في العالم بحيرات جمالها لغز يصعب حلّه
الكوكب الأزرق... الكوكب الذي يدور بنا، يسبح في الفضاء يعانق أزرقه، يسقطه على صفحات البحار والمحيطات والبحيرات، فيبدو المشهد تنافسًا أبديًا بين ما يختبئ في أعماق الماء من عوالم مزركشة بكل ألوان الحياة، وأفق أزرق مهما تلبّد بالسحب والضباب، يعود إلى زرقته، بعدما سقى يابسة تزنّرها طبيعة خلابة لا تشيخ... فكانت هنا بحيرة كبيرة إلى حد تظنّها بحرًا، وبحيرة هناك جوفها ربما أعمق من مثلث برمودا في المحيط الأطلسي... بحيرات رُميت وسط ريف أخضر وبين جبال مهيبة جمالها الأسطوري حفّز مخيلة الشعوب التي تسكن على ضفافها فكتبوا الأساطير حولها.
بحيرة بليتفيك في كرواتيا
عندما تصل إلى كرواتيا وتسأل عن بحيرات بليتفيك سوف تسمع عبارة «انتبه إنها تحف فنية» شكّلت بعناية الخالق. فهذه البحيرات الست عشرة الرائعة تتصل ببعضها عبر الشلالات المائية ترتاح وسط طبيعة خلابة تشاركها بألحانها التي تتحرك مع المياه التي بدورها تنداح بألوان الطبيعة التي تزركشها وأوقاتها المتبدّلة مع دوران الأرض.
هذه البحيرات دخلت ضمن لائحة الحفاظ على التراث الإنساني العالمي، واللافت أنها رغم روعتها، تسمّى أيضًا بحديقة «جهنم» إذ يُحكى أن ملكة الظلمة أغرقت المنطقة بالمياه.
تخترق مغاور الريف المحيط بالبحيرات الست عشرة التي تزنرها غابات خصبة خضرتها لا يمكن إدراكها بالعين المجرّدة، بل يحتاج العقل إلى استيعاب ألوانها، وتمرح في هذه الغابات الدببة البنية والذئاب والطيور النادرة.
في وسط متنزّه بليتفيك جزيرة Peltivika Jezera حيث يمكنك التنزه وسط البحيرات يوميًا. وبين كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير تتجمد البحيرات مما يجعلها ملاذ عشاق الثلج.
ومتنزه بحيرات بليتبفيك هو أقدم متنزّه وطني في جنوب شرقي أوروبا. وتعتبر مجموعة بحيراته الأكثر جمالاً في العالم بسبب عرض الألوان الرائع الذي تتباهى به في أوقات مختلفة من اليوم. أُدرج المتنزّه في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979.
بحيرة هيلير أو البحيرة الوردية في غرب أستراليا
هل تخيّلت يومًا أن يكون لون الماء ورديًا من دون أي تدخل كيميائي! غالبًا يتغير وجه الماء بتغير لون سقف السماء، ولكن أن يكون ورديًا، فمهما تبدّلت أمزجة السماء وأحوال الطبيعة، يبقى هذا سرًا عجيبًا، لم يستطع العلماء حلّ لغزه إلى اليوم.
فبحيرة هيلير، أو البحيرة الوردية السابحة في غرب أستراليا، هي إحدى عجائب الطبيعة. تقع بحيرة هيلير في الجزيرة الوسطى التي هي الأكبر بين الجزر التي تتكون من أرخبيل البحوث في غرب أستراليا، وتشتهر باللون الوردي.
انه ليس مجرد لون وردي على الماء، ولكن الماء في حد ذاته هو وردي حقاً! ومن المدهش أنها لا تستمد لونها من «بيتا كاروتين» الصادرة عن الطحالب عندما يخترق الضوء الماء. كما هو الحال بالنسبة إلى بحيرة ريتبا في أفريقيا التي تستمد لونها من الصبغة الحمراء التي تنتجها طحالب «دوناليللا سالينا» و«الهالو- باكتيريا» التي تستعين بأشعة الشمس لتولّد المزيد من الطاقة.
