تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

عندما يتصرف البكر بديكتاتورية مع أشقائه الأصغر سنًا

يتعامل بعض المراهقين بقسوة مع أشقائهم الأصغر منهم، فنسمع مثلاً عبارة «أخرج من غرفتي»، «أنت غبي... ومزعج». فهو يجدهم مدللين وسيئي التربية.
وكثيرًا ما يتذمّر منهم، وهذا طبيعي، فالشجار مع الأشقاء هو أحد مظاهر مرحلة المراهقة. إذ يجد المراهق أنه لم يعد ينسجم في أفكاره وتطلعاته مع شقيقه الأصغر، بل ينظر إليه على أنه مصدر إزعاج لا يمكن تحمّله.
ولكن لماذا تكثر الفظاظة في هذه السن؟

قناع القوة
يرى اختصاصيو علم النفس أن عدوانية المراهق في بعض الأحيان هي مجرد قناع يخفي وراءه ضعفه. فخلال مرحلة المراهقة وتغيراتها يفقد بعضًا من ثقته بنفسه، ويخاف أن يفقد حب أهله وعطفهم.
لذا يقارن بين ما يحصل عليه إخوته الصغار وبين ما يحصل عليه هو. فهو يرى أن أهله مثلاً يدللون شقيقه الصغير وهو لا، ما يدفعه إلى التصرف معه بفظاظة لأن أخاه لا يزال يعيش في جنة الطفولة، ويحسده على نعيمها.
والنضج هو سبب آخر لانزعاجه، فهو يرى أمامه هذا المشهد الذي لا يريده، لأنه لم يستوعب بعد أنه أصبح فتى راشدًا.

منح المراهق صلاحيات ليست من مسؤوليته
كما أن منح الأهل المراهق مسؤولية رعاية أشقائه من الألف إلى الياء، فغالبًا نسمع عبارة «أخوك الكبير عليك الانصياع له»، يجعله في كثير من الأحيان متسلطًا، يتحكّم فيهم كما يشاء، وهذا خطأ شائع عند بعض الأهل، صحيح أنه من الجيد أن يطلب من الابن البكر الاهتمام بإخوته الأصغر، مثلاً مساعدتهم في الفروض المدرسية، أو الاهتمام بهم أثناء غيابهم، ولكن هذا لا يعطيه صلاحية أن يقوم بدور الوالدين. لذا فهناك خيط رفيع بين الاهتمام بإخوته ضمن حدود معينة، وتحمل مسؤوليتهم بالكامل.

اختلاف أسلوب أهله التربوي مع أشقائه
وفي المقابل، ينظر المراهق إلى أهله نظرة قاسية. وهذا طبيعي في هذه المرحلة، فهو يظن أنه اكتشف أن أهله ليسوا رائعين كما كان يعتقد حينما كان طفلاً، والأسلوب التربوي الذي يتبعونه مع أشقائه يختلف عن الأسلوب الذي اتبعوه معه، وهذا طبيعي، فبعض الأهل يتصرّفون مع ابنهم البكر على أساس الصورة المثالية التي شكّلوها قبل ولادته، وبالتالي فإنهم يسقطون عليه كل أحلامهم وتطلعاتهم ويغالون في حمايته، مما يجعله خاضعًا لضغوط كثيرة، مثلاً عليه أن يكون الأول في المدرسة، فيما يصبحون أكثر تساهلاً مع أبنائهم الصغار.
مما يجعل الابن البكر يرى أن إخوته ليسوا إلا أطفالاً مدللين وغير مهذبين. وعمومًا يصير المراهق مراقبًا لتصرفات أشقائه، وينتقدهم عند أقل خطأ يرتكبونه، ويظن أن عليه أن يقوِّم بعض تصرفاتهم التي يعتقد أنها غير سوية.
لذا يقوم بدور مصلح العيوب، ولكن على طريقته، التي تكون في كثير من الأحيان فظّة، مثلاً عندما ينال شقيقه على الامتحان معدّلاً وسطًا يبدأ بالتهكم عليه أو توبيخه، مما يثير حفيظة الأخ الصغير، الأمر الذي يُحدث صدامًا بينه وبين إخوته وأهله.

شجارات وصدامات                  
غالباً ما يؤدي تصرف المراهق المتسلط تجاه إخوته الى شجارات عنيفة، الأمر الذي يضع الأهل في موقف صعب، فهم يدركون أن هذه التصرفات طبيعية في هذه المرحلة، ولكنها في الوقت نفسه غير مقبولة وغالبًا ما تؤدي إلى صعوبات مع الإخوة الصغار الذين لا يستوعبون الأمر وينظرون إلى شقيقهم على أنه مجرد شخص فظ لا يحبهم وينغّص عليهم حياتهم.

