تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

دبي وأبو ظبي: سباق ثقافي محموم!

في وقت تزداد فيه وتيرة العنف في العالم العربي، ويتصارع أبناؤه بعبثية سيزيفية، تبدو مدينتا دبي وأبو ظبي كأنهما خارج هذه الخريطة التي باتت حدودها مرسومة بالدم. الصراع بينهما موجود، وإنما يأخذ شكلاً ثقافياً، بحيث تتنافس الإمارتان الشقيقتان على تقديم ما يُدهش العالم فنياً وجمالياً وهندسياً. وفي هذا السياق، عرضت مجلة Paris Match الفرنسية العريقة تحقيقاً عن الصراع البنّاء بين دبي وأبو ظبي، اللتين تفرضان نفسيهما على خريطة السياحة العالمية بقوة لافتة. أما «لها» فاختارت أن ترصد أهم المشاريع الثقافية في المدينتين عسى أن نُبرز وجهاً جديداً لمعنى التنافس الإيجابي الذي لا بدّ من أن يساهم أخيراً في ارتقاء عالمنا وتهذيب الإنسان في دواخلنا...


● بين الإمارتين
دبي إمارة عربية اختارت لنفسها هندسة عمودية تليق بمسيرتها التصاعدية من أرض صحراوية ملساء إلى مدينة البرج الأعلى في العالم. وضعت تاريخها القديم خلفها وصنعت لنفسها حاضراً مدهشاً يُجاري في تطوره أكثر الدول تقدماً. احتضنت أفخم الفنادق وأجمل الأسواق وأكبر المطاعم، ثم بنت برج خليفة الشاهق (828 متراً)، حيث تتهادى تحته مياه بحيرة اصطناعية تتراقص على أنغام موسيقية بديعة لتسحر السياح الوافدين اليها من كلّ مكان. وهناك ايضاً يجد الزائر دار أوبرا، يديرها غاسبر هوب، الرئيس السابق لـ«رويال ألبرت هول» في لندن.
وعلى بعد 140 كم من دبي، تتجلّى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، مركز القوة السياسية في الإمارات، والطامحة الى أن تكون قلب الخليج العربي النابض فناً وثقافة. وقد استطاعت فعلاً أن توجد لنفسها هوية جديدة عبر مشاريع ثقافية وفنية عالمية.

في أبو ظبي:
● «اللوفر- أبو ظبي»

عام 2017 سيشهد افتتاح «اللوفر- أبو ظبي» متحفاً عالمياً في العالم العربي، على أن يستقبل الزوار من دول ومناطق مختلفة. هو حتماً أحد أهم المشاريع الثقافية في إمارة أبو ظبي، بل في العالم العربي. الاسم نفسه يدلّ على مستوى التعاون غير المسبوق بين دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا، من خلال واحد من أرقى مستويات التعاون الثقافي بين دولتين. وتؤسس هذه الخطوة لعلاقة طويلة ومتينة بين متحف اللوفر، أكبر المتاحف الموجودة في باريس، وأبوظبي، القوة الديناميكية في العالم المعاصر.
زار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أواخر عام 2016، المتحف في أبوظبي مؤكداً خبر تدشينه خلال العام الجديد، ولكن من دون تحديد الشهر المتوقع فيه افتتاحه. ورافق هولاند في زيارته الى اللوفر- أبوظبي، المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل الذي صمّم مبنى المتحف الواقع على «جزيرة السعديات». وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته المتحف إنّ «الهوية غالباً ما توضع في مواجهة العالمية، غير أننا في هذا المكان نجد توازناً جلياً بينهما». وهذا يرسّخ مبدأ الانفتاح الذي قام عليه هذا المشروع الذي يسمح بوجود أول متحف عالمي في المنطقة العربية.
أما المهندس العالمي نوفيل فأكد أنّ الاماراتيين اشتروا إلى الآن 700 تحفة، مخزّنة في مكان سري في إحدى المدن الأوروبية، على أن يتم شراء قطع أخرى خلال الأعوام المقبلة. وبموجب الاتفاق، ستعير متاحف فرنسية كبيرة مثل اللوفر ومتحف أورسيه وقصر فرساي، أعمالاً فنية لمتحف أبوظبي.

