تجارب واقعية لنساء انتصرن عليها... كيف تقهرين السُمنة؟
كثيرات يعانين من السمنة، وقليلات فقط هن اللواتي يخرجن منتصرات عليها، لكنَّ تجاربهن تحمل أملاً لغيرهن بأن قهر السمنة ليس مستحيلاً. «لها» ترصد قصصاً واقعية لنساء عرفن كيف يتخلصن من الوزن الزائد، وتكشف أسرار تلك التجارب وآراء خبراء التغذية وعلم النفس والاجتماع فيها.
الموضة كانت الدافع
تُعد تجربة ياسمين أحمد، 16 سنة، مشجعة للغاية، وتقول عنها: «لم أهتم بمشكلة وزني الزائد من البداية بسبب صغر سني، لكن بعد بلوغي سن الخامسة عشرة أصبحت أهتم بالملابس والموضة، ووجدت أن كل الملابس التي أرتديها لا تليق بسني الصغيرة، حيث كنت أضطر لشراء ملابس السيدات، فقد كان وزني 88 كيلوغراماً، وهذه البدانة سببت لي مشاكل صحية كثيرة، أهمها ضيق التنفس المستمر، والتعب العام في الجسم، مع أقل مجهود أبذله، رغم أن الطبيعي في سني أن أتسم بالنشاط والحركة، ومما ضاعف شعوري بالضيق أنني لم أكن بدينة في طفولتي، لكن زاد وزني بسبب إفراطي في تناول الطعام».
وتوضح ياسمين، الطالبة في الصف الأول الثانوي، أن واقعها دفعها للبحث عن طريقة جادة لإنقاص وزنها، وتقول: «لم أفكر في الذهاب إلى طبيب لإنقاص وزني، حتى لا أحرم نفسي من الطعام، فقد كنت آكل مع أسرتي بشكل طبيعي لكن بكميات قليلة، كما ابتعدت عن تناول المشروبات الغازية والشوكولاتة والمعجّنات، واعتمدت على الخبز الاسمر واللبن الخالي الدسم. وفي الحقيقة، كان هذا النظام سبباً في إنقاص الكثير من الكيلوغرامات الزائدة، إذ أصبح وزني 65 كيلوغراماً في غضون ثلاثة أشهر، ولا أخفي أنني واجهت الكثير من المتاعب في الأسبوع الأول بسبب التخفيف من كميات الطعام، لكنني اعتدت بعد ذلك على الأمر».
وتشير ياسمين إلى أنها وبعد انتصارها على السمنة أصبحت تشارك في مسابقات الجمال، وحصلت على جائزة في إحدى المسابقات عن جمال الوجه الطبيعي الخالي من المساحيق، لأن حياتها اختلفت تماماً بعد فقدانها 23 كيلوغراماً من وزنها، بحيث أصبحت ترتدي الملابس التي تعجبها، وبالتالي تحسّنت صحتها وباتت تتحرك بسهولة، والأهم من ذلك إصرارها على متابعة النظام الغذائي لما فيه من فوائد صحية على الجسم، بعيداً عن إنقاص الوزن، وقد نشرت ياسمين أخيراً مقطع فيديو على «يوتيوب» تحكي فيه تجربتها حتى تستفيد الفتيات منها.
لا للرضوخ
في البداية تروي هند عبدالهادي، 29 عاماً، مهندسة ديكور، تجربتها في الانتصار على السُمنة قائلة: «كنت أعاني مشاكل صحية كثيرة، لدرجة أنني عجزت عن الحركة أو الوقوف لفترة طويلة، وكنت أشعر بالتعب وبضيق في التنفس لمجرد حملي حقيبة اليد. وبعيداً عن المشكلات الصحية، كنت أعاني صعوبة يومية في المواصلات، فقلت في نفسي: لماذا أرضى بهذا الوضع؟ إلى متى سأظل أتكيف مع المتاعب التي سبّبتها لي السمنة؟ لماذا أحرم نفسي من الرياضة وارتداء الملابس التي تواكب الموضة؟ ومن هنا بدأت التفكير في الذهاب إلى طبيب أو تناول الأدوية أو اتباع الأساليب المتعارف عليها».
