بالصور - ممرضة سعودية تتبرع بكبدها لطفلة لا تعرفها!
بدعوة مستجابة من أم مكلومة وأب صابر محتسب هبطت الممرضة السعودية عبير عطالله العنزي برداً وسلاماً كأنها ملاك رحمة تحمل في كفها قطعة من كبدها لتضمد بها آلام الطفلة بشاير الرشيدي، وتضع حداً لأنينها المزمن، كونها تعاني من تليف كبدي لازمها منذ ولادتها.
هذا الموقف الإنساني النبيل والشجاع الذي سجلته عبير تجاه طفلة لا تعرفها في قصة تراجيديا إنسانية واقعية عنوانها البذل والعطاء كتبت فصولها الأولى عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، واحتضنت أحداثها مدينة الأمير سلطان الطبية بالرياض، حيث كانت عبير ذات ظهيرة تتصفح الموقع الذي باتت ضفته البعيدة ملاذاً للموجوعين المذعورين الهاربين بآلامهم عنّا، فإذا بعينيها تقف فجأة على صورة طفلة كأنها عصفورة من الجنة ترقد على السرير الأبيض. حبسها المرض عن الركض مع أقرانها، وسرق جزءاً من طفولتها، وحالة هذه الطفلة استفزت في داخلها نخوة شمالية قديمة، فلبت النداء بسخاء.
وقالت عبير في حديثها لـ"العربية.نت": "عندما رأيت صورة بشاير استوقفتني.. أشفقت عليها بكيت وبكيت كثيراً دون شعور، هي تتألم الآن وتعاني ولا تستطيع التعبير عما بداخلها من وجع، كونها طفلة وممكن تشتكي ولا أحد يفهمها"، وأضافت: "في نفس اللحظة اتخذت القرار، وأخذت جوالي دون تردد وتواصلت مع والدها عبر واتساب وقلت له أنا المتبرعة، سأتبرع لبشاير وكان ذلك قبل 4 أسابيع".
وبينت عبير أن والد الطفلة أوصلها على الفور بمنسق التبرعات في المستشفى فهد الأحمري الذي يقوم بالتنسيق بين المتبرعين والمستقبلين، وبدوره أعطاها الخطوات الافتراضية بداية من التحاليل الأولية ثم بعدها بأسبوع الأشعة وأخيراً الدخول إلى المستشفى. وقالت: "كانت لدي فكرة عامة عن موضوع التبرع، ولم أكن على علم بأدق التفاصيل، وعندما ذهبت إلى المستشفى شرح لي الجراحون تفاصيل العملية، وتمسكت برأيي أكثر".
عن قصة سفرها إلى الرياض قالت عبير: "بعد أن باركت لي والدتي الخطوة ورحب بها شقيقي سافرت مع والدتي إلى مكة المكرمة لأخذ العمرة، ومن هناك عبر مطار جدة توجهت إلى الرياض سريعاً لإجراء التحاليل ثم رجعت إلى الجوف"، وبينت أنها كانت على تواصل مع المستشفى وعائلة بشاير، وسافرت مرة أخرى للرياض لعمل أشعة الرنين المغناطيسي وإكمال الإجراءات، وذكرت أنها في المرة الثانية لم تتمكن من الحصول على حجز طيران فسافرت عبر السيارة وكان في بالها ألا تتأخر عن بشاير حتى لو تحملت مشقة 1300 كيلومتر، ومن ثم بعد عودتها سافرت المرة الأخيرة وكانت لإجراء العملية بعد توافق النتائج، وقالت: "دخلت المستشفى ومكثت فيه لمدة أسبوع، والحمدلله بشاير طلعت من العناية قبل لا أطلع من المستشفى وشفتها وزرتها واطمأنيت عليها قبل عودتي إلى الجوف".
وعن شجاعتها وعدم شعورها بالخوف من الإقدام على هذه الخطوة أوضحت عبير: "قلت في نفسي بما أنني سأتألم لفترة بسيطة والألم سيكون موضعياً مكان الجرح فقط في مقابل أن الطفلة بشاير راح تعيش بدون آلام لم لا أقدم على الخطوة؟ بشاير تطيب على طول وتنتهي آلامها هذا هو هاجسي الوحيد كنت أفكر أنه كيف بشاير تطيب فقط لم أفكر في أمر آخر".
وشددت في الوقت نفسه على أنها لم تكن تبحث عن ظهور إعلامي أو تنتظر تكريما من أي جهة، وأوضحت عبير العنزي أن وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة اتصل بها أثناء وجودها في المستشفى أكثر من مرة، وأيضاً نائب الوزير وكذلك المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، إضافة إلى مسؤولي صحة الجوف، وذكرت أنه تم تكريمها من قبل إدارة المستشفى ممثلة في اللواء سليمان المالك واللواء سعود الشلاش والعقيد علي الرويلي، معتبرة أن هذه الحفاوة كانت مفاجئة لها لأنها قدمت شيئاً بسيطاً على حد وصفها ولم تكن تنتظر المثوبة والجزاء سوى من رب العالمين.
