجزائر حدّدت سن الزواج بـ 18 عاماً، لكن الواقع يظهر عدم التقيّد بالقوانين حيث تعاني الفتيات في الدول العربية من الإجبار على الزواج في سن الـ13 احياناً.
القانون المصري:
يعرّف الدستور المصري وقانون الطفل، الطفل بأنه «كل من لم يتجاوز سن الثامنة عشرة كاملة». وبحسب الدستور، يترتب عن ذلك وجوب حمايته من العنف والاستغلال الجنسي. كما كان القانون المصري ينص بصراحة في المادة 28 من قانون الاحوال الشخصية على أنه «لا يجوز توثيق عقد الزواج إذا كان سن الزوج دون 18 عاماً، وسن الزوجة دون 16 عاماً، ثم تم تعديله حتى أصبح لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ الـ 18 سنة كاملة بالنسبة إلى الجنسين. وبالتالي لا يحظّر القانون المصري الزواج لمن هم دون سن الـ 18، بل حظّر توثيق الزواج. لكن مع تعديل القانون حصلت نقاشات عدة حول ضرورة خفض السن أو إلغاء تحديد السن، لكن في كل الحالات وبحسب الدراسات والتصريحات الصادرة عن المجلس القومي للأمومة والطفولة، تستمر ظاهرة زواج القاصرات، خصوصاً في مناطق معينة كمحافظات الصعيد. وتبرز ظاهرة زواج القاصرات بشكل خاص في نوعين من الزواج، هما «الزواج السياحي» و«زواج القاصر بحكم العادات والتقاليد».
ووفق دراسة صادرة عن المجلس القومي للمرأة، فإن نسبة 36 في المئة من الزيجات هي لفتيات دون سن الـ 16، وغالباً ما يتم الزواج عرفياً حتى تبلغ الفتاة سن الـ 18، على الرغم من النصوص القانونية والعقوبات التي يفرضها قانون العقوبات المصري والتي لا تزال غير كافية لمواجهة ظاهرة الزواج المبكر.
القانون السوداني:
يجيز القانون السوداني زواج الفتاة عند بلوغها سن العاشرة، بحيث لم تنفع جهود المنظمات الإنسانية والحقوقية في وقف تفشي هذه الظاهرة التي يبدو الفقر سبباً أساسياً لها. ووفق بحوث ودراسات في السودان، وفيما تؤكد خطورة زواج الطفلة من الناحية الصحية بحيث يعرّضها إلى أمراض بعضها يؤدي إلى الوفاة، تبين أن نسبة 38 في المئة من النساء في السودان تزوجن في سن مبكرة في وقت لم يكتمل فيه نمو الفتاة الجسدي والنفسي والاجتماعي. أما الأرقام الأخيرة فقد أظهرت وصول النسبة إلى 52%.
القانون اليمني:
لم يحدد اليمن السن الدنيا للزواج. لذلك تستمر المساعي والمطالبات لتحقيق ذلك، ومنها مساعي منظمات حقوق المرأة والطفل لإجراء تعديلات على القانون الحالي لتحديد السن الدنيا للزواج بـ18 عاماً، والنص على عقوبات وغرامات لمن ينتهكون هذا الحكم. وتشير الأبحاث إلى أن متوسط سن الزواج للفتيات في المناطق الريفية في اليمن هو بين 12 و 13 عاماً، ويتم تزويج نسبة تصل إلى 50 في المئة من الفتيات اليمنيات قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. وفي اليمن، تشير الإحصاءات الى وفاة ثماني فتيات قاصرات يومياً بسبب الزواج المبكر.
وتنبغي الإشارة إلى أن بلداناً كثيرة أخرى، منها التي تتبع نُظماً قانونية مماثلة للنظام في اليمن، كالجزائر وبنغلاديش والأردن والعراق وماليزيا والمغرب وتركيا، قد حددت السن الدنيا الزواج بـ 18 عاماً، وهناك بلدان أخرى في الطريق إلى ذلك.
القانون اللبناني:
ما من قانون موحد للأحوال الشخصية، ولكل طائفة من الطوائف قانونها الخاص، حتى أن بعضها يتيح الزواج في سن البلوغ، أي في سن التاسعة، مما أدى إلى مطالبات عدة من الدولة برفع سن الزواج، وأن تلتزم الطوائف بذلك. وفي مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي وتناول 7560 امرأة، تبين أن نسبة 2,1 في المئة من النساء اللواتي بلغن، في وقت إجراء المسح، سن 15 إلى 49 عاماً تزوجن قبل سن الـ 15، ونسبة 13.4 في المئة من اللواتي هن في سن 20 إلى 49 عاماً تزوجن قبل سن الـ 18. ووفق المسح، تركزت النسبة الأعلى من الزواج المبكر في ضواحي العاصمة حيث بلغت نسبة 10,5 في المئة، يليها جبل لبنان بنسبة 7,7 في المئة، لأسباب كالفقر وحماية الفتيات وصون الشرف والحاجة إلى الاستقرار.
القانون المغربي:
صدرت مدوّنة الأسرة بناء على مطالب الحقوقيين في المغرب بضمان المساواة بين الرجل والمرأة في المغرب، وتميّزت بتوحيد أهلية الزواج بالنسبة إلى الرجل والمرأة في عمر 18 سنة، لكن الوقائع والأرقام تظهر عدم التقيّد بذلك. ففي عام 2014 أنجزت وزارة العدل المغربية دراسة لتشخيص مدى تطبيق مدونة الأسرة بعد مرور عقد على إصدارها، تبين فيها أن هذا النوع من الزواج ارتفع من سنة إلى أخرى من 18341 زواجاً خلال عام 2004 إلى 35152 زواجاً في عام 2013. وترتفع الأرقام بشكل خاص في القرى. حتى أنه تبين عدم التزام القضاء بمدونة الأسرة حيث تم قبول طلبات زواج في عام 2013 دون السن القانونية بنسبة 85,5 في المئة، وبلغت نسبة الطلبات المرفوضة 14,5 في المئة.
القانون الموريتاني:
يحدد القانون الموريتاني سن الزواج بـ18 عاماً مع استثناءات يستغلها أولياء الأمور بالإشارة إلى سلطة الوالد في «تقدير المصلحة»، مما يتيح له تزويج ابنته قبل بلوغها السن القانونية.
نسبة الزواج قبل سن 18 سنة
في العالم العربي
الأردن8 %
سوريا13 %
مصر17%
المغرب16 %
موريتانيا34 %
لبنان6 %
العراق24 %
اليمن32 %
فلسطين21 %
الجزائر 2 %
تونس 2 %
الصومال45 %
السودان52 %
جزر القمر32 %
جيبوتي5 %
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
مهيرة عبد العزيز تشدّ الأنظار بفستان أبيض جريء...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
إطلالات النجوم
ليندسي لوهان أيقونة شابّة بفستان من توقيع زهير...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024