تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الدكتورة أميرة كشغري: الثقافة لا تنمو في مجتمع تغيب فيه الحرية

الدكتورة أميرة كشغري

الدكتورة أميرة كشغري

شخصية استثنائية ومميزة تهتم بالبحث العلمي في مجال اللسانيات والترجمة والتعليم ودراسات المرأة العربية، ولها باع طويل في الأبحاث العلمية المنشورة. غرست عطاءها في نفوس طالباتها وفكرهن حيث ينشدن العلم والتعلم، محاولةً بذلك أن تصل الى الفكر الثقافي لدى المرأة السعودية وتنمية الوعي المجتمعي لديها. وما بقي من وقتها تخصصه للمشاركات الإعلامية. حملت راية الدفاع عن حقوق المرأة، وكانت عضواً ناشطاً في «حملة بلدي»... الدكتورة أميرة كشغري أستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في جامعة الملك عبدالعزيز، التقتها «لها» وكان هذا الحوار.


- تنثرين بذور الوعي الثقافي والحقوقي... ماذا جنيت من ذلك؟

في الحقيقة، هو سؤالٌ يقلِبُ تاريخاً يحفل بالعمل الجاد، لأنني أشعر بأن كل بذرة بذرتها، ورغم العوائق التي واجهتها، قد حصدتُ ثمارها أكثر مما توقعت من المجتمع ككل. كل بذرة أعطت مردودها الإيجابي، ولمست ذلك من خلال طالباتي اللواتي أصبحن في مراكز مرموقة، سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة أو في العمل الديبلوماسي خارج المملكة العربية السعودية. ومما زادني فخراً حين التقيت إحدى طالباتي في الملحقية الثقافية في لندن، وكانت فتاة طموحة حلمتْ وتحقق حلمها في العمل الديبلوماسي. ما تؤكده طالباتي أنني كنتُ مصدر إلهام لهنَّ، يغمرني بالسعادة الحقيقية ويعود عليّ بالمردود الإيجابي. 

- شغلك الشاغل هو حقوق المرأة، ماذا حققت في «حملة بلدي»؟
كلما ذكرت «حملة بلدي» ينتابني شعور متناقض ما بين الفرح والحزن. الفرح لنجاح النساء السعوديات في تكوين مؤسسة مجتمع مدني مستقلة بجهود ذاتية، استطاعت أن تتقاطع مع حقوق المرأة، وفي الوقت نفسه تقاطعت مع الدولة  لتحقيق التنمية الإنسانية وتمكين المرأة سياسياً. بدأت الفكرة من خلال مجموعة من السيدات السعوديات (عددهن 10 نساء) يطمحنَ للمشاركة السياسية رغم منعهن من المشاركة في الانتخابات البلدية عام 2005، فحدث نوع من المد والجزر، لكن المدَّ كان كبيراً وتاريخياً في عام 2010 حين أوصل الملك عبدالله (طيّب الله ثراه) المرأة إلى مجلس الشورى، ومنحها الحق في المشاركة في الانتخابات، مما أعطى مؤشرات إيجابية لحقوق المرأة. أما الحزن فهو لتعثر مواصلة الحصول على بقية الحقوق المدنية للمرأة، لكن علينا الاعتراف بأن حصول المرأة على حقوقها واستقلاليتها  يتطلب جهداً كبيراً في مجتمعنا العربي كما هو الحال في كل المجتمعات.

- رغم العقبات التي واجهت المرأة فازت في الانتخابات...
التغيرات الاجتماعية تستغرق وقتاً طويلاً، خاصة ما كان مرتبطاً بإرث مجتمعي ثقيل من العادات والتقاليد، لأن المؤسسة الاجتماعية لن تتغير، ومع كل المعوقات خاضت المرأة معركة الانتخابات وفازت بنسبة فاقت التوقعات. وأذكر على سبيل المثال السيدة رشا حفظي التي فازت في انتخابات جدة وتركت بصمة إيجابية في تاريخ المرأة السعودية، رغم الضغوط الاجتماعية التي مُورست عليها.

- هل كانت المرأة السعودية مؤهلة ثقافياً لخوض تلك التجربة؟
ثقافة الانتخابات لم تحدث بين ليلة وضحاها، والتأهل للانتخابات لم يأتِ من فراغ، فيجب أن تسبقه تجربة، وما على المرأة إلاّ أن تخوض تلك التجربة لتطوّر ثقافتها، فإن لم تشارك في المجتمع وتدخل المحافل الاجتماعية والثقافية والصناعية، فكيف ستكتسب ثقافة الانتخاب؟ وبالتالي تؤهّل بقوة للمشاركة في الانتخابات، فالتجربة الأولى ستكون داعمة للتجربة الثانية والثالثة وهكذا دواليك، في مجتمع ناشئ كمجتمعنا الذي ما زال يحبو في ثقافة الانتخابات. لذلك لا نستطيع الوصول إلى الضفة إلا بعد عبور النهر، ونحتاج  الى القفز تماشياً مع سرعة العالم حولنا.

