بنت، صبي ... والسعادة بهويتهما
«تربية البنات صعبة»... «أوه ما أصعب تربية الصبي»... عباراتان يرددهما الأهل عندما يواجهون صعوبة أو مشكلة مع أبنائهم، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا.
مما لا شكّ فيه أن أساليب التربية تختلف من عائلة إلى أخرى، فلكل عائلة قوانينها وعاداتها ونظرتها الخاصة في تربية الأبناء، فبعض الأهل يربون البنت على أساس مختلف عما يعتمدونه في تربية الصبي، فما هو مسموح للصبي ممنوع على البنت والعكس، مثلاً ممنوع على البنت أن تلعب بالألعاب الحربية، ولكن من واجبها أن تساعد أمها في تدبير أمور المنزل، مثلاً مساعدتها في التنظيف أو إلزامها بترتيب غرفتها، فيما الصبي ليس من واجبه أن يرتب حتى سريره.
فيما هناك أسر تعتمد أسلوبًا تربويًا واحدًا وقوانين واحدة في تربية الأبناء بغض النظر عن جنسهم، انطلاقًا من إقتناعهم بأن البنت قادرة على القيام بما يفعله الصبي، ولا فرق بينهما.
وفي المقابل، يرى اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أن الطفل عمومًا، كي يبني شخصيته يحتاج إلى الشعور بالاطمئنان إلى هوّيته الجنسية.
فكيف يمكن مساعدة الطفل ليكون شابًا أو شابة واثقين سعيدين بهويتهما؟ كيف يمكن تصحيح المبالغة في الاستناد إلى الأيديولوجيا التربوية التي تدّعي «أن البنت والصبي متشابهان ولا يختلفان» مع المحافظة على ما أفضل ما في هذه الأيديولوجيا.
وهذه بعض الأسئلة التي يطرحها الأهل ويجيب عنها الاختصاصيون.
هل يُفضل أن يعتمد الأهل أسلوبًا تربويًا واحداً في تنشئة البنت والصبي؟
في كل الأحوال، من المستحيل أن يعتمد الأهل أسلوبًا تربويًا واحدًا في تنشئة البنت والصبي، بل يستحيل أن يتعاملوا بالأسلوب نفسه مع أبنائهم إذا كانوا من الجنس نفسه، فكيف إذا كانوا من جنسين مختلفين! إذ مهما كان للوالدين من إرادة واعية، فإنهما لن يتصرّفا مع الصبي والفتاة بالطريقة نفسها.
ولكن هناك قواعد وقوانين مشتركة يجدر تطبيقها على الأبناء بغض النظر عن جنسهم، ونعني بذلك الروتين اليومي مثل إنجاز الفروض، مواعيد تناول الوجبات، مواقيت الذهاب إلى السرير.
أما في ما يتعلّق بالهوية الجنسية، فهناك دائمًا اختلافات! بالنسبة إلى بعض الآباء، يجدون أن من الجيد منح الأبناء النقاط المرجع التي تمكنهم من الاندماج في مجتمع لا يزال يتأثر بقوة الأدوار النمطية للجنسين.
فيما بالنسبة إلى آخرين، لا سبب في ألا يكون للفتيات والفتيان الفرص نفسها. لذا على صعيد الأداء الاجتماعي، على الأهل أن يعزّزوا المساواة في التعامل، ويبدأ ذلك في المنزل، مثلاً على الأم أن تطلب من ابنها وابنتها ترتيب غرفتهما أو مساعدتها في ترتيب مائدة العشاء.
ما هي المبادئ التربوية المشتركة بين الجنسين؟
على البنت والصبي أن يندمجا في التابوات الأصيلة المؤسِّسة للمجتمع الإنساني، والالتزام بالقيم وقوانين الحياة التي يتشارك فيها الجميع: مثل احترام الآخر، واحترام الذات، ونبذ العنف.
وفي المقابل فإن مشاركة البنت والصبي في الأعمال المنزلية مثل الطهو، وغسل الصحون، تعدّهما لأن يكونا راشدين قادرين على تدبّر شؤونهما بكل الاتجاهات... لنتخيل مراهقًا سافر والداه في إجازة، هل يعقل أن تعود الأم وتجد الفوضى تعم المنزل، والحجة «أنا شاب وهذا ليس من مسؤوليتي». دور الأهل المعاصرين هو إفهام الصبي مثلاً أن غسل الصحون لا يُنقص من رجولته، وكذلك التعبير عن مشاعره بدل التصرف بعنف، فيما البنت فتشجيعها على الدفاع عن نفسها، وحب المنافسة لن يقلل من أنوثتها.
