تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

عندما تربّي الأم أبناءها وحدها

الطلاق، الموت والسفر حالات ممكنة في حياة العائلة، تُلزم الكثير من الأمهات تربية أبنائهن وحدهن. وبالتالي يجدن أنفسهن أمام تحدّيات كثيرة أهمها تنشئة الأبناء ذكورًا كانوا أو إناثًا، في بيئة صحية توفر لهم التوازن على الصعيدين النفسي والوجودي.
وهذا تحدٍ كبير بالنسبة إلى الأم التي تجد نفسها في مواجهة تحمل الأعباء المادية لإعالة عائلتها من جهة، وإدارة شؤون أبنائها والقيام بدور مزدوج معهم، بحيث تجد نفسها مضطرة لملء الفراغ الذي تركه الأب في حياة الأبناء. وهذا من أصعب الأدوار التي تواجهها المرأة الأم.
كيف يمكن الأم والأبناء المضي قدمًا والتأسيس لحياة عائلية في غياب أحد عموديها الرئيسين؟ كيف يمكن تنشئة أبناء من دون سلطة أبوية؟


من الطبيعي أن ترغب الأم التي تربي أبناءها وحدها، في تحقيق التوازن في عائلتها، وهي كما جميع الأمهات ينتابها الكثير من القلق والشكوك حول قدرتها على إدارة شؤون عائلتها. فمن المعلوم أن وجود الأب ضروري لصحة العائلة، ولكن ماذا يمكن أن تفعل الأم في غيابه، سواء أكان قسريًا أم إراديًا؟

الغياب القسري
يؤكد الاختصاصيون أنه في حال الغياب القسري للأب، ليس من الضروري وضع صورة مثالية له، لملء الفراغ العاطفي. فالأبناء يعرفون جيدًا أخطاء والدهم، صفاته، ما يحبه، وما يكرهه. فكل هذه الأشياء الصغيرة ربما سيكتشفونها في شخصيتهم. لذا فالحديث، والإجابة عن أسئلة الأبناء بشكل صادق وصريح ومن دون تلميع صورة الأب، أساسيان لتعليم الأبناء كيفية العيش من دونه، ويقصد بعدم تلميع الصورة، عدم المبالغة في جعل الوالد وكأنه كان شخصًا كامل الأوصاف.

الكلام على الوالد الذي رحل من دون المبالغة في تلميع صورته
وفي المقابل، من الضروري السماح بالكلام على الموت بصراحة بين كل أفراد العائلة ليشعروا بالراحة، ويكون ذلك بالتحدّث بواقعية عن رحيل والدهم، وتحديدًا مع الطفل بين الرابعة والسابعة.
ففي هذه المرحلة، تكون قدرات الطفل على فهم الرموز والأفكار الغيبية والمفاهيم المجرّدة غير كاملة، إذ إن الطفل لا يستطيع أن يتخيل أن للحياة نهاية، ويرتعب عندما يفكر بأن حياته وحياة من حوله يمكن أن تنتهي فجأة. كما يجب قول الحقيقة للطفل بوضوح، أي ألا يقال له إن والده نام ولم يستيقظ، لأن من المحتمل أن يخاف الطفل من إغماض عينيه ويظن أنه إذا نام فلن يقوم، وقد يرى كوابيس مرعبة.
وبالمثل، على الأم أن توجد توازنًا اجتماعيًا لطفلها، إذ ليس صحيحًا أن تنشئ الأم علاقة حصرية مع أبنائها، بحيث تتحوّل هي إلى محور عالمهم، فالأبناء في حاجة إلى الحياة الاجتماعية لضمان التوازن.
حتى لو كانت لا تعمل، عليها أن تسمح لهم بالتقاء أقاربها أو أقارب زوجها الراحل لتمنحهم فرصة الانفتاح على المجتمع والآخرين.
كما يمكنها تشجيع أبنائها على الانضمام إلى مخيمات رياضية، أو فرق كشفية وجعلهم يتبادلون الأنشطة الرياضية مع أقرانهم. فالطفل المحاط بدائرة اجتماعية صحية تنشأ لديه حياة اجتماعية وشخصية متوازنة. صحيح أنه ليس من السهل التكيّف مع المحيط الاجتماعي بعد فقدان الوالد، ولكنه ضروري ولا يمكن عزل الطفل عنه.
ففي المدرسة مثلاً، يشعر الطفل بالأسى عندما يشاهد أقرانه برفقة أحد والديهم، مما قد يشعره بالنقص والحرمان والحزن العميق. وكذلك إذا زار أحد أنسبائه، مما يزيد شعوره بالألم الذي قد يصل أحيانًا إلى حد رفض التواصل مع الآخرين.
وهذا يعكس الحزن الشديد للطفل، ولأجل تخطي هذا الحزن، يحتاج أفراد العائلة إلى مواجهة مشاعرهم والتعبير عنها بصدق، ومناقشتها مع شخص يمكن أن يوفر لهم الدعمين، المعنوي والنفسي.