- مع العلم أن الآمال كانت معلقة على فوز المرأة في الانتخابات؟
أرى أن المرأة أكثر التصاقاً بقضايا البلدية من الرجل، لأنها هي التي تدير شؤون البيت وتتحمل مسؤولية أطفالها، وبالتالي تهتم بوضع الحي والشارع الذي تقطن فيه، والحديقة التي يلعب فيها أولادها... وغيرها من الأمور المتعلقة بالبلدية. وإذا أردنا تسمية الأمور بأسمائها، نجد أن للمرأة علاقة بكل قضية في المجتمع من النفط إلى الكهرباء إلى المياه إلى البيئة، مما يجعلها أكثر قدرة من الرجل على التأثير والتأثر بمتطلبات البلدية والمجتمع.

- هل حققت المرأة ما تصبو إليه؟
حتى لا أكون متشائمة، أقول إن المرأة حققت خطوة واحدة من أصل 99 خطوة.

- تشددين على التعليم لاعتباره حجر الزاوية في منظومة إصلاح الفكر، هل تحقق ذلك لكل أبناء المجتمع وبناته؟
التعليم جزء من ثقافة المجتمع. الطلبة والمعلمون وقود التعليم، وبالتالي هم نتاج لثقافة المجتمع. إذا استطعنا أن نقدم بعض المرونة للمؤسسات التعليمية كي تمارس مهامها باستقلالية بعيداً عن سياسة العصا والتلقين، نكون قد خدمنا التعليم والمعلم والطالب، فهم أساس مستقبلنا وتطور مجتمعنا. أرفض المركزية في المؤسسات التعليمية، وأُعارض فكرة أن يُسلَب المعلم القدرة على اختيار الطريقة التي يُعلّم بها، أو يُفْرَض عليه إنهاء المنهج كتحصيل حاصل... فالمعلم هو المحرك الأساس للفكر، والرافعة التي تنقل الطالب خارج أسوار الاستعباد الفكري والعاطفي والنفسي.

- تطوير التعليم من أولوياتكِ، وقد أشرت في أكثر من محفل الى أنه المنفذ الوحيد للخروج من أزمة الأمة والأفراد، لماذا يراوح التعليم مكانه ولم يتغير التلقين؟
هذا السؤال يأخذني الى أفضل كتابين في التعليم  للدكتور أحمد العيسى وزير التعليم في المملكة العربية السعودية حالياً، وقد كتبهما قبل أن يصبح وزيراً، وتمثل طروحاته  آمالاً وطموحاتٍ لإصلاح مؤسسات التعليم العام والعالي. وأرجو أن يتمكن العيسى من تطبيق رؤيته كما فصّلها في الكتابين. فإصلاح التعليم يحتاج الى الجرأة في معالجة ثلاثة عوامل أساسية تحدد مقدرتنا على مواجهة التحديات:
أولاً: تجاوز مرحلة الخوف من التجديد والتحديث، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نخشى تعلم اللغات والفن والموسيقى توجساً من المعارضة، في وقت تكرست فيه ثقافة لا تخدم تطوير النظرة الإنسانية الى الاختلاف، أو تساعد في تكوين السلوكيات الأخلاقية السليمة، مما يترك انعكاسات خطيرة على الأفراد والمجتمع.
ثانياً: ترهُّل الإدارة التربوية. إذ تحتاج إلى أن المضي قدماً بعيداً عن البيروقراطية والمركزية والفساد والتسلط على أهم ركائز التعليم من معلمين وطلاب ومناهج.
ثالثاً: غياب الرؤية السياسية. في ظل غياب إرادة حاسمة لتحديد رؤية استراتيجية واضحة لمسيرة التعليم في مجتمعنا سنظل ندور في حلقة مفرغة محاولين تطوير التعليم بينما نقوم في الحقيقة بـ«ترقيع» هنا أو هناك ونعود من ثم الى النقطة التي انطلقنا منها. نحتاج أن نتجاوز القيود الثقافية والإدارية التي تكبّل التعليم، على سبيل المثال علينا تجاوز الأصوات التي تقيد حرية الطالب في البحث والتفكير النقدي ليصبح قادراً على الإبداع.

- تنادين بالقراءة الواعية وتغيير واقع التعليم للخروج بأفكارٍ جديدة ترفد التنمية وتساهم في إصلاح الأنظمة وتطوير الفكر، لكن أي نوع من القراءات؟
القراءة النقدية الحرة التي تنمّي الفكر والذوق الأدبي وتحث الطالب على الإبداع، فهناك القراءات البيئية والمجتمعية والصورية للمرحلة الابتدائية، وربما تكون من خلال رحلة حيث يستطيع الطالب أن ينال المعرفة ويكتسب الخبرة ويخرج من عنق الزجاجة التي تمثلها بيئة الفصل الدراسي المغلق والكتاب المدرسي المحدود.