كيف يمكن الأهل التصرف تجاه هذه الصعوبات؟
عندما يتحول النقاش بين الإخوة إلى شجار عنيف، على الأهل أن يتدخلوا فورًا وينهوا الأمر ويؤكدوا لابنهم بلهجة صارمة وواضحة أنهم غير راضين عن تصرفاته.
فالمراهق لا يحب المواقف الفاترة، بل يريد أن يكون أهله واضحين في ما يطلبون منه. فمن الملاحظ في عصرنا الحالي أن الأهل صاروا أكثر لينًا ومرونة مع المراهق بحجة أنهم يتفهّمون الأزمة التي يمرّ بها، وأن تصرفاته عادية.
ولكن إذا لم يضعوا حدًا له، سوف يتمادى في تصرفاته إلى حدود قد يفقد الأهل السيطرة عليها.
وعند حدوث شجار بين الإخوة، على الأهل التدخل، والقيام بدور الوسيط، وتحويل الشجار إلى حوار يستمعون خلاله إلى حجة كل ولد من أولادهم، محاولين حملهم على إيجاد الحل المناسب لإنهاء الخصومة.
صحيح أن المراهق يتصرف أحيانًا مع شقيقه الأصغر بقسوة، ولكن هذا لا يعني أن الأخ الصغير هو الطفل البريء الذي لا حول له ولا قوة. بل قد يحدث أحيانًا أن هذا البريء يدرك ضعف شقيقه البكر، فيعمل على إثارة غضبه كي يظهر لأهله أنه مظلوم.
هنا على الأهل التنبه إلى الأمر كي لا يشاركوا في لعبته، بل عليهم معرفة سبب المشكلة الحقيقي، والتأكد من ادعاءات الأخ الصغير، فهذه طريقة مثلى لمنع الكثير من الصدامات التي قد تحدث في المستقبل.

جعل البكر يشعر بمحبة أهله
يقلّل الأهل من منح المراهق العاطفة التي اعتادوا أن يمنحوه إياها عندما كان طفلاً، ظنًا منهم أنه صار شابًا ولم يعد في حاجة إلى الدلع والغنج، بل يجب أن يقسوا عليه بعض الشيء كي يصير رجلاً مسؤولاً في المستقبل. وأحيانًا أخرى يحكم الأهل على تصرفات ابنهم فيسبغون عليه صورة الولد الشرير.
ويؤكد الاختصاصيون ضرورة أن يتفادى الأهل الوقوع في مثل هذه الأحكام، فهذا يشعره بالأسى والحزن، وغالبًا ما ينتابه هذا الشعور عندما يرى إخوته يعيشون مرحلة من الهدوء والفرح. لذا لا يجوز للأهل أن يحملوه على التفكير بأنه غير محبوب لأنه صعب المراس، فهو يتصرف أحيانًا بطريقة وقحة كي يعرف ما إذا كانوا يقبلونه كما هو. وردود فعل الأهل القاسية لن تحلّ المشكلة، بل تؤدي إلى دوران الأهل والابن في حلقة مفرغة.
في أي حال، ليس من السهل تربية الأبناء في أعمار متفاوتة بالأسلوب نفسه، فالأمر يتطلب من الأهل الصبر، وغالبًا ما تحصل بعض التعقيدات بين الابنين، الصغير والبكر. فعندما يشارك الولد الصغير في مخيم الكبار ربما قد يشعر بالغرابة، ولكن سرعان ما يصبح سعيدًا بمشاركته ويلاحظ نشوء موقف موحد بين الأبناء رغم اختلاف أعمارهم تجاه الأهل.
وبعد مرور هذه الفترة المضطربة، فإن وتيرة العلاقة بين الإخوة  سوف تتحسن وتصبح متينة، خصوصاً إذا كان الأولاد من جنس واحد. فالبنات سوف يتبادلن الأسرار، ويتبادل الصبيان مكتشفاتهم والأحداث المثيرة التي تحصل معهم.
وأخيرًا تعتبر المراهقة فرصة ممتازة لإعادة تنشيط علاقة الأخوّة بين الأبناء. ولكن شرط أن يقوم الأهل بتربية أولادهم على أساس من العدل والاحترام المتبادل بين الإخوة، وألا يرجّحوا كفة ميزان أحد منهم على حساب الآخر.


عبارات يردّدها المراهق على مسمعي والدته

  • توقّفي عن احتضاني طوال الوقت»

 تخفي هذه العبارة رغبة المراهق في وضع مسافة لعلاقته بينه وبين أهله خصوصًا مع والدته، ففي فكره أن إقدام والدته على تقبيله أو احتضانه  أمام الأصدقاء أو الأقارب أو أمام الغرباء، هو أمر يجعله يشعره بالإحراج لأنها تعامله كما لو كان طفلاً صغيرًا في عمر الأربع سنوات.  فيما هو في حاجة اليوم إلى الانفصال عنها ليشعر باستقلاليته.
رد فعل الأم الصحيح هو أن تقول له:«معك حق، فالأم لا تعي دائمًا أن ابنها أصبح شابًا، من المفيد أن تذكّرني من حين إلى آخر».

  • «لست أنت من يجوز له أن يأمرني بل والدي»

لكي يصبح رجلاً يدرك أنّ عليه التقرّب من والده. وهذه إشارة إلى أنه في حاجة إلى وجوده،  وإلى الاهتمام به. وهذه فرصة لكي يقوم مع والده بنشاطات.
رد الفعل الصحيح أن تقول له والدته: «أنا ووالدك مسؤولان عن رعايتك. هذه قاعدة ونحن متفقان على هذا الأمر».

  • ·         «أنا لن أبكي فهذا عيب»

لا يحب المراهق في هذه السن إظهار نقاط ضعفه. فهو يظن أنه إذا عبّر عن مشاعره الحقيقية سوف يظهر بمظهر الضعيف. فالبكاء هو من شيم البنات وليس الأولاد.
رد الفعل الصحيح: «لا تكبت مشاعرك فهذا خطأ فجميعنا في حاجة إلى أن نظهر حزننا ولا ضير في أن نبكي حتى ولو كنا راشدين. فالتعبير عن الحزن يفرج القلب ويخفف من وطأة الأحزان، والبكاء لا يدل على ضعف في الشخصية وهو ليس من شيم البنات فقط».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079