تصالحي مع نفسك لتعيشي السلام الداخلي
كم مرة سمعتِ بالشعارات المنادية بضرورة التحلّي بالإبداع والإيجابية، وتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة... لكنك لن تتطوري أبداً يا سيدتي طالما أنك ستبقين خاضعة للديكتاتورية والأوامر المفروضة عليك. تحرّري من كل القيود والأعراف واعقدي الصلح مع نفسك...
تبدلت ظروف عيش المرأة هذه الأيام، بحيث باتت معظم النساء مجبرات على التوفيق بين حاجات العائلة ومستلزمات العمل، والحرص على عدم التقصير تجاه الزوج والأولاد من جهة، وتجاه المسؤول عن العمل من جهة أخرى. هكذا، تجد المرأة نفسها أمام الكثير من الواجبات، والمسؤوليات، والمهمات، والقوانين، والأنظمة، والأعراف...
حياة محمومة وراحة معدومة
مع مرور الوقت، يتراكم الضغط والتعب وتصبح المرأة مرهقة ومنهكة، وتقول لنفسها أو للمقربين منها إنه لم يعد في وسعها الاستمرار في هذا النمط من الحياة. إنها نتيجة حتمية وبديهية لأسلوب العيش المحموم... فالمرأة تعذّب نفسها طوال اليوم للالتزام بقواعد محددة، ومحاكاة نماذج لا تشبهها أبداً، والظهور في أبهى حلّة بهدف إرضاء الآخرين، وتلقي المديح، والإحساس بالفاعلية في المجتمع... لكن في خضم هذه الحلقة المحمومة، تنسى المرأة نفسها واحتياجاتها وراحتها الخاصة. وقد يكون هذا أفظع خطأ ترتكبه في حق نفسها.
الحل؟ عقد الصلح مع الذات، والتحرر من كل القيود الخارجية المفروضة علينا، والابتعاد عن كل الذبذبات السلبية...
سبل التصالح مع الذات
يجب التصالح مع الذات بأي وسيلة ممكنة وفق الدكتور اسحاق لطوف، الاختصاصي في جراحة الأعصاب. لكن التأمل قد يكون الوسيلة الفضلى، علماً أن لا حاجة أبداً الى تعلم هذه التقنية لأنها تولد معنا أساساً. يكفي أن يؤمن المرء بتصالحه مع نفسه حتى يصبح خالياً من الهموم، بعيداً عن الضغوط، ومتحرراً من أوهام الأعراف. ويضيف الدكتور لطوف أن التأمل يهدف إلى «تنظيف الروح من السموم»، إذا جاز التعبير، وتحلي المرء بالصدق مع نفسه.
فحين تجد المرأة نفسها مجبرة على الاهتمام بزوجها وعائلتها، وتلبية كل احتياجاتهم من دون أي تقصير، وملتزمة في الوقت نفسه بدوام عمل مرهق، تفقد حماستها وديناميتها، وتشعر بأنها تفتقر الى الحرية الشخصية، لا بل مكبّلة بقيود التوقعات. يطلب منها الجميع أن تكون أفضل وأحسن، مما يجبرها على بذل جهود تفوق طاقتها وقدراتها لتصل إلى المثالية على كل الصعد. والمؤسف أن الكمية باتت تتفوق على النوعية في العديد من المجالات، مما يجبرنا على بذل جهود أكبر لتلبية تلك التوقعات.
ولا تعتقدي يا عزيزتي المرأة أن تحرير نفسك من القيود والضغوط والتوقعات سيجعلك في عزلة عن بقية المجتمع. على العكس، سيكون هذا التحرر وسيلة للتواصل مجدداً وبفاعلية مع المجتمع.
ما عليك إلا الانكفاء قليلاً للتواجد مع نفسك دون سواها، وتحرير عقلك وروحك من كل الضغوط، قبل العودة مجدداً إلى صخب الحياة. فاستعادة الهدوء والتوازن ستساعدك بلا شك على الانطلاق في عملك، مهما كان نوعه ومكانه، بزخم أكبر وقوة أفضل.
نصائح معزِّزة للسلام الداخلي
قال الامبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس: «إن الذي يعيش بسلام مع نفسه يعيش بسلام مع العالم». لا بدّ إذاً من التصالح مع الذات للتمكن من التصالح لاحقاً مع العالم. لهذه الغاية، لا بد من التمتع بالسلام الداخلي وراحة البال، والابتعاد عن كل الضجيج والفوضى، واللجوء في المقابل إلى الهدوء والسكون بكل الوسائل الممكنة.
