كتب (بيوغرافيا) كريستينا لامب وملالا ونيوجين ثلاث نساء فتحن نافذة على النور
بعضهم يظنّ أنّ الأمل وهم الحياة، وبعضهم الآخر يراه وميضها. وبين هاتين النظرتين، ظلّ «الأمل» تيمةً رئيسة في الفنّ والأدب، على اختلاف تلويناتهما. وفي هذا السياق، يقدّم هذا التحقيق مقاربات متعددة لمفهوم «لأمل»، عبر مختارات من الكتب والروايات والسير الذاتية والأفلام واللوحات والأغنيات، العربية والأجنبية.
«أنا ملالا» و«نيوجين» كتابان لمؤلفة واحدة وبطلتين. كريستينا لامب، الصحافية البريطانية ضمن فريق المراسلين الأجانب لصحيفة «صندي تايمز»، عملت في دول العالم الثالث فصدمتها حقيقة أنّ ثمة من يُطالب بحقوقٍ كانت تعتقد أنّها بديهية في كلّ بلاد العالم. واقع النساء كان أيضاً كارثياً، لكنّ المرأة في هذه الدول أدهشتها بقوّتها. قابلت نماذج جعلتها تتأمّل في شجاعة هؤلاء النساء اللواتي يواجهن خطر القتل من أجل الحصول على ما تعتقد أخريات أنّه من المسلّمات.
لذا، أحبّت لامب أن تقدّم الى الغرب مقاربة جديدة عن مفهوم المرأة العربية أو المسلمة، وأن تُبيّن لكلّ امرأة خاضعة في كل مكان من هذا العالم أنّ ثمة أملاً في تجاوز أزمتها وتحقيق ما تصبو اليه إن اجتهدت وثابرت وعرفت كيف تستغلّ الظروف لمصلحتها.
ألّفت أولاً كتاب «ملالا، هذه حكايتي» بالإشتراك مع ملالا، على طريقة البيوغرافيا. وحقق كتابها عن النوبلية الأصغر عالمياً مبيعات هائلة. ومن ثمّ أصدرت في الصيف الماضي كتاب «نيوجين»، وفيه تروي سيرة الشابة السورية المقعدة التي تفوقت على عجزها الجسدي لتصير «نجمة» بين المهاجرين السوريين.
ملالا، تلك الفتاة الباكستانية التي عادت من موتها كأنها عائدة من رحلة، صار اسمها مرادفاً للأمل، في بلادٍ لا يحوي قاموسها مثل هذه الكلمة. نشأت في بيئة يحكمها نظام طالبان المتطرّف. كان قدرها مقرّراً قبل ولادتها أن تُلازم منزلها وتساعد أمّها في رعاية والدها وإخوتها الذكور قبل أن تنتقل الى بيتها الزوجي لرعاية «سيّدها» الجديد (زوجها) وأهله. لم يكن مقبولاً الجدال في احتمال أن تُقرّر الأنثى مصيرها بنفسها. لكنّ ملالا، الشابة الشجاعة، كافحت من أجل نيل حقّها في التعليم داخل مجتمع يضغط على الأهل حتى يسلبوا بناتهم كلّ حقوقهنّ.
والدا ملالا أرادا لابنتهما حياة كريمة، وأصرّا على أن تُكمل تعليمها، ولمّا اعتُبر ذهاب الفتاة تحدياً صريحاً لسلطة المجتمع، ضُربت ملالا بالنار على رأسها، أثناء عودتها من المدرسة. وبعد معاناة طويلة خرجت منها بتشوّه خفيف في وجهها وإرادة أكبر في نفسها، أكملت ملالا مسيرتها وحملت قضية بنات بلدها وجالت بها العالم لتصير «أيقونة» عالمية استحقت «نوبل» للسلام قبل عامين. ما زالت ملالا تُكمل دراستها، وتعمل من أجل قضيتها، والأكيد أنّها لاقت مستقبلاً لم تكن تحلم به. فكانت حكاية ملالا التي كتبتها لامب بذرة أمل لا بدّ من أن تنبت في نفس كلّ من يقرأها.
