فتيات يمارسن الرياضة في الشارع... ويتحدّين التحرش والمضايقات
«من حق الفتاة ممارسة الرياضة في أي وقت، وأي مكان حتى لو كان الشارع»، هذا ما تؤمن به كثيرات من الفتيات اللواتي قررن ممارسة الرياضة في الشارع، مثل المشي والركض وركوب الدراجات الهوائية أو حتى استعراض فن الباليه. لكن هل يتقبل المجتمع الأمر بسهولة؟ وماذا عن المضايقات والتحرش اللفظي والجسدي والسخرية التي قد تتعرض لها من تقرر ممارسة الرياضة في الشارع؟
تعليقات سخيفة
آية عصام، فتاة عشرينية، تعيش في القاهرة وتحب دائماً، رغم معارضة والدتها، الاشتراك في ماراثونات الدراجات، ورغم التنظيم الكامل للماراثون وانتشار رجال الأمن في الشارع، تعرضت آية للمضايقات... وعن ذلك تقول: «أحب أن أنطلق، لذا لن تمنعني تلك المضايقات من فعل ما أريد، اعتدت على ألاّ أعير انتباهاً لتلك التعليقات السخيفة، وأن أحاول التعايش معها، خاصة أن الفتيات يتعرضن للمضايقات حتى لو لم يفعلن شيئاً».
رغم ذلك، ترى آية أن التعليقات السلبية التي يلقيها بعض الأشخاص على الفتيات؛ تكون عن خوف، لأن المتحرشين ما زالوا خائفين من الفكرة؛ وغير مستوعبين لوجود فتيات تجرأن ونزلن إلى الشوارع ليركضن أو يركبن الدراجات.
تضطر آية ورفيقاتها إلى اختيار وقت مبكّر جداً من اليوم، لأنهن حتى اليوم لا يستطعن ممارسة الرياضة في الأماكن العامة والأوقات المزدحمة، معلّقة بسخرية: «أما إذا قررت الفتاة أن تختار أي توقيت لتمارس الرياضة خارج النوادي، فيمكن أن يكون للأمر تبعات تنتهي في أحد أقسام الشرطة».
وفي الوقت نفسه، تشعر آية بأن المتحرشين يخشون الفتيات الأكثر تحرراً في مظهرهن، ولا تعلم لماذا يعتقد بعضهم أن الفتيات المحجبات سيشعرن بالخوف منهم، فيلاحقونهن بنظرات الاستنكار والسخرية.
بدأ المجتمع يستوعب الفكرة
ترى هدير سامي، التي تعمل منسقة في مشروع «جو بايك» لركوب الدراجات، أن المجتمع المصري بدأ أخيراً يتقبّل فكرة ممارسة الرياضات النسائية في الشارع، وتقول: «بدأ المشروع، الذي يشجّع على ركوب الدراجات، منذ خمس سنوات تقريباً، حين أسّسه شاب يدعى محمد سامي، بعدما استمد الفكرة من قبرص التي يتنقل الكثير من مواطنيها على الدراجة الهوائية، وفي بداية انطلاقنا عام 2012، كانت الفتيات المشاركات في ركوب الدراجات يتعرضن لكثير من المضايقات».
وتضيف هدير: «المضايقات كانت لفظية وإيحاءات جسدية، فسائقو الباصات وبعض السيارات كانوا يعترضون طريقنا لمضايقتنا، والبعض كان يعتقد أننا نركض في الشارع لأغراض سياسية، لكن المجتمع اليوم بدأ يستوعب الفكرة تماماً بعد انتشارها».
وما دفع هدير إلى الاستغراب، هو أن الكثير من المضايقات التي يتعرضن لها كفتيات لم تصدر من الرجال وحدهم، وإنّما كانت من نساء مثلهن، يستنكرن ممارستهن الرياضة ويسألهن: «إيه اللي انتم بتعملوه ده مش مكسوفين؟».
تقول هدير إن النسبة الغالبة من المشاركات في التفاعل مع الحركة هنّ من أعمار متفاوتة، إضافة إلى ذلك، يأتي بعضهن مع أمهاتهن أو جدّاتهن أحياناً، مما يدل على أن الحركة بدأت في الانتشار بقوة، وفي الوقت نفسه، أخذت بالتوجه إلى بعض المحافظات في مصر لنشر ثقافة ركوب الدراجات، كما فوجئن بأن بعض المناطق البعيدة عن القاهرة؛ كالمنيا والإسماعيلية والإسكندرية، متقبلة لفكرة رياضة الفتيات في الشارع، وبدأ بعض سكانها في سؤالهن عن كيفية البدء بها بعد تشجيعهن.