الرسالة هي أن الصبي يمكنه التصالح مع شقه العاطفي من دون أن يفقد رجولته، فيما البنت يمكنها الاستمتاع بأنوثتها وإن استعملت عقلها.
ماذا عن عبارة «البنات هن لا شيء أو نكرة» التي يرددها الصبي؟
إن مسألة المساواة بين الجنسين تظهر بعد سن الخامسة، فبين الرابعة والسادسة، يكون لدى الصبي تصوّر كاريكاتوري للذكورة، ويلعب بقسوة، وتفاخره بأن من الأفضل له أن يكون صبيًا مؤشر على أنه في طور تحديد هويته الجنسية، فيكون رد فعل الأهل الذين يعتمدون أيديولوجيا المساواة بين البنت والصبي بالقول: «تقول حماقات إن البنت والصبي متشابهان»، في حين الأفضل القول له: «كم أنت قوي، لحسن الحظ أنت هنا لحماية البنات».
وكذلك البنت الصغيرة في حاجة إلى أن تسمع عبارة «سوف تصبحين شابة رائعة». فبين الرابعة والسادسة تقلد البنت الصغيرة المرأة، وإن كانت الأم لا توافق على ذلك فمن المهم أن تدعمها في تحديد هويتها، وتقييم الشابة التي ستصبح، والسماح لها باكتشاف الوجوه المختلفة لجاذبيتها... من فساتين ومجوهرات.
فالمجتمع والثقافة وأدب الأطفال تقدّم للطفل أبطالًا وألعابًا يغلب عليها طابع الجندرة، أي التمييز بين الذكورة والأنوثة، وهؤلاء يشكلون نقاط مرجع ودعائم لتحديد الهوية. وتهميش الطفل برفض المعايير الاجتماعية المشتركة والمعتمدة، قد يجعله تعيسًا.
لذا ينصح اختصاصيو علم نفس الطفل الأهل بأن يقبلوا تفاخر البنت والصبي بهويّتهما، حتى وإن كانوا يرفضون الصورة النمطية المجتمعية ويعارضون قوانين السوق، فإن الجدّين والعائلة والأصدقاء والمعلمة، سوف يقدمون صورة اجتماعية نمطية عن الذكورة والأنوثة سيلتزم بها الطفل، سواء كان أنثى أو ذكرًا، شاء الوالدان أم أبيا.
هل يجوز منع الصبي من ممارسة الألعاب الحربية كي لا يغترّ بقوته العضلية؟
تماماً مثل هويتهم الجنسية فالصبيان نشطون، مستفزون، ومحاربون يحبون خوض المعارك. صحيح أن للمجتمع دورًا في تحديد الهوية الجنسية للطفل على الصعيد النفسي وتعزيز روح المنافسة عند الفتيان، ولكن علماء الأحياء أكدوا من جانبهم دور هورمون الذكورة، التستوستيرون، الذي يحفز العدوانية الذكورية.
إذًا لماذا تُحظّر المعارك والمنافسة بين الصبيان إذا كانوا يريدون المنافسة؟ فالقتال من ميولهم الطبيعية باسم مبدأ «اللاعنف» ومنعهم هو إنكار لشخصيتهم الحقيقية. على أي حال، منع الصبي من اللعب بالسيف والبنادق لن يحول دون أن يصبح في وقت لاحق في المستقبل شخصًا مغرورًا بعضلاته ومتنمرًا!
ألعاب حربية للصبي ودمية جميلة للبنت... عبارة نسمعها دائمًا فإلى أي مدى يجدر الالتزام بها؟
يميّز المجتمع بين ألعاب الأولاد وألعاب البنات، ويخصّص الألعاب الحربية للصبيان والدمى للبنات، في حين أن كل الألعاب الرمزية يمكن أن تكون للبنت والصبي على حد سواء، فهما في حاجة إلى تنفيس غريزة العنف لديهما.
لذا نرى بعض البنات يحملن الألعاب الحربية، فهن في حاجة إلى إخراج العدوانية الموجودة فيهن. وللأسف نادرًا ما يسمح الأهل للبنت باللعب بالألعاب الحربية، ويعود هذا إلى صورة الأنثى في المجتمع الذي يرى أن البنت لا يجوز أن تتصرّف بعدوانية، فيما هي في حاجة إلى العدوانية للدفاع عن نفسها كما ذكرنا سابقًا.