يُمثّل كتاب «نيوجين» شهادة حيّة عن صبية سورية كردية اسمها نيوجين مصطفى، لم تفقد أملها بنفسها يوماً. حين منعتها إعاقتها من الذهاب الى المدرسة، كما هو حال إخوتها، تعلّمت الإنكليزية من الأفلام والمسلسلات التي تابعتها. وأثناء هروبها من سورية جرّاء الحرب المشتعلة في بلادها، شاهدتها الصحافة العالمية تبتسم بعدما قطعت آلاف الأميال من سورية إلى تركيا فألمانيا، كأنها لا تعير معاناة الهجرة أيّ اعتبارٍ. فسرقت الأضواء من الجميع، هي التي لعبت دور المترجم في رحلة القوارب، فكانت المساعِدة لمن معها بدلاً من أن تكون عبئاً ثقيلاً عليهم، هي العاجزة عن المشي وحدها. تعيش نوجين اليوم في ألمانيا، تذهب إلى المدرسة وتشعر بأمان فقدته سابقاً.
بطلتا كريستينا لامب نجحتا في تحويل الألم إلى أمل.
بورتريه:
أذهلت الفنانة التشكيلية الأفغانية رُبابة محمدي (16 عاماً) العالم عبر لوحات جميلة رسمتها بفمها جرّاء شلل في أطرافها. وكانت هذه الفتاة تعاني من الوحدة والانعزال والعجز، نتيجة مرضها، وذكرت أنّها كانت تبكي يومياً لأنّها لا تلعب مثل باقي الأطفال ولا ترتاد المدارس إلى أن فكرت في إيجاد حل يخرجها من حزنها الدفين. هكذا بدأت حكايتها مع الرسم الذي صار شغفها وصنع لها أفقاً جديداً ومنحها الأمل بحياة جميلة، على رغم كلّ التحديات. ترسم الأفغانية الشابة لوحاتها بالرصاص، ولا يصعب عليها أي نوع من أنواع الرسم، وإن كانت تُفضّل رسم الوجوه. وقد رسمت رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، الذي ينحاز دائما الى الفقراء والمعذبين والمهمشين، وصرحت أمام إحدى وسائل الإعلام بأنها تحلم بتنظيم معرض فني لها في متحف أغاخان في كندا.
سير ذاتية:
تحمل «الأوتوبيوغرافيا» (السير الذاتية) الكثير من الحكايات المعبّأة بالأمل، لكونها تقتفي في معظمها قصة صعود بعد إخفاقات وإحباطات. ولعلّ «الأيام» لعميد الأدب العربي طه حسين من أشهر السير الذاتية العربية، وهي تُكرّس معنى الأمل في أبهى صوره. فمن مصيبة كادت أن تنهي حياته، تحوّل عمى البصر الى مفتاحٍ للبصيرة داخل طه حسين الصغير. راح يبحث عن بديل للصور والألوان والحياة التي حُرم منها، وهكذا استحالت القراءة متعته، فاستكمل دراسته حتى نال شهادة الدكتوراه من السوربون، وأطلق العنان لمخيلته فأبدع في كتابة أروع القصص والروايات.
الصبي الذي اعتقد جميع من حوله أنّه خسر مستقبله حين فقد بصره، لم يخسر يوماً أمله بنفسه وبمواهب منحه الله اياّها، فظلّ يعمل الى أن غدا وجهاً من وجوه التنوير في الثقافة المصرية والعربية. جدّد الرواية وتولّى منصب عميد كلية الآداب في القاهرة (1936)، قبل أن يصير وزيراً للمعارف (1950) في الجمهورية حينذاك.
قصائد:
يصعب حصر الأشعار التي تناولت جدلية الألم والأمل، لكنّ قصيدة التونسي أبو القاسم الشابي «إرادة الحياة» تبقى راسخة في أذهاننا، خصوصاً أنّ العالم العربي استحضرها لحظة خروجه من مرحلة «اليأس» إلى «الأمل» خلال الثورات العربية الأخيرة. وفيها يقول: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر/ ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر».
