تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

مهنة لم تعد مقتصرة على الرجال: «الليدي غارد» المرأة تستطيع حماية الآخرين

هند وجيه

هند وجيه

الدكتورة زينب عفيفي

الدكتورة زينب عفيفي

الدكتور عادل الأشول

الدكتور عادل الأشول

داليا العامري

داليا العامري

محمد البرنس

محمد البرنس

سمر مجدي

سمر مجدي

رغم أن البودي غارد، أو الحرس الخاص، كانت مهنة الرجال فقط حتى وقتٍ قريب، خصوصاً أنّ من يستعين بحراسة يبحث عن أشخاص مفتولي العضلات يستطيعون التدّخل السريع عند الحاجة، ها نحن نرى المرأة وقد اقتحمت هذا المجال بعدما أثبتت أنّها أيضاً قادرة على حماية الآخرين، حتى ولو كانت بُنْيتها الجسديّة لا تساعدها على ذلك، فقد عوّضت ضعف العضلات بالذكاء وسرعة البديهة ورد الفعل والقدرة على التدخل في المواقف الصعبة. «لها» تواصلت مع بعض هؤلاء اللواتي خضن غمار هذه التجربة و»انتزعن» لقب «الليدي غارد» عن جدارة واستحقاق، وكان هذا الحوار:


نظرة المجتمع تغيرت
هند وجيه، تعمل في الحراسات الخاصة، تقول: «أهوى الألعاب القتاليّة منذ طفولتي، وقد حزت البطولة مراراً في رياضَتي الكاراتيه والكونغ فو، واتّجهت لهذا النوع من الألعاب لأنّني رأيت أن الفتيات في مصر مضطهدات، بل مستضعفات يتعرّضن لمختلف أنواع المعاكسات والتحرش بلا رادع ولا وازع، وكنت دائماً أنصح صديقاتي بتعلّم أي رياضة قتالية يستطعن من خلالها الدفاع عن أنفسهن، ثمّ تطوّر الأمر بعدما بدأت أطبّق هذه النصيحة على نفسي، إلى أن أصبحت محترفة في هذا النوع من الألعاب. وهكذا بدأت العمل في مجال الحراسات الخاصة، وعُيّنت في شركة للحراسة، وخضعت لدورة تدريبية في الحراسات الخاصّة في أكاديميّة الشرطة المصريّة في منتصف أيار/مايو 2016، وكنت أول فتاة تحصل على هذه الدورة، ونلت أيضاً شهادة موثّقة من وزارة الداخلية للعمل «ليدي غارد» لدى الشخصيات العامّة».
وعن أغرب المواقف التي تعرّضت لها، تقول هند: «كنت في أحد الأماكن العامّة برفقة إحدى الصديقات، فأخذ بعض الشبّان يضايقوننا، وحين حاولت التحدّث معهم، شتمني أحدهم وقذفني بلفظ بذيء، ومن الطبيعي ألّا يتوقّع الرجل أو الشاب أي ردة فعل عنيف، أو حتى الدفاع عن النفس، من الفتيات، فغالبيتهن إذا وُضعْن في هذا الموقف، ليس في مقدورهن سوى البكاء والانهيار، لكنني سرعان ما سدّدت إلى وجهه لكمات عدّة حتى نزف الدم من أنفه ولم يستطع حتى الدفاع عن نفسه، وانتهت الحادثة بتسليم المتحرّش إلى مكتب الأمن».
وعن نظرة المجتمع الى عملها في هذا المجال، تقول هند: «المجتمع يرى أن عمل الفتاة في هذه المهنة أمر جديد وغريب، فدائماً ما نرى فتيات وسيدات يعملن في مجال الأمن في الشركات لتفتيش النساء والحقائب، لكن أن تكون الفتاة «ليدي غارد» بكلّ ما في الكلمة من معنى، فهذا ما لم يتوقّعه الأقارب والمعارف، وحتى أسرتي الصغيرة، لكنهم سرعان ما اعتادوا ذلك وشجّعوني، وهنّأوني على الشهادة الرسمية التي منحتني إياها أكاديمية الشرطة، ولا أخفي أنّها مهنة شاقّة ومرهقة وتحتاج إلى مواصفات خاصة، أهمها التركيز وقراءة المخاطر قبل وقوعها وردود الفعل السريعة، ونصيحتي للفتيات أن يداومن على رياضة معينة من الصغر، فلعبة الكاراتيه، مثلاً، مناسبة جداً للفتيات ومخاطرها قليلة».
وعن الفارق بين الفتاة والرجل في تلك المهنة، تقول هند: «الحارس الخاص الرجُل متوافر إلى حدّ كبير، وبالطبع هو أقوى من المرأة في هذا المجال، لكن هناك بعض المواقف تتطلب وجود فتاة ولا يصلح لها الرجل، فكثير من الشخصيات النسائية المهمة يفضلن أن ترافقهن حارسة أنثى، أي فتاة، وفي هذه الحالة الحارسة هي المطلوبة وليس الرجل، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية المحافظة، لهذا أنصح الفتيات بالإقدام على العمل في هذا المجال لسدّ النقص في العدد المطلوب، فضلاً عن حاجة كلّ فتاة إلى التحصّن بالقوة الشخصية للدّفاع عن نفسها عند الحاجة».