وتضيف هند التي تعيش في كنف أسرة يعشق أفرادها الطعام وأوزانهم ثقيلة: «في آذار/مارس 2015، قررت أن أتّبع خطة بغية إنقاص عشرة كيلوغرامات من وزني على الأكثر، حتى يتحسن نمط حياتي وأستطيع التحرك بسهولة، لكنني فوجئت بأن وزني يتناقص بسرعة حتى فقدت 20 كيلوغراماً منه، فراق لي الأمر، وواصلت هذه الخطة حتى خسرت 40 كيلوغراماً وصار وزني أقل من مئة كيلوغرام، عندها تعددت اختياراتي في الملابس وأصبحت صحتي أفضل، واستمررت في الخطة الى أن أصبح وزني 74 كيلوغراماً، وهو وزن يتناسب مع طولي (176 سم)، ومع ذلك أطمح الى أن يصل وزني 68 كيلوغراماً، وهو الوزن المثالي بالنسبة إليّ».
وعن الخطة التي اتبعتها لتخسر أكثر من 65 كيلوغراماً من وزنها، تقول هند التي تنوي العمل في مجال التغذية من واقع تجربتها: «في الفترة التي سبقت إنقاص الوزن، كنت أعشق تناول الوجبات السريعة بكل أنواعها، وكنت آكل من أن دون أفرّق بين طعم المأكولات، فكل ما كان ما يهمني هو إشباع رغبة الجوع فقط، لكن بعدما قررت إنقاص وزني، ابتعدت عن المأكولات التي تسبب السمنة؛ مثل النشويات والحلويات والدهون، وأصبحت آخذ منها النِسب التي يحتاج اليها جسمي، كما اتجهت لتناول الشوفان والفريك والخبز الأسمر بكميات معقولة، وهي نشويات مفيدة، وبالتالي واظبت على ممارسة الرياضة، فهي مهمة جداً للحصول على قوام رشيق. أما النقطة الأهم في هذه التجربة، والتي أنصح بها كل من تريد إنقاص وزنها، فهي عدم ربط الحالة النفسية، أو تفريغ شحنات الغضب أو الحزن بتناول الطعام».
كلمة السر
تحكي ندى سويلم، 28 عاماً، عن تجربتها في إنقاص وزنها، وتكشف الصعوبات التي كانت تعانيها، قائلة: «لطالما عانيت من فقدان الثقة في نفسي بسبب وزني الزائد، وتطور الأمر إلى درجة أن أُصبت بالاكتئاب بسبب عدم رضائي عن شكل جسمي، هذا إلى جانب المشكلات الصحية التي واجهتها، مثل آلام الظهر وخشونة الركبتين وارتفاع ضغط الدم، وباختصار كنت أشعر كأنني سيدة مسنّة وأنا شابة في العشرينيات».
وتضيف ندى: «خضت أكثر من تجربة فاشلة لإنقاص وزني، أهمها تجويع نفسي وتناول وجبة واحدة في اليوم، كما أخذت أقراصاً للتنحيف، واتّبعت حميات غذائية مختلفة، لكن كل هذه التجارب فشلت، عندها وجدت أن من الضروري أن أغيّر نمط حياتي وأتمتع بشبابي، ولم أكن أهدف من وراء ذلك الى التخلص من البدانة فقط، بل الى تحسين صحتي أيضاً، فلم أقلّل من كميات طعامي، إنما ابتعدت عن النشويات والدهون، واتجهت لممارسة الرياضة بصورة مكثفة، والتي أعتبرها كلمة السر في إنقاص الوزن، وبعد المواظبة على رياضة رفع الأثقال خسرت أكثر من 25 كيلوغراماً من وزني، عندها تخلصت من آلام الظهر والمفاصل، ولم أكتف بهذا فحسب، بل عملت على شد الترهلات التي حدثت في جسمي نتيجة خسارة الوزن والعمل على تقوية العضلات».