وإذا رغبت البنت في هذه الألعاب، عليهم أن يعرفوا لماذا، فالبنت بين الثالثة والسادسة تحاول تقليد الصبي في الكثير من الأمور ومنها اللعب، نظرًا إلى أن الطفل الذكر أقوى منها وتريد منافسته، وهذا طبيعي.
وعلى الأهل أن يمنحوها الثقة بنفسها وبقدراتها وبأنها قوية، ويؤكدوا لها أنها ليست في حاجة إلى أن تتصرف كالصبي كي تكون قوية. وفي المقابل، يجب تقنين العدوانية من خلال الرياضة والفنون والموسيقى، فهذه الأمور تساعد الأطفال في التنفيس بطريقة مقبولة اجتماعيًا.
وفي المقابل، على الأهل السماح للصبي في الوقت نفسه باللعب بألعاب شقيقته، فهذا لن يجعله أنثويًا. المهم هو الانتباه إلى الحاجة التي قادت الطفل إلى استعمال هذا النوع من الألعاب ومع من يلعب وضد من.
ما العوامل التي تعيق تحديد الطفل هوّيته الجنسية؟
هناك عوامل كثيرة يمكن أن تعيق عملية هيكلة الطفل وتحديد هويته. مثلاً الأب العنيف قد يدفع البنت للتماهي بالصبيان، والأمر نفسه يحدث مع الصبي إذا كانت الأم عنيفة. وكذلك إذا كانت الأم أو الأب من النوع الذي يبالغ في حماية طفلهما ممّا قد يؤدي بالطفل إلى التماهي بالجنس المختلف عنه.
وأحيانًا النزاعات الزوجية، فضلاً عن تعرّض الطفل لسلوك عنيف مثل الاعتداء الجنسي. كما أن لتصرفات كل فرد في العائلة دورًا مهمًا في تعليم الطفل تحديد هويته الجنسية.
مثلاً الأب الذي يضرب زوجته وأمام طفله، فإن هذا الطفل قد يكون رد فعله عكسياً، وقد يرغب في أن يصبح امرأة ويرفض أن يكون رجلاً، لأن النموذج الذي يشاهده يوميًا شرير وحقير. إذًا يجب التفكير في توفير محيط اجتماعي صحي ومتوازن كي يتمكن الطفل من الانفتاح.
وأحيانًا كثيرة يقرأ الطفل في عيون الأهل وتصرفاتهم ما إذا كانوا يرغبون في ما لو كان جنسه مختلفًا، مثلاً يقال للبنت: «ليتك صبيًا» أو تسمع «ليتنا نرزق بصبي»، فتحاول هذه الطفلة في لا وعيها أن تدافع عن وجودها وتثبت لوالديها أن في إمكانها أن تكون صبيًا، والعكس يحدث حين يكون الطفل ذكرًا. أو حين تجد البنت أن أهلها يفضلون شقيقها لأنه صبي، أو الصبي يجد أن أخته تحوز الكثير من الامتيازات... فيكون رد الفعل في الحالتين «أنا أيضًا يمكن أن أكون الطفل الآخر الذي تحلمون به».
هل هناك بالفعل اختلافات فطرية بين البنت والصبي؟
نعم وهذه بعض الاختلافات الفطرية بين الصبي والبنت، الأكثر شيوعًا:
- منذ شهوره الأولى يكون لدى الصبي مزاج متقلب ويصعب إرضاؤه.
- تظهر الفتيات استجابة كبيرة لمشاعر المحيطين بهن، رغم أن عمرهن لا يتجاوز الشهر. على سبيل المثال، يلاحظ رد فعل البنت الرضيعة عندما تسمع بكاء طفل آخر... فيما الطفل الصبي لا يبدي أي اهتمام.
- البنات هن أكثر استقرارًا عاطفيًا، ويبتسمن ويناغين قبل الصبيان.
- الفتيات يتحدثن قبل الصبيان وبشكل أوضح.
- أثناء نشأتهم يكون الصبيان أشد انتباهاً وأقوى وأكثر عدوانية ويعبّرون عن غضبهم بعنف.
- البنات أكثر قلقاً، وأكثر ليونة، وأكثر حساسية.
- بدءًا من الثانية، تلعب الفتيات في مجموعات صغيرة، ويستمتعن بالخصوصية والتعاون والمناقشة. فيما يلعب الصبيان ضمن عصابة ويستمتعون بالمنافسة والعراك.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024