هوس التصوير يقتحم حياتنا... ونشر الصور يهدد خصوصياتنا
بكبسة زر واحدة، تتيح لك تكنولوجيا التصوير تجميد الزمن والتقاط صورة لما تشاء، إلا أن هذا الانبهار بإتاحة التصوير للجميع لم يخلُ من آثار سلبية، خاصة مع ثورة الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاستخدام المتزايد لها.
«لها» تسأل: «هل أثرت تكنولوجيا التصوير وسهولته في حياتنا الاجتماعية؟ وهل نشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي آمن أم قد يوقع في الخطر؟».
منافسة
مي الفحام، 26 عاماً، تعمل في إحدى شركات التسويق الإلكتروني، وتؤكد أن من الممكن أن يعيد شخص ما استخدام صورها، لذا تتجنب نشر صورها الشخصية على «فايسبوك»، كما ترى أن نشر الصور بكثافة أصبح أشبه بالمباراة، إذ يجد البعض أن صور أصدقائهم قد حظيت بعدد كبير من الإعجابات، فينشرون صورهم بهدف المنافسة.
مي تنتقد اهتمام البعض بالتصوير المكثف لمناسباتهم الاجتماعية؛ فتستحوذ الصور على اهتمام أكبر من التمتع باللحظات السعيدة، وهو ما يجعلهم غير مندمجين شعورياً مع تفاصيل حياتهم الاجتماعية.
في الوقت نفسه، تقدّر مي الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الصور في كشف المخالفين للقانون، وتقول: «يمكن الفتاة أن تصور أحد المتحرشين وتفضحه، ويمكن الأفراد أن يصوروا اعتداءات الخارجين على القانون وهكذا...». ورغم ذلك لا تستطيع أن تلجم خوفها من الاستخدام السيّئ للبعض، كأن يقوموا بتصوير آخرين في غفلة منهم لصنع مادة للسخرية والتندّر.
إيجابيات وسلبيات
رافي شاكر مصور يبلغ من العمر 32 عاماً، بالاستناد الى خبرته الطويلة في مجال «التصوير» يرى أن وسائله وتقنياته قد تطورت كثيراً، إذ أقدم عدد كبير من الناس خلال السنوات الأخيرة على احتراف التصوير، رغبة منهم في توثيق لحظاتهم السعيدة في المناسبات الاجتماعية المختلفة أو لأغراض أخرى... ويضيف: «بات التصوير سهلاً، وأصبح الجميع شغوفين به، فلم يعد شرطاً أن تحمل معدّات باهظة الثمن لتوثيق أجمل اللحظات، إذ يمكنك فعل ذلك من خلال كاميرا الهاتف المحمول».
ويشير رافي الى أن السهولة التي أتاحتها التكنولوجيا لنشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لها عدد من الإيجابيات والسلبيات، فقد تشجع الشباب على توثيق أحداث مهمة أو التقاط صور مميزة ومبدعة وعرضها على الناس، إلا أن كثيرين أساءوا استخدام الفكرة، وبالغوا في نشر تفاصيل حياتهم اليومية، مما أدى إلى اختراق خصوصياتهم... مؤكداً: «شخصياً، أرى أن من الغرابة أن ينشر كل عروسين صور زفافهما الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي».
الصور القديمة
رنا عماد، 24 عاماً، مصورة أفلام وثائقية، لها وجهة نظر مختلفة إذ ترى أن هوس الناس بالتصوير ونشر صورهم يعد جزءاً من الثورة الأخيرة، التي اقتحمت مجال التصوير وأتاحته للجميع، بالتزامن مع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن الناس كانوا يضطرون قديماً إلى استخدام «أفلام» مصنوعة من خامات معينة؛ ثم ينتظرون أياماً حتى يتمكنوا من تحميض الصور، كما يحتاجون إلى مواد كيماوية وغرف مظلمة وأشياء أخرى اختفت الآن... وتضيف: «أهلنا يمتلكون الكثير من ألبومات الصور القديمة التي وثّقت لحظات حياتنا المختلفة، والتي أصبح استرجاعها الآن أمراً ممتعاً. انتشرت الصور منذ الثمانينيات أو قبلها، كل الفرق أنه لم تتوافر لهم السهولة والسرعة اللذان أتاحتهما لنا التكنولوجيا الحديثة، لذا بدا الأمر وكأن جنون التصوير أصاب الأجيال الجديدة فقط».
وترى رنا أن نشر الصور في حد ذاته فكرة جيدة ساعدت على جمع المهتمين بالتصوير، كما أن الصور تنجح في نشر رسائل إيجابية ومعانٍ مختلفة بدون كلمات، رغم أن البعض يسيء استخدامها... وتعلّق: «مثلاً، أجد من ينشر صور قتلى أو مصابين؛ تؤذي من يراها وتدمّر أهالي المنشورة صورهم. هذا تصرف لا إنساني لأنه ينتهك حرمة الإنسان، لذا فإيجابية الأمر أو سلبيته تتوقف على الصور المنشورة».
تعرّضت للسرقة
ريهام حمدي، فتاة عشرينية، تحب أن تنشر صورها برفقة أصدقائها وعائلتها، تقول إنها اكتشفت ذات مرة أن صورها الشخصية التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، تتداولها فتاة أخرى على أنها صورها هي، بعدما سرقتها من حسابها الشخصي، مما جعلها تشعر بأنها مهدّدة بخطر السرقة واختراق الخصوصية بشكل مستمر.