رغم كل المؤشرات الإيجابية التي تتحدّث عنها، ترى هدير أن ليس في إمكان الفتيات بعد الخروج بمفردهن للركض، وأن من الضروري وجودهن ضمن مجموعات منظمة، لأن احتمال تعرضهن للمضايقات كبير، إضافة إلى أن التجمّعات تمثل عامل حماية وثقة للفتيات.
وتطالب منسّقة المشروع بتخصيص مكان في الشوارع لسير الدراجات، لئلا يتعرض ركابها إلى مضايقات أو مخاطر أثناء السير في الطرق العادية، ولعدم مضايقة المارّة وركاب السيارات، إذ إنهم مضطرون لاختيار يوم واحد في الأسبوع، كالجمعة مثلاً تكون فيه الشوارع خالية ليستطيعوا ممارسة رياضتهم المفضلة.
تطفل ومضايقات
نجلاء سليمان، فتاة تبلغ من العمر 25 عاماً، قرّرت منذ سنوات التوقف عن السير في الشوارع بمفردها؛ هروباً من المضايقات.
اعتادت نجلاء منذ طفولتها ركوب الدراجات الهوائية وممارسة لعبة كرة القدم، لكنها كانت تتعرض دائماً لمضايقات من المارة أو تسمع بعض التشجيع الزائف والساخر، لكن مع تخطي مرحلة المراهقة رأت أنها لا تملك الجرأة الكافية لتكرار التجربة في الشارع.
تعويضاً عن ذلك، تلجأ نجلاء إلى ركوب الدراجات التي أحبتها منذ الصغر، في المصايف أو ضمن تجمعات عائلية، مع تفضيلها الانضمام الى مجموعة في الأغلب لحمايتها... وتضيف: «أرى أن الشارع لا يعتاد الأشياء بسهولة، فما زالت المرأة التي تقود السيارة تتعرض لمضايقات وتعليقات سخيفة حتى اليوم، فما بالنا بركوب الدراجات أو الركض أو حتى المشي بحرية في الشارع!».
تؤكد نجلاء أن جميع الفتيات سيتعرضن للمضايقات؛ مع اختلاف مظهرهن وملابسهن، لأن ثقافة الشارع قائمة في الأساس على التطفل المطلق والمضايقات كهدف في حد ذاته، وبالتالي لن تنجو أي فتاة منها.
جرأة أكيدة
أحمد فتحي، مصوّر لراقصات الباليه في الشارع؛ في مشروع يسمّى «باليرينا كايرو»، بدأ المشروع هو ورفيقه المصوّر محمّد طاهر في القاهرة؛ نقلاً عن مصوّر أجنبي، لينشر ثقافة فن الشارع، ويرسّخ فكرة كون الباليه متاحاً للجميع وليس للنخبة فقط.
كان فتحي ورفيقه يعرفان أن فكرة تعرّض الفتيات للمضايقات أثناء رقصهن في الشارع واردة جداً، لكن يجب التصدي لها وتحطيمها، ومع ذلك يضطران إلى اختيار أماكن معينة وأوقات مناسبة للحد منها، ويضيف: «أتمنى أن يتقبّل المجتمع الفكرة، ولا نضطر لفعل ذلك حتى نقدّم الفن في الشارع».
ردود فعل المارة على رقصات الباليه التي يصوّرانها في شوارع القاهرة كانت مختلفة، فالبعض كان يضحك والبعض الآخر يشاهد مستغرباً بشدة، في البداية كانت الفتيات اللواتي يؤدين الرقصات يشعرن بالخوف، لكن مع الوقت، ومع انتشار صدى المشروع، بدأن يشعرن بالجرأة والثبات.
يمدح فتحي جرأة الفتيات اللواتي يعمل معهن؛ لقبولهن الفكرة في مدينة تشهد نسبة كبيرة من التحرش والمخاطر، إضافة إلى المطالبة بتصاريح أمنية في بعض الأحيان، ومع أنه يعترف بأن المجتمع لم يستوعب تماماً الفكرة، يرى فتحي أنه ورفيقه يسيران في الطريق الصحيح إلى ذلك... ويعلّق: «أتمنى أن ينظر الناس إلى ما نفعله على أنّه فن راقٍ، ويبدأون في التفاعل مع فن الشارع».
