ابنك مراهق... دعيه ينجز أموره
تبدي بعض الأمهات اهتمامًا مبالغًا فيه بأبنائهن رغم أنهم صاروا في مرحلة المراهقة. فيعملن كل ما في وسعهن من أجل توفير الراحة والرخاء، وغالبًا تقوم هؤلاء الأمهات بالكثير من المهمّات التي من الطبيعي أن تكون مسؤولية الابن المراهق أو الابنة المراهقة، مثل تحضير سندويشات المدرسة، أو ترتيب الكتب أو تعليق الملابس في الخزانة... وعندما تُسأل الأم عن هذا الاهتمام، يكون ردّها «لا أريدها أو أريده أن ينشغل بهذه الأمور»، أو «حرام لديه دروس»، أو بكل بساطة تجيب «أشعر بالسعادة عندما أدلّلهما، كما كانا طفلين».
وفي المقابل، يرفض كثير من المراهقين هذا الأسلوب في التعامل. وأحيانًا يسبّب هذا الدلال غير المنطقي نفورًا في العلاقة بينهم وبين أمّهاتهم، فهم يرغبون في فسحة من الحرية، تسمح لهم بتدبّر شؤونهم كما يريدون.
وهذا طبيعي، فمن المعلوم أن المراهق يسعى إلى الاستقلالية عن أهله، وبالتالي فإن الاهتمام المبالغ يعتبره تدخلاً في شؤونه الخاصة.
وفي مقابل هذا الرفض، يجد بعض المراهقين في هذا الاهتمام المفرط، حجة لعدم تحمل المسؤولية، بل ربما يطالبون بالمزيد من الدلال.
السؤال الذي يُطرح هو إلامَ يؤدي هذا الدلال؟ ولماذا ترفض بعض الأمهات استقلالية أبنائهن المراهقين؟ وكيف يؤثر هذا في شخصية المراهق حين يصبح راشدًا؟ عن هذه الأسئلة وغيرها تجيب الاختصاصية في التربية خلود المعلم.
لماذا تصر بعض الأمهات على منع أبنائهن المراهقين من القيام ببعض المهمات الخاصة بهم؟
بعض الأمهات يصعب عليهن إدراك أن أبناءهن لم يعودوا في حاجة إليهن، وبالتالي يحاولن قدر المستطاع تأخير هذا الجنوح نحو الاستقلالية عند الأبناء.
وهناك أمهات يسعين دائمًا الى المثالية الزائدة في الترتيب والمظهر والنظافة فلا يستطعن توكيل هذه الأعمال لأحد. فيما بعض الأمهات لا يثقن بأبنائهن المراهقين لعدم إدراكهن قدرات هؤلاء الأبناء في هذه المرحلة العمرية.
وهناك أخيرًا من تعتقد بأن على ابنها أو ابنتها المراهقة الاهتمام فقط بالمدرسة والتحصيل العلمي، وأي اهتمام آخر سيؤثّر سلبًا في علاماته المدرسية أو سيكون سببًا في فشله المدرسي.
إلامَ يؤدي اهتمام الأم المبالغ فيه بشؤون ابنتها أو ابنها المراهق؟
إما إلى أداء أكاديمي ضعيف، أو سلوك غير سوي. فنحن كمرشدين تربويين، عندما نستدعي الأم إلى المدرسة لمناقشة وضع ابنها الأكاديمي أو السلوكي، نُفاجأ دائمًا بعبارة: «لا أعرف لماذا يتصرّف على هذا النحو، أو لماذا علاماته متدنية مع أنني ووالده نوفر له كل شيء، وشخصيًا لا أقصّر معه، أمضي طيلة اليوم في خدمته وخدمة إخوته».
وتبدأ الأم بتعداد ما تقدّمه لأبنائها، ومع هذا نرى أن الوضع لا يبشّر بالخير، لأنه ليس مطلوبًا من الأم أن تكون المسؤولة عن كل تفصيل في يوميات أبنائها، ولا سيما إذا كانوا في سن المراهقة، فدورها في هذه المرحلة أن تكون قريبة من أبنائها، وأن تكون ملجأهم في حال كانوا في حاجة إلى مساعدة، لا أن تقوم بالأمور التي أصبحت من مسؤولياتهم.