● جامعتا نيويورك والسوربون- أبو ظبي:
إضافة الى جامعات وطنية معروفة خليجياً وعربياً بدورها التعليمي والتربوي الرائد مثل جامعة الإمارات العربية أو جامعة الشيخ زايد، اجتذبت أبو ظبي عدداً من الجامعات العالمية حتى صارت مركزاً لأبرز صروح التعليم، منها جامعة «السوربون» الفرنسية العريقة، وجامعة نيويورك الشهيرة. افتتحت جامعة السوربون باريس- أبوظبي أبوابها في العاصمة الإماراتية عام 2006، لتكون أول مؤسسة فرنسية للتعليم العالي تفتح فرعاً لها في منطقة الخليج، وأول فرع خارج فرنسا لواحدة من أعرق الجامعات في العالم. الحرم الجامعي يقع بالقرب من مركز العاصمة على جزيرة الريم، ويطرح مناهج عدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية المتوافرة للطلاب في باريس، والتي يشرف عليها المحاضرون ذاتهم. كما تقدم الجامعة برنامجاً في اللغة الفرنسية لمدة عام للطلاب الذين لا يعرفون الفرنسية. وتهدف هذه الجامعة الى فتح أفق التعليم العربي وتطويره من خلال الاستفادة من الخبرات الأجنبية.
أما جامعة نيويورك- أبو ظبي فهي جامعة بحثية مانحة لشهادات الدراسات والفنون الحرة، أُقيمت في أبو ظبي بالتعاون مع جامعة نيويورك، ويمثل مقر الجامعة جزءاً من الشبكة العالمية لجامعة نيويورك. تم افتتاح الحرم الجامعي في أبوظبي في 2010، واستطاع هذا المشروع التعليمي الرائد أن يكرّس وجه الإمارة الثقافي والتربوي المتطور.

● مركز الفنون في جامعة نيويورك- أبوظبي:
مركز الفنون في جامعة نيويورك- أبوظبي هو أحد الإنجازات الثقافية العالمية في العاصمة الإماراتية. يقدم المركز عروضاً إبداعية في مجالات فنية متعددة، من الموسيقى والمسرح الى الرقص والسينما، ترسيخاً لمكانته كمركز رائد للعروض والفنون المسرحية على المستوى العالمي. هذا بالإضافة إلى عرض إبداعات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والمجتمع المحلي.
تُمثّل دبي عصب الحياة الاقتصادية في الإمارات العربية المتحدة، وقد نجحت في أن تصير مدينة عربية بهوية عالمية. وبعدما ترسخت كوجهة سياحية مهمة، أرادت أن يكون لها موقع في الحياة الثقافية والفنية أيضاً. من هنا، اختضنت دبي، الإمارة العربية الصغيرة، مشاريع ثقافية كبيرة منحتها صبغة جديدة ومميزة.

«أوبرا دبي»: يُعدّ مسرح أوبرا دبي من أحدث الإنجازات الفنية والثقافية في الإمارة. يوم افتتاحه في آب/أغسطس 2016، أدهش البناء الضخم الزائرين بهندسته المعمارية الهائلة. يتّسع المسرح لألفي مقعد، ويتميز بقدرته على التحوّل من مسرح تقليدي بمقاعد متدرجة إلى مسرح عريض بمساحة مسطحة عبر إزالة نحو 1000 مقعد، وتحريك الشرفات في الصالة وتدويرها 180 درجة عند الحاجة. واعتبر الرئيس التنفيذي لدار الأوبرا، غاسبر هوب، أن «أوبرا دبي ستكون المنزل الحقيقي لكل أشكال الترفيه الحيّ والقيّم في الإمارة». تستقبل الأوبرا عروضاً موسيقية كلاسيكية ومسرحيات الباليه والفرق الراقصة.

قرية التراث والغوص : تعرض هذه القرية التاريخ المعماري والثقافي والبحري لإمارة دبي، من خلال موضوعة «الغوص»، التي كانت في يوم من الأيام إحدى أهم الدعائم الاقتصادية من أجل البحث عن اللؤلؤ وبناء المراكب الشراعية. وتعرض القرية أيضاً طرق الترفيه القديمة للسكان البدو والساحل والمقاهي الشعبية والسوق التقليدي الذي يحتوي على المهن التقليدية من صناعة الفخار والنسج. وتقدم القرية أيضاً عروضاً للموسيقى والرقص الشعبي. وتكمن أهمية هذه القرية في أنها تُظهر الوجه الثقافي/ التاريخي الخفيّ لمدينة معلومة ومغرقة في حداثتها.
«متحف الاتحاد »: يقع مبنى المتحف بالقرب من دار الاتحاد التي شهدت توقيع وثيقة تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971. نفذ بناء المشروع، بتكلفة 600 مليون درهم، على مساحة 25 ألف متر مربع. ويأتي اهتمام الدولة بهذا المتحف المهم ضمن حملة كان قد أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تحت عنوان «توثيق المسيرة». ويشكّل المتحف احتفاءً بالتاريخ الإماراتي العريق، ويهدف الى حفظ ذاكرة المدينة الآخذة في الانفتاح والعولمة.

إنه لأمر مبهج أن تتعرض الصحافة الغربية لقضية تخص عالمنا العربي بعيداً عن معاني العنف والقتل والتطرّف. هذا اول ما قد يشعر به قارئ تحقيق «باري ماتش» بعنوانه المثير: «دبي- أبو ظبي: حرب ثقافية؟». ولكنْ، سؤال واحد يظل عالقاً في ذهنك: «بين أوبرا دبي التي تعرض «كسّارة البندق» لتشيكوفسكي، أو «البؤساء» لفيكتور هوغو، وبين متحف «اللوفر- أبو ظبي» حيث تُعرض لوحات لدفينتشي وفان غوخ ومونيه... هل يمكن «الصراع» الثقافي بين الإمارتين أن يخلّف وقعاً إيجابياً على الصراعات السياسية الدائرة في معظم دول المنطقة؟

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079