تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

امتحان الفصل الأول... نتائج إبني كارثية!

يتلقى التلامذة نتائج الفصل الأول من العام الدراسي... بعضهم نزلت عليه النتائج بردًا وسلامًا، فيما كانت بالنسبة الى بعضهم الآخر سيئة جداً. كيف يمكن الأهل التصرّف بطريقة بنّاءة لمساعدة ابنهم؟ وهل النتائج السيّئة في الفصل الدراسي الأول تعني بالضرورة رسوبًا في نهاية العام؟
يرى اختصاصيو التربية أن على الأهل في البداية أن يفهموا لماذا فشل ابنهم في الحصول على نتائج جيدة. لذا فالخطوة الأولى هي البقاء على تواصل مع المدرسة والتلميذ، وهذا يتطلب متابعة دورية ودائمة. إذ لا يجوز أن يتنبّهوا إلى المشكلة فقط عندما توزّع نتائج الامتحانات، فمن المهم تقويم أداء التلميذ الأكاديمي من خلال المتابعة.

وقعت الواقعة ونتائج التلميذ سيئة، فماذا على الأهل القيام به؟
من المهم فهم الأسباب، لماذا رسب التلميذ؟ عليهم أن يبادروا في طلب موعد مع الأساتذة، خصوصًا أولئك الذين كانت درجات ابنهم في المواد التي يعطونها متدنية جدًا، فمن المهم أن يعرفوا وجهة نظر الأستاذ، وهذا اللقاء يسمح لهم بتوضيح أسباب الفشل.
فربما هناك أمور لا يفهمها التلميذ، خصوصًا أنه ومع ترفّع التلميذ من مرحلة مدرسية إلى أخرى تزداد المواد التي يتلقاها صعوبة، وبالتالي يحتاج ذلك منه، المزيد من التركيز في الصف، والمزيد من العمل في البيت، فهل يبذل التلميذ مجهودًا مضاعفًا، أم أنه يستخف بإنجاز فروضه!
ومن الأسباب الممكنة، شعور التلميذ بالقلق بسبب علاقته مع زملاء الصف، وغالبًا يحدث هذا في المراحل الثانوية، أي حين يكون التلامذة في منتصف مرحلة المراهقة، فالشعور بالقلق من المستقبل، وتحديد الهوية والسعي إلى التخلص من العلاقة الانصهارية مع الأهل، وتوطيد العلاقة مع شلّة الأصدقاء الجدد... كل هذا قد يجعله قلقًا في علاقته مع زملاء الصف أو شلّة الأصدقاء التي يسعى إلى إرضائها والتماشي مع أهوائها، أكثر من التركيز على شرح الأستاذ في الصف.
فالفشل المدرسي هو مؤشر الى أن شيئًا غير سليم يحدث معه. ويكون أحيانًا مؤشرًا الى صعوبة يواجهها التلميذ مثل القلق والإحباط.
لذا من المهم أيضًا أن يقرأ الأهل الملاحظات، ولا سيما السلبية منها، والتي توضع على بطاقة العلامات، مثل «ضعيف، لا يشارك في الصف، كثير التلهّي، سلوك سيئ، فمثل هذه الملاحظات تتيح للأهل معرفة أداء ابنهم وسلوكه، وبالتالي مناقشتها مع الأستاذ، وتحديد أسبابها.

لا يشارك في الصف، إنجاز ضعيف؟
غالبًا ما تُكتب هاتان الملاحظتان أمام خانة «السلوك». ويمكن القول إن ملاحظة «لا يشارك في الصف» هي «زبدة الكلام» أو تلخّص أسباب المشكلة. هنا يمكن الأهل الذهاب بعيدًا في تحديد السبب، الذي من الممكن أن يكون، إما أن التلميذ لا يندمج في الصف أو أنه حزين، أو أن علاقته مع المعلمة، أو زملائه في الصف متوتّرة.
فبحسب التربويين، لا يمكن التلميذ أن يكره المدرسة من دون سبب، فهي المكان الذي تتبلور فيه قدراته الاجتماعية مثلما تتبلور قدرته التعلمية والذكائية.
فمن الملاحظ أن التلامذة يتوقون للقاء أصدقائهم في المدرسة، ولا سيما في الملعب، الذي يمكن وصفه بالمكان الاجتماعي الأول الذي يواجه فيه التلامذة، بغض النظر عن سنّهم، المجتمع بصورته الحقيقية، أي باختلاف الأفكار والسلوكيات والخلفيات التربوية، بالتالي فإن المدرسة وملعبها، يشكلان النموذج الأول أو المختبر الاجتماعي الأول الذي يخضع فيه التلميذ لتجربة بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين وحده خارج إطار العائلة. وبالتالي فإن ملاحظة «لا يشارك في الصف» مؤشر قوي إلى أن هناك صعوبة ما يواجهها التلميذ، إما في الصف كما ذكرنا آنفًا أو في الملعب.