قوة الملاحظة
أمّا سمر مجدي، 27 عاماً، فتحكي قصتها مع هذه المهنة قائلة: «مارست الرياضة منذ الطفولة، لكنّني كنت أهتم بالسباحة ورياضات أخرى تناسب الفتيات، وفي حوالى العشرين بدأت الاهتمام بالألعاب القتالية بعدما شعرت بالميل إلى تلك الرياضات، وبالفعل داومت على لعبة كمال الأجسام في أحد المراكز الرياضية، إلى جانب ممارستي للعبة الآيروبكس، وبعد فترة عرض عليَّ المدرب أن أعمل معه في مجال الحراسات الخاصة، وأن أكون «ليدي غارد» لحراسة السيدات العربيات خلال زياراتهن الى القاهرة، وتأمين المؤتمرات المهمة، فوافقت على الفور ولم أشعر بالغرابة أو الحرج، لأن الكثير من صديقاتي في المركز الرياضي يعملن في هذه المهنة منذ فترة طويلة، وأنا في الحقيقة كنت أنتظر الفرصة لكي ألحق بهنّ، وأوّل حراسة قمت بها كانت لسيّدة عربيّة في القاهرة».
وعن أهمّ المهارات التي يجب أن تمتلكها «الـليدي غارد»، تقول سمر: «من المهم طبعاً أن تكون بنية الفتاة قويّة، وأن تواظب على تمارين التقوية الجسديّة، لكن القوّة وحدها لا تكفي للتأهل لممارسة هذه المهنة، ولا بدّ من امتلاك مهارات أخرى، منها: سرعة البديهة وقوة الملاحظة، فهما أهم من القوّة البدنيّة، لأنّ حراسة السيدات بصورة خاصة لا تحتاج دائماً إلى التدريب على استخدام الأسلحة أو التعامل بعنف، إنما يتمحور العمل حول الحماية من أيّ اعتداء يمكن التعرّض له في الشارع أو بين الناس».
وتضيف سمر: «تلقّيت تدريبات على استخدام الأسلحة الحيّة والعصيّ للتعامل مع الظروف التي تحتاج إلى التدخل بعنف، وفي كثير من المؤتمرات التي نعمل على تأمينها نتزوّد بالأسلحة الحية، وذلك لكثرة الشخصيات المهمة المجتمعة في مكان واحد، وتتم تلك التدريبات بشكل مكثف قبل الذهاب لتأمين المكان أو الشخصية، كما حصلت على عدد من الدورات، بعضها خاص بقراءة الأفكار وغيرها».
وتشير سمر إلى أن عملها في مهنة الحراسات الخاصة لا يؤثر أبداً في حياتها الاجتماعية، ولم تمانع عائلتها في عملها بهذا المجال، كما أنّ مهنتها لا تؤثّر في علاقتها مع خطيبها، رغم أنه طلب منها ألّا تكمل في هذا العمل بعد الزواج، لأسباب عدّة، أهمّها الابتعاد عن المخاطر والتفرغ لبيتها، لكنّها تحاول إقناعه بتغيير رأيه.