للأقارب دور في تخطي الحزن
ويمكن الأقارب مساعدة الأبناء على تخطي الحزن ومساعدتهم على التكيف مع وضعهم الجديد باحتضانهم، ولا سيّما الأخوال والأعمام، من خلال إشراكهم في المناسبات الاجتماعية، وتجنب عبارات أو نظرات الشفقة، ومحاولة التعويض عن هذا النقص، بتعزيز الشعور بالأمان العاطفي بأنهم ينتمون إلى عائلة مُحبّة ربما قد تعوّض جزءًا بسيطًا من النقص العاطفي والمعنوي الكبير الذي نتج من فقدان الوالد.
والشيء نفسه بالنسبة إلى الأم، عليها أن تحاول قدر الإمكان تخطي حزنها وألمها، وألا تتقوقع في المنزل، وتمتنع عن الحياة الاجتماعية، فالرحيل القاسي للشريك لا يعني أن تعتزل الحياة، بل على العكس من ذلك، فقد أصبحت لديها مسؤوليات إضافية، وعليها التحلّي بالشجاعة والإيجابية لتكون قادرة على إدارة شؤون عائلتها. فشعور الأم بالإحباط، وعدم النظر إلى المستقبل بإيجابية ينتقلان إلى الأبناء، الذين هم بدورهم سوف يتصرّفون على أساس أن لا معنى لحياتهم في غياب الوالد.
على الأم أن تتذكر أن عظماء التاريخ كان لأمهاتهم الدور الرئيس في نجاحاتهم، فأم متفائلة وشجاعة وعقلانية يعني أبناء متفائلين وناجحين في حياتهم ولديهم نظرة إيجابية للمستقبل. صحيح أن الأب هو رأس العائلة، ولكن الأم هي العنق بحيث تدير عائلتها نحو الاتجاهات الصائبة.
فكل ابن أو طفل يفكر في والده الذي رحل عن الحياة، وهذا طبيعي، فهو كان الوسيلة- السبب لمجيئه الى هذه الحياة، وبالتالي من المهم أن يبقى طيفه موجودًا بصورة إيجابية.

المراهق ورحيل الأب
يبدو فقدان الأب بالنسبة إلى المراهق أمرًا مزلزلاً فيختبر مجموعة متنوّعة وديناميكية من العواطف المتناقضة. فهو أحيانًا قد يواجه هذه التجربة كما الراشد من خلال تجنب مشاعر الحزن أو إخفائها، وأحيانًا يكون رد فعله كما الطفل.
فالمراهق عرضة للضرر النفسي على المديين القصير والطويل حين يفقد والده. والميل إلى سلوك المخاطرة، وعدم الاهتمام بالمدرسة والنجاح الأكاديمي والنشاطات المعتادة من المسائل الشائعة عند المراهقين الذين فقدوا أحد والديهم، ويحتاجون إلى فترة لاستيعاب خسارتهم، والتكيّف مع الوضع الجديد، أي غياب أحد أعمدة العائلة الذي يستندون إليه عاطفيًا واجتماعيًا.
لذا ينصح علماء النفس بالسماح للطفل أو المراهق بالتعبير عن مشاعره وتوفير المعلومات عن وضعه النفسي Feedback لمتابعة حالته النفسية عندما يعود حزنه من جديد.
ولكن في الوقت نفسه، يحذّر التربويون من منح المراهق، إذا كان الابن البكر، الصلاحيات التي كانت للأب، إذ ليس من واجبه أن يأخذ على عاتقه تحمل مسؤوليات أو يمارس سلطة ليست من حقه. وعمومًا، لا يفضّل المراهق هذه العلاقة المبهمة في العائلة، فهو لن يدرك موقعه الحقيقي بين إخوته.
لذا ما يمكن أن تفعله الوالدة هو جعل جميع أبنائها مشاركين في تحمل المسؤولية، ومتّحدين في مواجهة الصعاب، فتوزع المهمات في ما بينهم بحسب سنّهم وقدراتهم الإدراكية. مثلاً يمكن الابن البكر مساعدة أخيه في واجباته المدرسية، أو مرافقته إلى النشاط الرياضي، ولكن ليس من مسؤوليته أن يحل مشكلة واجهها شقيقه الصغير في المدرسة.