ماذا على الأهل أن يفعلوا؟
إذا كان التلميذ في المرحلة الابتدائية، عليهم أن يتحقّقوا من الأسباب التي تجعله يتراجع في أدائه المدرسي. الخطوة الأولى هي تحديد السبب للعمل على معالجته.
بالنسبة إلى الصعوبات النفسية والتعلّمية، إذا ما ثبُت وجود إحداها، يجب التوجّه إلى اختصاصي بحسب الصعوبة، واليوم معظم المدارس لديها اختصاصيون في هذه المجالات لمساعدة التلامذة على تخطّي هذا النوع من الصعوبات، وبالتالي يحصل تعاون بين المعلّمة والاختصاصي والأهل بحسب الصعوبة التي يعانيها التلميذ.
أما إذا كان التلميذ يواجه ثغرات أكاديمية متراكمة فلمعلّمة الصف دور كبير في مساعدته، شرط أن يكون هناك تعاون بينها وبين الأهل.
فالمعلّمة من جهتها تلاحظ مستوى تفاعل التلميذ في الصف، وبالتالي تعرف مكمن الضعف لديه، وفي المقابل تتعاون مع الأهل، ولا سيّما الأم، لوضع خطة تدريس عن كيفية ردم الثغرات إلى أن يصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها اللحاق ببقية التلامذة.
وهذا يحتاج إلى بذل مجهود مضاعف وجدّي. وعلى الأم ألا تخشى إذا لم تأتِ النتيجة كما كانت تتوقعها في الفترة الأولى، أي ألا تشعر بالإحباط إذا كان التقدّم بطيئًا، بل عليها أن تتذكر أن الثغرة تراكمت على مدى سنوات، وبالتالي ما فات التلميذ لا يمكن تعويضه خلال شهر.
أمّا إذا كان التلميذ في المرحلة الثانوية، فالمهمة تكون أصعب بعض الشيء، ذلك أنه أصبح في سن تخوّله أن يكون مستقلاً وقادرًا على تحمل المسؤولية. ومع ذلك على الأهل السعي لتقديم المساعدة له، وإن قاومها.
فرغم أن المراهق يبدي تذمره من هذا التدخل، فإنه في قرارة نفسه يشعر بالأمان وأنه ليس متروكًا. من هنا، على الأهل التحقق مما إذا كان يتلهى مع زملائه في الصف، أو أنه يواجه صعوبة في فهم شرح الأستاذ.
في الحالة الأولى، عليهم أن يكونوا حازمين معه ويضعوه أمام مسؤولياته ويذكّروه بأن من غير المسموح له أن يستخف بالدرس، خصوصًا أنه في مرحلة تحدّد مصيره الجامعي، وبالتالي مستقبله المهني. أمّا في حال أنه يصعب عليه فهم شرح الأستاذ، عليهم ألا يترددوا في لقاء الأستاذ، ليقيّموا معه أداء ابنهم، وربما تغيير منهجية الدرس.
وينصح اختصاصيو علم نفس المراهق الأهل بألا يخوضوا صراعًا يوميًا مع ابنهم، خصوصًا إذا ثبت لهم أن المشكلة تكمن في تلهّي ابنهم في الصف كما في الحالة الأولى التي ذكرناها آنفًا، إذ لا يجوز للأهل الطلب من المراهق النظر في برنامجه المدرسي كل يوم، بل يمكن فعل ذلك كل أسبوعين، ولكن بشروط معينة، ويجب تجنّب الحديث عن دروسه أثناء تناول الغداء، إذ يجب الاحتفاظ بلحظات هدوء في حياة العائلة. فالأهل يميلون كثيرًا الى اقتحام خصوصيات أبنائهم فيما المراهقون يحتاجون إلى التنفس.
ويشير الاختصاصيون إلى قيام بعض الأهل بطلب إجازة من وظيفتهم ليكونوا إلى جانب ابنهم خلال فترة المراجعة للامتحانات، ومساعدته في تحضيراته، مثلاً تسميع الدروس، أو حفظ النظريات، وبعضهم قد يكون قادرًا على شرح عدد من الدروس عند الضرورة.
وهذا الحل بحسب الاختصاصيين ينبغي أن يكون مؤقتًا، وليس دائمًا. فمن المهم أن يُظهر الأهل أهمية التعليم. فالتلامذة الذين ينشأون في جو يولي الأهل فيه اهتمامًا للتعليم يكونون أكثر انجذابا للدراسة.