فاللون الوردي لبحيرة هيلير هو دائم، فحتى لو غرفت من الماء ووضعته في دلو، سوف يبقى اللون ورديًا! وقد حاول العلماء الحصول على عينات لدراسة المياه، ولكنهم إلى اليوم لم يتمكّنوا من العثور على السبب، وجلّ ما وجدوه أن الماء يحتوي على نسبة عالية من الملح.
معلومة:
Dunaliella Salina هو نوع من طحالب أليف الملح الأخضر الدقيقة الموجودة في حقول ملح البحر. والمعروف عنها، نشاطها المضاد للأكسدة نظرًا إلى قدرتها على خلق كمية كبيرة من الكاروتينات، ويتم استخدامها في مستحضرات التجميل والمكمّلات الغذائية.
البحيرة المرقّطة في كولومبيا البريطانية، كندا
تم العثور على البحيرة المرقّطة في أوسويوس، كولومبيا البريطانية في كندا. الميزة الأبرز للبحيرة هي البقع الملوّنة المتعدّدة والتي هي واضحة جدًا وبارزة حتى عندما يُنظر اليها من الطريق السريع.
تحتوي البحيرة على أعلى نسبة من المعادن المختلفة في العالم، وأبرزها كبريتات المغنيسيوم والكالسيوم وكبريتات الصوديوم. وبصرف النظر عن هذه المعادن الثلاثة، تحتوي البحيرة أيضًا على أعلى نسبة من المعادن الثمانية الأخرى، وجرعات صغيرة من الأربعة الباقية، بما في ذلك الفضة والتيتانيوم.
ونتيجة لتبخر كبريت المغنيسيوم خلال الصيف، تتحوّل هذه البقع إلى حلقات بلورية لتشكل الممرّات الطبيعية بين وحول البقع. لقرون خلت، شكّلت البحيرة مكانًا مقدّسًا لشعب أوكاناغان، سكان كولومبيا البريطانية الأصليين.
ويقال إن الحلقات الـ 365 شكّلت بالنسبة إلى هذا الشعب الروزنامة السنوية لتحسب كل حلقة يومًا من أيام السنة. وتشتهر «البحيرة المرقّطة» أيضاً بأنها مركز علاجي للكثير من الأمراض، وقد حاولت غالبية شركات الأدوية شراء حصرية استخراج المعادن لأغراض علاجية، لكنها بقيت محمية يستفيد منها سكان المنطقة الأصليون.
«بحيرة الخمس زهرات» في الصين
تسبح «بحيرة الخمس زهرات» في وادي جيوتشايغو في الصين. وجيوتشايغو تعني «وادي القرى التسع المحصّنة».
وهو محمية طبيعية تقع في شمال مقاطعة سيتشوان الصينية، ويشكل الوادي جزءًا من جبال مين عند حافة هضبة «التيبيت»، ويمتد على مساحة 72 ألف هكتار.
يحضن الوادي الكثير من الشلالات المتعددة المستويات والبحيرات الملونة، والقمم المغطاة بالثلوج. تعتبر «بحيرة الخمس زهرات» الأشهر بين بحيرات الوادي، والأكثر جمالاً إذ تستقطب آلاف السياح في اليوم الواحد.
تقع في نهاية نهر الطاووس على ارتفاع 2472 مترًا فوق مستوى سطح البحر، أما عمقها فخمسة أمتار فقط. هذه البحيرة الضحلة تعكس ألوانًا متعددة، التأمل فيها يحبس الأنفاس.
تجتمع أوراق الشجر بألوان مختلفة عند جبهة البحيرة فتتدخل الألوان لتبدو قماشة مطرزة متعدّدة الألوان. فيما تتناثر في قاع البحيرة جذوع الأشجار القديمة لتتقاطع بفوضى جميلة تعكسها صفحة المياه الفيروزية مع مسحة من الألوان، الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق. أُدرج وادي جيوتشايغو في قائمة مواقع التراث العالمي لليونيسكو عام 1992، ومحمية المحيط الحيوي العالمية عام 1997.