فراغ عقل
هدير عادل، فتاة عشرينية، ترى أن الركض بالنسبة اليها تجربة «مميزة»؛ خاضتها مراراً في أوقات مختلفة، فحين كانت تركض في الصباح الباكر كانت الأمور تمر نوعاً ما بسلام، لكن في المرة الأخيرة ركضت ليلاً، وسمعت الكثير من التعليقات السيئة؛ والتي جاءت غالبيتها من سيدات وشبان، وليس من كبار في السنّ.
قررت هدير تجاهل كل تلك المضايقات، وعن ذلك تقول: «نحن نمارس الرياضة ونهتم بها، وتلك المضايقات تنم عن فراغ عقل من يطلقها، ومن حقنا أن نرفّه عن أنفسنا أو أن نتمتّع بلياقة بدنية، لذا لن نعير تلك التعليقات السخيفة اهتماماً».
وتضيف أن بدء انتشار مجموعات الرياضة المنظمة يساهم في التعوّد التدريجي للمجتمع على الفكرة، إلا أن فكرة المضايقات نفسها ستظل مستمرة، لأنها ثقافة موجودة عند الكثيرين كهدف في حد ذاته.
تشجع هدير الفتيات على القيام بما يحببن؛ مع تجاهل المعاكسات اللفظية التي سيتعرضن لها، موضحةً أنه إذا قررت الفتيات الخوف من المضايقات والخضوع لابتزازها فلن يستطعن بالتالي الخروج الى أعمالهن وممارسة حياتهن الطبيعية.
نظرات
هبة حامد، 29 عاماً، تعيش في الإسكندرية، ترى أن الفتيات اللواتي يقررن الركض في الشارع يجب أن يضعن «سماعات الأذن» فوراً، ليحجبن سمعهن عن المضايقات المؤذية جداً، التي سيتعرضن لها من بعض المارة، إلا أنهن لن يستطعن تجنب النظرات... تقول هبة: «ممارسة الرياضة من أبسط حقوق المرأة، لكن المجتمع لا يعترف بذلك، أحياناً أسمع ألفاظاً خادشة من سائقي السيارات والباصات، وأتعرض إلى مضايقات سخيفة لمجرد أنني أمارس حقي في الرياضة».
ورغم أن الركض على طول كورنيش الإسكندرية فكرة ليست مستهجنة لأهلها، ترى هبة أن من الأفضل للفتيات نسبياً أن يخرجن في مجموعات لحمايتهن، ويختلف الأمر في الشتاء عن الصيف، الذي يكون فيه الطريق مزدحماً.
وتؤكد هبة أن المضايقات لا تفرّق بين المحجبات والسافرات، إذ تستهدف المضايقات الفتيات لشخصهن، مع تجرؤ أكبر على السافرات، وتضيف: «رغم تقبّل الفكرة في الإسكندرية، لم تستطع غالبية الفئات المجتمعية الأقل كثافة تقبل الأمر بعد، فالنساء يحاولن فرض حقهن في ذلك، والمجتمع سيعتاد ذلك حتماً، وسيتوقف عن اعتبار هذا الحق جرأة زائدة من الفتيات يستحققن عليها العقاب».
المجتمع تغير
الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، ترى أن المجتمع ومنذ سنوات طويلة لم يكن رافضاً فكرة أن تمارس الفتيات الرياضة، كالركض والمشي، بدليل أن الفتيات كنّ يذهبن إلى مدارسهن على الدرّاجات الهوائية، لكن الشوارع كانت أقل ازدحاماً من اليوم.
وتضيف أن المجتمع تغيّر وأصبحت الشوارع شديدة الازدحام، لذا تفضل غالبية الفتيات الآن ممارسة الرياضة في أماكن بعيدة عن التجمعات الكبيرة، أو اللجوء إلى الحدائق والنوادي الرياضية تجنباً للازدحام والتعثر.
وتشدد الدكتورة سامية على ضرورة التوفيق بين فكرة حرية المرأة، وثقافة الاعتدال المطلوبة في الشارع المصري، إذ يجب اختيار الأماكن والأوقات المناسبة لممارسة الركض أو ركوب الدراجات، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، لأن ذلك لا يؤدي على حد وصفها سوى الى لفت الأنظار، ولن يحقّق الهدف المطلوب بممارسة الرياضة نفسها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024