في حال التلهّي... عقاب أم لا عقاب؟
عندما تكون النتائج سيئة، يمكن أن يستعين الأهل بأستاذ خصوصي، وهذا ايجابي ولكنه ليس حلاً عجائبيًا، إذا لا يجوز التغاضي أو التمويه عن المشكلة الحقيقية.
أما العقاب! فيكون بحرمانه من ألعاب الفيديو أو الجلوس إلى الآيباد أو منعه من الخروج... ولكن على العقاب أن يكون محدّدًا وقصير المدة، فإذا استمر شهرًا يفقد فعاليته، وفي المقابل يفضّل الاختصاصيون نظام مكافأة، فإذا تحسّن أداء التلميذ خلال شهر، يمكن مكافأته، ولكن يجب الانتباه، عندما تُقطع الوعود، يجب إيفاؤها من الأهل والمراهق على حد سواء.

تركه يتحمّل مسؤولية إهماله؟
بعض الأهل يأخذون قرارهم بترك ابنهم، ولا سيما إذا كان في المرحلة الثانوية يتدبر أمره بنفسه، وأن عليه هو أن يبادر في تسلّم زمام أموره، وهذا القرار لا ينصح به اختصاصيو التربية، لأنه محدود، إذ لا يجوز تركه يتخبط في وضعه خلال سنة، خصوصًا أن الفشل يؤثر سلبًا في دافعه الى النجاح، فقد أثبتت الدراسات أن الفشل الدراسي ليس درسًا يتعلمه، وبالتالي ليس تجربة تساعده على النجاح، والنتيجة تكون من سيئ إلى أسوأ.
لذا يمكن الأهل أن يجعلوه يتحمل مسؤولية فشله، ولكن لفترة قصيرة ومحدّدة، وإذا لم يبدِ أي اهتمام، عليهم تسلّم زمام الأمور، طالما أنه لم يكن على قدر المسؤولية.

ماذا عن الأستاذ الخصوصي. هل يمكن أن يكون تعيينه حلاً إذا لم يكن الأهل قادرين على مساعدة ابنهم من الناحية الأكاديمية البحتة، أي شرح المفاهيم العلمية مثلاً؟
يصف التربويون مسألة تعيين أستاذ خصوصي بأنها «سيف ذو حدّين»، فالتلميذ عندما يكون لديه أستاذ خصوصي يصبح اتكاليًا، وبالتالي لا يعير اهتمامًا لشرح المعلمة في الصف، لأن لديه أستاذًا يشرح له، فلا يتفاعل ولا يشارك في الصف.
أما إذا نفدت كل الوسائل، فيمكن تعيينه، ولكن لمدة محدّدة. فعندما لا تكون الأم قادرة على متابعة ابنها بشكل مكثّف لمساعدته في سدّ الثغرات المتراكمة، يمكن الاستعانة بأستاذ خصوصي، شرط أن يكون الهدف منه مساعدة التلميذ في الدروس التي لم يفهمها، وقد يضطر أحيانًا إلى مراجعة دروس العام الماضي ليفهم التلميذ المبادئ الأساسية.
ومن الضروري أن يكون الأستاذ الخصوصي على تواصل مع معلّمة الصف كي يعرف الأسلوب الذي تتبعه في شرح الدرس، وبالتالي لا يضيع التلميذ. فضلاً عن أن يكون الهدف من التعيين هو سد الثغرات المتراكمة فقط ولمدة محدودة، ومن الضروري أن يدرك التلميذ هذا الأمر. 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080