وظيفة عصرية
عن تحليل علم الاجتماع للظاهرة، تقول الدكتورة زينب عفيفي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة حلوان، إن «الليدي غارد» وظيفة عصريّة ومستحدثة بدأت تقليداً للغرب من جانب، وكذلك استدعتها ظروف الحياة المعاصرة، التي انطلقت فيها المرأة بقوّة وشجاعة في مختلف مجالات العمل غير التقليديّة، سواء في القطر الذي تعيش فيه أو خارجه، ولهذا بات لدينا سيدات أعمال وفنانات وسياسيات وشخصيات عامة كثيرات الأسفار، ويحتجن إلى الحماية، خصوصاً إذا كان عملهنّ فيه مخاطرة واحتكاك بالجماهير.
وتشير الدكتورة زينب إلى أنّ مجتمعاتنا العربية ما زالت تتحفّظ على عمل بناتها، عموماً، في وظيفة «ليدي غارد» لما فيها من خطورة عليهن، وتأثيرها في أنوثتهن من وجهة نظر الأسرة، ممّا يقلّل فرصهنّ في الزواج، لأنّ الرجل الشرقيّ عموماً، يتجنّب الارتباط بفتاة مفتولة العضلات قويّة الشخصيّة، ولديها قدرة كبيرة على المراقبة والملاحظة وسرعة اتخاذ القرار، ومع هذا، فإنّ المجتمع تقبّل فكرة عمل «الليدي غارد» وتأقلمَ معها، لأنّ واقع الحياة العصريّة يشجّع على ذلك، بالإضافة إلى زيادة الوعي الثقافي لدى الأسر عن ذي قبل، ممّا يعني أنّ المستقبل بات أفضل للراغبات في العمل «ليدي غارد» في المجتمعات العربية المنفتحة على الغرب، وكذلك لكثرة الحاجة إليها، ولا سيّما في الدول التي تشهد اضطرابات سياسيّة وأمنيّة.

اختبارات
على الجانب الآخر، يقول محمد البرنس، مدرب «بودي غاردات»: «كثُر الطلب على عمل «الليدي غارد» بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011، حيث بدأتُ في توفير حارسات فتيات للنساء من الشخصيات الشهيرة، وقد نشط هذا العمل في ظل كثرة توافد الأخوات الخليجيات إلى مصر، وحرْص بعضهن على مصاحبة «ليدي غارد» لمنع المضايقات عنهن».

ويشير البرنس إلى أن المرأة التي تريد العمل في مجال الحراسات، لا بدّ من أن تتمتع بلياقة بدنيّة وبنية قوية وسرعة بديهة وأمانة أخلاقية، ولهذا ليست كل امرأة قوية تصلح لأن تكون حارسة، وتخضع المرشحة منهنّ لممارسة هذه المهنة لاختبارات جادة ومراقبة دائمة وعمل تقرير عنها؛ والاستفسار عن تصرّفاتها من معارفها من وقت لآخر.

وكشف البرنس عن أن أجر «الليدي غارد» أعلى من أجر «البودي غارد»، لقلة عددهن مقارنة بالرجال، وكذلك لتوقف كثيرات منهن عن العمل بمجرد الخطبة أو الزواج والحمل والولادة، كما شهدت مهنتهن ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الطلب عليهنّ، خصوصاً في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مصر منذ ثورة 2011 حتى الآن، حيث أصبحتَ تراهنّ في المدارس والجامعات (أكثر من 25 جامعة) وأماكن العمل كما في المناسبات العامّة، بالإضافة إلى محطّات مترو الأنفاق والقطارات والمصالح الحكومية، حيث تقوم «الليدي غارد» بتفتيش النساء والتعامل مع أي مشكلة معهن؛ وترافق بعضهنّ إعلاميات وفنانات وسياسيّات وشخصيّات عامّة وخاصّة، حيث لا يقلّ الراتب الشهري الذي تتقاضاه الحارسة الخاصة عن 5 آلاف جنيه، ويراوح البدل اليوميّ بين 500 و1000 جنيه، والسبب في ارتفاع أسعارهن أيضاً، كثرة المخاطر التي يتعرّضن لها، حيث لا يخضعن للتأمين الصحّي أو الاجتماعي، ممّا يجعل حياتهن عرضة للخطر.
ويلاحظ البرنس أنّ الشخصيات النسائيّة الشهيرة يُفضّلن «الليدي غارد» المصرية على تلك الأجنبية، إلّا إذا كانت كثيرة الأسفار وتبحث عن «ليدي غارد» لها مواصفات خاصّة من حيث التعليم والثقافة وإجادة اللغات والتعامل مع الأجانب والإلمام بأصول الإتيكيت، خصوصاً أن كثيراً من العاملات في هذا المجال لسْن على قدر كبير من التعليم، فضلاً عن أنهن إجمالاً من بنات الطبقات الاجتماعية والاقتصاديّة المتوسطة.