- الصحة أمن قومي كما التعليم، ما المشاكل التي تواجه القطاع الصحي؟
الصحة توازي التعليم، إن لم تكن أعلى مرتبةً منه، فالعقل السليم في الجسم السليم. ينطبق على وزارة الصحة ما ينطبق على كل الوزارات من حيث الترهل الإداري والفساد، لذلك فإن مجرد تغيير الوزراء لن يحلّ المشكلة، بل نحتاج إلى تغيير المنظومة الصحية وإعطاء صلاحية كاملة للإدارات الطبية كي يساهم الجميع في عملية التطوير.

- بعد توقف البعثات والمنح الدراسية، هل هناك طاقة استيعابية في جامعات المملكة الحكومية؟
أتمنى أن يكون جوابي مبنياً على حقائق، لكن الحقيقة الواضحة للعيان أن مجتمعنا فتيٌ، 70% منه شباب، فإلى أين ستذهب تلك الملايين إن تخرجت في الجامعات الحكومية؟ تلك هي المشكلة، والحل يكون بعدم السير في الخط المستقيم، والخروج من «الصندوق» والتفكير المنطقي لإيجاد مسارات مختلفة للشباب والتعليم. نحتاج الى المواءمة بين مؤسسات التعليم واحتياجات سوق العمل. على سبيل المثال، الاستثمار الجيد في مؤسسات التعليم المهني والتقني. لدينا مثل هذا التوجه، لكن مخرجات المؤسسة العامة للتعليم المهني والفني ليست على المستوى المطلوب، لذلك أرى أهمية تطوير هذه المؤسسة ورفدها بتخصصات وطاقات تدعم توجهات الشباب واحتياجات المجتمع، كمثال تطوير مفهوم التعليم الذي ينتهي بالعمل، حيث ينخرط الطالب من المرحلة الابتدائية في تعليم يناسب قدراته وطموحه واهتماماته حتى لو كان ذلك خارج إطار التعليم التقليدي، مثلاً أن يدرس الطالب التصوير أو الإخراج أو الرياضة أو التمثيل أو الفن التشكيلي ليبدع فيه منذ بداية مرحلة الدراسة وحتى الثانوية العامة، ومن ثم ينتقل الى معهد فني أو تقني ويتخرج ويحصل على شهادة تخصص في المجال الذي يناسب طموحاته. لذا، على مجتمعنا أن يفكر خارج الصندوق أسوة بالدول الصناعية في العالم.

- قضايا الشباب تهمك، ما الذي يشغل بالك وأنت عضو في النادي الأدبي؟
ما يشغل بالي ذاك الإحباط الذي يمر به الشباب، كونهم لا يؤمنون بالأفكار النخبوية. قمت شخصياً في نادي جدة الأدبي بالتركيز على برامج شبابية تحت عنوان «طاقات»، وهو برنامج موجه لتنمية قدرات الشباب في المجالات الإبداعية المختلفة من كتابة القصة والرواية والشعر والنقد. أطلقنا ورشات ثقافية، ونشاطات فنية بما في ذلك تعلم العزف على الآلات الموسيقية. مع الأسف لم يستطع النادي الاستمرار في تلك الأنشطة الشبابية. 

- في اثنينية خوجة كُرِّمتِ بحضور نوْعي من المهتمين بالتعليم والثقافة نظراً لمساهماتك التعليمية والثقافية، ماذا أضاف إليك هذا التكريم؟
أعتبره استراحة المحارب، ولست ممن يبحثون عن الأضواء، لأن التعليم رسالة وقضية، لكن وجود عدد كبير من المهتمين والمهتمات بالتعليم أشعرني بقيمة الرسالة التعليمية وأهميتها، ووجدت أن ذلك كان تكريماً للعلم ومن ثمَّ لكل المهتمين به.

-  ما الذي يشدّك الى الترجمة؟
الترجمة تفتح لي آفاق الحوار بين الثقافات، وتجعلني أطّلع على ثقافة الآخر وأتقبله بصدر رحب.

- أشرتِ في بعض تصريحاتك الى أن لا حياة سياسية بدون وجود المرأة الفعلي فيها... هي بعيدة.
في الحقيقة هي بعيدة بعداً شاسعاً، نتمنى أن يكون للمرأة مقعد أكثر اتساعاً في الرؤية 2030 وأن تصبح مشاركة في كل مجال تختاره هي، بما في ذلك المجال السياسي.

- في 2030 تتوقع الدكتورة أميرة أن تحمل حقيبة وزارية؟
لم تركز رؤية 2030 على المرأة بقدر ما ركزّت على التحول الاقتصادي، لكن بما أن التحول الاقتصادي سيكون مردوده على الجميع، نطمح أن تكون للمرأة مكانة مرموقة في 2030 تأتي من خلال الدائرة الاقتصادية..-

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078