نصائح ذهبية
يمكن الأم الاعتراف بأنها لا تُحسن التعامل مع وضعها الجديد. طفلها صغير جدًا... وتشعر بالخوف لأنه لا يفهم الوضع المستجد، وقد تشعر بالذنب، وتميل إلى الاستسلام، لواقع أنها غير قادرة.
عليها بداية أن تدرك أن طفلها يحتاج إلى حدود ومعايير وتفسيرات، وإلى الحنان والسلطة. وهذا تحدٍ كبير بالنسبة إلى الأم، ويتطلب منها القدرة على إيجاد التوازن.

 عدم التخلي عن العلاقات الاجتماعية
بعض الأمهات يفضلن المكوث في البيت مع أبنائهن طوال اليوم، وعدم الخروج أو استقبال الضيوف. وهذا يمكن أن يصبح خانقًا بالنسبة إلى الأبناء. لذا عليها إدخال بعض الهواء الاجتماعي إلى المنزل وممارسة سياسة الباب المفتوح، فتسمح لنفسها ولأبنائها باستقبال أصدقائهم، أو زيارتهم.

وضع الحدود
من الطبيعي أن تغمر الأم أبناءها بالعاطفة والحنان تعويضًا عن النقص، ولكن ما يحتاجونه إلى جانب ذلك هو السلطة. المشكلة هي أنها غالبًا ما تشعر بالذنب، الأمر الذي يجعلها تغض الطرف عن أمور كثيرة، وأحيانًا تُفرط في دلال أبنائها.
وهي بهذا التصرف لا تخدمهم، فهم في حاجة أكثر من أي وقت مضى، إلى إطار سلطة يُشعرهم بالطمأنينة، وحدود لا يتخطونها وقوانين واضحة، تكون مرجعًا لهم. فعندما تقول «لا» تكون نهائية.
أحيانًا يستغل الأبناء عاطفة والدتهم، وعن غير قصد عندما ترفض لهم طلبًا ما تسمع عبارة «لو كان والدي حيًا». هذه العبارة القاسية تجرح الأم وربما تُشعرها بالذنب تجاههم، فتعمل على تعويض شعورهم بالنقص وبشكل عفوي بتنفيذ طلباتهم، وبالتالي قد يستغلون هذه العبارة لتحقيق كل ما يرغبون فيه. لذا على الأم أن تكون حازمة وحاسمة، وعندما تسمع هذه العبارة، عليها أن تطرح عليهم سؤلاً معاكسًا: هل تظن أن والدك لو كان حيًا سيسمح لك بالسهر حتى ساعة متأخرة من الليل؟

استحضار النموذج الذكوري
إذا كان أحد الأبناء لا يعرف والده، فهو في حاجة إلى التعرّف إلى شخصيته. يكون ذلك باستحضار الأم قصّة لقائهما، وتتكلّم على ذكرياتهما معًا، مثلاً ماذا فعل الوالد حين وُلد، وتتحدث عن الصفات التي ورثها منه.
وجود الأب في حياة الأبناء ضروري وإن لم يكن حضورًا جسديًا، وتذكيرهم بأنه سوف يكون فخورًا بهم لو كان حيًا. ومن الضروري أيضًا الحضور الذكوري في المحيط الاجتماعي مثل الخال أو العم أو الجدّ، مما يساعد الأبناء في نسج علاقات، فالحضور الذكوري ضروري للصبي والبنت على حد سواء.
فالبنسبة إلى الصبي يكون لديه مثال ذكوري يتماهى به، فيما البنت تحتاج إلى هذا النموذج، ذلك أنها إذا كانت محاطة بالنساء فقط، فهناك احتمال أن تعتبر الرجل مخلوقاً غريباً، غير مقبول في حياتها، وبالتالي سوف تجد صعوبة في التواصل مع الرجل في المستقبل.