فمع بداية مرحلة المراهقة، تبدأ شخصية المراهق المستقبليّة بالتبلور تدريجًا. فالتغيّرات التي تحدث على مظهره الخارجي ترافقها تغيّرات داخلية في نموّه العقلي والعاطفي والاجتماعي. فنراه يبحث عن ذاته ليتعرّف عليها، وإن أهمّ مؤشّر يؤكّد له أنّه فعلاً أصبح ناضجًا هو عندما يدرك تمامًا ما يستطيع أن يفعله من مهارات وما يمتلك من قدرات.
ما هو دور الأم في هذه المرحلة العمرية؟
دور الأم هو وضع ابنها المراهق في مواقف تساعده في استعمال مهاراته، وقدراته شيئًا فشيئًا ليثبت لنفسه أولاً ولمن حوله ثانيًا بأنه أصبح ناضجًا بالفعل، وليس فقط بالمظهر.
فمثلما باتت تظهر عليه علامات الرجولة إن كان ذكرًا، أو علامات الأنوثة إن كانت أنثى، ويُعامل على أساس مظهره الجديد، على الأم التعامل معه أيضًا على أساس نضوجه الفكري والشخصي، واحترام سعيه إلى الاستقلالية، وتحديد هويّته.
ويعتبر اهتمامه بمسائله الشخصية مثل تحضير السندويش أو ترتيب الملابس في الخزانة، أو القميص أو كيّه... مؤشرًا إلى ميله نحو الاستقلالية. وعندما تسارع الأم إلى القيام بهذه الأمور بدلاً منه، ظنًا منها أنها تبعده عن التلهي عن درسه أو الشعور بالتعب، فإنها بذلك تكبت رغبته في تحمل المسؤولية، فهذه الأمور وإن بدت بسيطة، تشكل بالنسبة إلى المراهق متنفسًا.
فكم مرة نجد مراهقًا يعيد ترتيب غرفته بالتصميم الذي يرغب فيه! هذه الأشغال البسيطة تمنح المراهق الفرصة في التفكير، وهذا يفسّر استياءه من تدخل والدته.
وفي المقابل، عندما يعتاد على اهتمام الأم بتفاصليه اليومية من الألف إلى الياء، فإنه يصبح اتكاليًا، وبالتالي لن يقوم بأي مبادرة لتحمل المسؤولية، بل يصبح أكثر تطلبًا، وبالتالي يشعر بخيبة أمل إذا لم يحصل على ما يرغب فيه. وهذا يفسر السلوك العنيف عند بعض المراهقين التلامذة.
كيف يؤثر هذا السلوك في شخصية المراهق؟
هناك بذور يانعة في شخصية كل إنسان تنتظر إسقائها في هذه المرحلة بالذات لكي تنبت وتزهر. فإن لم نعطها الاهتمام سوف تجف وتيبس.
هذه هي الصورة الحقيقية، فكل المراهقين يسعون للاستقلالية لأخذ دورهم في الحياة بالشكل الصحيح. لذا فمن أكثر الأمور التي تنمّي شخصية المراهق، هو شعوره بالقدرة على الإنجاز مهما كان نوع هذا الانجاز «أنا أستطيع فعل هذا... إذاً أنا موجود».
وهذا الإنجاز يتدرّج من مستوى إلى آخر بفعل التجربة المتكرّرة، لهذا يجب ترك المجال له كي يتدرّب على الإنجاز شيئًا فشيئًا وفي كل الأعمال بدءًا من تحضير سندويش المدرسة وترتيب غرفته وكتبه والقيام بمساعدة الآخرين في البيت، انتقالاً إلى المدرسة وتمكّنه من الدراسة بدون تدخّل من الأهل أو المدرّس الخاص، وهكذا يبدأ المراهق رحلة الحياة باعتماده على نفسه، وإظهاره كل مهاراته وقدراته.
