تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بيت دوما... أصالة وكرم ضيافة

صُمّم «بيت دوما» ليكون منزلاً متواضعاً وليس فندقاً... فيمكن الزائر أو الضيف أن يشعر بأنه في داره… هو من يقرّر مكان جلوسه، في المكتبة أو على الشرفة المطلّة على القرى المجاورة، أو في ظل العريشة، او حتى في الصالون الذي يتوسط الغرف في الطابق العلوي. 

يقع البيت في قرية دوما التاريخية في جبل لبنان، ونستطيع الوصول اليه من طريق البترون، أهم المدن الشمالية، وهي قريبة من منطقة تنورين الشهيرة بمياهها الرقراقة وطبيعتها الخلابة. كانت دوما في الماضي محطة تجارية، ومن القرى القليلة التي تمتاز بـ«سوق» يأتي إليه أهالي المناطق المجاورة لبيع منتوجاتهم وشراء أخرى. 
وتكمن أهمية «بيت دوما» في فكر مصمّمه المبدع كمال مزوق، الذي صمّم أيضاً «سوق الطيب»، وابتكر عدداً من الأفكار الجميلة في بيروت مثل مطعم «طاولة».
والفطور في «بيت دوما» استثنائي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ تُخبَز المناقيش على أنواعها في فرن تقليدي تم تشييده على غرار الأفران الحجر القديمة وتُقدّم طازجة، ويُقلى البيض بالفخار، وتزيّن المائدة أطباق اللبنة البلدية والزيتون والعسل، وكلّها تُجلب من المزارع القريبة من البيت، كي يستفيد اهالي المنطقة من هذا المشروع السياحي.
أما ديكورات البيت فتميزت بلمسات صاحبه المميزة، بحيث أحضر مزوق من كل بلد زاره قطعاً نادرة زيّن بها المكان، وشاركه في هذا التزيين مصمّم الازياء اللبناني ربيع كيروز... فقد تجد غطاء الطاولة من نوع الأغباني الدمشقي الشهير، أو الأوزبكستاني المزركش، وتلفتك وسادات صنعتها مؤسسات غير حكومية في تدمر السورية، وأخرى مصدرها المغرب. 
يقع «بيت دوما» على ارتفاع أكثر من ألف ومئة متر عن سطح البحر، وقد صُمّم من الحجر الأبيض. لحظة وصول الضيف إليه يشعر وكأنه في منزله، بحيث يرتاح فيه ويتصرف على سجيته، متنقلاً بين مساحاته الرحبة التي تتقاسمها ست غرف للنوم، وغرفة للقراءة، ومطبخ، و«تنور»، وهو فرن تقليدي، كما تسمح الإقامة في هذا البيت بالتعرّف على النسيج الاجتماعي اللبناني بأكمله... فمن اللبنة ومناقيش الصعتر الساخنة على مائدة الفطور الصباحية، الى قطعة القماش المطرزة التي تغطي شراب الورد لتمنع تسرب الحشرات اليه... كل شيء في البيت يحكي عن البيئة المحيطة وعن رحلات صاحب الدار الى الخارج.
وعلى الجدران عُلّق عدد من اللوحات التي تحاكي الطبيعة بحيث تشتمل على أوراق الشجر والنباتات الجبلية ومختلف أنواع الطيور. 
أما الغرف فتم تزيينها بطريقة بسيطة جدّاً بحيث تدلت من السقوف سلال تنبعث منها إضاءة خفيفة. كما يلفتك الكثير من الأشياء التي انحرفت عن دورها الأصلي وتحولت إلى مهمات أخرى، إذ استلهم صاحب المنزل أفكاره من مشغل «بقجة» البيروتي الذي يُعنى بتصنيع قطع الأثاث من مجموعة أشياء متروكة كتحويل أكياس الخيش الى علب للمشروبات الغازية.
ومائدة «بيت دوما» غنية بالمنتوجات البلدية المصنّعة في المنطقة نفسها من اللبنة «المدعبلة» والصعتر البلدي وزيت الزيتون الحار ودبس الخرّوب، والأطباق المنكّهة بدبس الرمّان والعنب، كما تزيّنها الحلويات مثل «عش البلبل» المحشو بالفستق الحلبي، و»راحة الحلقوم» المضغوطة بين قطعتي بسكويت... هذه الحلوى البسيطة التي يعرفها كل أطفال لبنان.
ويهتم كمال مزوّق مؤسس «بيت دوما» بالإنتاج المحلي والمحصول الزراعي، ويعمل على دعم المزارعين والمنتجين في المنطقة للحفاظ على المطبخ اللبناني الأصيل الذي يتفق عليه اللبنانيون من كل شرائح المجتمع، ويشكل صلة وصل بينهم.
وحرص مزوّق على أن تتبع «بيت دوما» حديقة غنّاء تظللها الأشجار الوارفة وتتوزع فيها أصص الزهور، وبستان نبتت فيه مختلف الأشجار المثمرة، والتي يقطف منها ما لذّ وطاب من فواكه طازجة ويقدمها لضيوفه فيؤخذون بكرم الضيافة ويجدّدون مدة إقامتهم في هذا البيت العريق، والذي يردد صاحبه دائماً مقولة: «البيت الجميل هو من ابن البيئة الجميلة».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079