في حالة الطلاق

صحيح أنه في حالة الطلاق، يكون الوالد موجودًا على قيد الحياة، لكن العلاقة قد تكون غير سوية وتؤثر سلباً في الأبناء، فهي اختيارية، فإما تتوطد أو تتوتر بشكل عميق، وفق سلوك الوالدين المطلّقين مع أبنائهما. عندما يكون الطلاق ودّيًا، فإن انتقال وصاية الأبناء إلى أحد الوالدين يحدث بهدوء، مما يخفف من حدّة توتر الأبناء فلا يمرّون في مرحلة صراع تؤثر فيهم سلبًا. لذا من الضروري تجنيب الأبناء المناخ المؤلم الذي يسود خلال مرحلة انتقال الوصاية إلى أحد الوالدين. وبعد وقوع الطلاق، على الأهل المطلّقين التصرّف على النحو الآتي:

  • أن يتجنب الأهل التصرف اللئيم أثناء زيارة الأبناء لهم. فمثلاً عندما يزور الأبناء والدتهم أو أباهم في أيام العطلة، على الوالدين أن يتجنبا الصراع أو اللوم أثناء لقائهم. وإذا كانا غير قادرين على السيطرة على مشاعرهما، يمكن الوالد مثلاً أن يسمح لطرف ثالث باصطحاب أبنائه إلى والدتهم، أو يمكنه أن يوصلهم إلى المدرسة صباحًا، ذاكرًا لهم أن والدتهم ستأتي لتصطحبهم من المدرسة بعد الظهر.
  • ألاّ يبدي أحد المطلّقين انزعاجه عند زيارة الأبناء طليقه، بل على العكس يجب مساعدة الأبناء وتشجعيهم على الاتصال الدائم بأحد الوالدين. مثلاً من الضروري السماح للأبناء بالاتصال بوالدتهم أو والدهم خلال تمضيتهم أيام الإجازة عند أحد الوالدين. فهذا التصرف يسمح للأبناء بالتعبير عن مشاعرهم ويخفّف من إحساسهم بالذنب بأنهم يسببون ألمًا لأحد الوالدين.
  • أن يتجنب الزوجان المطلّقان تحويل الأبناء إلى جواسيس يقدّمون تقريرًا مفصلاً عما حدث معهم أثناء زيارتهم لأحد الوالدين، خصوصًا الأسئلة المتعلّقة بالحياة الشخصية، مثلاً من زار والدك؟ ماذا قال عني؟... ولا يجوز إطلاقًا إظهار الغضب إذا لم يعطِ الأبناء معلومات أو إجابات.
  • على المطلّقين ألا ينسيا أن الأبناء هم أبناؤهما معًا وليسوا لواحد منهما.
  • ألاّ يسألا أبناءهما ما إذا كانوا يحبّون أحدهما أكثر من الآخر.
  • أن يناقش المطلّقان مشاكلهما بنضج وهدوء وعدم استخدام الأبناء لبعث رسائل إلى بعضهما بعضًا.
  • عدم الشجار في حضرة الأبناء.
  • عدم قول أمور للأبناء ليس في مقدورهم فهمها.
  • السماح للأبناء باستقبال أصدقائهم في منزل كلا الوالدين.
  • عدم التخطيط لمشاريع كثيرة للأبناء أثناء الزيارة بهدف استمالتهم، فالأبناء يسعدون بمجرد زيارتهم والدهم أو والدتهم. وإغداق الهدايا عليهم بهدف استمالتهم وجعلهم يقفون في صفهم، غالبًا ما يؤدي إلى استغلال الأبناء هذه المسألة وابتزاز أهلهم المطلّقين: «إذا لم توفر لي ما أرغب فيه فسألجأ إلى والدتي».
  • البقاء على علاقة جيدة مع «بيت حمى» كلا المطلّقين، أي الجدود.

 

في حالة الأب المسافر
 ليس سهلاً على الأم قيامها، في حالة سفر الزوج، بدور مزدوج فهي من ناحية تحاول تعويض غياب الأب مما يضطرها أحيانًا لأن تكون شديدة مع أبنائها، وفي الوقت نفسه عليها أن تمنحهم الكثير من الحنان والعاطفة ومتابعة كل شؤونهم من ألفها إلى يائها. لذا يمكنها اتباع النصائح الآتية:
«تثبيت صورة إيجابية للأب في لا وعي الأبناء هناك الكثير من الأمهات يهددن أبناءهن بعقاب الأب سواء كان مسافرًا. كأن تقول الأم لابنها إذا تصرف في شكل سيء «سأخبر البابا عندما يعود من السفر وبالتأكيد سيعاقبك» فترتبط صورة الأب الغائب عند الإبن بالعقاب والقسوة، مما يجعل العلاقة بينهما قائمة على الخوف، وبالتالي فإن الحوار يكون صعبًا بينهما.
الشرح للأبناء لماذا اضطر الأب للسفر خارجًا يعترض بعض الأبناء على غياب والدهم بسبب العمل خارج البلاد. ويعلنون انزعاجهم من هذه المسألة بشكل يشعر الوالدان بالذنب. لذا على الوالدان شرح الأسباب التي فرضت على والدهم العمل في الخارج، والتي في غالب الأحيان تكون مادية، عرض أفضل، راتب مغرٍ. ولكن في الوقت نفسه على الوالدان تجنب عبارة» لنؤمن لكم حياة أفضل».
فهذه العبارة تشعرهم بالذنب، وبأنهم سبب غياب الوالد خصوصًا إذا كانوا صغارًا. لذا فبدل هذه العبارة العفوية يمكن القول: «عقد العمل مغر، ويؤمن لنا جميعًا حياة كريمة في الحاضر وللمستقبل، فعندما تصبحون راشدين ويأتيكم عرض عمل يقدّر مهاراتكم وقدراتكم، هل سترفضون!»