وعندما يقوم المراهق بهذه الأعمال، يتعرّف على مصاعب الحياة، وأن هذه الأعمال مهما كانت بسيطة إلّا أنها تحتاج إلى جهد وإلى وقت ومهارة في العمل. فترقى نفسه وينمو في أخلاقياته احترام الآخرين الذين كانوا يقدّمون له هذه الخدمات بالمجان. فيتعرّف إلى تعب أمّه وتعب أبيه وتصبح صورتهما في مخيّلته ضمن منطقة الاحترام والتقدير .
ليس هذا فقط، فالإنسان أيضًا خُلق تواقًا للحرية، وفي عمر المراهقة يبدأ هذا الشعور بالظهور بقوّة في موضوع الاختيار، فله الحرية في اختيار الطعام المناسب له، وله الحقّ في اختيار الوقت الذي سيأكل فيه والثياب التي تعجبه وتريحه ويشعر بالثقة بالنفس عندما يرتديها، له الحق في أن يخطئ ويتعلّم من خطئه. فلماذا نحرمه من كل هذه المتعة ومن كل هذه المواقف التي لها الأثر الإيجابي في حياته ومستقبله؟
هل عدم حصول المراهق على استقلاليته يسبب نفورًا في علاقته مع أهله؟
بالتأكيد يسبب نفورًا ويجعل الحياة أكثر تعقيدًا، هو ليس نفورًا بما في هذه الكلمة من معنى، إنّما يُصنّف الشعور هنا في اتجاهين، وهذا بحسب سمات شخصيّة المراهق.
فكما أنّ لكل إنسان بصمة عين مختلفة وبصمة إصبع مختلفة، يكون له أيضًا بصمة خاصة لذاته. فمن المراهقين مَن يملكون شخصيّة واعية ويفسّرون هذا العمل على أنّه تدخّل في حياتهم الشخصية وكبت لحرياتهم ويمنعهم من ممارسة حقهم في الحياة، فيبتعدون عن أهلهم بطريقة سلبية ممكن أن نسميها نفورًا .
ومنهم من ينكمشون على ذاتهم وتتولّد لديهم مشاعر النقص وعدم الثقة بالنفس، فلو كانوا في نظر آبائهم قادرين على الإنجاز لأعطوهم هذه الفرصة.
وهنا يكون الشعور سلبيًا إذ إنّ المراهق يرتبط بأهله ارتباطًا سلبيًا سيؤدي إلى فشله في كلّ المهام التي ستوكل إليه في المستقبل، وسيشعر بالانهزام كلّما ابتعد عن أهله، وفي كلتا الحالتين يكون المراهق في خطر.
ما هي الإرشادات والنصائح التي نستطيع تقديمها للآباء؟
إيجاد روح العمل الجماعي في البيت بين الأهل والأبناء، حيث تتوزّع فيه المهام ويأخذ كل واحد منهم دوره المناسب، وعندما يطمئن الأهل ويتلمّسون قدرات أبنائهم على فعل أمور كثيرة، عليهم الانسحاب تدريجًا إلى الحدّ الذي يصبح فيه الابن مسؤولاً عن خدمة نفسه أولاً وإنجاز الكثير من المهام الأخرى.
فمثلاً على الأمّ أن تطلب من ابنها خدمات معيّنة كالتصليحات من فكّ وتركيب في البيت، والمساعدة في شراء الحاجيات وفي دفع الفواتير وفي متابعة بعض المسؤوليات التي يقوم بها الأب.
وكذلك مع الفتاة، فتوكل إليها مهام الطبخ أو تأخذ برأيها في ديكور المنزل أو أمر العناية بالأسرة أو بالجد والجدّة وتحضير فاتورة الشراء الخ ...
وليسأل الآباء أنفسهم: «هل سنبقى في حياة أولادنا إلى الأبد؟ بالطبع لا، لذا علينا تحضيرهم ليخوضوا معركة الحياة بأنفسهم وبنجاح».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024