أغنيات:
«الأمل» كلمة ترددت في أغنيات كثيرة، لعلّ أشهرها آخر ما غنته السيدة فيروز «إيه في أمل»، التي عادت من خلالها بعد غياب عن الساحة الغنائية. فقدّمت حفلتين متتاليتين في قاعة البيال (وسط بيروت) وصدح صوتها متحدياً الزمن منشداً
أعذب الكلمات:
«رغم الزهر اللي متلِّي الحقول
شو ما تحكي وتشرحلي وتقول
حبيبي، تا نرجع لأ مش معقول
عندي سنونو وفي عندي قرميد
بعرف شو يعني إذا انت بعيد
بس حبيبي احساسي
ما عاد يرجعلي من جديد
في امل؟ ايه في أمل
أوقات بيطلع من ملل
وأوقات بيرجع من شي حنين
لحظة تا يخفف زعل
وبيذكرني فيك لون شبابيك
بس ما بينسيني شو حصل»...
أفلام:
«لا تسمح لأحد بأن يُثنيك عن هدفك، حتى ولو كنت أنا. اتفقنا؟ إن كان لديك حلم فاتبعه. حين يعجز الناس عن تحقيق أمر ما يقولون لك سلفاً إنك لن تصل اليه أنت أيضاً. تريد شيئاً ما، اذهب وابحث عنه بنفسك».
هذا نصّ شهير من فيلم «البحث عن السعادة» لويل سميت وابنه جايدن، عن قصة حقيقية بطلها الأميركي كريس غاردنر الذي عاكسته ظروف الحياة حين خسر عمله فتركته زوجته وتراكمت ديونه وانتهى به المطاف متشرداً في الشارع مع ابنه الصغير. عرف لحظات إحباط كثيرة، لكنّ يأسه لم يُفقده الأمل بأنه سيحقق ما سعى اليه طويلاً. وبعد طول عذاب، يجد وظيفة جيدة ثم يشرع في تأسيس عمله الخاص ليصير مليونيراً معروفاً. القصة مأخوذة عن سيرة ذاتية كتبها غاردنر نفسه وصدرت عام 2006 بعنوان «البحث عن السعادة».
لوحة تشكيلية:
مثلما شغلت تيمة «الأمل» مكاناً محورياً في أنواع عدة من الأدب، اعتبرت أيضاً موضوعة أثيرة في الفنون التشكيلية على أنواعها. لوحات الأمل، التي عرفتها الإنسانية على امتداد التاريخ، لا تُعدّ ولا تحصى. ومن بين تلك اللوحات، ثمة لوحة رمزية عنوانها «الأمل» للبريطاني جورج فريدريك واتس، محفوظة في متحف «تاتيه ناشونال غاليري- لندن». وهي تُصوّر فتاة تمثّل بأسلوب رمزي فكرة «الأمل»، تجلس شبه متكورة على كرة أرضية، معصبة العينين، تحتضن قيثارة خشبية بوتر واحد وتُلصق رأسها بها كأنّها تحاول أن تسمع عزفاً من خلال الوتر الوحيد المتبقي في تلك القيثارة.
وإذا اخترنا هذه اللوحة تحديداً بين مئات غيرها فلأنها تحاكي واقع الإنسان الحديث في عالمٍ تقلصت فيه مساحة الأمل، من دون أن نفقد ثقتنا به لعلمنا بأنّ الحياة بلا أمل لا يمكن أن تستمرّ أبداً.{
الأكثر قراءة
أخبار النجوم
بالفيديو والصور - محمد هنيدي يحتفل بخطبة ابنته...
أخبار النجوم
ميريام فارس تتعرّض للانتقادات بسبب الحرب...
أخبار النجوم
بالفيديو - كندة علوش تحتفل بعيد ميلاد ابنتها...
أخبار النجوم
السعودية خديجة معاذ تكشف كيف خلعت حجابها وتبكي:...
أخبار النجوم
بالفيديو - الظهور الأول لإيمي سمير غانم بعد...
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024