يركز الدكتور لطوف على ضرورة اتباع بعض الإجراءات للتصالح مع الذات والإحساس بالسلام الداخلي:
● التعرف إلى الذات المثالية: حدّدي يا عزيزتي المرأة ما هي الصفات الجيدة التي ترغبين في تعزيزها وتقويتها في شخصيتك. هل تريدين أن تصبحي أكثر صبراً، أو تسامحاً، أو لطفاً، أو قدرة على التحمل؟ كيف ستكون استجابتك للصعوبات التي تعترضك؟ ما هي المبادئ التي تتشبثين بها وترفضين التخلي عنها؟
● التخلي عن المثالية لجعل الحياة أكثر سهولة. اسمحي لنفسك بارتكاب بعض الأخطاء شرط إحراز التقدم في النهاية.
● تحديد الأولويات، لا سيما إذا كانت حياتك مليئة بالواجبات والمهمات المتعددة. توقفي فوراً عن الاهتمام بالأشياء الثانوية، أو الأشياء غير المهمة بالنسبة إليك، وركزي عوض ذلك على الأولويات الأهم في حياتك.
● إجراء تعديلات فورية. إذا أزعجك شخص ما أو شيء ما، ابتعدي فوراً عنه. وفي المقابل، إذا شعرت بأنك أخطأت في حق شخص أو في إنجاز شيء معين، صحّحي ذلك الخطأ بأسرع ما يمكن للإحساس براحة البال.
● معالجة المشكلات العالقة بأسرع ما يمكن. لا تفكري فيها مطولاً، بل حاولي إنهاءها للقضاء على التوتر الناجم عنها. فكلما تأخرت في معالجة المشكلة العالقة، ازداد التوتر داخلك وتأثرت سلباً حياتك.
● الاعتماد على القلب والعقل. لا تعتمدي على الأول دون الآخر. حاولي التوفيق بين الأمرين بحيث تتعاطفين مع الآخرين، وإنما تتصرفين بحزم وعقلانية مع كل ما يزعجك أو يعترضك.
● إبطاء الوتيرة. فالعواطف تتراجع إلى الوراء إذا تراجعت أنت أيضاً. اختاري السرعة البطيئة أثناء المشي أو الكلام أو تحريك الجسم حتى تشعري في المقابل بتوتر أقل.
● إزالة الفوضى من العقل والبيئة المحيطة بك. خصصي 5 دقائق فقط كل يوم لإزالة الفوضى من مكان عملك أو من الغرفة التي تتواجدين فيها. فالمساحة المرتبة والنظيفة، الخالية من كل أشكال الفوضى، تساعدك حتماً على التفكير بوضوح أكبر. نظّمي أيضاً حياتك ومنزلك، وحاولي جعل كل الأمور بسيطة قدر الإمكان للعيش في بيئة أكثر استرخاء.
● اعتماد البساطة في كل شيء. كلما كانت حياتك بسيطة، شعرت براحة أكبر واسترخاء أكثر. تخلّي عن كل التعقيدات غير اللازمة لأنها تسبب لك توتراً أنت في غنى عنه. اكتفي بالأمور الأساسية، وتخلّي عن كل ما هو فائض وغير ضروري.
● التفكير في المدى البعيد. قد تشعرين بغضب فوري بسبب تراكم المهمات أو المسؤوليات عليك، لكن لا تنفعلي وتتصرفي بطريقة قد تندمين عليها لاحقاً. فكّري في المدى البعيد، وفي ما يمكن أن تفضي إليه تصرفاتك وانفعالاتك. هل سيكون هذا السلوك مفيداً لك؟ هل سيمنحك راحة البال؟
● الانطواء قليلاً. حين تشعرين أن الضغوط باتت كبيرة ولم تعودي قادرة على التحمل، ابتعدي عن الجميع وانطوي على نفسك. طالعي كتاباً تحبينه، أو أصغي إلى الموسيقى التي تعجبك، أو شاهدي الفيلم الذي ينسيك كل همومك. قد تبدو لك هذه الأمور بسيطة، لكنها فعالة جداً في القضاء على التوتر وتحفيز الاسترخاء.
● التنفس بعمق. عند الإحساس بالتوتر أو الانزعاج، اعتمدي وضعية مريحة وتنفّسي بعمق من بطنك لمدة دقيقتين. ركزي فقط على الهواء الذي يدخل إلى جسمك ويخرج منه. سوف تشعرين بعدها بالهدوء.
● تكريم الذات. لا تنتظري من أحد أن يكرّمك ويقدّرك. افعلي ذلك بنفسك ولنفسك. قدّري نفسك ودلّليها وكرّميها بكل الوسائل المتاحة. وسوف تلاحظين أنه كلما دلّلت نفسك، تحسن أداؤك وتعاطيك مع المحيطين بك.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024