وعن التغيير الذي حدث في حياتها بعد حصولها على قد ممشوق، تقول ندى: «الأهم من إنقاص الوزن هو تقوية الجسم والحصول على صحة أفضل، فلا فائدة للجسم إذا كان نحيلاً، والآن أصبحت ألعب مع أولادي ولا أشعر بالتعب كالسابق، وأواظب على الذهاب الى النادي لممارسة الرياضة، كما استعدت ثقتي في نفسي، وتخليت عن العصبية التي كانت تسبّبها لي السمنة».
الريجيم السحري
تقول مروة الزارع، 32 عاماً: «نشأت في أسرة تعشق الطعام، إذ كانوا يظنون أنهم ولدوا ليأكلوا فقط، وطبعاً توفي الكثير منهم في أعمار صغيرة بسبب الأمراض التي سببتها لهم السمنة، وكنت أحمل منذ صغري لقب «قلبوظة»، فمنذ بدأت التعرف على الطعام لم أتركه أبداً، واعتدت ألا أتوقف عن التهامه حتى ينفد، وفي سن المراهقة تعرضت للكثير من المشاكل الصحية بسبب زيادة وزني، وجربت كل الطرق التي يتبعها الناس لإنقاص وزنهم؛ بدءاً من الإبر الصينية والأعشاب الطبيعية وحزام التنحيف، وصولاً الى زياراتي المتكررة لعيادات الأطباء، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، كما أن النظام الغذائي كان يُشعرني بالحرمان والملل والاكتئاب، فأُقلع عنه».
وتضيف مروة التي خسرت 48 كيلوغراماً من وزنها: «بعدما تزوجت وابتعدت عن أسرتي الشرهة على الطعام، كانت المفاجأة أنني تزوجت من رجل هو الآخر بدين، لكنني علمت أن السمنة تنغّص حياة الزوجة خاصة عند الإنجاب، وكان وزني حينها 118 كيلوغراماً، فقررت أن أتّبع حمية غذائية جديدة، من دون أن أحرم نفسي من الطعام، وكانت النتيجة أن وصل وزني إلى 70 كيلوغراماً، وأظنه وزناً مثالياً بالنسبة إليّ، كما أن زوجي الذي كان يعاني من السمنة، اتّبع النظام الغذائي نفسه وحصلنا على نتيجة مُرضية».
عن الحمية الغذائية التي اتبعتها؛ تقول مروة: «اتبعت نظاماً غذائياً أطلقت عليه اسم «الريجيم السحري»، وكان يعتمد في الأساس على تحديد السعرات الحرارية التي يحتاج اليها جسمي، ووجدت أن السيدة الطبيعية تحتاج إلى حوالى 2000 سعرة حرارية في اليوم، وبعدها صرت أحسب عدد السعرات، وكنت أتناول يومياً حوالى 1200 سعرة حرارية، وبالتالي خفّضت 800 سعرة وهي كافية لحرق 60 غراماً من الدهون يومياً، أي أنني كنت أفقد من 2 إلى 4 كيلوغرامات شهرياً، وهو نظام سمّيته «التخسيس البطيء»، وأظن أنه أفضل نظام، خاصة أن الدهون التي نتخلص منها ببطء من الصعب أن تعود مرة أخرى، هذا إلى جانب المواظبة على الرياضة».
تحذير
عن أسباب زيادة الوزن وكيفية التغلب على السمنة، يقول الدكتور أحمد سلامة، استشاري السمنة والنحافة والعلاج الطبيعي، إن زيادة الوزن تُسبب للشخص البدين آلاماً في العمود الفقري والمفاصل؛ خاصة الركبتين، وفي هذه الحالة يجب الإسراع إلى إنقاص الوزن، بغية تخفيف الثقل على المفاصل عند القيام بالحركات اليومية؛ مثل صعود السلّم والصلاة والتنقل... ومن الضروري عند الوصول إلى هذه المرحلة ألا يتعامل الناس مع مسألة إنقاص الوزن على أنها اهتمام بشكل الجسم، بل يجب النظر إلى السمنة كحالة مرضية.
