كيلي هوبان في شاليه سويسري: أناقة محافظة لرفاهية حديثة!
عندما نتأمل في أعمال « كيلي هوبان » ، يمكننا وبسهولة أن نلاحظ الحضور الطاغي للتفاصيل المركبة ... فهي في أعمالها تعطي التفاصيل دور البطولة، وربما من منظور أكثر دقة، نجد أنها تمنحها أيضاً الحرية الكاملة لكتابة السيناريو الذي يليق بها .
بالطبع كل هذه المسألة تتم بكثير من الموهبة والخبرة والمهارة، بمعنى أنها في النهاية تُخضع كل عناصرها لشروط المشهد، والارتقاء به الى مستوى الإبداع .
في هذا الشاليه الشتوي، لا تخرج «هوبان» عن مسارها الزخرفي، بل هي تؤكده بكل قناعة وأصرار، ترافقها مفرداتها المبتكرة وقيمها الجمالية والعملية الخاصة، حيث تطرح كل مظاهر المحافظة بأسلوب بالغ الحداثة... عملية قد تبدو مستغربة في اللحظة الأولى، ولكنها سرعان ما تتبدّى تقديماتها المميزة كمعيار خاص للأناقة والرفاهية من ناحية، وكتوقيع لا تنقصه الفرادة من ناحية أخرى.
ولكي تتوضح الصورة أكثر، لا بد من القول بأن هذه المهندسة البارعة، استطاعت أن تقدم تعريفاً جديداً للتفاصيل في العملية الزخرفية...
تعريف يتسع لمفردات أكثر مما هو متعارف عليه، فالألوان والإضاءة والطرز والأشكال والخطوط، تتحول في مفهومها اللافت الى تفاصيل تتصل ببعضها في عملية تزاوج أو تناغم أو تجاور أو تلاؤم لتشكل كلاً متكاملاً يمنح تعريفاً جديداً لا تخطئه العين.
ولا تقف المسألة عند هذا الحد، بل تتوسع لتشمل المكان نفسه، وفي أحيان أخرى الزمان أيضاً... وبمعنى أكثر تحديداً، استطاعت «كيلي هوبان» في هذا الشاليه أن تحول العناصر الرئيسة للديكور الى تفاصيل تتشارك في ما بينها برسم مشهدية باهرة تصعب رؤيتها من منظور واحد، ليس لأنها تعتمد على الإبهار من خلال «تشتيت» المحاور البصرية، ولكن لأنها متعددة الأبعاد تحت راية مفهوم صارم.
فقبل أن نطل على منظر الثلوج المتراكمة في الخارج، يمكننا التأكد من طبيعة المكان والزمان ونحن في الداخل. فالدفء الذي تنشره أجواء الداخل، لا يقتصر مصدره على الألوان الرزينة التي تم اختيارها بحساسية فائقة، ولا على الإضاءة التي تبدو حيادية في مشهد تلحفه الحميمية في أدق حيثياته، ولا على الأثاث الوثير بأشكاله الفائضة والتي تحتضن الجالسين وتوفر لهم الراحة والأمان. إن فصل الشتاء بثلوجه البيضاء يعلن عن نفسه داخل الشاليه بنقائض مظاهره وخصائصه.
هذا الشاليه الرائع، والذي يقع في قلب واحد من أفخم منتجعات التزلج السويسرية، شكّل منذ البداية تحدياً غير مسبوق لواحدة من مهندسات الديكور الأكثر شهرة، ليس فقط لأنه كان في الأساس شقتين تم دمجهما في فضاء واحد يشغل الطبقة كلها بمساحة 270 متراً مربعاً، ولكن لأن «كيلي هوبان» واجهت منذ بداية وضع التصور لهذا الشاليه شرطاً صارماً يتلخص في عدم المساس بالهيكل الهندسي للمبنى أو إجراء أي تعديل عليه.
وهكذا كان عليها أن تنجز فضاء عائلياً بالغ الأناقة ومكتمل شروط الرفاهية، وبالتالي تحافظ على سحر الطابع الريفي للشاليه. ومن أجل ذلك، حرصت على استخدام العديد من المواد الطبيعية كالخشب والرخام والكتان... واعتماد أقمشة نبيلة مثل المخمل.