بحيرة تال، باتانغاس، الفيليبين
تقع بحيرة تال في مقاطعة باتانغاس في الفيليبين، وهي ثالث البحيرات اتساعًا في البلاد، وأيضًا من أكثر البحيرات التي نالت نصيبها من الشهرة بسبب عدسات المصورين الذين لا يستطيعون مقاومة هذا الجمال الفردوسي.
لذا هي دائمًا حاضرة في البطاقات البريدية والمجلات، ويرجع ذلك أساسًا إلى مهد أصغر بركان نشط في العالم، «بركان تال».
امتلأت البحيرة بحفرة تال البركانية الكبيرة، وتشكلت من ثوارن البركان عبر التاريخ، والذي يعود إلى 500 ألف عام. أدى تراكم ثوران البركان في نهاية المطاف إلى تحلل محتويات الملح، وبالتالي قضى على ملوحة المياه تمامًا. لذا فهذه البحيرة هي الأكثر عذوبة في العالم.
البحيرة الخضراء في النمسا
تقع البحيرة الخضراء في ستيريا- النمسا، في قرية تراغوب، تزنّرها جبال «هوششفاب» والغابات. استمدت البحيرة اسمها من مياهها الزمردية الخضراء المتدفقة من جبال كارستية. اللافت في هذه البحيرة هو عمقها الضئيل الذي يراوح ما بين متر ومترين شتاء.
وفي الربيع، تخضع البحيرة إلى تحوّل كبير بسبب ارتفاع منسوب المياه الذي يصل إلى 12 مترًا، والناتج من ذوبان الجليد على الجبال فتصبح الحديقة المحيطة بها مغمورة بالمياه لتكون ملاذ الغواصين حيث يتنفسون الصعداء في المياه الخضراء... ويجلسون على المقاعد التي هي في الأساس مقاعد الحديقة، ويجولون بين المسارات، ويلتقطون صورًا للجسر المغمور ولجذوع الأشجار والنباتات والزهور في ظل مياه...!
بحيرة بايكال في سيبيريا في روسيا
رغم أن بحيرة بايكال خامس بحيرة في العالم لناحية مساحة قطرها فهي الأكثر عمقًا إذ يصل عمقها إلى 1637 مترًا مما وهبها لونها الفريد، حيث تتوسطها بقعة داكنة وسط الأزرق الكثيف، تزنّرها أشجار صنوبر الدغلية مما يجعل مناخها منعشًا إلى درجة انفلات الأنفاس رغم المشاهد الخلابة التي تحبسها.
تخضع البحيرة لمزاج مناخ سيبيريا فتتجمّد شتاءً مما يتيح ممارسة عدد من الهوايات غير المألوفة مثل رياضة التزحلق على الجليد أو حتى المبيت في خيمة على أرض جليدية تطفو فوق أعمق بحيرات العالم، وبعض السياح الذين يذهبون إلى الذروة في مغامراتهم يمارسون هواية الغطس ليعيشوا فوضى من الحواس المنداحة بين رهبة الأعماق وسكّانه، خاصة عندما يخترقون قطيع الفقمة في المياه العذبة. بينما يفضّل بعض السياح ركوب القطار Circumbaikal ويستمتعون بمشاهدة سطح البحيرة الجليدي، في مقصوراتهم الدافئة.
اللافت أن هناك جزءًا كبيرًا من البحيرة لم يُكتشف بعد، ويحاول العلماء الأميركيون والروس دراسة الرواسب الأساسية. والمثير للاهتمام، أن كل الرواسب تحتوي على سجلات مناخية تفصيلية يرجع تاريخها إلى نحو 250 ألف سنة. وهذا يعني أن بحيرة بايكال هي ربما أقدم بحيرة في التاريخ الجيولوجي. ويقدر عمرها بين 25 و30 مليون سنة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024