تكشف ريهام موقفاً غريباً صادفته أثناء تصفحها «الفايسبوك»، وتقول: «كانت هناك فتاة في قائمة أصدقائي تعرض وجه والدتها وشعرها للاحتراق، فنشرت صورة أمها وهي بهذا الشكل، وكتبت عليها «ماما اتحرقت»... ذهلت لأنني لم أصدق أن هوس الناس بالتصوير وصل إلى هذا الحد، والأكثر غرابة أنني لم أجد من ينتقدها ويعترض على نشرها الصورة، بل اكتفى المتابعون بتمني الشفاء لوالدتها فقط».
ريهام ترى أن المبالغة في نشر الصور عبر مواقع التواصل يعد نوعاً من الجنون، إذ أصبح كثيرون ينشرون أدق تفاصيل يومياتهم، مما أضرّ بحياتهم الخاصّة.
في المطبخ
سارة ممدوح، 25 عاماً، تحب نشر صورها على «فايسبوك» و»إنستغرام»، لكنها ترى أن سهولة التصوير يجب ألا تمنع الإنسان من التمتع بالعقلانية في اختيار الصور التي ينشرها، خاصة أنه يمكن أي شخص مجهول أن يراها... وتضيف: «أتعجب كثيراً من السيدات اللواتي يقفن في المطبخ مثلاً ويصورن أنفسهن لحظة إعداد الطعام أو في غرفهن، يجب ألا يخترق الناس حياتنا إلى هذه الدرجة».
على عكس بعض الفتيات، لا تشعر سارة بالخطر من نشر صورها على مواقع التواصل، فليس هناك الآن من يحتاج إلى سرقة الصور في عصر التكنولوجيا الحديثة... وتعلّق: «باختصار، سهولة التصوير ميزة في أوقات، وعيب في أوقات أخرى، أي يجب استخدامه للاحتفاظ بلحظاتنا الحلوة وليس لنشر تفاصيل حياتنا».
استعراض واستفزاز
الدكتورة جيهان النمرسي، أستاذة علم النفس في جامعة الأزهر ومستشارة العلاقات الأسرية، تقول إن تكنولوجيا التصوير استحوذت على أكثر من 70 في المئة من حياة الأفراد، وبالتالي أدمنوا استخدامها، في وقت شغلت مواقع التواصل الاجتماعي تفكيرهم؛ وأصبحت «الصورة» أهم طرق التواصل في ما بينهم، خاصة بعد السهولة في التصوير التي أتاحتها التكنولوجيا للجميع.
وتوضح د. النمرسي أن المجتمع أُصيب بنوع من الجنون؛ دفع عدداً كبيراً من أفراده إلى نشر الصور التي توثّق حياتهم الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يعود عليهم بأضرار اجتماعية ونفسية كبيرة... مؤكدةً: «نشر الصور بهذه الصيغة التفصيلية، وتعرية حياة الإنسان، يشبهان الشخص الذي يتوجّه إلى محطة مواصلات عامة ليقابل بشراً لا يعرفهم، ويقول لهم: «انظروا هذه صورتي وأنا أتناول الطعام، وهذه صورة سيارتي الجديدة، وهذه صور أطفالي... فيتهمونه بالطبع بالجنون»، فالأمر أصبح هوساً استفزازياً واستعراضياً».
وترى أستاذة علم النفس أن البعض قد يلجأ الى نشر الصور بشكل مكثف واستعراضي لإحاطة نفسه بهالة اجتماعية معينة يفتقدها في واقعه، وهي تطالب بضرورة وضع حد لسيطرة العوالم الافتراضية على حياة الإنسان، والاهتمام بالمشاركة الحقيقية على أرض الواقع، والبحث عن التواصل الاجتماعي المفقود بين أفراد العائلة الواحدة.
وتحذّر النمرسي من أن هناك خطراً على الفتيات تحديداً من نشر صورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ من الممكن أن يعيد مجهولون تركيبها في أوضاع غير أخلاقية ويهددونهن بها، مطالبة بتحجيم نشر الصور وعدم استخدامها كأسلوب حياة للتعبير عن حالاتنا النفسية.
الاستخدام المفرط
أما الدكتورة إيناس الهياتمي، اختصاصية نفسية وتربوية، فتؤكد أن قيام الشباب بالتصوير المفرط ونشر الصور، انعكاس لرغبات مكبوتة يريدون التنفيس عنها، وهو بالتالي بحث عن وسيلة للتعبير.
وتتابع أنها تهتم دائماً بعقد ندوات تثقيفية للتلامذة في المدارس لتوعيتهم بالاستخدام الأمثل والمحدّد للتكنولوجيا، والذي يتعلّق جزء مهم منه بالصورة، إذ لاحظت أن بعضهم يقوم بتصوير زملائه بأوضاع غير لائقة من خلال هواتفهم المحمولة، ومن ثم ينشرونها كنوع من الدعابة العبثية، فيما صوّر تلامذة آخرون المدرّسين من دون علمهم ونشروا صورهم.
وتختتم د. الهياتمي حديثها بالقول: «يقوم المراهقون بذلك كنوع من التقليد لرفاقهم، لكنهم لا يمتلكون الوعي الكافي بأضرار ذلك، فنشر صور الحياة الخاصة على مرأى من الجميع قد يؤدي الى استغلالها، لذا لا بد من أن يقوم الوالدان بدورهما الرقابي على الأبناء المراهقين لحمايتهم».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024