وعند سؤالها عن اللحظات الأولى لخروجها من غرفة العمليات قالت عبير: "كنت لحظتها في غرفة الإفاقة وأسأل المحيطين بي.. بشاير كويسة؟ يقولون لي إيه طيبة، وأرجع أسألهم مرة ثانية بشاير بخير؟ ما كنت مستوعبة وكنت لحظتها أشعر بسعادة غامرة وإحساس بالبهجة"، وأضافت: "جميلة مشاعر العطاء ولا يعرفها إلا من جربها".
وتمنت عندما دخلت إلى تويتر ووجدت دعاوى الناس لو أن والدتها تستطيع القراءة حتى تفرح بدعوات الناس وقالت: "سعادتي كبيرة بدعوات الناس، وسعادتي أكبر أن بشاير جسمها استقبل العضو المزروع فيها".
وأكدت أن من حكم الله سبحانه وتعالى في التبرع أن يسخر الناس للناس، وأن الله سخرها لبشاير، حيث كانت كل الأمور بالنسبة لها ميسرة بداية من اطلاعها على الحالة في تويتر إلى مكالمة والد الطفلة ثم التواصل مع المنسق وإقناعها للوالدة وأخيها اللذين باركا لها الإقدام على التبرع في نفس اللحظة.
عن العملية الجراحية التي أجرتها قالت عبير: "كانت الأمور جداً سهلة، والفريق الطبي المكون من الجراح حمد الباهلي والدكتور عبدالله القرني كانوا على مستوى عال من الكفاءة، وكنت تحت أيدٍ أمينة، واليوم لا أشعر سوى بآلام الجرح وهي بسيطة بحمد الله".
وفي سياق حديثها الممزوج بسمو مشاعرها وجهت عبير العنزي رسالة مفتوحة لأي شخص ينتابه التردد من الإقدام على خطوة التبرع بأنه يجب أن يعرف أولاً أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له وهذا يتطلب قوة إيمان، ويحتاج الأمر قوة عاطفة وشجاعة على حد وصفها، وأن يكون الإنسان معطاء وأن يعود نفسه على البذل وتابعت: "كل شيء سهل ويمر بصورة سريعة، وبعد التبرع يشعر الإنسان بأن الكون لا يسعه من السعادة لأنه ساهم في تخفيف ورفع المعاناة عن غيره، وأحمد الله أنه اختارني للتبرع لبشاير".
نافع الرشيدي والد الطفلة بشاير قال لـ"العربية.نت": "ليس هناك أصعب من موقف ترى فيه ابنك وهو يذبل أمامك وأنت لا تملك حولاً ولا قوة". وأضاف: "بعد نشر حالة بشاير في تويتر كان يتصل بي متبرعون بعضهم يتحمس للفكرة إلا أنه يتراجع في اللحظات الأخيرة، والبعض الآخر يؤكد لي أن مواصفاته لم تتطابق مع الحالة"، وتابع حديثه: "جاءني اتصال من الأخت عبير العنزي، وأخبرتني أنها من الجوف وقادمة إلى الرياض من أجل التبرع لبشاير، كانت تتحدث بثقة دفعتني لأن أزف الخبر إلى أم بشاير وأقول لها، الله استجاب لنا، هذه امرأة صادقة.. شعوري كأب يقول ذلك".
وذكر أن عبير اشترطت عليه أن يكون الأمر سراً بينهما، وكانت تدعو الله أن تكون سبباً في إنقاذ ابنتي، وأوضح الرشيدي: "سافرت عبير إلى مكة ومن ثم أتت إلى الرياض لإجراء التحاليل، وكنت على قرب من الخطوات التي كانت تقوم بها، لك أن تتخيل أن هذه الإنسانة تجشمت عناء السفر إلى الرياض أكثر من مرة، وإحدى المرات بالسيارة، لذا حاولت أن أجازيها بما أستطيع، وأن أتكفل برحلاتها ولكنها رفضت ذلك رفضاً قاطعاً.. هذه الإنسانة اجتمعت فيها الشهامة والفزعة والشجاعة ".
ولفت إلى أنه تأثر عندما سمع من زوجته التي اطمأنت على سلامة عبير بعد خروجها من غرفة العمليات عندما كانت بين الوعي واللاوعي بسبب المسكنات وتسأل مرافقيها عن بشاير.. تسألهم: "طمنوني بشاير بخير؟".
وقبل أن يودعنا كان لسانه يلهج بالدعوات بأن يفرج الله عنها الكرب ولا يريها البأس في حياتها جزاء صنيعها مع ابنته.
شقيق ملاك الرحمة عبير العنزي اسمه "سلطان" أجرينا معه اتصالاً هاتفياً قال فيه: "الخير موجود في بنات وطني وعبير إحداهن"، وأضاف: "عبير أختي أصغر مني سناً وهي تاج رأسي وفخرنا جميعاً، وهذه تربية والدتي الإنسانة العظيمة التي زرعت قيم الإيثار والمساعدة وحب الخير فينا".
وأوضح سلطان أن عبير عندما عرضت عليه فكرة التبرع لم يتوان في حثها بالإقدام على الخطوة ولم يفكر في حرمانها من القيام بعمل الخير.
نقلاً عن "العربية.نت"
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024