السماح باختراق بعض القوانين المنزلية
من الطبيعي أن تكون الأم قد وضعت قوانين منزلية وطقوسًا يوميًا يلتزم فيها الأبناء، وغالبًا ما تخرق هذه القوانين عندما يكون الأب في إجازة، فمثلاً قد يسمح للطفل بالسهر ليكون مع والده، ونسمع الأب يقول لزوجته» لا بأس في القليل من الفوضى فأنا مشتاق إليه دعينا نستمتع بالوقت» هذه العبارة مقبولة إلى حد ما إذا ما دارت بين الأب والأم من دون حضور الطفل على أن يشرح الأب لطفله أنهما اخترقا القاعدة لفترة قصيرة وأنه والماما متوافقان على هذه المسألة.
لذا على الأم أن تستوعب تدليل الأب لأبنائه أثناء وجوده معهم وألا تحوّل متعة اللقاء إلى صراع بينهما. المهم نوعية الوقت الذي يمضيه الوالد مع أبنائه، أن يشرح لهم أسباب غيابه وأنه حاضر للاستماع إلى مشكلاتهم ومعرفة ما يفرحهم وما يحزنهم، ومشاركتهم همومهم لا سيما إذا كانوا في سن المراهقة. كما من الضروري أيضًا ألا يغضّ الأب النظر عن السلوك الخطأ الذي يتصرف الإبن أو الإبنة.

التواصل المستمر عبر الانترنت
نموذج الأب المسافر، لم يعد كما كان عليه قبلا، فوسائل الاتصال ولا سيما السكايب Skype يتيح لهذا الأب الغائب ماديًا عن أبنائه أن يكون حاضرًا في يومياتهم ومن دون تكلفة.
وفي إمكانه متابعة شؤونهم وأمورهم الخاصة يوميًا، من خلال محادثتهم صوتًا وصورة، لذا لم تعد هناك حجة للآباء بالقول لا نستطيع أن نشارك أبناءنا همومهم إذ يكفي محادثتهم لـ 15 دقيقة في اليوم يخصصها الأب المسافر ليسمع من أبنائه همومهم ومشكلاتهم، حتى يشعر هؤلاء الأبناء بحضوره القوي في حياتهم.
لذا من المهم أن يتّفق الوالدان على أوقات محدّدة يتواصل فيها الأب مع أبنائه، مما يعزز حضوره وإن كان بعيدًا منهم آلاف الكيلومترات، مثلاً الاتصال بهم قبل الذهاب إلى المدرسة ليتمنى لهم يومًا سعيدًا، والاتصال بعد انتهاء فروضهم المدرسية ليخبروه عن أحداث يومهم.
وفي حال كان هناك فارقًا في الوقت بين بلدين، يمكن الأب أن يبعث برسالة صوتية إلى أبنائه. إذا كان خلال وجود ه خارج البلاد يتابع أمورهم ويحادثهم في شكل دائم، ويتحدث إلى أبنائه مباشرة عندما تحدث مشكلة، يشعر الأولاد بأن عليهم أن يحسبوا حساب والدهم وأنه موجود.
كما تجدر الإشارة إلى أن على الأم تجنب الشكوى فور اتصال الوالد مثلاً: «هل تعلم أن زيد نال علامة متدنية»؟ فهذا النوع من الشكاوي يجعل الأبناء يتمنّعون عن التحادث مع والدهم. وبدل ذلك عليها أن تخبره بالمشكلة بعيدًا عن سمع الأبناء ويتفقان على الوسيلة لمعالجة المشكلة من دون أن تؤدي إلى نفور الأبناء.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080