يتمتع الشاليه بمساحة معيشة رحبة يشغلها الصالون وصالة الطعام، المطبخ، أربع غرف نوم مزدوجة، أربع صالات حمام وحمام آخر للضيوف، بالإضافة الى مساحة كبيرة يشغلها المدخل، على أن نقطة القوة الأساسية لهذا الشاليه هي الترّاس الكبير الذي يحيطها مثل عقد، ويطل على البحيرة والجبال المدهشة.
سر الجو الفخم في داخل «ريفي» الهيكل والطابع، يكمن في انتقاء الأثاث والإضاءة والأكسسوارات التي تم اختيارها بدقة وعناية. إن قسماً كبيراً من هذه العناصر يحمل تواقيع علامات تجارية معروفة.
كذلك فإن الترميم الذي طاول عناصر إضاءة الجدران، في صالة المدخل، والثريات المعدنية والمزينة بقطع من الكريستال، أضفت على المكان جواً من الفخامة المميزة، وهنا لا بد من ملاحظة الكونسول الخشبي الضخم والذي تعلوه مرآة بإطار معدني بالغ الأناقة، فهذان العنصران يبدوان وكأنهما ينتميان الى أصالة المكان، وقد ولّدت الأكسسوارات الشفافة المختارة لهما شعوراً بالدهشة التي لا تصل في أي حال الى حد الصدمة.
وفي الصالون وصالة الطعام، لا تبدو الأمور مختلفة، فالأثاث يتميز بأحجام كبيرة تقترب من المبالغة، ولكنها وثيرة الى حد لا يمكن مقارنته بأي أثاث آخر، فالكنبات المغطاة بالكتان الطبيعي والمزروعة بوسائد كثيرة وبأحجام مختلفة تشكل دعوة كريمة الى الراحة وربما الى القيلولة.
والشعور الذي تولّده الكراسي المحيطة بطاولة الطعام الخشبية الداكنة، لا يختلف عن الشعور الذي يولده الأثاث المجاور في الصالون، بل يمكن القول إنه تأكيد لحب الضيافة والكرم.
خطوط المدفأة المقابلة لطاولة الطعام، تبدو بالغة الحداثة مقارنةً بما يحيطها في المكان، غير أن التوازن يتحقق هنا من زخارف المرايا المعلقة على الجدار خلفها، فهذه المرايا بأشكالها المتعامدة يبدو حضورها وكأنه تأكيد لهوية المكان وخصائصه.
غرف النوم لا تختلف في مفهومها الزخرفي عن صالة المدخل والصالون وصالة الطعام، فهي تحتضن أثاثاً رائعاً، من أسرّة وأكسسوارات تابعة وعناصر إضاءة مُحكمة، على أنه لا يمكن تجاوز تلك اللمسات الناعمة والتي تطرّز أجواء هذه الغرف التي لا تتشابه إلا بالأناقة والرفاهية، حيث عمدت «هوبان» الى تبديد الرتابة اللونية، بتوزيع بارع لمساحات محدودة ومدروسة فمنحتها لوناً زاهياً وجميلاً، لكنه لا يخرج على سيناريو الاتزان والرصانة.
وفي صالات الحمام التابعة لغرف النوم، لم تتوانَ «كيلي هوبان» عن استخدام الرخام بوفرة، حيث منح هذه الصالات قيماً جمالية مضافة، هذا فضلاً عما يوفره من أجواء مناسبة لرفاهية مؤكدة.
إن لوحة الألوان التي اختارتها «كيلي» لهذا الشاليه، لا تبتعد كثيراً عن توقيعها، فهي هنا محايدة الى حد كبير، تتراوح بين الأبيض والكريم والبيج والرمادي الداكن والفاتح، على أن إرادتها لابتكار جو حداثي، جعلتها تضيف بعض النغمات الزهرية أو الوردية المتربة أو الزمرد المخضرّ.
ولعل الكلمة الأخيرة في هذا الشاليه، هي للتراس الذي يحتضن مقاعد وثيرة يجلّلها الفرو، وهي تشكل دعوة مفتوحة للجلوس والتمتع بالمناظر المهيبة والتي تحيط بهذا الشاليه المدهش.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024