مضايقات
تؤكّد داليا العامري، مدرّبة ملاكمة ولاعبة رفع أثقال منذ عشر سنوات، أنّها، شخصيّاً، لا تعارض أبداً فكرة عمل المرأة حارسةً خاصّة، وتقول: «هي مهنة مثل باقي المهن، بالعكس؛ وكثير من العاملات في هذا المجال يقمن بهذا العمل من منطلق مساعدة الناس وتحقيق الأمن لبعض المستهدفات، إلى جانب أن فتيات كثيرات يطلبن «الليدي غارد» لحمايتهن من بعض المضايقات التي يتعرّضن لها؛ مثل التحرش وخلافه، فهي مهنة شريفة للرجال والنساء على حد سواء، لكن الأهم أن تبتعد الفتاة عن إيذاء الناس، والتفاخر بقدراتها الجسمانية إلى حد ارتكاب الحماقات».
وتضيف داليا أنّها تدرّب الفتيات على الملاكمة لتعليمهنّ كيفيّة الدفاع عن أنفسهنّ أولاً، إلى جانب تدريبهنّ على ردّ الفعل السريع، وحسْن التصرّف في المواقف المختلفة، كما أن ممارسة الرياضات بالنسبة إلى الفتيات تمنحهنّ المزيد من الرشاقة والتناسق الجسدي من دون أن تصبح الفتاة شبيهةً بالرجل، فهورمون النّمو العضلي عند الذكور وهو «التستوستيرون» موجود أيضاً عند الإناث، لكن إلى حدّ ضئيل جداً، كما هو الحال بالنسبة الى هورمون «الإستروجين» الأنثوي، فهو موجود أيضاً لدى الرجال، فهل إذا أكل الرجل الشوكولاتة مثلاً– وهي محفزة لهورمونات الأنوثة- سيتحول إلى امرأة؟ بالطبع لا، كذلك هي الحال بالنسبة إلى رفع الأثقال أو كمال الأجسام، فهي رياضات يمكن الفرد ممارستها بصورة عادية جداً، سواء أكان ذكراً أم أنثى.

قدرات نفسية
عن المواصفات النفسية للنساء العاملات «ليدي غارد»، يفيدنا الدكتور عادل الأشول، المدير السابق لمركز الإرشاد النفسي، بأنّ الفتيات إجمالاً، لا يصْلحن لهذا العمل لما فيه من مخاطر، ولهذا لا بدّ من توافر مواصفات نفسية خاصّة لدى «الليدي غارد»، أهمّها قوّة الشخصيّة، والقدرة على مواجهة المخاطر بـ»قلب ميت»- كما يقال- فهي ليست الأنثى الرقيقة المشاعر، التي تتّصف بالحياء والخجل، بل برباطة الجأش وسرعة اتخاذ القرار، من خلال قوّة الملاحظة والبديهة التي يفرضها عليها حسّها الأمني، الذي تكتسبه بالتدريبات العمليّة مع المحاضرات النّظريّة على أيدي خبراء أمنيّين.
ويشير الدكتور الأشول إلى أن «الليدي غارد «قد تعاني نوعاً من عدم الاستقرار، إذا لم تستطع الفصل بين دورها المزدوج كزوجة وأمّ من جهة، وعملها «حارسة شخصية» من جهة ثانية، لهذا لا بدّ من تأهيلها نفسياً للتّوفيق بين الدورين.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079