ويضيف الدكتور سلامة أن هناك وسائل كثيرة لإنقاص الوزن، منها ما هو فعال وما هو غير فعال، وهذا المجال تربة خصبة للنصب والاحتيال، وقلّة من يعملون في هذا المجال ويكونون على علم ودراية بأسرار المهنة، وأكثر الطرق الفعالة في إنقاص الوزن، وفق منظمة الصحة العالمية، هي التخفيف من السعرات الحرارية الداخلة إلى الجسم، ذلك من طريق ضبط أسلوب الطعام ونوعيته، تحت إشراف اختصاصي تغذية، وزيادة السعرات التي يطرحها الجسم من طريق ممارسة الرياضة تحت إشراف اختصاصي تأهيل بدني أو علاج طبيعي، بحيث تتناسب مع الحالة الصحية للمريض، ومن المهم أيضاً في هذه الطريقة ألا يتم الامتناع التام عن تناول بعض الأطعمة، للحفاظ على العناصر الغذائية المهمة التي يحتاج اليها الجسم.
وعن السن المناسبة لإنقاص الوزن، يقول الدكتور أحمد سلامة: «على المريض في أي مرحلة سنّية أن يسارع إلى إنقاص وزنه، طالما أن هناك شكوى بسبب السُمنة كمرض، وطبعاً سن الشباب هي السن الأكثر سرعة في إنقاص الوزن، ذلك لتمتعهم بالطاقة والنشاط والقوة، وبالتالي تكون معدلات إنقاص وزنهم أكبر مما لدى الكبار في السن، لكن الأهم في كل هذا أن يخضع الشخص لتحاليل طبية، لتجنب أن تكون هذه السمنة ناتجة من مرض آخر».
العامل النفسي
تؤكد الدكتورة وجيهة التابعي، أستاذة علم النفس في كلية الدراسات الإنسانية، أن السمنة – خاصة بالنسبة الى النساء - أصبحت مرض العصر الذي يستشري في مجتمعاتنا، حتى تحولت إلى مرض يؤثر سلباً في الصحة، ويصيب الجسم بالأمراض، ولهذا يعاني صاحبها آلاماً نفسية تؤثر مباشرة في علاقاته وحياته الاجتماعية.
وتضيف الدكتورة وجيهة أن الكثير من أصحاب الوزن الزائد – من الجنسين - مرّوا في طفولتهم بأحداث قاسية، أو حظوا بتدليل مفرط، فوجدوا في الطعام مخدّراً لآلامهم وأفراحهم على حد سواء، مشيرة إلى أنه غالباً ما يصاحب السمنة شعور بالضعف والانهزام والخنوع، ليس أمام سخرية الناس فقط؛ بل أمام الوجبات الشهية أيضاً، لأن علاقة البدين بالطعام أشبه ما تكون بصراع حقيقي، ولهذا فإن الطعام هو الملاذ الآمن، بسبب ما يشعر به البدين من عدم الرضا وضعف الثقة في النفس والانطواء على الذات، وهذا ما يؤدي إلى السمنة.
وعن وسائل الانتصار على السمنة، خاصة بالنسبة الى السيدات، تقول: «هذا يتطلب إرادة قوية وصبراً ومثابرة وجدية، لأن البدين يعاني ضعفاً في تقديره لذاته، وتنعدم ثقته بنفسه، فهو يرفض جسده ويكره تلك الشحوم التي تنام معه وتفيق، والعامل النفسي عنصر هام في الانتصار على هذا الحمل الثقيل».
أما الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع، فترى أن المرأة البدينة تكون أكثر عرضةً للانتقاد من الآخرين، مما يزيد من شعورها بالانطواء والانعزال عن المجتمع، الذي يلفظها أو يشفق عليها شفقة قد تكون قاتلة من الناحية النفسية.
وتطالب الدكتورة سامية المجتمع بتغيير نظرته إلى البدينة وعدم السخرية منها والتوقف عن انتقادها، الذي يزيد من معاناتها، فالمجتمع - خاصةً أسرتها – لا بد من أن يكون عامل تحفيز وتشجيع لها كلّما فقدت كيلوغراماً من وزنها الزائد، فهذا التشجيع يسرّع انتصار المرأة على السمنة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024